أهمية اللغة العربية
اللغة - عند العرب - معجزة الله الكبرى في كتابه المجيد .
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت
شعوب غرب آسيا وشمال إفريقية بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة
القرآن، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا
لغة إلى أخرى .
لقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها
للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة بفنونها الثلاثة : المعاني ،
والبيان ، والبديع .
وقد غبر دهر طويل كانت اللغة العربية هي اللغة الحضارية الأولى في العالم .
واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب
وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة.
ونظراً لتمام القاموس العربي وكمال الصرف والنحو فإنها تعد أمّ مجموعة من
اللغات تعرف باللغات الأعرابية أي التي نشأت في شبه جزيرة العرب ، أو
العربيات من حميرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية، أو الساميات في
الاصطلاح الغربي وهو مصطلح عنصري يعود إلى أبناء نوح الثلاثة : سام وحام
ويافث. فكيف ينشأ ثلاثة أخوة في بيت واحد ويتكلمون ثلاث لغات ؟
إن اللغة العربية أداة التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في آفاق الأرض،
وهي ثابتة في أصولها وجذورها، متجددة بفضل ميزاتها وخصائصها .
إن الأمة العربية أمة بيان، والعمل فيها مقترن بالتعبير والقول، فللغة في
حياتها شأن كبير وقيمة أعظم من قيمتها في حياة أي أمة من الأمم. إن اللغة
العربية هي الأداة التي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها
وبوساطتها اتصلت الأجيال العربية جيلاً بعد جيل في عصور طويلة، وهي التي
حملت الإسلام وما انبثق عنه من حضارات وثقافات، وبها توحد العرب قديماً
وبها يتوحدون اليوم ويؤلفون في هذا العالم رقعة من الأرض تتحدث بلسان واحد
وتصوغ أفكارها وقوانينها وعواطفها في لغة واحدة على تنائي الديار واختلاف
الأقطار وتعدد الدول.
واللغة العربية هي أداة الاتصال ونقطة الالتقاء بين العرب وشعوب كثيرة في
هذه الأرض أخذت عن العرب جزءاً كبيراً من ثقافتهم واشتركت معهم - قبل أن
تكون ( الأونيسكو ) والمؤسسات الدولية - في الكثير من مفاهيمهم وأفكارهم
ومثلهم، وجعلت الكتاب العربي المبين ركناً أساسياً من ثقافتها، وعنصراً
جوهرياً في تربيتها الفكرية والخلقية .
إن الجانب اللغوي جانب أساسي من جوانب حياتنا، واللغة مقوم من أهم مقومات
حياتنا وكياننا، وهي الحاملة لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا
والمكون لبنية تفكيرنا، والصلة بين أجيالنا، والصلة كذلك بيننا وبين كثير
من الأمم .
إن اللغة من أفضل السبل لمعرفة شخصية أمتنا وخصائصها، وهي الأداة التي سجلت
منذ أبعد العهود أفكارنا وأحاسيسنا. وهي البيئة الفكرية التي نعيش فيها،
وحلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. إنها تمثل خصائص الأمة،
وقد كانت عبر التاريخ مسايرة لشخصية الأمة العربية، تقوى إذا قويت، وتضعف
إذا ضعفت .
لقد غدت العربية لغة تحمل رسالة إنسانية بمفاهيمها وأفكارها، واستطاعت أن
تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها
الأساسية والموجهين لسفينتها، اعتبروها جميعاً لغة حضارتهم وثقافتهم
فاستطاعت أن تكون لغة العلم والسياسة والتجارة والعمل والتشريع والفلسفة
والمنطق والتصوف والأدب والفن .
واللغة من الأمة أساس وحدتها، ومرآة حضارتها، ولغة قرآنها الذي تبوأ الذروة
فكان مظهر إعجاز لغتها القومية .
إن القرآن بالنسبة إلى العرب جميعاً كتاب لبست فيه لغتهم ثوب الإعجاز، وهو
كتاب يشد إلى لغتهم مئات الملايين من أجناس وأقوام يقدسون لغة العرب،
ويفخرون بأن يكون لهم منها نصيب .
ونورد هنا بعض الأقوال لبعض العلماء الأجانب قبل العرب في أهمية اللغة
العربية .:
يقول الفرنسي إرنست رينان : (( اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال،
وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة .))
ويقول الألماني فريتاغ : (( اللغة العربية أغنى لغات العالم )) .
ويقول وليم ورك : (( إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً
لمقتضيات العصر. ))
ويقول الدكتور عبد الوهاب عزام : (( العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد
تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى
معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب
ونبرات الحياة . ))
ويقول مصطفى صادق الرافعي : (( إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة
إلى العربية، فلا يزال أهله مستعربين به، متميزين بهذه الجنسية حقيقةً أو
حكماً .))
ويقول الدكتور طه حسين : (( إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا
ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً.))
أثر اللغة العربية في اللغات الأخرى :
إن الكلمات العربية في اللغات الإسلامية : الفارسية والتركية والأوردية
والمالاوية والسنغالية أكثر من أن تحصى. والكلمات العربية في الإسبانية
والبرتغالية ثم في الألمانية والإيطالية والإنكليزية والفرنسية ليست قليلة
أيضاً .
لقد التقت العربية بالفارسية والسريانية والقبطية والبربرية. وكان عندها
أسباب القوة، فهي لغة القرآن، وتتميز ببناء قوي محكم، وتملك مادة غزيرة .
لقد حملت رسالة الإسلام فغنيت بألفاظ كثيرة جديدة للتعبير عما جاء به
الإسلام من مفاهيم وأفكار ونظم وقواعد سلوك. وأصبحت لغة الدين والثقافة
والحضارة والحكم في آن واحد .
غزت العربية اللغات الأخرى كالفارسية والتركية والأوردية والسواحلية فأدخلت
إليها حروف الكتابة وكثيراً من الألفاظ. وكان تأثيرها في اللغات الأخرى عن
طريق الأصوات والحروف والمفردات والمعاني والتراكيب .
وأدى اصطدام العربية باللغات الأخرى إلى انقراض بعض اللغات وحلول العربية
محلها كما حصل في العراق والشام ومصر, وإلى انزواء بعضها كالبربرية وانحسار
بعضها الآخر كالفارسية .
لقد أصبحت لغات الترك والفرس والملايو والأوردو تكتب جميعها بالحروف
العربية . وكان للعربية الحظ الأوفر في الانبثاث في اللهجات الصومالية
والزنجبارية لرجوع الصلة بين شرق إفريقيا وجزيرة العرب إلى أقدم عصور
التاريخ .
أولا: أهمية اللغة العربية من الناحية العقيدية:
من المعلوم أن اللغة هي رباط شاء الله سبحانه وتعالي أن يجعله من الصلات
التي تشد البشر بعضهم إلي بعض ولذلك كانت ميزة آدم عليه السلام في معرفة
أسماء المسميات وقد امتحن الله تبارك وتعالي ملائكته بأن سألهم عن هذه
الأسماء فعجزوا عن الحديث عنها واختبر آدم عليه السلام فنجح في هذا
الاختبار وكان ذلك سببا لرفع شأنه وإعلاء قدره في الملأ الأعلى ,ذلك لان
الجنس البشري _كما هو معلوم _جنس اختاره الله تعالي لأن يكون اجتماعيا
بفطرته ، ومدنيا بطبعه فهو بحاجة إلي التفاهم ،وما يتبع هذا التفاهم من
التعاون ،ولذلك امتن الله سبحانه في كتابه العزيز بتعليم الناس البيان يقول
جل وعلي (الرحمن -علم القرآن _خلق الانسان_ علمه البيان) والبيان من مزايا
هذا الانسان . ولذلك فإن الناس الذين يجمعهم المبدأ الواحد والفكر الواحد
هم بحاجة إلي أن تكون لهم لغة تربط جميع فئاتهم وتصل بين جميع أطرافهم
وتكون وسيله للتفاهم بينهم واللغة العربية هي التي يجب أن ترشح لذلك ،
لأنها لغة القرآن والقرآن هو كتاب المسلمين جميعا وكذلك هى لغة العبادة
،فالمسلم _ أيا كان _ عندما يمثل بين يدي الله سبحانه وتعالي يخاطب الله
بلسان عربي مبين فيقول(إياك نعبد_وإياك نستعين) ولا فرق في ذلك بين عربي
وأعجمي ولا بين ابيض واسود ولا بين جاهل وعالم لأنها لغة مشتركة بين جميع
المسلمين ولم تعد ملكا للعرب . بعد أن نزل بها القرآن واختارها الله سبحانه
وتعالي لأن تكون وعاء لكلامه فهي لغة العرب والعجم من جميع المسلمين
،ولذلك فإنني عندما أغار علي هذة اللغة ،لا أغار عليها من منطلق العصبية
القومية الجاهلية ،وانما أغار عليها لأنها لغة الإسلام ولأنها لغة القرآن
المحافظة عليها محافظة علي قيم الإسلام التي جاء بها الكتاب الكريم وجاءت
بها السنة النبوية علي صاحبها افضل الصلاة والسلام ولأننا لا نستطيع ان
ندرك معاني القرآن الكريم ونفهم العقيدة الحقه ،ونصل إلي أسرار الشريعة
الغراء ونعرف أحكام ديننا الحنيف بالأمن خلال إطلاعنا علي هذه اللغة
ومعرفتنا الدقيقة بها .
ثانيا: أهمية اللغة العربية من الناحية الحضارية :
لقد شاء الله تعالى أن تمر العربية كغيرها من اللغات بمراحل ، فقد هذبتها
الألسن العربية وطوّرتها طورا بعد طور إلى أن تهيأت لأن تكون وعاء لكلام
الله عندما نزل بها القرآن على قلب المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وقد كان
العرب في ذلك الوقت على ذروة الفصاحة والبلاغة وكانت الجزيرة زاخرة بالجم
الغفير من الخطباء والشعراء الذين يلقون الحديث العربي قصيده ورجزه ونثره
ونظمه وهم يتبارون في هذا المضمار ويتفاخرون بالسبق إلى قصبات السبق فيه .
وقد كانوا يجتمعون في أسواقهم التي كانت تعقد في الحجاز من أجل هذا التباري
وكانوا يتقنون التعبير ولا يحتاجون إلى وضع ضوابط لها لأنهم نشأوا عليها
فهم يتقنونها بالسليقة وبالممارسة وما كانت تشوبهم عجمة في حديثهم ، فكان
المخطئ منهم يعرف خطؤه بالبديهة . وعندما دخلتْ الشعوب في دين الله أفواجا
احتاج الناس إلى ضوابط لهذه اللغة وذلك لسببين :
الأول: أن تلك الشعوب لم تكن عندها الملكة العربية التي كانت عند العرب.
الثاني : أن العرب أنفسهم شابتْ عربيتهم شوائب من العجمة بسبب الاخطلاط
فاحتاجوا إلى وضع هذه االضوابط على أن معظم الأئمة الذين خدموا العربية
وبحثوا فنونها وتعمقوا في دراسة إشتقاقاتها ووضعوا الضوابط لها هم من غير
العرب كالأخفش وسيبويه والفراء والكسائي … وهم مع ذلك يفتخرون ويعتزون وكل
ذلك من أجل خدمة القرآن ومن أجل الحفاظ على معرفة معانيه وإعجازه .
ولذلك فإنه من العار على المسلم أن يحسن اللغات الأجنبية ومن بينها لغات
المستعمرين الذين استذلوه واستعبدوه ، وأنْ يفاخر بإتقانها وهو لا يتقن
اللغة العربية .
والمسلمون هم أحوج الناس لهذا التواصل الحضاري من خلال التفاهم بهذه اللغة
وهذا أمر مهيأ بدليل أن غير العرب يعتنون بهذه اللغة ويتفوقون على العرب
فيها، من أمثلة ذلك أنه في بريطانيا نُظْمَتْ مسابقة شعرية باللغة العربية
الفصحى ، واشترك فيها الكثير من الشعراء وكان الفائز الأول هو شاعر من
سنغاليا بقصيدة له في مدح النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مطلعها :
هجرت بطاح مكة والهـضابا
وودعت المنازل والرحابا
اتخذت من الدجى يا بدر سترا
ومن رهبوت حلكته ثيابا
وهذا الشاعر مسلم غير عربي ولكن القرآن جعله يعتني بالعربية .
فنحن يجب أن نكون أحرص الناس على العربية لأنها لغتنا ولأنها لغة الصلاة
لكل مسلم ، وهي لغة الحضارة والزمن القادم يرفض أية لغة سواها إن نحن بقينا
نعتز بها ومع ذلك فهي خالدة بخلود القرآن ، ويجب علينا تعلمها والدفاع
عنها من أي دخيل يحاول أن يقلل من شأنها وأن يسلك طريقا غيرها من الذين
يدّعون الطور ومسايرة الركب الحضاري ولو على حساب اللغة والدين ، ومن
واجبنا نحن العرب أن نحرص على استخدامها فيما بيننا وخاصة في المؤسسات
التعليمية كالجامعات والكليات المختلفة لأنها رابط عربي وثيق .
وعلينا أن ننتبه من الدعوات المعاصرة والتي تنادي باستخدام اللغة العامية
المحلية أو خلط العامية بالعربية كما هو الحال عند بعض الشعراء المتأثرين
بالفكر الاشتراكي من مدعوا الحداثة وغيرها ، أو أولئك المستسلمين لأحوال
سواد الناس والذين يمزقون العربية راكبين غمار الشعر النبطي مدعين أن الناس
اليوم تحبه والجمهور كلهم عليه ومعه .
إن هذا الكلام هو الاستسلام بعينه والتخلي عن المبادئ والقيم وضعف الشخصية
وعدم الثقة بالنفس وإلا كيف ننزل إلى أسفل سافلين بحجة الجاهلين والذين لا
يهمهم من سماع الشعر غير الضحك وترقيص الأجساد والأسنان وهم عن العربية
وحبها بعيدون بعد المشرق عن المغرب. فأين حبنا للعربية فلو أحببنا العربية
لما تنازلنا عنها من أجل عامة الناس ومن أجل الذين لا صلة لهم بالأدب
وتذوقه.
فهل عرفنا قدر العربية وأعطيناها كلنا لتعطينا بعضها .
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي