من الموسكي لسوق الحميدية
أنا عارفة السكة لوحديا
كلها أفراح وليالي ملاح
يا حبايب مصرية سوريةهكذا كانت تغني وهي متأكدة أنها "عارفة السكة" من سوق الموسكي في القاهرة إلى سوق الحميدية في دمشق.. وهكذا وقف ليغني:
أنا واقف فوق الأهرام..
وقدامي بساتين الشام..
ولا حايل ما بين الاتنين
ولا مانع ما بين الاتنين
ولا حاجز ما بين الاتنين
وهكذا كان الحلم الذي تحقق.. ففي مثل هذا اليوم 22 فبراير عام 1958 تم توقيع ميثاق الجمهورية العربية المتحدة من قبل الرئيسين المصري جمال عبد الناصر والسوري شكري القوتلي، لتكون مصر هي الإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة، وسوريا هي الإقليم الشمالي للجمهورية.. وهكذا قامت الوحدة لتكون نواة للوحدة بين الدول العربية كلها، ولكنها لم تستمر لأكثر من ثلاث سنوات فقط، لتكون كأي حلم جميل عمره قصير..
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]حظيت الوحدة بين مصر وسوريا بقدر لا بأس به من الأمنيات والأغنيات، ولكنها سرعان ما وضع لها كلمة النهاية.. نهاية الوحدة ونهاية الحلم.. فتبددت الأمنيات، ولم يبق منها إلا الأغنيات في ذاكرة الأجيال..
في أثناء الوحدة بين مصر وسوريا بدأت ثمار التوحد تؤتي أكلها...فسياسيا.. نجحت الوحدة في هدفها العظيم الذي قامت لأجله بحماية سوريا من التهديدات التي كانت تتربص بها.. جراء الحصار العسكري الذي كان المعسكر الغربي يريد تطويق الاتحاد السوفيتي به أثناء فترة الحرب الباردة، وهو ما كان يعني السيطرة على سوريا وهو ما رفضته سوريا ومصر رفضا قاطعا.. فادّعى الغرب أن سوريا قد سقطت تحت القبضة الشيوعية وصارت السيطرة عليها واجبا لتخليصها، وأحدق الخطر بسوريا فكانت الوحدة هي الحل الأمثل.
كذلك كان صمود مصر أثناء العدوان الثلاثي عليها في 1956 وفشل السيطرة على مصر عاملا ساهم في توجيه الأنظار إلى سوريا لإخضاعها للمعسكر الغربي..
واقتصاديا نجحت الوحدة في إنجاز مشروعات اقتصادية ضخمة مثل بداية مشروع سد الفرات الذي كان يدعمه عبد الناصر بقوة ويراه موازيا لمشروع السد العالي في مصر..
نجحت الوحدة في تكوين جبهة عربية مشتركة تكون بداية لتوحد جميع الدول العربية لتشكل قوة يحسب لها حساب بدل التشرذم والتجزؤ الذي تعانيه، كما أراد لها الاستعمار بعد أن تركها..
ورغم آمال الجميع في الوحدة العربية أن تغيّر صورة الشرق الأوسط، وتصنع للأمة العربية كلمة بين الكبار، لكن في يوم 28 سبتمبر 1961 أنهيت الوحدة العربية بين مصر وسوريا على إثر انقلاب عسكري في دمشق، وأعلنت سوريا "الجمهورية العربية السورية"، بينما احتفظت مصر باسم "الجمهورية العربية المتحدة" حتى عام 1971 ثم سُميت باسمها الحالي جمهورية مصر العربية.
وقد رصد المحللون أسباب الانفصال بين مصر وسوريا بين أسباب خارجية تتمثل في المؤامرات الخارجية الرامية إلى شق صف الوحدة سواء من الغرب أو حتى من بعض الأنظمة العربية.. كما ساهم عدم وجود تواصل وترابط على الأرض بين الإقليمين في إضعاف الوحدة حتى انتهت تماما.
وبين أسباب سورية تتمثل في عدم تواؤم السوريين مع حكم رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر وما وصفوه باستبداد السلطة، وكذا اعتراضهم على تسريح خيار الضباط السوريين من الجيش؛ ليعزلوا القوى السورية عن المناصب الحساسة -حسبما رأى السوريون.
وكذلك هناك أسباب مصرية تتمثل في قيام الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم البنوك الخاصة والمعامل والشركات الصناعية الكبرى في سوريا، كما أنه قد حدث اختلال توازن في قوى العمل؛ بسبب قدوم الكثير من العمال المصريين إلى المدن السورية، وزيادة الضغط على المرافق العامة في سوريا؛ لكثرة توافد المصريين.
المهم أن الوحدة بين مصر وسوريا انتهت منذ ما يقارب نصف قرن.. وها نحن نقف الآن ننظر إلى هذا الماضي الجميل ثم نوجه نظرنا لواقعنا لنرى إلى أين وصلت العلاقات بين مصر وسوريا، ولا نملك إلا أن نتنسم عبق الماضي وندعو بلم الشمل والوحدة من جديد.. وإن بدا مطلبا عسيرا.