وجنة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد قمنا بأنشاء منتدى جديد و نتمى وجودك معنا
و تساهم فى تقدمه
و يكون ساحة مناسبة لطرح افكارك و موضوعاتك
نتمنى زيارتك لنا و يشرفنا اشتراكك معنا
لك تحياتى

منتدى وجنة
https://wagna.ahlamontada.net

وجنة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد قمنا بأنشاء منتدى جديد و نتمى وجودك معنا
و تساهم فى تقدمه
و يكون ساحة مناسبة لطرح افكارك و موضوعاتك
نتمنى زيارتك لنا و يشرفنا اشتراكك معنا
لك تحياتى

منتدى وجنة
https://wagna.ahlamontada.net

وجنة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وجنة

الرياده .. التميز .. التفوق
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
منتدى وجنة   : إسلامى ... ثقافى .. إجتماعى .. شبابى .. الخواطر  ... القصص ... الغرائب  .... الطرائف .... الأخبار المتجددة .. الحوارات المميزة    

منتدى وجنة .... سحر الكلمات .. همس القلوب .. تحاور العقول .. الأخوه و الصداقة .. الإبداع و التجدد المستمر ... أخر عضو مسجل معنا ( Hazem Hazem) مرحبا به معنا


 

 تابع الجزء الاول من الكتاب 3

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
hima
مشرف الكمبيوتر و الإنترنت و برامج الحماية
مشرف الكمبيوتر و الإنترنت و برامج الحماية
hima


العمل/الترفيه : خريج تربية رياضية المنصوره اعمل بالاردن
رقم العضوية : 215
تاريخ التسجيل : 14/02/2010
عدد المساهمات : 1290

تابع الجزء الاول من الكتاب 3 Empty
مُساهمةموضوع: تابع الجزء الاول من الكتاب 3   تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالخميس 4 مارس 2010 - 1:47

وقد قال الذهبي في (تاريخ الإسلام) ـ وكان تأليفه في حياة ابن تيميةـ عند ذكره قيام متعصّبة الأشاعرة على أبي العباس بشأن (الحموية): «.. وكان قد لحقهم حسد للشيخ وتألّموا منه بسبب ماهو المعهود من تغليظه وفظاظته وفجاجة عبارته،وتوبيخه الأليم المبكي المنكي المثير للنفوس،ولوسلم من ذلكلكان أنفع للمخالفين لا سيما عبارته في هذه الفُتيا الحموية،وكان غضبه فيها للهولرسوله باجتهاده،فانتفع بها أناس وانفصم بها آخرون ولم يحملوها..»(1).
(2/20)
وأوضح مثال على كلام الذهبي هذا،ماوقع لأبي حيان الأندلسي (ت745هـ) مع شيخ الإسلام، فقد كان أبو حيان معجباً به حتى جمعهما مجلس فتحاورا في مسألة من العربية، فلما أورد أبو حيان كلام سيبويه (ت180هـ) كأنه يحتج به، قال له أبو العباس رحمه الله: «يفشر سيبويه، ما كان سيبويه نبي النحو، ولا كان معصوماً، بل أخطأ في (الكتاب) في ثمانين موضعاً ما تفهمها أنت»،ء(1) ولكن يبدو لي أن أبا حيان قد برَّر انتكاس موقفه من شيخ الإسلام بعد هذه الحادثة بسبب يُرضي أَنَفَته، فزعم أنه إنما طرء عليه هذا التغيير لمّا وقف على ما تضمّنه (كتاب العرش) لأبي العباس»(1).
وكان أمر مزاجه الحادِّ مما تناقله أصحابه وعرفوه به، فقد حكى ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) للمؤرخ الصفدي من ذلك حكاية، وخلاصتها أنه تحاور مع بعضهم في مسألة وهو صغير وكان في يده كتاب علم فلما أغضبوه ألقى المجلد من يده غيظاً، فلما أنكروا عليه ذلك ذكَّرهم بقصة موسى عليه السلام حين ألقى الألواح(1). وأقول: كأن أبا العباس ـ سقى الله قبره شآبيب الرحمةـ كان يعتذر عن وجود هذه الخصلة لديه عندما روى لتلميذه الذهبي: أن جدّه المجد بن تيمية (ت652هـ) كانت فيه حدّة(1). والذي يعنينا أنه رحمه الله كان يقهر حدّته هذه بحلم وصفح.
لقد كان الإمام الذهبي كما يظهر من كلامه السابق محبّاً لشيخ الإسلام، وكان هذا الحب معتدلاً كما ينتظرمن إمام منصف عالم بأقدار الرجال،وليس فيما اطّلعت عليه عبارات سيئة فيه اللّهم إلافي (بيان زغل العلم)و«النصيحة».
أما «النصيحة» فقد ازددنا علماً ببراءة الذهبي منها، بعد العثور على المتهم الرئيس بإرسالها، وأما (زغل العلم) فقد مرّت بك قبيح كلماتها، ونازل تعبيراتها في حق شيخ الإسلام، مما يدعو إلى النظر فيها بريبة، وتغليب احتمال كونها منحولة عليه أيضاً، أو أن تلك العبارات قد أقحمت إقحاماً في الكتاب، ولعلّ الله تعالى يوفّق أحد الدارسين إلى كشف جديد بشأنها.
(2/21)
لقد دافع الذهبي في كل كتبه، المؤكّد ثبوتها عنه، عن شيخ الإسلام، وعلمنا من نقل ابن رجب الحنبلي، رحمه الله، أنه أرسل إلى أحد مناوئيه، وهو تقي الدين السبكي (ت756هـ) رسالة يعاتبه فيها على كلامه الذي صدر عنه في أبي العباس، وكان كلام السبكي ممّا يُذكّر بقول الشاعر:
وشمائل شهد العدو بفضلهاوالفضل ما شهدت به الأعداء(1)ولو عُرف عن الذهبي أنه كان يصرّح في مجالسه الخاصة،أو العامة،بغير مارأيت من كلامه السابق عنه لتلقّفته الشافعية سريعاً،ولبلغ ذلك عبدالوهاب السبكي فكان ذلك سبباً في تخفيف سلاطة لسانه نحو شيخه الذهبي.
وإني لأعتب على المحقّق الفاضل الدكتور بشار عواد معروف ـ بارك الله في عمره ـ إذ يرى أن السبكي قد أسفَّ إسفافاً كثيراً، وأقذع في شتم الذهبي لما ذكره في (تاريخ الإسلام) في ترجمة أبي الحسن الأشعري (ت324هـ)، ولا يرى في «النصيحة» التي نُسِبَتْ إلى الذهبي، وصدَّقها هو، إلا نصحاً فيه لومٌ ونقدٌ وتقريعٌ لا عبرة بقول من أكبر الذهبي عن كتبها فهلاّ أجرى على الذهبي قسطاسه(1).!!
نقل ابن ناصر الدين الدمشقي، هذه المنظومة عن أبي عبد الله الذهبي يرثي بها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
يا موت خذ من أردت أو فدعمحوت رسم العلوم والورعِأخذت شيخ الإسلام وانفصمتعرى التقى واشتفى أولوا البدعِغيّبت بحراً مفسراً جبلاًحبراً تقياً مجانب الشيعِفإن يُحدّث فمُسلِم ثقةوإن يناظر فصاحب «اللمعِ»وإن يخض نحو سيبويه يفهبكل معنى من الفن مخترعِوصار عالي الإسناد حافظهكشعبة أو سعيد الضبعيوالفقه فيه فكان مجتهداًوذا جهاد عارٍ من الجزعِوجوده الحاتمي مشتهروزهده «القادري» في الطمعأسكنه الله في الجنان ولازال علياً في أجمل الخلعمع مالك الإمام وأحمدوالنعمان والشافعي والخلعيمضى ابن تيمية وموعدهمع خصمه يوم نفخة الفزعِ(1)
محمد بن السَّرَّاج الدمشقي
(المتهم بإرسال النصيحة)
(2/22)
اسمه: محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الوهاب بن محمد بن طاهر بن السَّرَّاج القرشي الدمشقي الشافعي،عز الدين،أبو عبدالله.حياته:
لم أقع على مصدر يترجم له سوى ابن رافع السَّلاَّمي (ت774هـ) في (الوفيات)(1) وعنه نقل ابن قاضي شهبة، وابن حجر العسقلاني(1) ولم يذكره ابن كثير في (البداية والنهاية) ولا غيره من أودّاء ابن تيمية أو أضداده فكان ذلك عجباً بحق، ولا أصحاب طبقات الشافعية، أو الصوفية، إلا النبهاني الذي وقف على جزء من كتاب ابن السَّرَّاج، وذكر معاصرته لابن تيمية في مقدمة الكتاب، ولم يزد بشيء.
فكان لزاماً عليّ أن أستخلص ترجمة له من مصنَّفه، وهي ملامح لا بأس بها في إعطاء تصور جيّد عن الرجل. وإن قُدّر العثور على كتبه الأخرى فستزداد معرفتنا بتفاصيل عن حياته(1).
هو دمشقي من أسرة يبدو أنها قديمة السكنى بدمشق، يفهم ذلك من حديثه عن قلندري سكن دمشق ومات بها، هو يوسف القميني (ت657هـ)، قال عنه: «... وهذا الشيخ وقع نظره على أبي وجدّي ـ رحمهم الله تعالى ـ فأفلحا به غاية الفلاح...» ولا يعني هذا أنهما من العامة، بل كان أبوه قاضياً ويحتمل أن جدّه كان كذلك.
تعرفت أسرة ابن السَّرَّاج على الأسرة المهاجرة حديثاً من حرَّان إلى دمشق سنة: 667 هـ، تلك الأسرة التي كان منها صبي لم يجاوز الثامنة من عمره كتب الله تعالى أن يكون من مجدّدي هذه الأمّة، وأحد أعاظم أئمة الدين، بل أحد عباقرة الدنيا. إنه: أحمد بن عبد الحليم الحراني النميري (ت728هـ).
نشأت صداقة الطفولة بين محمد بن السَّرَّاج وأحمد بن تيمية، وكانا متقاربي السن إلا أن ابن تيمية يكبره قليلاً فيكون مولد ابن السَّرَّاج بعد سنة 661 هـ بقليل.
قال ابن السَّرَّاج: «.. كان بيننا وبين هذا الفاضل أنس عظيم، ومجاورة بالأهل والعيال، بالبلد والبساتين من حين الصغر، واللعب المعتاد بين الصغار..»(1).
(2/23)
ويفهم على هذا أنَّ أسرة ابن السَّرَّاج كانت تسكن بحي القصّاعين لأن والد أبي العباس نزل بها(1)، وكان هذا الإمام يخرج بأولاده إلى البساتين على سبيل التنزّه، ونستنتج: أن أسرة ثالثة هي: أسرة الإمام؛ تاج الدين الفزاري المعروف (بالفركاح) ربما خرجت معهم، لأن ابنه البرهان الفزاري كان صديقاً لابن تيمية منذ صغره(1).
ويبدو أن صداقة ابن السَّرَّاج لابن تيمية استمرّت إلى مرحلة الشباب، لم يشبها مُعَكِّر، إذ كانت شخصية أبي العباس في طور تكاملها. قال ابن السرّاج: «.. ولما اشتغلنا بالعلم الشريف، كنا أكثر الأوقات مجتمعين، وفي محافل تحصيله ملتئمين..».
وعلى هذا فليس ببعيد أنهما اجتمعا في مجالس السماع الصوفي التي ربما حضر ابن تيمية بعضها ـ على مضض ـ في أوائل عمره(1).
ولما أنهى ابن السَّرَّاج تحصيله، العلمي وتأهّل لنيل وظيفة كأمثاله، جرت أمور لم يتضح لي كنهها، إلاّ أنني أظن أنه أغضب عليه بعض أمراء المماليك، فعيّن قاضياً في الأطراف، عند آخر حدود الدولة المملوكية في البيرة، وبهسنى، وقلعة المسلمين، وكختا، وجميعها الآن في جنوب تركية، وسيأتي سبب ظني هذا لاحقاً.
ويفهم من كلام ابن السرّاج أنّ له خصوماً كان يبادلهم العداء وذلك بيِّن في غير ما موضع من كتابه،من ذلك قوله:«من جُملة المناوئين لنا،والمترجحين علينا في العاجلة»،وهؤلاء الخصوم هم في الأغلب خصوم(أوليائه)من فقراء القلندرية،وقد قال معبّراً عن شعوره نحوهم:«..ولذلك وأمثاله أحببنا كيف أمكن اعتزالهم،وكرهنا منازلتهم،وأبغضنا نزالهم،فليس في صحبتهم صلاح،ولا في قربهم فلاح، ولا في نجواهم نجاح. أبعد الله بيننا وبينهم المدى، وابتلى بجهالتهم العدى، وجعلنا ممن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى».
(2/24)
وقال: «فإن قلت لم ذكرت ذلك ومثله وأكثر العالم ينكرونه ويتسلطون على عرضك؟..»، ولا يتردد بين الحين والحين في مدح نفسه، كما قال في موضع من كتابه: «.. فإن قلت: لم باشرت الحكم بالبيرة وقلعة المسلمين وبهسنى المحروسات؟ ومن يصلح لمباشرة الثلاث لا يصلح للعلم بين يديك لفظاً ومعنى بل يستحق أن يشتغل عليك ثلاثين حجة، وإن كانت معرفته بعد ذلك بالنسبة إلى معرفتك لقاسية فجة؟ قلت: إن في ذلك لحكمة كما قدّمناه آنفاً، قد علمها أهل الباطن والتصريف، وأخّروا المستحق عن مناصبه، لما يجهله أهل الباطل والتحريف..»(1).
شيوخه:
1 ـ أحمد بن شيبان الصالحي (ت 685 هـ) سمع منه (الأربعين) للقشيري (ت465هـ)(1)، وقد سمع منه ابن تيمية أيضاً والمزي (ت742هـ)، والبرزالي (ت737هـ)وغيرهم(1).
2 ـ عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري، تاج الدين (ت690هـ) وكان اشتغاله عليه سنة 684هـ، وهو ممّن سمع منه ابن تيمية، والمِزّي، والذهبي الذي أثنى عليه وذكر أنّ معظم فقهاء دمشق وما حولها، وقضاة الأطراف تلامذته(1). وقد مدحه ابن السّرّاج مدحاً عظيماً من ذلك قوله: «.. وأرجو أن ينفعني الله تعالى ببركته، وقد نفع نفعاً بالغاً، وجرى له معي أحوال بعد وفاته، وقد رأيته مراراً في المنام، وأشار إليّ بما لا يذكر، وبيني وبينه اتّحاد من جهة أعرفها، فإنه كان قابلاً للعلم الباطن»(1).
3 ـ أبوه علي بن عبد الرحححن بن عمر بن السّرّاج القرشي الدمشقي (مات قبل سنة715هـ) كان قاضياً.
4 ـ أدرك الإمام محيي الدين النووي (ت676هـ) وهو دون العاشرة، فذكر أنه من شيوخ أبيه وأنه كان يتردد إليه معه فسمع منه أشياء وأقرأه أشياء انتخبها بخطه في كراريس، قال: «ثم حجبني القدر عنه».
5 ـ محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، بدر الدين (ت733هـ).
6ـ عبد الله بن مروان الفارقي، زين الدين (ت703هـ).
7 ـ محمد بن أبي البركات، تقي الدين، المعروف بابن القرشية (ت724هـ).
(2/25)
8 ـ محمد بن سالم بن واصل، جمال الدين الحموي (ت697هـ).
9 ـ أحمد بن محسِّن بن مَلِي الأنصاري البعلبكي، نجم الدين (ت699هـ) قال عنه الذهبي: «.. يخلُّ بالصلوات ويتكلّم في الصحابة نسأل الله السلامة» و «... بلغني عنه عظائم»(1).
ولا يستبعد أنه أخذ عن غير هؤلاء ممن أخذ عنهم أقرانه من طلاب العلم بدمشق. أما شيوخه من الصوفية والقلندرية والمولّهين، فكثير كما يفهم من كلامه، من أبرزهم:
1ـ علي بن محمد بن أحمد الرفاعي أخذ عنه سنة 708 هـ إجازة الرفاعية وقال إنه لبس الخرقة من غيره مراراً.
2ـ عمر السنجاري (كان عمره سنة 715 هـ تسعين عاماً).
3ـ براق بابا (ت 707 هـ) الحيدري.
4ـ محمد المرستاني الحيدري وأظن أنه أخذ الحيدرية عنه(1).
مذهبه:
كان شافعياً في الفروع، أشعرياً في الأصول، قلندرياً رفاعياً في تصوّفه.
مؤلفاته:
1ـ «روضة الرواة وقدوة الهداة» اختصر فيه كتاب معرفة علوم الحديث لابن الصلاح (ت643هـ). ألفه سنة 690 هـ بدمشق.
2ـ «الالتماس لمزيل الالتباس» قال ابن رافع: «فيه حديث وتفسير»، ألّفه سنة 697هـ بدمشق.
3ـ «البحث المشاع في حكم السماع» ألّفه سنة 698هـ بدمشق.
4ـ «صفوة النظر في الاختصار لمحك النظر والافتكار».
5ـ «الصافي»، وهذا والذي قبله مختصر «محك النظر» و«المستصفى» للغزالي (ت505هـ). قال: «وكان اختصارنا لهما أواخر سنة 687هـ، وكان مبدأ اشتغالنا الثاني في سن الحداثة سنة 684هـ، فتكون مدة الاشتغال إلى حين التأهل لتصنيف ذلك وغيره من الفنون، نحو ثلاث سنين».
6ـ «مجاز الوصول إلى حقيقة المحصول» اختصر فيه جلَّ (المحصول) كما قال، و(المحصول) مؤلف للفخر الرازي (ت606هـ) وذلك سنة 688هـ بدمشق.
7ـ «كفاية العَجول في علم الأصول» ألّفها بعد الكتب الثلاثة المارة الذكر بقليل. قال: «ولم نجعل أكثر كتبنا اختصاراً، إلا طلباً للبركة والتشرّف بالأئمة الماضين، يعلم ذلك ذو اللب».
(2/26)
8ـ «منقذ الفقهاء من جهلة السفهاء» مختصر يتعلق بخلق السسسوات والأرض وعجائبهما.
9ـ «نادر التشبيه في اختصار التنبيه» ألّفه سنة 709هـ ويبدو أنه كتبه في بعض الثغور الشمالية.
10ـ «غائظ الشيطان الرجيم من فيض بسم الله الرحمن الرحيم» مختصر.
11ـ «ثمرة الآراب من شجرة الآداب» فيه قصائد من نظمه.
12ـ «تشويق الأرواح والقلوب إلى ذكر علام الغيوب».
13ـ «تفاح الأرواح ومفتاح الأرباح» وهما اللذان وقفت عليهما.
14ـ وقد ضمن التشويق كتابه «النور الهادي المثبت من كرامات الأولياء ما يرغم الأعادي، الشاهد بصدقه من المؤمنين الرائح والغادي».
15ـ ومثله: «السراج الوهاج في مقتل عثمان بن عفان، والحسين بن علي، وحال الحجاج» ويبدو أنه أفضل كتبه، وما أظن ما فيه من صواب إلاّ مأخوذاً من ابن تيمية. وفي الكتاب نقول نادرة لاعتقادات النصيرية وغلاة الرافضة من نظم ونثر.
16ـ وذكر البغدادي باشا (ت1339هـ) في ذيله على (كشف الظنون) كتاباً له في الأدب اسمه «زواهر الفكر وجواهر الفقر» قال: إنه فرغ منه سنة 721 هـ(1).
ويحتمل أن له كتباً أخرى لم يرها البغدادي كما لم ير الكتب التي ذكرتها لك نقلاً عن (التشويق) الذي ألفه سنة 715 هـ. وقد وهم البغدادي لما ظن أن ابن السَّرَّاج يُعرف بابن المرابط، وأرى أنه لقب أحد النساخ هذا إن لم يكن الناسخ هو: محمد بن عثمان أبو عمرو بن المرابط (ت752هـ)، الذي هو من مشرب ابن السَّرَّاج فيما يبدو، وذلك لأنه حطَّ على الحافظ الإمام الذهبي وترجمه ترجمة أفرط في ذمّه فيها(1).
وفاته:
(2/27)
عاش ابن السَّرَّاج متذمّراً، متشكّياً من أناس يعرفهم، وذلك بادٍ في كتابه: (التشويق) و(التفاح)، ولم يرض عن حاله فيما يبدو لي طوال السنوات التي عاشها بعيداً عن دمشق. ويبدو أن شيخوخته انقضت بين البيرة وبهسنى وكختا، إلى أن أصيب بالفالج في حدود سنة743هـ تقريباً، وعانى من مرضه ثلاث سنوات وثمانية أشهر إلى أن مات (بكختا) في الثاني من شهر ربيع الآخرة سنة 747هـ، وقد أخطأ ابن رافع فعدّه من المتوفين في ذي الحجة، من تلك السنة.
وقد ذُكر تاريخ وفاته في آخر مخطوطة (التشويق)، وأظن أن مريداً له أو ابناً هو الذي كتبها، ثم كتب هذه الأبيات، وذكر أن المؤلف نظمها في مرضه بالفالج، وهي تعكس امتداد معاناة ابن السَّرَّاج في منفاه:
يعزّ على قلبي أراني مقلّباًبأيدي النسا والروح تُطوى وتُنشرُمن الفالج المقضي علي بلاؤهولله حمد دائم ليس يحصرعلى أنني أرجو الرضا بقضائهولست بأقوى يا ليالي فأصبروأسأله عفواً ولطفاً ورحمةلعلّي أن أحظى بذاك وأظفروإن كان تكثيراً لأجرٍ فحبّذاوإن كان عن ذنب عظيم يكفّروإن كانت الأخرى فللّه درّهاتريح فؤاداً ميتاً ليس يحصرهموم وأحزان وصحبة معشرٍ(...) من خير وفي الشر تنذريعانون أوصافاً من الشرّ والدَّهاخيارهم في الشرّ من هو أمكرتراهم إذا ما الشرّ أطلع رأسهسعاة إليه كالطيور تنفرإإإه السماء امنن بتفريق شملهمفلطفك بالمسلمين أحرى وأجدرفبثّ المساوي العبد أولى بتركهولكن بعض الشرّ يحكى وينذرفيا ربّ خلّصني فإنك عالمبنيّاتِ عبدٍ كالهباء وأحقرعلى أنني قاضٍ بذنبي مطلقاًوما فيّ من وصف رضا فهو مهدروإن عذابي ليس شيئاً لديكموما أنا جبار يقال يصغّر(1)
بعض كلمات ابن السَّرَّاج في شيخ الإسلام ابن تيمية
كنت قد ذكرت لك أن ابن السَّرَّاج أشعري رفاعي، والرفاعية ضرب من القلندرية الذين هم أسوأ أصناف الصوفية، فعلى هذا ليس بغريب أن يكون موقف ابن السَّرَّاج عدائياً، بل شديد العداوة من شيخ الإسلام.
(2/28)
لكن المعرفة الشخصية بينهما(1)، وصداقة الطفولة، والفتوّة الأولى، ومجالس طلب العلم، إلى آخر ما هنالك، جعلت هذه العداوة من طراز آخر ـ كما يبدو ـ فلا مقاطعة كاملة بينهما، بل يستنتج؛ أنهما كانا يتناصحان هذا وأعني شيخ الإسلام يدعوه إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وذاك يدعوه إلى ما ظنه حقاً وهو عنه بمعزل.
وإخال أنك ستوافقني القول، في احتمال كون ابن السَّرَّاج، هو الشخص المعني في كلام ابن شيخ الحزامين (ت711هـ)، الذي ذكر أن أحدهم ألّف في ابن تيمية كرّاسة يذمّه فيها، مع ذكر فضائل له، تعمية لسوء نيّته، وجعل يدور بها على بعض محبي ابن تيمية، ويقرؤها في خلوة عليهم(1)، وسيقوى عندك هذا الاحتمال إن استرسلت في القراءة وتأمّلت كلام ابن السَّرَّاج.
كانت عقلية ابن السَّرَّاج خرافية كما سيتّضح لك من النقول التي سأنقل لك بعضها، وانظر إلى حديثه عن رمز قلندري هو يوسف القميني، فبعد أن ذكر أن هذا الشيخ وقع نظره على أبيه وجدّه فأفلحا به غاية الفلاح،قال: «وخصنا الله تعالى من تلك البركة الموروثة، بما عمّنا بأنواع الرباح، وأوصاف الخير والنجاح ولذلك صار أكثر نصيبنا لما وفقنا الله تعالى لسلوك هذا الطريق الشريف من حال الصغر من المولهين، ولنا معهم أحوال وقضى لنا ببركتهم آمال.».
وقد قال شيخ الإسلام كلاماً ما أظنّه قصد به إلاّ ابن السَّرَّاج وأباه وجَدّه أو أمثالهم: «... فهؤلاء يعمدون إلى الصبيان ويربّونهم على التوَلّه تربية، ويعوّدونهم الخروج عن العقل والدين عادة، كما يعوّد الأنبياء والصالحون أتباعهم ملازمة العقل والدين»(1).
(2/29)
وكان يقبل كل ما ورد من خزعبلات أوليائه وإن خالفت العقل والدين، فقد صدَّق أن هناك شجرة إن أكل من ورقها الشيخ الهَرِم عاد شاباً يافعاً، وأن شيخاً صوفياً تحوّل جسده إلى ذهبٍ وهَّاج وأنه أعطى شخصاً قطعة من جسده الذهبي، وأن شيخه تاج الدين الرفاعي نزل مرة إلى نهر دجلة ليغتسل وغاص وبقي في الماء حتى خاف عليه من كان معه، فلما صاحا مستغيثين طلع إليهم وقال: «يا أولادي والله وجدت تحت الماء سبعاً وسبعين طائفة من الجن وشرعت أتوّبهم وأقصّ شعورهم، وأنتم أزعجتموني» وكان في يده كثير من شعور الجن(1) !.
وكان يصدق بوجود الغول، لأن كرامة لأحد أوليائه ورد فيها ذلك(1)، ويسوّغ للقائلين بـ«الشاهد» من الصوفية انحطاطهم الخلقي في تتبع الجمال البشري، والتعبد بذلك، وذلك في قصة يرويها عن شيخه عمر السنجاري وكيف تعرّف على المولّه القلندري مبارك الهندي (ت689هـ)، الذي كان تاجراً في بدء أمره، ثم تولّه لأنه كان يلازم الوقوف والنظر إلى وجه عمر السنجاري، الذي أخبر عن نفسه: أنه كان فائق الحسن والجمال.
والمهم في الأمر؛ أن ابن السَّرَّاج شعر أن هذا الذي حكاه سيُعترض عليه من قِبل أهل الشريعة، فقال: «فإن قيل ما سبب نظره إلى صورة الشيخ عمر السنجاري وخروجه من الدنيا بعد ذلك ؟ قلنا: فيه أسرار، منها: أن الصانع يعرف بمصنوعاته ويستدل عليه بها، ومنها أن الصور مظاهر لمعانٍ، ومنها أن بعض النفوس تجذب إلى الجانب الإإإهي بنظر المحاسن، وبعضها يجذب بسماع المطربات، وبعضها بالمواعد الحسنة، وبعضها يجذب بالتخويف، والتهديد، والاطلاع على أنواع المفزعات، وبعضها يجذب بالابتلاء والامتحان، إلى غير ذلك ولولا خروج الكتاب إلى حد الإطالة لشرحنا ذلك وغيره، ثم انظر خاصية النظر كيف حصل تأثيره في الناظر والمنظور، وكيف كان الاستعداد من الجهتين، ثم إن النظر في ذلك إلى ما يعرفه الخواص المؤيدون بقوة الله تعالى، المبرؤون من ظن السفلة وطعن الجهلة...»(1).
(2/30)
وقال وهو يعلل غرام قائل بالشاهد كان مولعاً بالمردان: «إن الصبيان أقرب إلى رؤية النور الإلهي، والإنعمال الكلي، للمعنى الرباني الذي أودعه الله تعالى في أوليائه، وخزنه في قلوب أصفيائه. يعلم ذلك من هداه الله، ويعتقده من أيّده الله»(1).
وكان يبرر أيضاً تجسس بعض الصوفية وأكثر القلندرية للمغول وعمالتهم لهم، قال: «.. فإن قيل:نريد أن نعرف عذر من يخفر غير الإسلام قلنا: من جملة الأعذار بعد: {وما فعلته عن أمري} أنهم مع المشيئة الربانية، وخفراء الإسلام مع المشيئة والشريعة فهم أكمل، وفيه نظر تركناه لعارفه»(1).
وقد نقل قصة في ذلك،عن قلندري يقال له معتوق الباعشقي سكن بغداد وطعم مما أنفقه عليه المغول، قال: «روينا عن شخص من أصحابنا الصُّلحاء، ولم يكن بدمشق مفتٍ سواه يقال له الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن شبل المالكي، الجزري ثم البغدادي (وهو من قلندرية الحريرية مات سنة713هـ)، قال: توجهنا إلى زيارة الشيخ معتوق ـ وكلاهما ببغداد ـ مع فقيهين آخرين، وقالوا في طريقهم: كيف يأكل الشيخ معتوق مال صاحب الديوان (وهو موظف مغولي)، مع ما هو معلوم فيه من الشبهة والحرام ؟
فلما وصلوا، قال: يا أولادي تقولون عني كذا وكذا، وأعاد الجميع ثم قال: ما لي حيلة، والله لو أطعموني خراج قحبة لأكلته!! فاستحيوا من هيبته واعتذروا كثيراً»(1).
وحكى خبر أحد الرفاعية يقال له ابن قليج الرفاعي (كان حياً سنة699هـ) كان من أمره أنه دخل النار أمام المغول فلما لم تضره أكرموه غاية الإكرام. وكان قد استغاث قائلاً: يا سرَّ سيدي تاج الدين (الرفاعي) !! وأنه أعطي مرسوماً من المغول، مضمونه أنه يكرم، وإن مات في مكان يموت أهل ذلك المكان، فكان كلما حلّ بموضع أكرم ثم سئل الرحيل(1).
(2/31)
وقد ذكرت لك آنفاً: أنه جرت لابن السَّرَّاج أمور لم يفصح عنها وذلك قبيل سنة 697هـ أوجبت انتقاله بما يشبه النفي إلى الأطراف بوظيفة قاضٍ على تلك الثغور، لكن المؤكد أن شخصاً أو أشخاصاً قد تسبّبوا في فراقه دمشق التي أحبها، وكتب مناقبها ما سأعرض له لاحقاً. وهذا أمر وارد في كل عصر ومصر. وقد نقل ابن السَّرَّاج قصة عن شيخه البدر بن جماعة، حكى فيها أنه كان في شبابه يؤذى من أناس عملوا على إبعاده عن دمشق(1).
استمع إلى كلامه الذي يحكي فيه خبر تأليفه كتابه (الالتماس): «وهذا الكتاب ألّفناه بدمشق حرسها الله تعالى، أوائل سنة سبع وتسعين وستمئة قبل تاريخ المحنة(1) بما يقارب عامين، وكان من أسباب تأليفنا لهذا الكتاب أن بعض المشايخ الراسخين أخبرنا بدنو فراق دمشق، فاقتضت المصلحة تأليفه لإعلامه لنا، وتحقّقنا من جهته العالية، وإشارته السامية، أن الخروج يكون إلى المناصب القاصية، والبقاع النائية، التي لا تصلح لصغرها لتلميذ يحتاج أن يشتغل علينا عشرين سنة، قولاً جزماً لا مبالغة(1) !!.
وذلك لسلوكنا طريقة وسلوك معاصرينا طريقة، ولذلك كنا بينهم عدة سنين، ولم نزاحمهم على المناصب، طلباً للسلامة في الدارين. مع أن الجهات الدينية لم تجعل إلا شبكة لحصول مثلنا، ومع ذلك يقدم الجهال علينا، ولكنّا بحمد الله تعالى موعودون من الجهة الصادقة بالتمكين المغبوط، والناموس المضبوط، المتكفل بأضعاف الرضا، الجابر بأقله كل كسر مضى، وإنما نحن وأمثالنا مما هو من حجج الله على عباده.
ومن فوائد هذا التأليف؛ أنَّا التمسنا فيه كتابة رؤساء العلماء، وكبراء الفضلاء بالأهلية للتدريسوالإعادة واستحقاق التصدير بجامع دمشق للاشتغال والإفادة
وكان التصدير قبله واقعاً بسنين عديدة تبرعاً، إذ لا نحتاج توجهاً ولا تجوّهاً(1)، وإنما لتكون كتابتهم حج،ة وعضداً ظاهراً لما نبديه في بلاد نسكنها، ونهدي له ونرشد إلى سبيله، من طريق صلاح الدارين.
(2/32)
وأن يُعرف لنا ذلك إذ لا بدَّ منه عقلاً ونقلاً، فكتبوا وأحسنوا وابتدأهم شيخنا جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن واصل الشافعي قاضي القضاة بحماة المحروسة،وختمهم شيخنا نجم الدين أبو العباس أحمدبن محسن بن ملي الأنصاري الشافعي مفيد حلب المحروسة أخيراً بعد دمشق المحروسة وناهيك بهما إمامين عظيمين، وإن لم يعرف قدرهما كثير من الخلق..»(1).
ونجد في مقدمة كتابه هذه العبارات: «... وبلغ فينا الحسود آماله، ونال منا العنيد مناله، وظنوا في أنفسهم أنا خسرنا وهم وقد ربحوا، ولم يعلموا أنا بحمد الله قد أفلحنا وهم لم يفلحوا..»(1).
وفي موضع آخر: «.. لم نزاحمهم على المناصب العلمية في الدنيا وإن كنا أقدر(..)(1)،ولاتغتر بشهرتهم دوننا،ولابرفعة مرتبتهم الدنياوية..»(1)
وعند حديثه عن دخول المغول بلاد الشام وكان حينئذ بحلب سنة700هـ سجّل أمراً مهماً في سيرته إذ وصف خروجه من دمشق وكونه بحلب بأنها: «لأسباب وتعصبات من أعداء الدين المدعين أنهم علماء وفضلاء، طهّر الله الأرض منهم» ولما جاء إلى ذكر تولّيه قضاء بهسنى وصف توليه لها بأنه كان «من عجائب الزمان واختلال الأركان بحيث إن قبح ذلك لايوصف أبداً..».
وقال في عرض حديثه عن مساوىء الغيبة والنميمة: «... ولكن قد ابتلي بهما أهل زماننا، ولم يبق يمكن تخلصهم منهما إلا أن يشاء الله. ومما أوجب انفصالنا عن دمشق حرسها الله تعالى، إلى بلاد الأطراف بعد قضاء الله تعالى الغيبة والنميمة المشار إليهما، واستقباحنا لهما، ونفرتنا منهما ومن أهلها، وتجنبنا ذلك ومثله.
على أن أكثر من رَأينا لا يتهيأ لهم مصلحة إلا بهما وبأمثالهما، وبذلك يروج محالهم ويتقوم حالهم، ونحن نسأل الله تعالى لطفه وهدايته، وإرشاده وحمايته، وحفظه وصيانته، لنا ولسائر المسلمين آمين»(1).
(2/33)
وقال ناصحاً قرّاءه من الصوفية: «... ولا تغتر بمن يخالفه فهم الجاهلون، وإن كانوا قد شاركوا في بعض أبواب الفقه أو غيره، ولقد ثلب أعراضنا جماعة منهم وبالغوا في إيذائنا بجهالاتهم القبيحة بسبب جهرنا بالذكر(1)، والاعتناء بمحافله والإكثار من مجالسه»، حتى قال: «فيا حسرة على الجهلة ما أخسر صفقتهم المغبونة، وما أفحش ضلالتهم الملعونة. عافانا الله وسائر إخواننا المؤمنين من بلائهم المبين»(1).
وشاهد ما ذهبت إليه من أنه أُبعد عن دمشق من قبل بعض أمراء المماليك وبعض خصومه، ما ذكره عند كلامه عن خصم له لم يسمّه أكبر الظن أنه شيخ الإسلام ابن تيمية، كان يرد كرامات أوليائه المزيّفين على أنها من علم السيمياء (السحر)، قال: «.. أو يقول إن ذلك من فعل الشياطين، كما قد اشتهر عن بعض الفقهاء في زماننا بحيث لم يبق لأحد عقيدة في الصالحين، ولا حسن ظن في المؤمنين، وقد أتيت بما يقوله، وحقّق أن أولياء الإسلام كذّابون زغبلة أو مغرورون شيطانية.
وليس أحد من العلماء يرى أن يقيم نفسه في مقابلته لما قد اشتهر عنه من كثرة المناوآت، وما تحقق عنده من حب المماراة، وقد ارتبط عليه خلق كثير من العوام، وصار له جاه ظاهر عند جماعة من ذوي الأحكام، فمن ناوأه أتعبوه،ومن عارضه أعانوه، جاه الحق ضعيف وقَدُّ الحق سخيف، والوقت يقتضي ظهور ما يجب ستره، وإقامة ما يتعيَّن كسره، ولا قوة إلا بالله»(1).
وحكى أن أميراً مملوكياً كان يناقش الرفاعية بقرية (قَطَنَا) ويقول: «هؤلاء يَدَّعون الحكم على النار، وأنا لا أصدقهم، وأنا على مذهب فلان ـ العالم المعروف ـ الذي لم يبغ منكراً على الأولياء وغيرهم..»(1).
(2/34)
وقد علمنا من المصادر التي ترجمت لشيخ الإسلام أن بعض أمراء المماليك كانوا يحبونه ويعظمونه، بل إن السلطان الناصر (ت741هـ) كان يحترمه ويعزه. وتأمل قوله الذي ذكر فيه رواج مصنفاته رحمه الله عند السوقة والسلاطين. وذلك عند حديثه عن أوليائه أيضاً: «... وذلك عكس ما يقوله بعض علماء زماننا إذ قد جعل هؤلاء وأمثالهم من الشياطين، وأكثر في ذلك مصنفات متنوعة راجت عند السوقة والسلاطين، فأقل ما يقول: إني لم أقدح إلا من كان على غير الكتاب والسنة فيُصغي السامع إلى قوله ثم يشرع فيقدح الكل ويتعدى إلى المشايخ الكبار الذين وقع الاتفاق على ولايتهم، وصاروا ربانيين هذه الأمة، وإذا حاققه شخص أخرج لهم ذنباً، واخترع لهم خطأ ليخرجهم عن الكتاب والسنة»(1).
وغني عن القول إن هذا كذب عظيم على شيخ الإسلام فما كان لينقد من الأكابر إلا من أخطأ وهل كانوا معصومين ؟
أما العامة الذين أشار إليهم من محبي شيخ الإسلام، فيقول فيهم في موضع آخر: «... كفانا الله أمرهم، وردَّ عليهم شرّهم. ولقد ابتُلينا بهم كثيراً،ولقينا من جهلتهم وبالاً كثيراً،ونحن إلى الآن (سنة715هـ) لم نخلص من تعدّياتهم، ولم نسْلم من فساد أذهانهم، وغالبهم اليوم ممن يدعي الفقر والسلوك ويحل نفسه في طريقهم محل الملوك..»، ثم دعا عليهم(1).
وقال بعد سرده لكرامات أشياخه التي تخالف العقل والدين: «... واعلم أنه لا موجب لإنكار الحقائق وإهدار المعارف غالباً في هذا العالم إلا كلام من لا يعلم كما قال من قبلنا: لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.
(2/35)
وهؤلاء الذين يكونون على هذه الصفة هم أعداء الحق، وهم موجودون في كل ملّة ومذهب، يجْنون على إخوانهم وعشرائهم ورفقائهم كل جناية أعظم من أختها، ثم إن القوم المجاورين لهم والمناسبين والمصاحبين يعظم عليهم صنيعهم، ويتبرّمون من أفعالهم وأقوالهم لكن في الغالب يحصل النشب ويعز الخلاص، فتلزمهم مساوئهم وتلصق بهم عللهم ولا يستطيعون فكاكاً، فتنسب تلك الأمور إلى القوم وهم لها كارهون..»(1).
ويُفهم أن ابن السَّرَّاج كان يتابع أخبار أبي العباس رحمه الله، ويطلب مصنّفاته وفتاواه، يُفهم ذلك من غير ما موضع من كلامه، من ذلك قوله: «.. لا كالذي يأخذ الأشياء بالعنف والغلظة وعدم الرفق، وكثرة الشقشقة واللقلقة ودعوى التمعلم (كذا) والتحذيق، والفوز بالدرجة العليا، والتقدم على السابقين، والرد على الأئمة السابقين، بغير خبرة ولا دراية تصلح للعارفين، مثل من أنكر على مشهد الحسين، والست نفيسة رضي الله عنهما بالديار المصرية، فلا يلتفت أحد إليه، وكان الصواب معهم...»(1).
وأكثر ما يلفت انتباه المتأمل في (التشويق) و(التفاح) كثرة الجمل الدعائية بالهلاك على شخص لا يسمى في أكثر الأحوال، وعلى أتباعه، والمقصود هو: ابن تيمية وتلاميذه، كما يتضح بأقل تأمل، فعند كلامه على الغزالي، والفخر الرازي، قال:«... فليمت كمداً ضدهما وشانئهما بالرغم والهوان، والذل والخسران، فليس هو من أهل الإمكان ولا الإيمان»(1).
(2/36)
وقال تعليقاً على حكاية من حكايات أوليائه: «... وكم لمثل هذه الحكاية من مثل وهم يسمعون ولا يرجعون ويكابرون، وفي المتفقهة وبعض الفضلاء الظاهرية اليوم من قد أعجبته نفسه، وغرته معرفته ببعض(...)(1) فاستهان الأمر، وتعرض لقدح هذه الطائفة الإإإهية وصرح به في وقت، وكله حسد نفساني، ونظر حرماني، والوقت يقتضي ذلك لرذالته وفحش أحواله، فاختفى الفقراء المحققون فيه غالباً، وتسلط عليهم من جهلهم، فأصبح لهم ثالباً، ولِما لا يليق بهم إليهم ناسباً، ولشقاوته بعداوتهم كاسباً. تباً له ولأمثاله، والله يباعد بيننا وبين أشكاله آمين»(1).
وقال: «... ولا تغتر بمن يذكر ذلك ومثله، ويجعله من أفعال الشيطان، فإنه شخص قد الْتبس عليه الأمر، واعتقد أنه ناصح لهذه الأمة، وأنه يزيل عنها كل ما يجب إزالته، ويقرر لها كل ما يمكن تقريره، وهو ـ بالله العظيم ـ معكوس في طريقه، ممكور به قد أضل الخلق حسب طاقته، وفرق كلمتهم حسب قدرته، ولقد عظم ضرره، وتطاير لمن خالفه شرره.
فيا أسفا عليه وعلى أمثاله كيف ضاعت أعمارهم، وخابت مساعيهم، ووضعوا الشيء في غير موضعه، وهلكوا وأهلكوا، ولم يبق للموعظة فيهم مجال، ولا للنصح عندهم محل، إنا لله وإنا إليه راجعون»(1).
وقال تعليقاً على (كرامة) من (كرامات) يوسف القميني: «... ونقول إن مثل هذه الواقعة الغريبة لو جرت عند الكفرة والضُّلاّل من الخلق، لآمنوا بها، واعتقدوا الولاية في الفاعل لذلك وأكرموه وبجلوه ورفعوه، ويكون في بلاد الإسلام أصحاب الدين القيم من يدّعي العلم بيد القطبية، في العلوم الشرعية والعقلية وغيرها، ثم ينكر ذلك ويقول: إنه من المنكرات وإن فاعله ليس بشيء أصلاً.
(2/37)
وكان في أيامنا من يشبهه (أي يوسف القميني) في ذلك، ومنهم شخص يقال له: الشيخ إبراهيم المُوَلّه وله أحوال عظيمة، وكرامات ظاهرة، فلا برح إلى أن أهانه وضربه، ومن لزم ذلك الرجل لم يؤاخذه ظاهراً، وحصل عند المؤمنين من ذلك أذى عظيماً، وبالله قد عاب علينا مخالفوا ديننا،ويحق لهم ذلك ولا قوة إلا بالله»(1).
وهذا القلندري الذي ذكره أورده ابن كثير رحمه الله تعالى في تاريخه فقال: «إبراهيم الموله (ت725هـ) الذي يقال له القميني لإقامته بالقمامين..، وربما كاشف بعض العوام، ومع هذا لم يكن من أهل الصلاة وقد استتابه الشيخ تقي الدين بن تيمية وضربه على ترك الصلوات، ومخالطة القاذورات وجمع النساء والرجال حوله في الأماكن النجسة»(1).
وقال ابن السَّرّاج: «... وقد نبغ في زماننا من يدّعي العلم والفضيلة، ونصب نفسه لقدحهم ووصفهم بكل قبيحة ورذيلة، وجعل ما ينقل عنهم من هذه الفضائل أو يروى من محاسنهم مما يتمناه كل سائل إما خيالاً شيطانياً أو محالاً بهتانياً.
هكذا قال بقلمه ولسانه، ثم إنه أولاً كان يشيع بأن ذلك يقوله في قوم لا يتبعون الكتاب والسنة، ثم إنه جعل الجميع على غير الكتاب والسنة، وأخذ هذه الكلمة العظيمة، وجعلها ترساً يهول بها على الخلق، فمن سمع ذلك قال: معذور !!
ولم يعلموا أنه ينسبهم إلى الباطل بزعمه، وأخرجهم عن الحق ببغيه. وكيف لا يكون كما قلناه من جُملة قدحه الشبلي (ت334هـ) ومن والاه. طهّر الله الأرض من أمثاله وأراح العباد والبلاد من فساد أمثاله آمين»(1).
(2/38)
وقال عدوّ نفسه: «... ولقد أحسن الشيخ الحافظ أبو نعيم الأصفهاني (ت430هـ) ـ رحمة الله عليه ـ وذكر في كتابه (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) من ذلك شيئاً كثيراً ليس كغيره من هؤلاء النابغين (...)(1) في زماننا المدّعين قطبية العِلْم بل العَالَم، ممن قد أعجبته نفسه الخسيسة حتى قدح علماء الأمة، وخطّأ خلاصة الأئمة، قال عن هذا الحافظ أبي نعيم وأمثاله: إنه لسذوجتهم، وحسن ظنّهم، وقلّة علمهم، وعدم تمكّنهم، غلب عليهم حب شيء فأطنبوا في وصفه بغير تدبر.
ولما كان ممن سبقه بالفضائل؛ مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) صاحب المسند الصحيح رحمة الله عليه قال:وهل كان إلا رجلاً محدّثاً. إلى غير ذلك مما لا يوصف ولا يحكى. أدرك الله الإسلام بلطفه وعجّل لهم الخلاص من مثل هذا القائل، وزيغه وفحشه وحيفه آمين»(1).
قلت: شيخ الإسلام أعلم بأقدار الرجال من هذا الرفاعي التائه، وهو يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.
أما أشعريته التي زادت من اضّغانه وحقده وكذبه فظاهرة عند حديثه عن الصفات الإإإهية الواردة في الكتاب والسنة، فقد جرى على طريقة الخلف من إنكار المعاني الظاهرة وحملها على المجاز، ثم قال: «.. ولقد تاه في ذلك خلق كثير، وأضاعوا الزمان فيما لا يفيد، وفرّقوا كلمة المسلمين، وشعثوا سبيل المؤمنين، وادّعى كل منهم العلم والفضل والمزيّة، والتفرّد بالدرجة الفائقة، والرتبة العليّة.
والصواب العدول عن سبيلهم، والتبرؤ من قبيلهم، وخاصة من أشاع مثل ذلك بين العوام، وتلا متشابه سوره على من عساه لا يفهم مراد عشيره من واضح الكلام، وهو يعلم أن ذلك لا يصلح إلا لذوي النهى والأحلام، وكل خبير ناقد من الأعلام.
(2/39)
ولقد كنت متوقفاً في بعض أحوال شخص من أقراني، يعاود البحث في ذلك ويعاني، ويزيد عن الحد، ويجعل الولد اللاحق سابقاً على الجد، مع أنه عالم فاضل، سابق ناضل، فيه دين وتقوى، وبه يعتضد العلم ويقوى، وعنده دربة وتمهيد، ولديه تثقيف وتسديد، ولكنه قد أولع بالخلاف المخلّ، وأغري بالمقال الممل، وقارب بمعكوس تدبره سلوك الطريق المضل.
إلى أن رأيت في المنام بدمشق حرسها الله، أوائل سنة (704هـ) أن أخي في السِّنِّ وخدمة العلم الشيخ الإمام العلامة كمال الدين أبي عبد اللهمحمد بن الشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن الزملكي الأنصاري الدمشقي الشافعي (ت727هـ)(1) أيّده الله تعالى قد جاء إلى منزلي، وقال: أُمرت أن آتيك وأدعو الله أنا وأنت، فدعونا واتّفق حصول طيب لا يمكن وصفه ثم سألته فقال: استأذنت الله تعالى في أن أمضي إلى فلان يعني الشخص المشار إليه(1) وأدعو الله أنا وإياه فلم يأذن لي، وقال: إني لست معه ولا عنده ولكن امض إلى فلان ـ يعني العبد الضعيف ـ فإني معه وعنده.
فقلت: هل ذكر لك علة المنع ؟ فقال: قال لي عنه إن ذلك من أجل اعتقاد يعتقده. فعند ذلك علمت أن ذلك الشخص مغرور.
ولقد آلم قلبي ذلك !! ووددتُ نصحه وإعلامه، لكن تحققت أنه لا يفيد فيه القول، بل يحمله على المبالغة في الأذى والتحيل على قلب الرؤيا وردها على الناصح، وجعلها من تلبيس إبليس، إلى غير ذلك مما يشوِّش الباطن والظاهر، ويعكس الأوّل والآخر، كعادة أمثاله ممن قد أعجبته نفسه، وفسد حاله..»(1).
وقال في سياق حديثه عن السماع والتواجد: «... وأما في زماننا هذا، فقد رأينا في أيام الجمع وغيرها من يظهر عليه وجد، أو يبدو منه صياح ونحوه في حال الخطبة، أو عند سماع قرآن، أو ذكر، أو غير ذلك، فيبادر إليه المنكرون ويؤذونه، وربما شتموه ولعنوه، ورأيت بعض الفضلاء الظاهريين، يقوم إليه ويعرك أذنيه، ويقرأ قوله تعالى: {آآآ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ااا تَفْتَرُونَ}(1).
(2/40)
ثم قال: «.. فإن قلت: هل رأيت من تأثير فعل هؤلاء وأفكارهم ما ليس بالمنكر شيئاً ؟ قلت: نعم، رأيت من تبعهم في ذلك من جهلة العامة والمتفقّهة والمتفقّرة، ورأيت من بعض أتباعهم أمراء، ونوّاب قلاع حصينة معدودة مذكورة مشهورة، لهم صيت وصَوْلة عظيمة، وزادوا في شنيع الاتباع الذي وافق اعتقاداتهم الرذيلة، وطبائعهم الكفرية، بحيث لم يبق في البلاد التي يحكمون عليها صالح يتجاسر أن يمكن حالاً يطرأ له من ظهور أصلاً، لا عند سماع الخطبة، ولا عند سماع القرآن، ولا الذكر، ولا التسبيح في الأسحار، بل صار كل منهم إما أن يبتعد من ذلك، وإما أن يتقرب ويتمغص بحاله إلى أن يكاد يهلك.
واشتهر ذلك وتفاحش عدة من السنين، اتباعاً لبعض المنكرين من الفضلاء الظاهرية بدمشق،لكونه وافق طبعه الرديء، وقلبه الدنيء، ودينه الفرعوني، حتى إنه لم يبق أحد يقدر أن يسلك سبيل معروف أصلاً، لئلا يُحضره ويستهزىء به أو بمن علّمه، ثم يهينه ويتهدّده ويستتيبه عن الخير جملة. هذا مع ظهور المنكرات في بلده، وتفاحشها والإصرار عليها، والإقبال بكل وجه إليها(1).
وكذلك أيضاً تسلّطوا على الفقراء بأجمعهم(1) وآذوهم وضربوهم ونفوهم وأبعدوهم وأوعدوهم، وحرموا الإحسان إليهم جملة كافية، وأولوهم من بلاياهم أقساماً وافية، وربما أن العبد الضعيف فاوض بعض هؤلاء المقتدين، وذكر له ما جاء في اتباع سبل المعتدين.
فكان الجواب: إنّ كُتب الفاضل الفلاني(1) جاءتنا من دمشق، ومما تضمنت أن أكثر هؤلاء الفقراء اليوم زنادقة يحل قتلهم بالأصالة(1)، فتعب العبد الضعيف كثيراً، إلى أن أزال من ذهنه الشيطاني ذلك أو بعضه، وعرف السامع تعصب ذلك الفاضل وبغضه، وغور قوله وعوره، ونقصه ونقضه، وطول بلاء معتقده وعرضه.
(2/41)
فأي فتنة أبلغ من ذلك في الدين،وأي فرصة أشهى منه إلى قلوب المفسدين،فالله تعالى ينظر إلى الإسلام بعينه المتعالية عن المنام، ويريحهم من ذلك وأمثاله الذين قد انثلم الدين بتمعلمهم(كذا) أقبح انثلام، وهم يعتقدون أنهم من أعوانه وأن كلاً منهم بما يعتمده يحقق أمانة إيمانه،تعالى الله عن ذلك أن يكون كذلك بل هم المفسدون المفرقون والمارقون الممزقون..»(1).
وقال بعد كلام طويل عن الرفاعي وكون قبره يُقصد بالزيارة ونيل البركة: «.. وإن أنكر ذلك بعض المدّعين علماً وفضلاً، واستدلّ بظواهر، واعتضد بنقول، فليس بشيء عند التحقيق في ذلك جميعه(!!) وفيه بحث كثير وكلام طويل.
والذي عليه العمل الآن، وقد قال به أئمة الأمصار: الجواز والاستحباب (!!)،فثق بما نقوله ولا تغتر بمخالفته،فليس هو في مخالفته سائر مع الحق، ولا قاصد إلى الصدق، حقّقنا ذلك كشفاً (!!) وعلماً، وأوثقناه حكمة وحكماً»(1).
ولذلك نراه يذكر زياراته لقبور أوليائه، من ذلك أنه زار تربة أحدهم (بكفر طشة) قرب البيرة وقال: «.. ولنا إليها ترداد، وسهرنا فيها ليالي بالذكر والفكر، ولنا منه نصيب وافر في الباطن، وبإحسانه وفضله»، وقال عن تربة أخرى: «ولنا إليها تردد بحمد الله»(1).
(2/42)
واتَّهم ابنُ السَّرَّاج شيخَ الإسلام بأنه مثير للخلاف إلى آخر ما هنالك من افتراء مكرر في ثنايا الكتاب،ففي مقدمة (التشويق) يقول: «إنه كثرت الإشارات الباطنة (!!) إلينا في تأليف هذا الكتاب،على ما هو عليه من تقريع المتمعلمين والمتحذلقين(كذا)،واستهجان المتقولين،واستقصاء الحاسدين والحاقدين». ثم وصف ابن تيمية وأصحابه قائلاً: «.. وسبب قولنا في ذلك ومثله؛ أنه قد ظهر في زماننا أقوام قد أغروا بمهلك الخلاف، وسلّوا سيف الفتن من مُحكم الغلاف، وأوسعوا الحيل في تفريق الائتلاف، وبذلوا الجهد في موجب تحقيق التلاف، وأطالوا في إفساد العقائد كلاماً كثيراً وارتكبوا في هدِّ القواعد إثماً كبيراً، ورضوا لأنفسهم تكرار الإهانات سنين عديدة، ولم ينالوا بتوالي العتابات...» ثم حكى أحلاماً تحلَّمها من هم على شاكلته في ذمّ أبي العباس ـ قدس الله روحه ـ ومنهجه وفتاواه(1).
أما قوله: إن الإشارات الباطنة كثرت إليه في تأليف كتابه (التشويق) على ما هو عليه... إلخ، فقد دلّنا كيف تكون الإشارة بذلك عنده، ومنها نفهم كيف يفكر الصوفي قال: «.. ولقد وقع للعبد الضعيف مصنّف هذا الكتاب ـ عفا الله عنه ـ من ذلك شيء كثير، وأضمرت في نفسي عزماً على ما سأفعله من عقد مجلس ذكر أو غيره من أبواب الخير، فأرسل الله تعالى من خاطبني بذلك على ما هو مضمر في نفسي، فأعلمُ وأتحقق أنه مخاطبة معلمة باستحسان ذلك، ومشيرة بفعله، ومرغبة في اصطناعه، وهذا الذي نقوله يعرفه من له ذوق»(1).
قلت: إذن فالمسكين يعدّ وسوسة شيطانه وطلب رفاعية دمشق وقلندرية الأرجاء تأليف كتابه ذاك إشارة تستحسن عزمه الرد على شيخ الإسلام، وكان قد قال في أوائل كتابه:«..ولم نقل شيئاً ولم نؤلف كتباً إلا بإشارة مقبولة»(1)
(2/43)
وقد روى ابن السَّرَّاج(ت694هـ) حادثة عساف وكاتبه النصراني التي جرت سنة693هـ ويبدو أنه كان بدمشق يومئذ فقد ذكر بعض التفاصيل التي تهم المؤرخين، بيد أني توقفت عند تعبير استخدمه في كلامه يستنتج منه غيظه على ابن تيمية رحمه الله. قال ـ والقصة عند ابن كثير(1) وغيره ـ: «وأفضى ذلك إلى أن نائب السلطنة الشريفة ملك الأمراء عز الدين أيبك الحموي (ت703هـ) ضرب الشيخ زين الدين الفارقي ضرباً عظيماً، وضرب الشيخ تقي الدين بن تيمية أقل منه، ظلماً وعدواناً..»(1).
فإن كلمة: «أقل منه» تُظهر خبء شعور ابن السَّرَّاج تجاه ابن تيمية في هذه الواقعة أيضاً، وكان ابن السَّرَّاج يعظّم الفارقي لأسباب، منها قول الفارقي في الفقراء؛ أصحاب ابن السَّرَّاج: «.. أعطيت من الله أن مهما ورد عن الفقراء رضي الله عنهم مما تستنكره الضعفاء أستخرج له وجهاً، وأقيم عليه دليلاً وأحل عويصه!!»(1).
كان ابن السَّرَّاج بدمشق سنة704هـ ويحتمل أنه بقي بها إلى سنة705هـ، وحضر المناظرة الكبرى بين شيخ الإسلام ابن تيمية والرفاعية ومن كان معهم من ضروب القلندرية، وقد نقل كلاماً لأبي العباس كأنه سمعه منه حينئذ قال: «.. ثم إنه قال: وإنه يكون بأرض الهند ضرب من الزط يفعلون هذا، وهؤلاء المتولهون والمنتسبون إلى بعض الشيوخ إذا حصل لهم وجد سماعي، كسماع المكاء والتصدية، فمنهم من يصعد في الهواء، ويقف على زج رمح، ويدخل في النار، ويأخذ الحديد المحمى ويضعه على بدنه، ولا يحصل له هذا الحال عند الصلاة ولا عند الذكر، ولا قراءة القرآن، لأن هذه عبادات شرعية إيمانية إسلامية محمدية تطرد الشياطين، وتلك عبادات بدعية شركية شيطانية فلسفية تستجلب الشياطين، (قال ابن السَّرَّاج) إلى كلام طويل يكفي منه هذا الذي حكيناه».
(2/44)
وكان قد نقل قبل ذلك (كرامة) قلندري رفاعي يقال له:محمد الرصافي، وكان من أمره: أنه كان يظهر شرب الرصاص المذوّب، ويتمرّغ في النار، ويأخذ ورقة بيضاء أو غير بيضاء ـ كما يروي ابن السَّرَّاج ـ فيضعها في كفه ثم يقرأ عليها فتخرج درهماً فضة صافية، ثم يريهم إياه، ثم يفركه أخرى فيخرج مسكوكاً بسكة الوقت الحاضر.
وقال: «.. فإن قال ضدٍّ لشدة بغضه، وشنيع تعصبه: لم أسمع بهذه الأحوال،ولا أظنها صحيحة فقل:ارجع إلى المشايخ والمقتدين والمدرسين والمعيدين، وأذهب عمرك في التحصيل والتمرين، حتى تعرف ولم تكن من الجاهلين،وامش على قدرك،واعرف منزلتك،ولاتخض مع الخائضين الذين بلغ بهم الحسد لهذه الطائفة الربانية الإإإهية(1) إلى أن قالوا:إنهم سحرة، وإن خيارهم كذّابون مكرة، وإن كراماتهم خزعبلات وحيل الأباطيل الشيطانية. أولم يعلموا أن الفرق المخالفة لاتطيق القدح بأكثر من هذه الأقوال الهذيانية» إلى أن قال: «.. فإن قيل من تكلم في هؤلاء بما لا يليق ؟ ومن الذي أقدم بقدحهم على نار الحريق ؟ فقل: تكلم فيهم بعض المتقدمين، ورأينا بعض فضلاء زماننا تكلم فيهم بقلمه ولسانه منذ عدد من السنين، ولقد والله كان غنياً عن هذه المقالة، ولو لطف الله تعالى به لسأله حسن الإقالة.
وإني ـ والله ـ لأوثر له ولمثله من المسلمين من هذه الأمور السلامة،وأودُّ لهم ـ لله تعالى ـ أن يبعدوا عنهم العتب والملامة، ونحن نحكي بعض أقواله، ونسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنه وعن أمثاله».
(2/45)
ثم نقل بعض رأي أبي العباس ـ رحمة الله عليه ـ فيهم، وكلامه عليهم، ثم قال: «... ونحن نقول ونقسم بالله العظيم: إنا نعتقد أن هذا الكلام القبيح الشنيع لا يليق بصغير مبتدىء بين يدي قائله، وإني والله والله والله ـ ثلاثاً ـ الذي لا إإإه إلا هو الرحمن الرحيم لأحزن كل الحزن، وأتأسف كل الأسف على مثل هذا الرجل الفاضل، من أجل صدور مثل هذه الأقوال عنه مع علمه وفضيلته، كيف يرضى لنفسه أن يتكلم في مثل هذه الطائفة التي قد شرّفها الله تعالى يقيناً ؟ وأظهر لها آيات، وأقام على صدقها بيّنات، مع علمه بأنَّ أحداً لا يوافقه على مقالته، ولا يستحل أن يقدم على الحق فيقيم الباطل في قبالته. يا له
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.3lanet.com
احزان زمان
المدير العام

المدير  العام
احزان زمان


رقم العضوية : 306
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
عدد المساهمات : 9679

تابع الجزء الاول من الكتاب 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع الجزء الاول من الكتاب 3   تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 1 يونيو 2010 - 5:29

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wagna.ahlamontada.net
????
زائر




تابع الجزء الاول من الكتاب 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تابع الجزء الاول من الكتاب 3   تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 1 يونيو 2010 - 8:55

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تابع الجزء الاول من الكتاب 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
وجنة ::  المنتدى الإسلامى ::  الإسلامى العام -
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» الحشيش والدم
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالإثنين 14 فبراير 2022 - 16:50 من طرف رياض العربى

» اهم الاماكن ودورها في علاج الـــــــــــــــــ
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالأربعاء 12 يونيو 2019 - 3:06 من طرف مروة التيمي

» أفضل شركة بالدمام
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالجمعة 17 مايو 2019 - 2:51 من طرف مروة التيمي

» ادمان العين
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 7 مايو 2019 - 1:46 من طرف مروة التيمي

» علاج الــ :cry:
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالأربعاء 1 مايو 2019 - 22:05 من طرف مروة التيمي

» كيف يتم تشخيص الــ
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالأحد 28 أبريل 2019 - 23:55 من طرف مروة التيمي

» اعراض ادمان ........
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالجمعة 19 أبريل 2019 - 15:44 من طرف مروة التيمي

» مصائب في اتجاه المجتمع
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالإثنين 8 أبريل 2019 - 22:43 من طرف مروة التيمي

» احصائيات عن الحشيش
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالأحد 7 أبريل 2019 - 20:05 من طرف مروة التيمي

» شبح الموت!!!
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_icon_minitimeالأربعاء 3 أبريل 2019 - 19:36 من طرف مروة التيمي

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
رياض العربى
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
احزان زمان
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
mnona
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
العرايشي
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
حمودى الروش
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
برديس المصريه
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
عمر
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
مشموشى
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
محمود السعيد
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap 
الامير
تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 3 11110تابع الجزء الاول من الكتاب 3 I_vote_lcap