قد تكون شاهدت المسلسل الشهير رأفت الهجان الذي كتبه كاتب أدب الجاسوسية
الأشهر صالح مرسي عن القصة الحقيقية للعميل المصري رفعت الجمال، ذلك الشاب
الذي وقع عليه اختيار رجال المخابرات المصرية في منتصف الخمسينيات؛ ليتقمص
شخصية يهودي مصري يتم زرعه وسط يهود مصر؛ تمهيدا لهجرته إلى إسرائيل، ومن
ثم نجاحه في اختراق المجتمع الإسرائيلي لما يقرب من عشرين عاما.
ولكني
هنا لن أتكلم عن مشوار الرجل وما قدمه، ونجاحه في الاقتراب من كبار رجال
المجتمع الإسرائيلي، وقد شهدت بنفسي صورة تجمع بين الجمّال وعيزرا ويزمان
الذي أصبح فيما بعد رئيسا لإسرائيل، ومعه زوجته، وهما يرتديان ملابس تنكرية
عربية؛ مما يدلل على شكل العلاقة، وقوة الصلة بينهما وبين الجمّال.
سوف
أشير فقط إلى جزئية بالمسلسل، وتحديدا في الحلقات الأولى منه، عندما كان
الهجان ما زال يعيش حياة التصعلك والعربدة، يتصرف تصرفات لا يُرضى عنها،
فيخرج من مشكلة ليقع في أخرى..
ووسط هذه الحياة العابثة وقف يصرخ
هاتفا لصديقته الراقصة: "أنا لست هذا الرجل، أنا واثق إن بداخلي إنسانا آخر
غير الذي يأتي بهذه الأفعال".
كانت هذه الصرخة هي نقطة البداية
لاكتشاف ذاته الحقيقية، ومن ثم تحوله على يد رجال المخابرات المصرية من
كومبارس سينمائي مجهول إلى قدوة ومثل وبطل وطني، يتمنى الشباب أن يصبحوا
مثله.
هل أنت تحيا بشخصيتين؟
فهل ضبطت نفسك يوما تتأمل بعض تصرفاتك وأفعالك، ثم صرخت هاتفا: لا لست أنا هذا الشخص الذي يتعامل مع الحياة بهذه الطريقة.
لا.. لست أنا هذا الشخص الذي يصاحبني منذ زمن..
لا.. لست أنا هذا الشخص المكبل بالأصفاد، الخائف، المتراجع قبل أن يبدأ..
أبدا.. لم أكن أتخيل أن أصبح في نظر من حولي جبانا أو ثقيل الدم أو مكروها..
فأنا بداخلي إنسان آخر غير الظاهر على السطح، إنسان جميل يحب الناس حبا جما..
بداخلي إنسان متوازن، واثق بنفسه، حازم في قراراته..
إنسان مجتهد، ومتعاون وصادق....
إذا
كان هذا الحديث قد دار بخلدك في يوم من الأيام، فأظنك عرفت أنك تعيش
بشخصيتين؛ إحداها معتدلة ومتزنة ترضى عنها وتحبها، لكنها مع الأسف مسجونة
بداخلك.
والأخرى طافية على السطح وتتعامل بها مع مواقف حياتك
اليومية، على الرغم من عدم رضاك عن الكثير من تصرفاتها، ولكن لا تقلق فهذا
يحدث مع أغلب الناس إن لم يكن جميعهم بشكل أو بآخر.
ابحث عن نفسك
وأنت
أيضا إذا اكتشفت أنك قد ابتعدت عن ذاتك الأصلية التي تمثل الفطرة السوية
التي خلق الله عليها كل إنسان، فقد امتلكت الدافع الأول لتغيير حياتك، وكل
ما عليك هو العمل على تضيق الفجوة بين مبادئك وأفعالك.
أبشّرك بأن هذا ليس بالأمر المستحيل، فالابتعاد عن الذات يبدأ بفعل واحد غير متوافق مع روح الإنسان الأصيل القابع بداخلنا.
وفي
اليوم التالي نكرر نفس الفعل ونزيد عليه فعلا آخر، ورويدا رويدا نفاجأ
بتحولنا إلى شخص آخر لا نعرفه، وحتى تكتشف كم بعدت عن نفسك وتتعرف على
كيفية العودة للتوافق مع أنفسنا، عليك أن تفعل التالي:
تبدأ بكتابة
أفضل الحالات التي تتمنى أن تكون عليها من حيث (علاقتك مع الله، ووضعك
المالي، وحالتك البدنية، وعلاقتك مع الناس، تميزك في مهنتك).
اكتب بكل أمانة وصراحة وضعك الحالي مع المجالات السابقة.
ثم قارن بين ما تتمناه، وما أنت عليه الآن، ومقدار الفرق بينهما هو
مقدار حاجتك للتغيير، ولا تفزع إن كانت الفجوة كبيرة؛ فبالعمل الجاد
المستمر حتى لو كان قليلا ستجد نفسك تقترب من نفسك الحقيقية.
ولعلك يا صديقي تحقق ما حققه الهجان من نجاح، وتترك بصمة تقتدي بها
الأجيال، وبالطبع ليس شرطا أن تعمل في المخابرات لتحقق ذلك! فالنجاح له ألف
باب وباب ينتطرك لتدق عليه.
فهيّا أيها الصديق تقدم وتوكل على الله، وأنا في انتظار أن أسجل قصة
نجاحك كما فعل صالح مرسي مع الهجان، فهل تقبل أن تمنحني شرف تدوين قصتك أم
إن لك رأيا آخر؟