وجنة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد قمنا بأنشاء منتدى جديد و نتمى وجودك معنا
و تساهم فى تقدمه
و يكون ساحة مناسبة لطرح افكارك و موضوعاتك
نتمنى زيارتك لنا و يشرفنا اشتراكك معنا
لك تحياتى

منتدى وجنة
https://wagna.ahlamontada.net

وجنة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد قمنا بأنشاء منتدى جديد و نتمى وجودك معنا
و تساهم فى تقدمه
و يكون ساحة مناسبة لطرح افكارك و موضوعاتك
نتمنى زيارتك لنا و يشرفنا اشتراكك معنا
لك تحياتى

منتدى وجنة
https://wagna.ahlamontada.net

وجنة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وجنة

الرياده .. التميز .. التفوق
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
منتدى وجنة   : إسلامى ... ثقافى .. إجتماعى .. شبابى .. الخواطر  ... القصص ... الغرائب  .... الطرائف .... الأخبار المتجددة .. الحوارات المميزة    

منتدى وجنة .... سحر الكلمات .. همس القلوب .. تحاور العقول .. الأخوه و الصداقة .. الإبداع و التجدد المستمر ... أخر عضو مسجل معنا ( Hazem Hazem) مرحبا به معنا


 

 تابع الجزء الاول من الكتاب 6

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
hima
مشرف الكمبيوتر و الإنترنت و برامج الحماية
مشرف الكمبيوتر و الإنترنت و برامج الحماية
hima


العمل/الترفيه : خريج تربية رياضية المنصوره اعمل بالاردن
رقم العضوية : 215
تاريخ التسجيل : 14/02/2010
عدد المساهمات : 1290

تابع الجزء الاول من الكتاب 6 Empty
مُساهمةموضوع: تابع الجزء الاول من الكتاب 6   تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالخميس 4 مارس 2010 - 19:51

بعد أن تحدث الشيخ رحمه الله عن أهل الصفة وما يتعلق بهم ، وأصنافهم ؛ ولأن الصوفية يستخدمون ألفاظاً عدة يظنون أن الأحاديث قد وردت بها ، بيّن الشيخ كذب هذه الأحاديث وأنها مختلقة فقال (وأما الأنصار فلم يكونوا من أهل الصفة وكذلك أكابر المهاجرين كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وأبي عبيدة وغيرهم لم يكونوا من أهل الصفة. وقد روى أنه بها غلام للمغيرة بن شعبة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا واحد من السبعة. وهذا الحديث كذب باتفاق أهل العلم وإن كان قد رواه أبو نعيم في الحِلْيَة، وكذا كل حديث يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة الأولياء والأبدال والنقباء والنجباء والأوتاد والأقطاب مثل أربعة أو سبعة أو انثي عشر أو أربعين أو سبعين أو ثلاثمائة أو ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو القطب الواحد، فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال، وروى فيهم حديث أنهم أربعون رجلا وانهم بالشام وهو في المسند من حديث علي كرم الله وجهه وهو حديث منقطع ليس بثابت ومعلوم أن عليا ومن معه من الصحابة كانوا أفضل من معاوية ومن معه بالشام، فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي. وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق» وهؤلاء المارقون هم الخوارج الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة علي فقتلهم علي بن أبي طالب وأصحابُه، فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي بن أبي طالب أولى بالحق من معاوية وأصحابه، وكيف يكون الأبدال في أدنى العسكرين دون أعلاهما. وكذلك ما يرويه بعضهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أنشد منشد:
قد لسعت حية الهوى كبدي فلا طبيب لها ولا راقِ
(5/Cool
إلا الحبيب الذي شُغفت به فعنده رقيتي وترياقي
وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تواجد حتى سقطت البردة عن منكبه، فإنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وأكذب منه ما يرويه بعضهم أنه مزق ثوبه، وأن جبريل أخذ قطعة منه فعلقها على العرش، فهذا وأمثاله مما يعرف أهل العلم والمعرفة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه من أظهر الأحايث كذبا عليه - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك ما يروونه عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يتحدثان وكنت بينهما كالزنجي، وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث. والمقصود هنا أنه فيمن يقر برسالته العامة في الظاهر ومن يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك فيكون منافقا وهو يدَّعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إما عنادا، وإما جهلا )(1) .
__________
(1) - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان . ص 13- 15 .
(5/9)
فهذا الاعتقاد في جهّال المسلمين من قديم ، الاعتقاد في الصوفية وفي الفقراء وربما أنهم فعلوا أشياء خارجة عن الشريعة ويبقون على وَلايتهم، كما ذكر الشيخ( محمد بن عبد الوهاب ) رحمه الله في النواقض –نواقض الإسلام-(1) أن من النواقض أحد من الخلق أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى. هؤلاء الجهال يعتقدون في المجانين و يعتقدون في الفقراء و يعتقدون في الشياطين، وربما جعلوهم أقطابا أو جعلوهم أوتادا أو جعلوهم أبدالاً أو جعلوهم نجباء إلى آخره، فتجدهم يقولون مثلا الغوث الأكبر واحد، وكل غوث له أقطاب أربعة في الأرض، لكلّ واحد منهم قسم من الأرض، ولكل واحد من هذه الأربعة سبعة، ولكل واحد من هذه السبعة أربعون، فلن تصل إلى الغوث إلا عن هذه الطريقة. وصنفت المصنفات في ذلك في ذكر الأربعين ولي في مصر، أو الأربعين وتد في المغرب، هذه مصنفات موجودة، عندهم أن الأربعين هؤلاء يرفعون إلى السبعة، والسبعة يرفعون إلى الأربعة، والأربعة يرفعون إلى الغوث، والغوث يطلب من الله جل جلاله، فهؤلاء إذا تأملت أسماءهم وتراجمهم وهي موجودة وجدت أنه كما ذكر شيخ الإسلام أنهم من المنافقين، أو من المجانين، فلا يصح أن يكونوا أولياء فضلا أن يكونوا من سادة الأولياء أو من المقدمين. وهذه الألفاظ أقطاب، أبدال، نجباء إلى آخره، الغوث، كلها لم ترد في الكتاب والسنة، وإنما جاء لفظ الأبدال في بعض الأحاديث، وإنْ كان في إسنادها شيء، ومن حسنها فالمعنى واضح؛ فإنّ الأبدال هم الذين يأتي طائفة منهم بدل من قبلكم أبدال بمعني أنهم يبدلون بغيرهم ويبدل غيرهم بهم، وهذا كما قال عليه الصلاة والسلام «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر
__________
(1) - رسالة " نواقض الإسلام" للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة (1206هـ) رحمه الله تعالى اشتملت على عشرة نواقض تخرج من الاسلام .
(5/10)
الله»(1).
ويرى الشيخ رحمه الله أن (من اعتقد أن لأحد من الأولياء طريقا إلى الله من غير متابعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهو كافر من أولياء الشيطان )(2) .
__________
(1) صحيح البخاري ، كتاب : المناقب . باب : سؤال المشركين الرسول صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاقا القمر ح 3441.
ورواه مسلم : باب قوله صلى الله عليه وسلم (لا تزال ظائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم) بألفاظ عدة .
(2) - الفرقان 17 .
(5/11)
ويرى أن (وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات، إذْ لم يكونوا متبعين الرسل فلابد أن يكذبوا وتُكَذِبُهم شياطينهم، ولابد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة، ولهذا تنزلت عليهم الشياطين واقترنت بهم فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن )(1) وهذا الكلام يريد به شيخ الإسلام رحمه الله بيان أنّ الطوائف من المسلمين الذين ادعوا الولاية، أُدعي فيهم أنهم أولياء وعُظِّموا بسبب ذلك، هؤلاء، إنْ كان سبب وَلايتهم أنهم متبعون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ظاهرا وباطنا مؤمنون به يحكمون لشريعته في أنفسهم، فهذا ظاهر لأنهم من أولياء الله، وأما إنْ كان سبب إطلاق الولاية عليه بهم أنهم زهاد عباد وأنهم متنزهون عن كثير من الدنيا، وأنهم مقبلون على أمر آخرتهم، وفيهم مكاشفات وإخبار بغيبيات، ويحصل لهم خوارق عادات، فإنَّ هذا القدْر يحصل أيضا لكثير من المتزهدة ، ومن له بعض فلسفة ، وعلم من الذين داووا نفوسهم وباطنهم من غير هذه الأمة، فذكر أمثلة من التُّرك يعني الروس الآن وإلى تركستان وما حولها، ومن الهند ومن خراسان، وكذلك من اليونان، هؤلاء فيهم أناس نُقل من نَقل المستفيض أنه يحصلهم خوارق عادات، وأن عندهم زهد وعبادة وغير ذلك، فإن كان-شيخ الإسلام هنا كأنه يتنزل ويناظر- مدار الوَلاية وإطلاق اسم الولي على من عنده زهد وعبادة أو خوارق عادات فأولئك أيضا كذلك، لكن هم كفار بالإجماع؛ لأن متعبدة اليهود، زهاد النصارى قد يكون لهم بكاء من خشية الله وقد يكون عندهم خوارق عادات، وكذلك زهاد ومتعبدة الهند والترك والفرس واليونان وغيره ، هؤلاء كفار بالإجماع؛ لأنهم لم يتبعوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا مسلمين ظاهرا وباطنا. فإذن ما الفرق في الحال بين هؤلاء الذين أُدعي فيهم الولاية وادعوا الخروج عن شريعة محمد -
__________
(1) - السابق 18 .
(5/12)
صلى الله عليه وسلم - وأولئك؟ فإذا قيل إن عندهم خوارق عادات، فنقول إن خوارق العادة ليس هو الكرامة، فالذي يؤتي الله جل وعلا الأولياء هي الكرامات، وأما الخوارق فإنها تجري للسحرة، وتجري للكهنة، وتجري للشياطين وغير ذلك، فحصول الخارق للعادة ليس برهانا على أنّ من حصل له ولي من أولياء الله، خارق للعادة مثل يخبرك بها في نفسك، مثل أن يجري شيئا غريبا، مثل أن ينتقل من مكان إلى مكان بسرعة عجيبة، مثل أن يَحْضُر شيء من الأطعمة ليست في أوانها.
هذه نحصل للسحرة وتحصل للكهنة وتحصل للمشعوذين فالخارق للعادة أمر يشترك بين الأنبياء والرسل، وما بين الأولياء وما بين المشعوذون والكهنة والسحرة والبطّالون:
فإن كان الخارق للعادة أوتي نبيا فيُسمى آية وبرهانا.
وإن كان الخارق للعادة أوتي عبدا صالحا تبعا لنبي فيسمى كرامة للوليِّ.
وإن كان الخارق للعادة أوتي مستكبرا على الأنبياء أو مبتدعا أو فاجرا أو كافرا فإنّه يُسمى مخاريق شيطانية أو من مساعدة الشياطين.
فإذن ليس العبرة في خرق العادة. ولهذا تعرّف الكرامة التي تكون للأولياء بأن الكرامة أمر خارق للعادة يرى على يدي ولي، وآية النبي أمر خارق لعادة الجن والإنس، يرى على يدي نبي، والعادة التي تُخرق لفظها غير منضبط؛ لأنهم قالوا خارق للعادة. العادة هذه عادة من؟ هذا الوصف غير منضبط لأنه خارق للعادة ، لهذا عند التحقيق يكون ثَم تفصيل:
فالعادة التي تُخرق للرسل والأنبياء آية وبرهان، فتكون العادة هي عادة الجن والإنس عادة الثقلين، قد دل على هذا قوله تعالى?قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا?[الإسراء:88].
(5/13)
وأما الكرامة فهي خارق لعادة الإنس الذين فيهم ذلك الولي، قد يكون في مكان آخر لا تخرق العادة، لكنه يكرم بهذا مثل طعام يؤتاه في فصل الصيف وهو من طعام الشتاء، في مكان أخر من الأرض يكون ثَم شتاء في وقت هذا الصيف فيكون طعامهم طعام الشتاء، فيكون إذن العادة في حق الولي عادة الإنس الذين فيهم ذلك الولي، وقد يكون الإنس بعامة مثل المشي على الماء، أو الطيران في الهواء أو غير ذلك، لكن هذا يختلف باختلاف الأزمنة، فمثلا إذا مشى على الماء؛ الماء صار له يابسا ومشى عليه، اليوم ممكن أنه يقوم ببعض المعالجات الماء يكون يابس ويُمشي عليه، كذلك الطيران في الهواء كرامة، اليوم اختلف الوضع ، صار البر والفاجر يطير في الهواء بوسائل أحدثت، فإذن خرق العادة بالنسبة للولي قيده أن تكون عادة الناس في زمنه، أو عادة جنسه الذين يعيش فيهم.
أما خرق العادة بالنسبة الشياطين: الكهنة والسحرة فهم يأتون بأمور خارقة للعادة ولكنها عادة من ليس منهم، فالساحر يخرِق عادة من ليس بساحر، والكاهن يخرق عادة من ليس بكاهن.
المقصود من هذا بيان التفصيل في هذه الكلمة المجملة وهي خرق العادة، وأنّ ما آتاه الله جل وعلا للأنبياء والرسل خوارق للعادات، ولكن عادة كذا وكذا، وما آتاه الله جل وعلا الأولياء خارق للعادة من الكرامات ولكن عادة كذا وكذا، وأما مخاريق السحرة والكهنة فهي خارق للعادة من ليس من السحرة والكهنة، ولهذا لما أتى الله جل وعلا بآية موسى بطَلَت مكايد السحرة وما فعلوا؛ لأن ذلك الذي أعطاه جل وعلا موسى فوق ما تخرق الشياطين وتخبر به الجن أو يفعله السحرة والكهنة.
(5/14)
كل هذا لأجل تقرير الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، إذن كون الشيء يحصل خارقا للعادة المعتادة لا يدلّ على أن من حصل له وليا، يخبر بما في نفسه أو يخبر بأمر غائب، أو يأتيه شيء غريب في وقت غريب، أو يحصل له نوع أشياء وانتقالات، أو يسّر له أمور ونحو ذلك لا يدل على أنه ولي حتى يكون مؤمنا تقيا، لأن الخوارق قد تحصل من جهة الشياطين وحزبه(1) .
حكم من أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض :
قال الشيخ رحمه الله ( فعلى هذا فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ولا يجتنب المحارم، بل قد يأتي بما يناقض ذلك،لم يكن لأحد أن يقول هذا ولي لله ، فإن هذا إن لم يكن مجنونا بل كان متولها من غير جنون، أو كان يغيب عقله بالجنون تارة ويفيق أخرى، وهو لا يقوم بالفرائض، بل يعتقد أنه لا يجب عليه اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر، وإن كان مجنونا باطنا وظاهرا قد ارتفع عنه القلم، فهذا وإن لم يكن معاقبا عقوبة الكافرين فليس هو مستحقا لما يستحقه أهل الإيمان والتقوى من كرامة الله عز وجل، فلا يجوز على التقديرين أن يعتقد فيه أحد أنه ولي لله ) (2).
كلام مشايخ الصوفية الأولين في الولاية :
(كقول الشيخ أبي سليمان الداراني، إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين الكتاب والسنة. وقال أبو القاسم الجنيد رحمة الله عليه :علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا أو قال لا يقتدى به. وقال أبو عثمان النيسابوري: من أمّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة، لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم?وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا?[النور:54]، وقال أبو عمرو بن نجيد كل وَجْدٍ لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل )(3)
وكلام الشيخ رحمه الله هذا فيه مسألتان :
__________
(1) - التعليقات 14 .
(2) الفرقان 38 .
(3) - الفرقان : 54.
(5/15)
الأولى : قوله النكتة : من نكت القوم يعني : يأتي في خاطره ، وفي قلبه شيء مما يتصل بالإيمان ، والأحوال ، وتزكية النفس ، ورؤية الأشياء ، والتفكر وأشباه ذلك. فيقع في الخاطر أشياء. قال فلا أقبلها إلا بشاهدين من الكتاب والسنة ؛ لأنّه قد يكون هذا الخاطر الذي جاءه ليس بحق، وقد يكون هذا التأمل الذي جاءه باطلاً،وقد يكون هذا الاستنتاج الذي استنتجه باطلاً، فإذا شهد له الكتاب والسنة وهما القاضيان والشاهدان والمعدِّلان والمزكيان للأفكار والآراء قبل ذلك ، و إذا لم يُشهد له فإنه باطل؛لأنه يعلم وخالف عنه فهذا من أهل الإباء والاستكبار مثل حال ابن عربي والتلمساني وأشباههم؛ الذين يقولون لأقوامهم ما نقول لكم وحي من الله، ونحن معصومون أن نخطئ لا في اللفظ ولا في العمل ولا في الفكر، هؤلاء إما أنْ يكونوا علماء فهؤلاء كفار لأنهم أبوا واستكبروا عن الإنقياد للحق وإلا أن يكونوا جهّالا هؤلاء قد يعذرون
الثانية :
(5/16)
قوله القديم : في كلامه (القديم) غلط؛ لأن القرآن محدث ليس بالقديم، كما قال سبحانه ?مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ(2)لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا?[الأنبياء:2-3]، وكذلك في آية سورة الشعراء، فالقرآن مُحْدَث بمعنى حديث النزول من ربه جل وعلا حديث العهد من ربه جل وعلا، إنما تكلم الله به فسمعه جبريل فبلغه للنبي عليه الصلاة والسلام، وأما الذي يقال أنه قديم هو كلام الله ليس القرآن، الكلام كلام الرحمن جل وعلا نقول قديم النوع حادث الآحاد، ويجوز أن نقول إنّ كلام الله قديم؛ يعني قديم النوع لا بأس بهذا؛ لأنّ الله جل وعلا أول وكذلك صفاته سبحانه وتعالى أزلية -يعني الصفات الذاتية- أزلية قديمة، فهو سبحانه وتعالى يتكلم كيف شاء وإذا شاء وكلامه قديم ولا يزال يتجدد كلامه بتجدد الأحوال، متعلِّقا بمشيئته سبحانه وتعالى وقدرته، فالقرآن لا يسوغ وصفه بأنّه قديم، بل هذا مذهب الأشاعرة فإنهم يجعلون القرآن قديما تكلم الله به في الأزل، فكل كلام أراده الله ثم يتعلق هذا الكلام بالإرادة وبالزمن الذي يصلح له فيتجدد، فليس عندهم أن القرآن كلام الله جل وعلا الذي تكلم به حين أَنزل القرآن، .......ففي القرآن ?قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا?[المجادلة:1]، وفي القرآن ?قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ?[البقرة:144]، وفي القرآن ?قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ?[الأنعام:33] ونحو ذلك مما فيه ذكر صيغة الماضي قد سمع الله فإن كان هذا الكلام قديما فإن الله يقول : قد سمع ، لشيء لم يحصل ؛ وهذا لا يجوز لأنّه نوع من الكذب وهذا يدل على بطلان هذا القول.
(5/17)
المقصود أنّ القول هذا (في كلامه القديم) هذا غلط موافق لطريقة الأشاعرة لعله من إضافاتهم.(1)
من خالف الدين فليس بولي :
قال الشيخ رحمه الله : (وتجد كثيرا من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه وليا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة، مثل أن يُشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانا أو يملأ إبريقا من الهواء، أو ينفق أي ( ينطق )بعض الأوقات من الغيب ، أو أن يختفى أحيانا عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سُرق لهم، أو بحال غائب لهم، أو مريض أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شيء من هذه الأمور، ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يُغترَّ به حتى ينظر متابعته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموافقته لأمره ونهيه، وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله فقد يكون عدوا لله، فان هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين فلا يجوز أن يظن أنّ كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي الله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة.
__________
(1) - التعليقات الحسان . ( بتصرف وحذف ) 35 .
(5/18)
مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابسا للنجاسات، معاشرا للكلاب، يأوي إلى الحمّامات والقمامين والمقابر والمزابل، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتنظف. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب ولا كلب»، وقال عن هذه الأخلية «إن هذه الحشوش محتضرة» أي يحضرها الشيطان، وقال «من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مسجدنا فان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»، وقال «إنّ الله طيب لا يقبل الا طيبا» وقال «إنّ الله نظيف يحب النظافة» وقال خمس من الفواسق يُقتلن في الحل والحرم، الحية، والفأرة، والغراب، والحدأة، والكلب العقور» وفي رواية الحية، والعقرب. وأمر صلوات الله وسلامه عليه بقتل الكلاب. وقال «من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط»، وقال «لا تَصحب الملائكة رُفقة معهم كلب»، وقال «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب»، وقال تعالى ?وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ?[الأعراف:156-157].(1)
ومعنى كلامه رحمه الله المتقدم :
__________
(1) - الفرقان 57 .
(5/19)
أنّ أولياء الله جل وعلا لا يكونون أولياء حتى يكونوا مِن المتبعين للكتاب والمتبعين للسنة وليس الوَلاية دعوى ليس لها برهان، فمِن الناس من يغلط في هذا الموضع فيقول هذا ولي الله فيقبل منه ما جاء به ما ذكر على أساس هذه المقدمة الباطلة أنّه ولي لله، فلا يكون وليا لله في الواقع لمخالفته للأمر والنهي ولوقوعه في مفسِّقات أو في أمور بدعية أو شركية إلى غير ذلك، فيُسَلِّم له الأمور البدعية أو الشركية على أساس أنه ولي لله جل وعلا، وهذا هو الذي جعل البدع والشركيات تنتشر في الأمصار من جرّاء الاعتقاد في الأولياء، فإنّه يكون هذا الولي حيًّا ويكون فاسقا فيحبّب للناس بعض المنكرات أو بعض البدع ليحصُل منهم على مال أو على جاه أو إلى آخره، فيعتقد الناس أنّه ولي فيتبعونه على ذلك ويقولون قالها الولي الفلاني، والذي يحطِّم هذا الأمر هو إقامة البرهان عند الناس أن الوَلاية لا تكون إلا للمؤمنين المتقين ?أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ?[يونس:62-63] فالمؤمن الذي حصَّل الإيمان وأركانه، المتقي الخائف من الله جل وعلا، والممتثل للواجب، وينتهي عن المحرم ووجل قلبه من الله، ويستعد للقائه، وهذا هو المتقي، وهو المؤمن الذي يرجى أن يكون وليا لله جل وعلا، أمّا الذين أتوا بالبدع والشركيات ليسوا من أولياء الله فَرَاج أمرهم في الناس والناس لا ينظرون هل هو ولي أم ليس بولي. إنتشر في الناس أنه ولي فقبلوا كل ما جاء به ولهذا ذكر لك في أول الكلام أبي عمرو بن نجيد (كل وَجْدٍ لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل) والوَجد يعنون به ما يظهر للمرء من الاستحسان لأشياء في العبادة أو في التأملات والتفكر، أو في السلوك مع الناس وكل وجد ليس عليه دليل فهو باطل.
(5/20)
ومن عجائب ذلك ما ذكره بعض العلماء أن رجلاً من أحفاد أحد الأولياء -كما يزعمون- في المغرب، زعم عند بعض الناس أنه من أولياء الله وأن جدَّه حدثه بكذا وكذا وكذا، فعظَّمه من حلّ بهم وأسكنوه عندهم، فصار يأمرهم وينهاهم وهم يطيعون، فقال لا أكافؤكم إلاّ أن تحجوا معي هذا العام، قالوا أَوَ تحج؟ قال نعم وستحجون معي جميعا، -وهم في المغرب- فلما صار وقت الحج قرب وأعدّ العدة، قالوا ألاَ نحج؟ قال سوف نحج فالأمر عند الأولياء يسير، والثاني والثالث، والرابع حتى أتى يوم عرفة، فقالوا ألا تحج؟ فقال بلى إذا أتى بعد العصر ذهبنا إلى عرفة، فلما أتى بعد العصر أمرهم بالإستعداد، ولما تجهزوا هم وأهلوهم، قال هلمُّوا، فصعد بهم إلى سطح البيت، وقال لهم سبحان الله هذا جبل عرفة، فقالوا له أين جبل عرفة؟ فقال لهم وهل تريدون أن تروا نُورَ الأولياء؟ هذا جبل عرفة أدعوا هنا، فدعوا فلما مكث مدة، قال غابت الشمس في عرفة فارحلوا فرحلوا قليلا، فقال افعلوا كذا، أتريدون أن نطوف هذه الكعبة، فطوفوا، فأخذ يعمل بهم مثل هذه الحركات وهم يسلمون له للوَلاية.
(5/21)
يعني أن الدرجة الأولى التي يدخل بها صنيع الدجالين والمشعوذين والكهنة وأشباه هؤلاء أن يقال لكل الناس وأن يعلم كل الناس أن الولي لا يكون إلا مؤمنا تقيا، فإذا كان حي في الناس يأمرهم وينهاهم ويدعوهم إلى أشياء ويعتقد أنها تفيد، فيقال لهم الولي هو المؤمن التقي وهذا من أفعاله كيت وكيت وكيت من المحرمات، والأولياء الدجالين أشاعوا في الناس أن الأولياء أعمالهم الظاهرة غير أعمالهم الباطنة حتى لا يأتي مثل هذا، فيقال هو في الظاهر يعمل أشياءً وفي الباطن قلبه وعمله لله جل وعلا، ومنهم طائفة تسمى الملامتية(1) أو الملامية، وهم الذين ادَّعَوْا أنهم لإخلاصهم يُظهرون خلاف التوحيد، أو خلاف الاستقامة، وخلاف الإخلاص ؛ لأجل أن لا يُتَّهموا بالرياء ، يقولون نظهر هذا في الناس لأجل الإخلاص حتى لا يقال هم مراؤون، فيُخفون الطاعات ويظهرون الفسوق لأجل ألا يرائي في الناس، ففي مثل هؤلاء قال فضيل بن عياض وجماعة : ”العمل لغير الله رياء وترك العمل لغير الله شرك“ ، فهؤلاء يزعمون أنهم هربوا من الرياء ووقعوا في الشرك، لأنهم تركوا العمل لأجل الناس، فالعمل لغير الله رياء وترك العمل لأجل الناس أو لغير الله هذا شرك. يعني ترك العمل الصالح الواجب.
المقصود من هذا أن تأصيل شيخ الإسلام عظيم في بيان هذه المسألة المهمة(2) .
تلبيس الشيطان على الصوفية في مسألة الولاية :
قال الشيخ رحمه الله في هذه المسألة :
__________
(1) - لمعرفتهم ينظر كتاب الأستاذ الدكتور / عبدالفتاح الفاوي ، الملامتية .
(2) - التعليقات .صـ 38 .
(5/22)
(فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوى إلى الحمّامات والحشوش التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبّها الشيطان، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه، ولا يُخْلِصُ الدِّين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب أو النيران، أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر، ولاسيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه، ويُقَدِّمُ عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن، فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن.(1)
فهذه صفات موجودة في فئات ممن يُدَّعى أنهم من الأولياء وأنهم من أصحاب الكرامات:
الفئة الأولى المجاذيب والمجانين: وفيهم مثل هذه الصفات من ترَك الوضوء والصلاة لأنه مجنون أصلا.
الفئة الثانية الدّجّالون: الذين عرفوا أن مثل هذه الصفات يعتقد الناس فيها الوَلاية، فأرادوا أن يجعلوا لأنفسهم مقاما، فتلبسوا بهذه الصفات المنكرة، والعياذ بالله لأجل أن يعظمهم الناس ويدعوا فيهم الوَلاية.
الفئة الثالثة الكهنة والسّحرة وأصحاب المخارق الشيطانية:
والمشعوذون منهم عقلاء ولكن يستعينون بالجن ويستخدمون الجن يكون لهم مثل هذه الصفات السيئة.
__________
(1) - الفرقان 59 .
(5/23)
هذه الفئات الثلاث ادعى فيها الناس إلى يومنا هذا أنهم من أهل الكرامات والأولياء، نجد في بعض البلاد يُقال للكاهن أنّه ولي وهو كاهن، إنما يخبر من طريق الجني، وكذلك منهم من يجعل المجنون الذي يترك الصلوات ويلابس النجاسات ولا ينطق كلمة عاقلة يجعلون ذلك أيضا دليلا على ولايته وكرامته كذلك الفئة الثالثة، فكما ذَكر شيخ أقسام هنا، أن أهل الإيمان لهم صفات وهؤلاء وإنْ ظهرت على أيديهم خوارق فإنما هي من الشياطين لتغوي الناس، شياطين الجن قد تُظهر للمرء بعض المعلومات، وقد تجعل له بعض الأحوال في مساعدتهم فيغتر الناس لذلك، والجن أقدرهم الله جل وعلا على بعض الأمور لا يقدرها البشر كما قال جل وعلا ?قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ(39)قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ?[النمل:39-40] أي : من الإنس ممن عُلِّم الاسم الأعظم (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ) يعني بالاسم الأعظم الذي إذا سئل به الله جل وعلا أجاب وإذا طلب به منه أعطى?أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ?[النمل:40]، إلى آخر الآيات، فدل أن الجن يقدرون على أشياء أقدرهم الله جل وعلا عليها، ?قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ? أحمل لك العرش من اليمن إلى بيتك أو إلى دار لك في الشام قبل أن تقوم من مقامك فقط مدة مقامك في المجلس . فالجن يخبرون بمغيبات، ليست مغيبات مطلقة؛ مغيبات عن بعض البشر حصلت في الماضي، وربما أخبروا عن مغيبات تحدث في المستقبل، ومنهم من يكون صادقا فيما أخبر ويكون مما التقطه المسترق السمع، ومنهم وهو الأكثر أن يكونوا كَذَبَة فيكذبون مع الخبر الصادق مئة كذبة فيروج هذا في الناس، ومنهم من يوحي أي يلقي في نفس وليه ما في قلب صاحبه؛ فيأتيه آتٍ ويقول له كلاما
(5/24)
فيأتيه الجني ويقول هذا كاذب لأنه حصل منه كذا وكذا فيقول أنت كاذب، كيف تقول هذا وفي بيتك كذا؟ كيف تفعل وأنت البارحة قد عملت كذا فيغتر هذا السائل بحال هذا المسؤول. هو الذي يعلمه بالأمور الغيبية الماضية والحاضرة والمستقبلة ويخبره عن أشياء وهو الملك، ولا يجعلون هذا من الشياطين ؛ لأنه بالاتفاق أن الشياطين لا تخدم أهل الإيمان، لهذا وَجَب على المؤمنين أن لا يغتروا بمثل هذه الظواهر التي يكون فيها ادعاء للخوارق.
و الخوارق تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
خوارق جرت على يدي الأنبياء هذه تسمى آيات وبراهين ودلائل.
وخوارق جرت على يد أولياء صالحين مؤمنين متقين هذه تسمى كرامات.
والثالث خوارق جرت على أيدي الفسقة، المردة، وربما كفرة بعيدون عن الشريعة لا يصلون ولا يتطهرون، أو عندهم بدع، عندهم خرافات وأشباه ذلك، هذه تكون من عند الشياطين.
طبعا في حدودها مختلفة؛ يعني الخارق الشيطاني غير الكرامة بضابطها غير الآية والبرهان.(1)
مسألة ختم الأولياء :
__________
(1) - التعلقيات 40 .
(5/25)
قال الشيخ رحمه الله : (وأفضل أولياء الله تعالى أعظمهم معرفة بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتباعا له كالصحابة الذين هم أكمل الأمة في معرفة دينه واتباعه، وأبو بكر الصديق أكمل معرفة بما جاء به وعملا به، فهو أفضل أولياء الله، إذْ كانت أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأمم، وأفضلها أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأفضلهم أبو بكر - رضي الله عنه -. وقد ظن طائفة غالطة أنّ خاتم الأولياء أفضل الأولياء قياسا على خاتم الأنبياء، ولم يتكلم أحد من المشايخ المتقدمين بخاتم الأولياء إلا محمد بن علي الحكيم الترمذي(1)، فانه صنّف مصنفا غلط فيه في مواضع، ثم صار طائفة من المتأخرين يزعم كل واحد منهم أنه خاتم الأولياء، ومنهم من يدعي أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من جهة العلم بالله، وأن الأنبياء يستفيدون العلم بالله من جهته، كما زَعم ذلك ابن عربى صاحب كتاب الفتوحات المكية وكتاب الفصوص فخالف الشرع والعقل مع مخالفة جميع أنبياء الله تعالى وأوليائه، كما يقال لمن قال فخَرَّ عليهم السقف من تحتهم. لا عقل ولا قرآن، ذلك أن الأنبياء أفضل في الزمان من أولياء هذه الأمة، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام أفضل من الأولياء، فكيف الأنبياء كلُّهم والأولياء إنما يستفيدون معرفة الله ممن يأتي بعدهم ويدعي أنه خاتم الأولياء، وليس آخر الأولياء أفضلهم كما أن آخر الأنبياء أفضلهم، فإن فضل محمد - صلى الله عليه وسلم - ثَبَتَ بالنصوص الدَّالة على ذلك، كقوله - صلى الله عليه وسلم - «أنا سيِّد ولد آدم ولا فخر» وقوله «آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد، فيقول بك أُمرت أن لا أفتح لأحد قبلك».(2)
ضلال من يفضلون الولاية على النبوة :
__________
(1) - الحكيم الترمذي 320هـ له كتاب ( ختم الأولياء ) .
(2) - الفرقان 66.
(5/26)
قال الشيخ رحمه الله تعالى : (وهؤلاء الملاحدة يدعون أن الولاية أفضل من النبوة، ويُلبِّسون على الناس فيقولون ولايته أفضل من نبوته، وينشدون:
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
ويقولون نحن شاركناه في ولايته التي هي أعظم من رسالته، وهذا من أعظم ضلالهم، فإن وَلاية محمد لم يماثله فيها أحد لا إبراهيم ولا موسى، فضلا عن أن يماثله هؤلاء الملحدون.)(1)
من زعم أن ابن عربي ولي :
قال الشيخ رحمه الله (فإن ابن عربي وأمثاله وإن ادعوا أنهم من الصوفية فهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة ليسوا من صوفية أهل العلم، فضلا عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وأمثالهم رضوان الله عليهم أجمعين)(2).
وقال في مواضع أخر :
(قال الله تعالى ?وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ?[الأنعام:121]، وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات أنه أَلقى إليه ذلك الكتاب، ولهذا يذكر أنواعا من الخلوات بطعام معين وشيء معين، وهذه مما تفتح لصاحبها اتصالا بالجن والشياطين فيظنون ذلك من كرامات الأولياء، وإنما هو من الأحوال الشيطانية وأعرف من هؤلاء عددا ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود، ومنهم من كانت يؤتى بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به، ومنهم من كانت تدله على السرقات بجُعل يحصل له من الناس أو بعطاء يعطونه إذا دلّهم على سرقاتهم، ونحو ذلك.
__________
(1) - السابق 68.
(2) - السابق 74 .
(5/27)
ولما كانت أحوال هؤلاء شيطانية كانوا مناقضين للرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، كما يوجد في كلام صاحب الفتوحات المكية والفصوص وأشباه ذلك يمدح الكفار مثل قوم نوح وهود وفرعون وغيرهم، ويتنقص الأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وهارون، ويذم شيوخ المسلمين المحمودين عند المسلمين كالجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وأمثالهما، ويمدح المذمومين عند المسلمين كالحلاج ونحوه، كما ذكره في تجلياته الخيالية الشيطانية، فإن الجنيد قدس اللهُ روحه كان من أئمة الهدى، فسئل عن التوحيد فقال التوحيد إفراد الحدوث عن القدم، فبين أن التوحيد أن تميز بين القديم والمحدث، وبين الخالق والمخلوق، وصاحب الفصوص أنكر هذا وقال في مخاطبته الخيالية الشيطانية له : يا جنيد هل يميز بين المحدث والقديم إلا من يكون غيرهما، فخطّأ الجنيد في قوله إفراد الحدوث عن القدم؛ لأن قوله هو أن وجود المحدث هو عين وجود القديم كما قال في فصوصه: ومن أسمائه الحسنى العلي على من؟ وما ثم إلا هو، وعن ماذا؟ وما هو إلا هو، فعلوه لنفسه، وهو عين الموجودات، فالمسمى محدثات هي العلية لذاته، وليست إلا هو. إلى أن قال: هو عين ما بطن، وهو عين ما ظهر، وما ثم من يراه غيره، وما ثم من ينطق عنه سواه، وهو المسمى أبو سعيد الخراز!!! وغير ذلك من الأسماء المحدثات.
(5/28)
فيقال لهذا الملحد ليس من شرط المميز بين الشيئين بالعلم والقول أن يكون ثالثا غيرهما، فإن كل واحد من الناس يميز بين نفسه وغيره، وليس هو ثالث، فالعبد يعرف أنه عبد ويميز بين نفسه وبين خالقه، والخالق جل جلاله يميز بين نفسه وبين مخلوقاته، ويعلم أنه ربهم وأنهم عباده، كما نطق بذلك القرآن في غير موضع، والاستشهاد بالقرآن عند المؤمنين الذين يقرون به باطنا وظاهرا، وأما هؤلاء الملاحدة فيزعمون ما كان يزعمه التلمساني منهم، وهو أحذقهم في إتحادهم لما قرىء عليه الفصوص فقيل له القرآن يخالف فصوصكم، فقال القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا، فقيل له فإذا كان الوجود واحدا فلم كانت الزوجة حلالا والأخت حراما، فقال الكل عندنا حلال، ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم. وهذا مع كفره العظيم متناقض ظاهرا، فإن الوجود إذا كان واحدا، فمن المحجوب ومن الحاجب؟ ولهذا قال بعض شيوخهم لمريده من قال لك أن في الكون سوى الله فقد كذب، فقال له مريده فمن هو الذي يكذب؟ وقالوا لآخر هذه مظاهر، فقال لهم المظاهر غير الظاهر أم هي؟ فإن كانت غيرها فقد قلتم بالنسبة وإن كانت إياها فلا فرق . )(1)
والذي يهمنا من هذا الكلام أشياء:
الأول: أن إنشاء شيخ الإسلام لهذا الاستطراد وهذه البينات لهؤلاء الملاحدة، الغرض أنّ أهل الشام ومصر في ذلك الوقت يعظمون أصحاب وحدة الوجود؛ يعظمون ابن عربي والتلمساني وأشباه هؤلاء، وابن الفارض يعظمونهم جدا، واشتهر عنهم أنهم يقولون بهذا الكلام ومع ذلك يعظمونهم، ولهذا أوجب أن يبين أن هؤلاء ليسوا من أولياء الله، فاستطرد ليبين لك فساد قول هؤلاء وأنه لا يكون أمثال هؤلاء أولياء لله جل وعلا.
__________
(1) - الفرقان 82.
(5/29)
الثاني: أنّ هؤلاء الملاحدة والزنادقة أمثال ابن عربي وأشباهه، شاع في الناس أنّ لهم كرامات وأنهم يخبِرون بأشياء تكون حقا، وأنّ الكهان من أتباعهم والمنتسبين للتصوف عندهم أحوال إيمانية ينكشف لهم بها الغيب، وأنّه يوحى إليه، وأنه تأتيه المعلومات ليست إلا عندهم، فجعلوا هذه الأشياء من كراماتهم فبيّن رحمه الله فيما ذكر أنّ هذه الأشياء التي تنسب إليهم صحيحة، ولكن ليست هي كرامات تأتيهم من الملائكة وإنما هي أحوال شيطانية تأتيهم من الشياطين ?وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ?[الأنعام:121]، والشيطان يتنزل على مَن يواليه ويخبره بأشياء ويعلمه ويعطيه معلومات فربما حمله وربما تصور بصورته وربما طار به في الهواء وربما سخر له بعض الأشياء بما أقدره الله عليه، فإذن فالشأن ليس في أنّه يُخدم، أو أنه يُدَّعَى أنّ الملائكة تخدمه وتعمل له، ولكن الشأن هل هو من أولياء الله موافق لشرع الله ومتبع للسنة أو لا؟ فإذا لم يكن متبعا للسنة ويقول مثل هذه الأقوال الكفرية فنعلم قطعا أنه من أولياء الشيطان، وأنّ ما قاله وافتراه وادعاه من هذه الأقوال الباطلة هي دليل أنه شيطان من الشياطين، وأنّ المؤمن لا يجوز له أن يغتر بأحوال هؤلاء وأنْ يجعلهم من أولياء الله جل وعلا .
(5/30)
والثالث من أسباب إنشائه هذا الكلام أو الاستطراد: أنّ أكثر السحرة والكهنة في أزمنة الإسلام ادَّعَوا الصلاح، وادعوا أنّ ما يأتيهم إنما هو من جهة الملائكة، فهذا تسمعه عند كثير من مُغَفَّل من المسلمين وجهلتهم فيما يذكرون من أخبار بعض الناس في بلد كذا وبلد كذا وبلد كذا، هم يقولون فلان تأتيه هذا تخبره الملائكة لأنه رجل صالح، وهذا لاشك أن هذا من براثن تلك الخلفية العامة، فإذا قيل إنّ فلانا تنزل عليه الملائكة فاعلم أن هذا من جهة أولياء الشيطان؛ لأننا لا نعلم أحدا من الصحابة ولا من التابعين ولا من سادات المسلمين قيل أن الملائكة تنزل عليه فتخبره إلى آخره، وإنما هي دعوى لأولئك الفسقة الفجرة فيها يروجون على الناس في كهانتهم أو سحرهم، فالسحرة الآن يأمرون الناس بتلاوة القرآن؛ ويتلون عليهم القرآن ثم يخلطون معها غيرها، يقولون نخبركم؛ الملائكة تأتينا وتخبرنا، وهي الشياطين، وهم أصلا من أكذب الناس فكيف يصدَّقون في مثل هذه الأشياء، فإذن يبيّن شيخ الإسلام حال من كان في زمنه؛ وهو الوجه الثاني الذي ذكرنا، والوجه الثالث حال كل من ادعى نزول الملائكة عليهم، فإنّه الحجة كما قال ابن عباس في حال المختار بن أبي عبيد؛ قيل له إنه ينزّل عليه قال صدق فإنه تنزّل عليه الشياطين، كما قيل إنه يوحى إليه قال نعم كما قال الله ?وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ?[الأنعام:121]
(5/31)
وملخص هذا أن الكلام أو الغرض منه ما ذكرنا من بيان الفرقان العظيم بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وأن مسألة خرق العادات ليست فرقانا؛ أن يحصل للمرء خارقا للعادة؛ أن يحصل له شيء لم يحصل لغيره هذا ليس دليلا على صلاحه، وليس دليلا على فساده، حتى ينظر في أمره فإن كان من أهل الإيمان والصلاح المتابعين للحق فإنه يرجى أن تكون هذه كرامة له، وإن كان من غير أهل الإيمان؛ من أهل البدعة والفسق والفجور فإن ما حصل له يعتبر فارقا شيطانيا وحالا شيطانية وليست بكرامة. فإذن هذا كل ما بحثه في هذا الموضع والذي قبله ملخصه أن الأحوال والخوارق ليست برهانا ولا دِلالة، وإنما البرهان والدلالة هو ما قال الله جل وعلا ? أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ?[يونس:62]، والملائكة لا تنزل إلا على الرسل أو على المؤمنين لتثبيتهم في القتال أما الإخبار بالمغيبات وأشباه ذلك فلا يكون، قد يُلقى في روع المؤمن من أن يكون هذا الأمر كذا؛ يكون من باب الفراسة الإيمانية التي يعطيها الله جل وعلا لمن يشاء من خلقه، لكن تحديث الملائكة ويقول سمعت الملائكة قالت لي الملائكة هذا لا شك أنه من صنيع الشيطان . (1)
جبر الصوفية ؛ وعدم تفريقهم بين الإرادة الكونية ،والإرادة الشرعية :
قال الشيخ رحمه الله :
__________
(1) - التعليقات 54 .
(5/32)
(....وسنذكر الفرق بين الإرادة الكونية والدينية والأمر الكوني والديني، وكانت هذه المسألة قد اشتبهت على طائفة من الصوفية فبينها الجنيد رحمه الله لهم، ومن اتبع الجنيد فيها كان على السداد، ومن خالفه ضل، لأنهم تكلموا في أن الأمور كلها بمشيئة الله وقدرته، وفي شهود هذا التوحيد وهذا يسمونه الجمع الأول، فبين لهم الجنيد أنه لابد من شهود الفرق الثاني، وهو أنه مع شهود كون الأشياء كلها مشتركة في مشيئة الله وقدرته وخَلقه يجب الفرق بين ما يأمر به ويحبه ويرضاه، وبين ما ينهى عنه ويكرهه ويسخطه، ويفرق بين أوليائه واعدائه، كما قال تعالى ?أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ?[35-36]، وقال تعالى ?أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ?[ص:28]، وقال تعالى ?أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ?[الجاثية:21]، وقال تعالى ?وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ?[غافر:58]، ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا رب غيره، وهو مع ذلك أمر بالطاعة ونهى عن المعصية، وهو لا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يأمر بالفحشاء، وإن كانت واقعة بمشيئته فهو لا يحبها ولا يرضاها، بل يبغضها ويذم أهلها ويعاقبهم. وأما المرتبة الثالثة أن لا يشهد طاعة ولا معصية فإنه يرى أن الوجود واحد، وعندهم أن هذا غاية التحقيق، والوَلاية لله، وهو في الحقيقة غاية الإلحاد في أسماء الله وآياته وغاية العداوة لله. فإن صاحب هذا المشهد
(5/33)
يتخذ اليهود والنصارى وسائر الكفار أولياء وقد قال تعالى ?وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ?[المائدة:51]، ولا يتبرأ من الشرك والأوثان فيخرج عن ملة ابراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه قال الله تعالى ?قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ?[الممتحنة:4]، وقال الخليل عليه السلام لقومه المشركين ?أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(75)أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ(76)فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ?[الشعراء:75-77]، وقال تعالى ?لاَتَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أو أَبْنَاءَهُمْ أو إِخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ?[المجادلة:22](1).
تلبيس الشيطان عليهم بما يشبه الكرامات واغترارهم بذلك ،وظنهم أنه من الولاية :
قال الشيخ رحمه الله :
__________
(1) - الفرقان 78 .
(5/34)
(وهكذا أهل الأحوال الشيطانية تنصرف عنهم شياطينهم إذا ذكر عندهم ما يطردها مثل آية الكرسي، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - لما وكله النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم - «ما فعل أسيرك البارحة» فيقول زعم أنه لا يعود، فيقول «كذبك وإنه سيعود» فلما كان في المرة الثالثة، قال دعني حتى أعلمك ما ينفعك إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ?اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ?[البقرة:255] إلى آخرها فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «صدقك وهو كذوب» وأخبره أنه شيطان، ولهذا إذا قرأها الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلتها، مثل من يدخل النار بحال شيطاني أو يحضر سماع المكاء والتصدية فتنزل عليه الشياطين وتتكلم على لسانه كلاما لا يعلم وربما لا يفقه، وربما كاشف بعض الحاضرين بما في قلبه، وربما تكلم بألسنة مختلفة كما يتكلم الجني على لسان المصروع، والإنسان الذي حصل له الحال لا يدري بذلك بمنزلة المصروع الذي يتخبطه الشيطان من المس، ولَبِسَهُ وتكلم على لسانه فإذا أفاق لم يشعر بشيء مما قال. ولهذا قد يضرب المصروع وذلك الضرب لا يؤثر في الإنسي، ويخبر إذا أفاق أنه لم يشعر بشيء لأن الضرب كان على الجني الذي لبسه. ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع، ومنهم من يطير بهم الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما، ومنهم من يحمله عشية عرفة ثم يعيده من ليلته فلا يحج حجا شرعيا، بل يذهب بثيابه ولا يحرم إذا حاذى الميقات، ولا يلبي، ولا يقف بمزدلفة، ولا يطوف بالبيت، ولا يسعى بين الصفا والمروة، ولا يرمى الجمار، بل يقف بعرفة بثيابه ثم يرجع
(5/35)
من ليلته، وهذا ليس بحج مشروع باتفاق المسلمين، وكمن يأتي الجمعة ويصلي بغير وضوء إلى غير قبلة، وهم هؤلاء المحمولين مرة إلى عرفات، ورجع فرأى ملائكة تكتب الحجاج، فقال ألا تكتبوني، فقالوا لست من الحجاج يعنى لم تحجّ حجًّا شرعيا )(1).
كرامات الأولياء عند الص
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.3lanet.com
محمود السعيد
مشرف الاسلامى العام
مشرف الاسلامى العام
محمود السعيد


العمل/الترفيه : قســم الرواتـــب
رقم العضوية : 242
تاريخ التسجيل : 27/02/2010
عدد المساهمات : 2515

تابع الجزء الاول من الكتاب 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع الجزء الاول من الكتاب 6   تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالجمعة 23 أبريل 2010 - 10:48

تسلم يا هيما على مجهودك وننظر المزيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع الجزء الاول من الكتاب 6
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع الجزء الاول من الكتاب 5
» تابع الجزء الاول من الكتاب 7
» تابع الجزء الاول من الكتاب 8
» تابع الجزء الاول من الكتاب
» تابع الجزء الاول من الكتاب 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
وجنة ::  المنتديات الأدبية ::  منتدى الكتب-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» الحشيش والدم
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالإثنين 14 فبراير 2022 - 16:50 من طرف رياض العربى

» اهم الاماكن ودورها في علاج الـــــــــــــــــ
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالأربعاء 12 يونيو 2019 - 3:06 من طرف مروة التيمي

» أفضل شركة بالدمام
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالجمعة 17 مايو 2019 - 2:51 من طرف مروة التيمي

» ادمان العين
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالثلاثاء 7 مايو 2019 - 1:46 من طرف مروة التيمي

» علاج الــ :cry:
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالأربعاء 1 مايو 2019 - 22:05 من طرف مروة التيمي

» كيف يتم تشخيص الــ
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالأحد 28 أبريل 2019 - 23:55 من طرف مروة التيمي

» اعراض ادمان ........
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالجمعة 19 أبريل 2019 - 15:44 من طرف مروة التيمي

» مصائب في اتجاه المجتمع
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالإثنين 8 أبريل 2019 - 22:43 من طرف مروة التيمي

» احصائيات عن الحشيش
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالأحد 7 أبريل 2019 - 20:05 من طرف مروة التيمي

» شبح الموت!!!
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_icon_minitimeالأربعاء 3 أبريل 2019 - 19:36 من طرف مروة التيمي

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
رياض العربى
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
احزان زمان
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
mnona
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
العرايشي
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
حمودى الروش
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
برديس المصريه
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
عمر
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
مشموشى
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
محمود السعيد
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap 
الامير
تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 6 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 6 I_vote_lcap