“وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق
من ربك فيؤمنوا به فتخبت به قلوبهم وان الله لهاد الذين آمنوا الى صراط
مستقيم…..الساعة بغتة او يأتيهم عذاب يوم كبير“
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] من الأسئلة المتكررة في عقولنا هي ما ترتبط
بالفتن والابتلاءات في دار الدنيا، ما هي الحكمة من وجودها؟ لماذا نبتلى
نحن الناس في الدنيا؟ او ليس الله قد وعد بأن يتم علينا حجته ويهدينا
صراطاً مستقيما؟ فلماذا نجد ان هناك الكثير من المذاهب والافكار المنحرفة
متلبسة لباس الدين والتقوى وتخدع الناس بها؟ فأين وعد الله لهؤلاء؟
من جانب اخر لماذا حرفّت الديانات الالهية كالمسيحية واليهودية من مسارها الصحيح، لماذا..؟ لماذا..؟
بعبارة واحدة:
لماذا الفتنة؟كل واحد منا حينما يسمع هذه الكلمة انما
يتبادر اليه كل سيء و شر و اسود، الا اننا حينما نتدبر في هذه السلسلة من
الايات في سورة الحج و ايات مشابهة اخرى في القران كالاية الثانية من سورة
العنكبوت، نرى ان القران الكريم لا ينظر الى هذه الكلمة نظرة سلبية بل على
العكس تماماً يجعلها في مصاف كل خير وحق ونقاء.
فالله سبحانه وتعالى يقول: “
وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت به قلوبهم وان الله لهاد الذين آمنوا الى صراط مستقيم“
فكأن الفتنة – وهي متمثلة هنا في قضية
التحريف في الاديان الالهية- خير للمؤمنين وهي الهادية لصراط مستقيم. وايضا
في سورة النور بعد قضية افك – وهي اتهام مارية القبطية بالفاحشة – ربنا
سبحانه وتعالى يقول: “
ان الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم، لا تحسبوه شرٌ لكم بل هو خير لكم“
لنعود الى تساؤلنا الاول:
لماذا الفتنة ؟اقول ان هناك هدفين اساسيين استفيدهما من ايات القران وهذه الاية بالتحديد في الاجابة على هذا السؤال.
اولاً: لو لا وجود الفتنة – وهنا اقصدها في
مجال الفكر- لكان الانسان يؤاخذ بكل معصية اخذا شديدا، فلولا ان الانسان
قد افتتن بالوساوس الشيطانية لكانت اخطاءه تعاقب بصورة فورية وجازمة. لكن
مادام هناك ابتلاء و مادامت الامور لم تتضح كليا – عبر الوساوس والتمنيات
الشيطانية او عبر الشبهات الفكرية – سيكون خطأ الانسان ممهولا عند الله.
ألا ترى ان ثمود حينما طلبوا من النبي صالح ان يتم عليهم الحجة بمعجزة
عظيمة في ان يلد الجبل ناقة، و فعل فأتمت الحجة عليهم، فبمجرد أن كان
العصيان كان العذاب الاليم. فكما نقرأ في سورة الشمس (
فكذبوه ، فعقروها ، فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها)
وهنا نجد استخدام القران الكريم لحروف العطف الدال على تتابع الاحداث بلا
فاصلة زمنية ملحوظة. وهو كقول البحتري في قصيدته المعروفة التي نرى فيها
استخدام جميل لحروف العطف الدالة على التتابع الزمني (والتي تحكي صراعه مع
ذئب في الصحراء):
عوى ثم اقعى ، فارتجزت ، فهجته ** فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد
فهؤلاء بمجرد تكذيبهم للحجة الالهية الدامغة كان مصيرهم الى الدمار فبمجرد أن (
كذبوه) و (
عقروها) (
دمدم عليهم ربهم).
ثانياً: الفتنة تسبب في معرفة الانسان نفسه.
فما دام الانسان مسالما لا يعرف قدرته في
مواجهة العدو في الحرب، وما دام الانسان لم يشارك في سباق لن يعرف قدرته
على العدو، وما دامه لم يمتحن نفسه في الكتابة لا يمكن ان يعرف قدراته
الكتابية وهكذا. فالانسان يمتلك من القدرات ما لا يمكن احصاؤها، فالمشاكل
والابتلاءات والفتن تخرج للانسان هذه الامكانيات والطاقات التي لم يكن قد
انتبه اليها سابقا.
كذلك الأمر بالنسبة الى الاخرة، فلا يعرف الانسان درجة ايمانه وصدقه الا عند الشدائد والمهمات (يمكنك مراجعة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، او لم يقل ربنا سبحانه في سورة العنكبوت (
افحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون)
فهنا تكون الفتنة مؤشرا لك عن درجة ايمانك. فبمقدار وقوفك في الفتنة تكن
صادقا والا فلا، يمكن ان تكون صادقا ويمكن ان تكون ممن قال عنهم الامام ابي
عبد الله الحسين عليه السلام في كلمته المعروفة (
الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على السنتهم ، يدورونه ما درت معايشهم، فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون)
فعند المشاكل والابتلاءات والفتن تعرف نفسك
و تتعرف على نقاط ضعفك وقوتك، ايمانيا واخلاقيا وربانيا، فتقويها و تهذبها
وتشذبها للقاء الله.
كذلك يمكنك عبرها وعبر مواقف الناس منها ان
تحدد الناس، مدى ايمانهم ومدى اخلاصهم ومدى تقواهم. ففي حادثة كربلاء كانت
كربلاء الحد الفاصل بين المسلمين وبين المستسلمين، بين من امن خوفا من
الله و بين من امن طمعا في الدنيا، كما يقول اية الله السيد هادي المدرسي.
كذلك كل الفتن ، تفصل بين الناس في الدنيا فتعرفهم بها، فكما يقول الله سبحانه في هذه الايات (
ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم) ومن جانب اخر (
وليعلم الذين اوتو العلم انه الحق من ربهم فيؤمنوا به)
تطبيق عمليكما قلنا ونقول نحاول في هذه السلسلة ان
نسلط الضوء على بعض التطبيقات العملية للايات القرانية على واقعنا، فاليوم
يعج العالم بالفتن والابتلاءات، اذا أردت ان تعرف نفسك اعرف موقفك منها، و
من ثم جد السبب التي جعلك تتخذ هذا الموقف، ثم حاول ان تجد الموقف الصائب
فقيم نفسك: هل وقفت موقفا صحيحا؟ ام وقفت موقفا على قواعد باطلة؟ قيم نفسك
ثم اصلحها.
فمن قضايا ايران النووية والصراع بينها
وبين الغرب، ومن قضايا اسرائيل وفلسطين، وقضايا بلدك و وطنك، الفتن
السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كل ذلك اجعله سبيلا لكي تكون انجح في
الدنيا واقرب الى الله سبحانه في الاخرة.
فلا نتشائم ابداً من الفتن والمشاكل و حتى
الصعبة منها، خصوصاً اذا عرفنا ان الفتنة لغة تعني تطهير الذهب من الشوائب
المحيطة به، فأنت ايضا يمكن ان تكون ذهباً مغطى بالكثير من الرواسب، فالفتن
تصيغك و تصقلك وتطهرك حتى تكون كما ارادك الله، عسجداً لامعا!