رياض العربى
صاحب الموقع
العمل/الترفيه : مدرس رقم العضوية : 1 تاريخ التسجيل : 17/10/2009 عدد المساهمات : 13693
| موضوع: الحب يكشف لك عن نفسك, د / مصطفــى محمــــود الجمعة 22 أبريل 2011 - 20:57 | |
| الشهوة تكشف لك عن نوعك, عن ذكورتك.. والحب يكشف لك عن نفسك.. عن ذاتك.. والملل
من الاثنين هو الإشعار الخفي الذي يأخذ بيدك الي محبوبك الحقيقي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الشهوة تكشف لك عن نوعك, عن ذكورتك.. والحب يكشف لك عن نفسك.. عن ذاتك.. والملل من الاثنين هو الإشعار الخفي الذي يأخذ بيدك الي محبوبك الحقيقي
أحبك
كلمة لذيذة تصيبنا بالخدر والدوار..
كل شيء فينا يذوب ويتفتت حتي اللغة نفسها تذوب والزمن يذوب والمكان يذوب والعقل يذوب والقلب يذوب.. ونحن ننطقها
اللغة تتعطل في لحظة الحب ويحل محلها سكوت ناطق معبر والزمان والمكان يتلاشيان في غيبوبة صاحية تكف فيها اللحظات عن التداعي وتنصهر في إحساس عميق بالنشوة والنصر والفرح..
قد تكون هذه النشوة لحظة واحدة.. ولكن هذه اللحظة تصبح كالأبد
الحب يؤبدها, فتستمر ماثلة أمام الشعور.. تستمر في المستقبل لسنوات طويلة تلاحق صاحبها وقد ألقت ظلا طويلا علي حياته.. وامتزجت بصحوه ونومه وأحلامه وهذيانه.. والتصقت به من داخله, فأصبح من المستحيل عليه ان ينفضها مع ثرثرة كل يوم ومشاغله وتفاهاته
أصبحت بعض نفسه .. تحيا بحياته.. وتموت بمماته
في لحظة الحب ينفتح شئ فينا.. ليس الجسد.. بل ما هو أكثر.. بوابة الواقع كلها تنفتح علي مصراعيها, فتتلامس الحقائق والمعاني الجميلة والمشاعر التي يحتوي عليها الحبيبان
ويحدث الانسجام من هذا التماس بين الأفكار والمعاني والأحاسيس الرقيقة..
ويخيل للاثنين في لحظة أنهما واحد.. ويسقط آخر قناع من أقنعة الواقع.. فتذوب الأنانية التي تفصلهما.. ويصبحان مصلحة واحدة وفكرة واحدة
ولكنها لحظة خاطفة لأن الواقع الصفيق ينسدل من جديد بين الحبيبين, فيعود الهم يعزلهما الواحد عن الآخر.. هو الزمن والساعة التي أزفت والميعاد الذي انتهي والوقت الذي حتم علي كل منهما أن يعود إلي عمله.. وهم المكان الذي يعزلهما كل واحد في بلد.. وهم الجسد الذي يحوي كلا منهما في كيان مستقل من اللحم والدم.. وهم المجتمع الذي يحتوي علي الاثنين ويطالبهما بالتزامات وواجبات.. وهم الماضي الذي يدخل كشريك ثقيل الظل في كل لحظة
إننا لا نعيش وحدنا.. بل هناك الآخرون.. وكلهم ينازعون حريتنا ولقمتنا وحياتنا..
وفي هذا الزحام نضيع ويطمس الواقع علي أحلامنا ويأخذنا معه في دوامة من التكرار السخيف من الأكل والشرب والنوم.. لا نفيق منها إلا لنغيب فيها من جديد وتمضي حياتنا في روتين ممل لا نلتقي فيه بأنفسنا أبدا.. ولا نذوق الحب ولا نعرفه
وقد نتزوج ونعيش حياة بليدة هادئة.. نلتقي فيها بزوجاتنا كما نلتقي بدفاتر الحضور في الديوان.. نوقع عليها كل ليلة لنثبت حضورنا في الميعاد.. ونعيش حياتنا الغريزية بدون وجدان.. وتظل الزوجة في نظرنا مجرد أنثي لقضاء الحاجة.. يمكن أن تحل محلها الخادمة أو أية امرأة بدون ان نحس بأن شيئا ما ناقص أو مفقود
إن الشهوة شيء غير الحب..
إنها أقل من الحب بكثير.. فهي رغبة النوع وليست رغبة الفرد
إنها علاقة بين طبيعتين وليست علاقة بين شخصيتين .. علاقة بين الذكورة والأنوثة..
والفرد لا يكشف فيها عن نفسه ولكنه يكشف عن نوعه وذكورته
والحب يحتوي علي الشهوة ولكن الشهوة لا تحتوي عليه.. بالحب لا تكشف فقط انك ذكر.. ولكنك تكشف ايضا أنك فلان وأنك اخترت فلانة بالذات ولا يمكن ان تستبدلها بأخري.
إن كلمة أحبك هي أعمق وأجمل كلمة في حياة الرجل لأنها ليست مجرد كلمة وإنما هي نافذة يطل منها علي حقيقته وسره..
والحياة الخالية من الحب حياة باردة موحشة سخيفة خالية من الحماس والطعم والبهجة.. تنساب فيها الرغبات مضعضعة ميتة من الملل والضجر والفراغ.
الحياة بلا حب .. غربة..
والشهوة لا تسعفنا ولا تطفئ عطشنا ولا تعوضنا عن الحب.. إنها وسيلة للهروب فقط نبدد بها نشاطنا ونتخلص منه.. إنها مثل الخمر والقمار والمخدرات وسيلة للإغماء والإعياء والبلادة
والشيء الوحيد الذي يستطيع ان يحل محل الحب هو الفن.. لانه ينفذ الي القلب مثله.. ويكشف مثله عن ذاتنا العميقة.. ويوصلنا الي اللحظات الأبدية المليئة.. ويطلعنا علي كنوزنا وأسرارنا..
وما يبدعه الإنسان من فنون خالدة يدل علي أنه يحتوي علي بذرة الخلود في داخله.
وما يعيشه من لحظات أبدية يدل علي أنه يحتوي علي الأبدية في قلبه
والحب الذي هو أعمق من كل حب لا يفجره في القلب إلا التصوف والشعور الديني.. لان الدين هو الذي يعيد الإنسان إلي النبع الذي صدر منه ويأخذ بالإنسان الساقط في الزمان والمكان ليرفعه إلي سماوات الأبدية ولا يرفعه إلي هذه السماوات إلا الحب.. منتهي الحب الذي يفني به العابد عن نفسه وعن الدنيا شوقا الي خالقه
وما حب الإنسان للمرأة.. وما حب الإنسان للفن.. وما حب الإنسان للجمال.. إلا خطوات الدليل الخفي الذي يقودنا إلي الله.. إلي المحبوب الوحيد الذي يستحق الحب.. إنها محطات سفر إلي المحطة النهائية .. محطة الوصول
مرة بعد مرة يكتشف الإنسان أن موضوعات حبه لا تملك وجودا حقيقيا.. فالوردة تذبل والشمس تغرب والمرأة تشيخ والجديد في الفن يبلي
وما رآه في المرأة جمالا يكشف أنها لاتملكه وأنه يزايلها بالشيخوخة.. إنه لم يكن جمالها.. لقد كان وديعة أودعت عندها ثم استردها صاحبها..
وتبرد الشهوة..
وتفتر العاطفة..
ويتجه الرجل بحبه إلي امرأة أخري لتتجدد الخيبة ويتجدد الملل ويتجدد الضجر..
لا.. إن حبه أكبر من أن تستوعبه ذراعان..
إن حبه يعبر به الغايات المحدودة ويتجاوزها إلي قيم الفن والجمال والخير والعدالة والحقيقة
وهو علي عتبة هذه المجردات يكتشف أنه يريد الله بكل حبه.
فهو الواحد الذي تتجسد فيه كل هذه القيم اللانهائية
هو اللامحدود في مقابل المحدود
ها هو أخيرا يجد الجواب عن السؤال اللغز الذي طالما حيره لماذا خلقت.. لماذا وجدت في هذه الدنيا؟!
هو الآن يعرف لماذا خلق
ليصل إلي حقيقة نفسه. وليدرك إلهه
وما أرض الواقع إلا المزرعة التي يلقي فيها بإمكاناته لتورق ولتثمر وتتحقق.. تلك الإمكانات الباطنة فيها بطون جنين القمح في بذرة القمح
وهو يري نفسه كإرادة هائلة تتخبط في سروال ضيق من الجلد واللحم لايسمح له إلا بالسير البطيء خطوة خطوة والحياة بالقسط لحظة بلحظة.. وفي كل خطوة من خطواته وفي كل لحظة من لحظاته يترك بأعماله أثرا يدل عليه..
وهو كل يوم يملأ ورقة الامتحان ويجيب عن الأسئلة الأزلية: من أنت؟
ماذا تريد أن تقول؟
ماذا تريد أن تفعل؟
ماذا تخفي في قلبك؟
ليكشف عن مكنونه ويحقق ذاته ويقوده حبه لنفسه وحبه للمرأة وحبه للجاه والسلطان إلي يأس بعد يأس وملل بعد ملل وإحباط بعد إحباط حتي يشرق فيه حب الحق ليدله علي الطريق.. إلي الواحد الأحد الذي تجتمع فيه كل الكمالات
ويزداد حبه عمقا ليصبح عبادة وصلاة.. وهو يصعد في طريق العودة إلي منبع الأنوار..
وهو الآن يشعر بأنه وجد نفسه حقا وعرف إلهه وعرف هدفه وعرف طريقه
وهو يدرك أن كل ما عاناه من عذاب وألم وإحباط ويأس لم يذهب عبثا.. فقد كانت كل تلك الآلام هي المؤشرات التي كشفت له طريقه ودلته علي حقيقته.. كانت بوصلته ودليله في بحر الظلمات
ومن أجل هذا خلق الله الحياة
إن الإنسان معجزة المتناقضات
إنه فان ويحتوي علي خالد
وميت ويشتمل علي حي
وعبد يحتضن قلبا حرا
وزمني ويحتوي علي الأبدية
وحبه وفنه وتفكيره وصحته ومرضه وجسده وتشريحه تدل كلها علي هذا التركيب المتناقض
الدنيا كلها تقيده وجسده يقيده مثل الجاكتة الجبس. ومع ذلك لاتمنعه هذه القيود من أن يضمر في نفسه شيئا.. وأن يفرض هذا الشيء علي ظروفه
فهو يصهر الحديد ويسوي الجبال بالأرض ويشق الأنفاق ويطلق قذيفة من عدة أطنان إلي القمر.. كل هذا وهو جسم صغير هلامي من اللحم والدم
وهو يرقد مريضا مشلولا يائسا فإذا اجتمع بزوجته أنجب طفلا يرقص من الصحة والعافية..
أين كانت هذه الصحة مختفية في المرض..؟
وهو يبدو ضعيفا قليل الحيلة.. تقتله رصاصة بمليم.. تماما مثل الرصاصة التي تقتل الكلب.. ولكنه مع هذا يستطيع أن يطلق من فمه قبل أن يموت صيحة يهدم بها نظاما بأسره
من أين يخرج صوته.. وينساب تفكيره.. وينصب شعوره.. وتتدفق قواه غير المحدودة..؟
إن أعضاءه تبدو في التشريح من مادة تقبل الوزن والقياس وتخضع للزمن
ولكن شعوره يكشف عن مادة أخري وزمن آخر يعيش فيه غير زمن الساعات والدقائق.. زمن يقصر ويطول حسب إرادته. هو الزمن الوجودي وتعمق هذا الشعور في لحظات الحب والإلهام والتصوف يكشف عن حقيقة أغرب..
إن هناك أفقا ثالثا في داخله..
أفقا غير زمني.. لحظاته أبدية مليئة.. لاتنقضي مثل اللحظات ,وإنما تظل شاخصة في الشعور مالئة للوجدان..
ماذا تكون تلك اللحظات..؟
أتكون هي الثقوب التي تطل علي سره
وماذا يكون سره الخافي تحتها..؟
أهو الروح؟..
وما الروح؟..
إنها الحرية..
الحرية جوهر الإنسان وروحه.. ومن خلال محاولتنا فهم الحرية سوف نقترب من فهم الروح
د / مصطفــى محمــــود | |
|
بنت مصريه عضو فضى
رقم العضوية : 374 تاريخ التسجيل : 07/05/2010 عدد المساهمات : 253
| موضوع: رد: الحب يكشف لك عن نفسك, د / مصطفــى محمــــود الجمعة 27 مايو 2011 - 11:05 | |
| | |
|
رياض العربى
صاحب الموقع
العمل/الترفيه : مدرس رقم العضوية : 1 تاريخ التسجيل : 17/10/2009 عدد المساهمات : 13693
| موضوع: رد: الحب يكشف لك عن نفسك, د / مصطفــى محمــــود الجمعة 27 مايو 2011 - 15:18 | |
| رحم الله الدكتور مصطفى محمود
شكرا بنت مصرية على المرور الكريم
جزاكى الله خيرا
تقبلى تحياتى
| |
|