على الحكومة أن تنتبه إلى ضرورة عدم الوقوع في خطأ الاستخفاف بمطالب
المصريين والاكتفاء بالاستجابات الجزئية. فقد أصاب بيان الدكتور شرف
الكثيرين بإحباط، وأكد للمعتصمين والمحتجّين الانفصال الحقيقي بينهم وبين
الحكومة. لم يقدّم البيان كشف حساب صريحا للأشهر الماضية، ولم يحمل بشأن
المطالب الشعبية إلا قرار إقالة عناصر الشرطة المشتبه في تورطهم في قتل
شهداء الثورة، والأكثر اتساقا بمعايير العدالة كان أن يتخذ قرار بالإيقاف
إلى حين انتهاء المحاكمة، وإخلاء دوائر لمحاكمة رموز فساد واستبداد نظام
مبارك.
أما فيما يخص إحالة مدنيين للقضاء العسكري فصمت مطبق، وعن العدالة
الاجتماعية كلام عام، ولا حديث عن مخصصات الموازنة الجديدة، وبشأن خريطة
الطريق وترتيبات المرحلة الانتقالية والمبادئ الحاكمة للدستور مجرد وعد
بآلية للتفاوض مع القوى الوطنية.
لا يكفي هذا ولم يعد مقنعا أو
مقبولا أن تبرر الاستجابة الجزئية بخطاب علني يطالب المواطن بالانتظار وعدم
المبالغة في التوقعات، أو بوصف مطالب الجمعة الماضية بالخاصة أو الفئوية
أو الهدامة. يذكّر هذا الخطاب بالفعل باستعلاء النظام السابق وبعجزه عن
التوقف عن تجاهل مطالب المواطنين حتى في عنفوان ثورة. وأضاف إلى فساد
الخطاب الحكومي خطاب إعلامي رسمي لم يقم إلا بصناعة صورة سلبية لدى
المشاهدين عن المعتصمين والمحتجين، قوامها الإضرار بمصلحة الوطن وبعجلة
الإنتاج والدورة الاقتصادية، على الرغم من عدم دقة مثل هذا الطرح، وانتفاء
شبهة العمل ضد المصلحة الوطنية عن مئات الآلاف من المواطنين الذين شاركوا
بجمعة مصر والثورة أولا.
لم يعد أيضا مقبولا أن تبرر الحكومة بطء
إجراءاتها وقصورها عن تنفيذ مطالب المصريين المشروعة بمحدودية الصلاحيات
الفعلية لرئيس الوزراء، وبكون يده مغلولة بشأن الكثير من القضايا كتغيير
بعض الوزراء والسياسات. فمحدودية الصلاحيات يمكن تغييرها بانتزاع قوة
تفاوضية حقيقية يعطيها ميدان التحرير وغيره من الميادين للدكتور شرف، وغلّ
يده يمكن مقاومته بالدفع بضرورة الاستجابة لمطالب المواطنين المشروعة، ومن
ثم فضّ الاعتصام.
أما إن كان الدكتور شرف يحاول ولا يقدر، بل وعليه
أن يقبل بقرارات سبق وأعلن أنه أبدا لن يقبل بها كتعيين وزير للإعلام، يصبح
من الأفضل له أن يصارح الرأي العام بحقيقة ما يدور، وأن يطرح شروطا واضحة
لبقائه في منصبه على نحو يتوافق ومطالب المواطنين ومسار الثورة، وأن يترك
موقعه إن لم تُقبل شروطه.
نُشِر بالشروق