سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
في هذه الرحلة والتي ليس بأيدينا أن نختار المضي فيها أم التوقف تبدأ قصة صعودنا على متن هذا القطار
يطول الحديث ولكننا مرغمون على التحدث
هذ القطار فيه من كل الدرجات .. العادية .. والثانية .. والثانية المكيفة .. والنوم
وللأسف من الصعب علينا أن نختار أي التذاكر نقطع لأنها محجوزة لنا من قبل أن نصل
في يوم ........ الموافق ........ الساعة ...... ركبت القطار
أجل أنها محطتي التي لابد أن استقل فيها هذا القطار
ركبت في الدرجة العادية حالي كحال الكثيرين ممن هم حولي
بدأ القطار في الحركة وبدأت معها كل ما رأيته في هذه الرحلة ... مع العلم بأنني لازلت في هذا القطار انا وغيري لم نصل إلى المحطة المقصودة
تحرك القطار وكان من حولي الكثير من الأشخاص الذين لا أعرفهم كل واحد فيهم يحمل وراء وجهه قصة مختلفة عن الآخر
بجانبي أشخاص وخلفي أشخاص وورائي أشخاص ولكن كان هناك أمامي مقعداً شاغراً لم يجلس عليه أحد ولم أعرف ما هو السبب
وبدأ من هو إلى جانبي وكعادة المسافرين يتجاذب مع أطراف الحديث وعما حدث معه في حياته وكيف أنها كانت حياة قاسية مريرة مر فيها بالكثير من الأحزان والآلم والكد والشقاء من أجل لقمة العيش وإعالة الاسرة التي هي في رقبته ... وأنا استمع له وأعلم تماماً أنه سوف يأتي الوقت الذي يقوم فيه من جواري ليأتي شخص آخر ويقص لي ما حدث معه هو أيضاً في حياته..
هذا القطار هو شبيه لكل قطارات العالم .. بالرغم من الغرابة التي تكتنف هذا النوع من القطارات والمحطات التي نمر عليها إلا أنه فيه كثيراً منا يشعرون بالوحدة مع كثرة من هم حولهم .. كل واحد يجلس وفي باله الكثير من الأفكار والأحداث التي يتذكرها .. القليل من السعادة .. والكثير من الأحزان .. هذا هو حال مرتادوا هذا القطار الغريب.
وبالفعل جاءت اللحظة التي ينزل فيها هذا الشخص الذي كان إلى جواري وقد نزل إلى غير رجعة .. وحتى وإن رجع ربما أكون أنا قد وصلت إلى محطتي المنشودة .. والتي منها سوف أستقل القطار الذي يليه ... وإليكم قصتي مع كل محطة نصل إليها
ولكن قبل أن أسرد هذه القصة أود أن أطلعكم على شيء ألا وهو وجودي داخل هذا القطار .. فعندما أجلس أو تجلسون في القطار العادي الذي نعرفه جميعا وتنظر من النافذة ترى المحطات التي يمر عليها القطار .. ترى الزرع من حولك أو صحرا أو أي شيء آخر ..
ولكن في هذا القطار عندما تنظر من النافذة ترى أشياء مختلفة .. ترى مواقف وأحداث متسارعة ربما لا تدرك في كثير من الأحيان ما الذي يحدث .. فإن كنت أنت المتأمل ترى العجب من حولك .. وأنت تعلم أنه سيأتي الوقت الذي تكون فيه أنت من يشاهده الآخرون من هذا القطار ...
الآن نأتي إلى قصتي مع بعض المحطات التي ليس لنا الخيار في المرور عليها .. فلا محالة من المرور على هذه المحطات..
في هذه الفترة التي قضيتها معكم اكتظ القطار بالمسافرين .. كل المقاعد قد أمتلأت عن آخرها وليس هناك من مقعد خالي إلا هذا المقعد الذي أخبرتكم عنه في البداية والذي هو أمامي مباشرة وأنا مثلكم لا أعرف لما لم يجلس أحد عليه.. وكأنه محجوز لشخص ما سيأتي في وقت ما .. لهدف ما.
جلس شخص آخر وبدأ يحكي لي عن حياته كمن سبقه وتجاذبنا أطراف الحديث ومر الوقت بطيء وممل في جو من الرتابة والسكون ..
بدأ القطار يهدأ من سرعته وكأننا اقتربنا من محطة ما .. لا أعرفها ... أجل أني أرى محطة من بعيد وقد اقتربنا منها .. وإذا بهذا الذي يجلس إلى جواري قد ارتعد عندما رأى هذه المحطة .. اقترب القطار منها حتى توقف .. فإذا باشخاص يصعدون وأشخاص ينزلون ... كان من بين الذي لابد لهم من أن ينزلوا في هذه المحطة هذا الشخص الذي إلى جواري ... نظر إليّ وقال لي: أنا لن أصعد ثانية إلى هذا القطار ولا لأي قطار آخر فهذه آخر محطة لي وقد جاءت اللحظة التي انزل فيها إلى غير رجعة ..
جاء بعض الأشخاص غريبي المنظر وأخذوا هذا الرجل في تلك المحطة الكئيبة المظلمة الخالية من المستقبلين إلى هؤلاء الأشخاص .. نزل زميلي في المقعد مع الكثير من الاشخاص .. وقد نزلوا إلى لا رجعة ... لأنهم نزلوا في محطة ليس فيها من صعود بعد الآن ...
انطلق القطار وعندما نظرت إلى المحطة نظرة عابرة إذا بي أرى على اللافتة التي وضعت عليها مكتوب (( محطة الموت ))
أجل .. فقد فهمت لما قالي لي زميلي أنه لن يعود ثانية ولن يستقل أي قطار بعد الآن...
حزنت عليه قليلاً حالي كحال الباقين وانطلق القطار ثانية مغادراً تلك المحطة التي ليس لي فيها من مكان ..
وتمضي اللحظات وأقابل أشخاص لا أعرفهم وأشخاص أعرفهم نتحدث ونمضي الوقت وكأننا نعلم ما سيحدث لنا فيما بعد
يتوقف القطار دائماً في محطات لا أعلم لها أسماء ينزل أشخاص ويصعد أشخاص بعضهم أعرفهم والبعض الآخر أراه لأور مرة في مشوار حياتي ونكمل الطريق وليس لنا حيلة من أن نوقف هذا القطار ولا أن ننزل في محطة ليست بالمحطة المنشودة والتي لابد لنا أن ننزل فيها عندما تحين اللحظة.
غفوت قليلاً وإذا بالقطار يهديء من سرعته وكأنه اقترب من محطة ما... أفقت وبدأت أتحسس بعض الأشياء من حولي كعادة البشر ولكني كنت أشعر بالملل لتكرار ما يحدث لي في هذا القطار .. صعود أشخاص وحديثهم معي وقربهم مني وتعلقي بهم ومن بعدها مغادرتهم ربما إلى غير رجعة ,, وبدأ القطار في الوقف في محطة لم نمر عليها من قبل .. أجل .. هذه المحطة فيها شيء غريب يختلف عن تلك المحطات التي مررنا بها من قبل.
المسافرون فيها يمسكون في أيدهم وروداً حمراء .. تمتلأ وجوههم بالأمل والطموح .. ربما تكون هذه المحطة من أغرب المحطات التي مررت أو سأمر بها في هذه الرحلة ..
صعد الكثير من الأشخاص رجال ونساء .. كبار وصغار .. بيض وسود .. جميلون وجميلات .. فيهم كل الاختلاف .. واجتمعت فيهم كل الصفات
لم يجذبني الأمر كثيراً فهي العادة .. أن يصعد أشخاص وينزل أشخاص ربما من غير سبب او بسبب لا أعلمه أو أعلمه .. المهم في الأمر انهم يصعدون وينزلون وتستمر مسيرة القطار....
ليست عادتي أن أنظر إلى باب الصعود .. فلطالما كانت نظرتي إلى باب النزول لأني قد تعودت على توديع الرفاق ومؤنسي طريقي .. ولكن في هذه المرة نظرت إلى باب الصعود لأرى فتاة .. كنت في أخر عربة القطار ظننت بان نظري فيه شيء ما .. فمسحت على وجهي حتى أتأكد من صحة ما أرى.
أجل أنها فتاة جميلة يظهر عليها الهدوء والطيبة والسكينة .. تمتلأ عينيها بالحزن والشجن وشعرت بأني اعرفها من قبل ..
ظلت تمشي في العربة وتنظر يميناً ويساراً ورفضت الجلوس في مقاعد كثيرة قد مرت عليها وهي شاغرة ولكنها آثرت إلى الجلوس في مقعد ما
ربما تعرفونه جيداً وأعرفه أنا .. أنه المقعد الذي قلت لكم أنه كان أمامي وكان طوال الوقت شاغراً لا يجلس عليه أحد مهما كانت درجة ازدحام القطار ..
استأذنت في الجلوس فأذنت لها وبدأ القطار ينطلق .. وكعادتي فأنا لا أنظر إلى لافتة أي محطة نمر عليها إلا بعد تحرك القطار وعند نظري إلى لافتة هذه المحطة إذا بي أرى مكتوب عليها (( محطة الأحبة )).
آآآآآآآآآآآآآآه منك أيتها المحطة الخادعة
هذا ما كنت أخاف منه .. وقد حدث وجلست إلى جواري تلك الفتاة على استحياء وبدأ القطار في التحرك من جديد وتبدأ الحكاية .. حكاية كنت أخشى أن تحدث معي . فكل من جلسوا إلى جواري قد حذروني من تلك المحطة وما يمكن أن نشاهده عندما نمر عليها ولكن قد حدث ما كنت أخشاه وبدأنا في تجاذب أطراف الحديث .. وبدأت تحكي لي عنها وعن حياتها وعما لاقته من ظلم وجور على أبسط حقوقها وآلام تسبب فيها أقرب الناس إليها ...
بدأ قلبي يخفق لها وأشعر بها وكأنني أعرفها منذ سنين وبدأت أنا بدوري أحكي لها عما حدث معي وعشت معها لحظات جميلة كان الحذر يعتريها ..
الخوف مما هو قد آت جعلني أخاف عليها وعلى نفسي مما قد يحدث إذا ما جاءت اللحظة التي أنزل أنا فيها أو أن تودعني هي في محطتها دون سابق إنذار ...
كل لحظة قضيتها معها كانت تقترب مني أكثر ويزداد أحساسي بها .. وأنا أعلم حقيقة هذا القطار ورأيت فيه ما يجعلني أعلم بأنها ستأتي الساعة التي تقول لي فيها .. لقت عشت معك أسعد لحظات حياتي .. وكأن كل الآلم والحزن والشجن يكفي لإزالتها هذه الكلمات التي ربما أكون قد سمعتها قبلاً من غيرها
تمضي الأيام في هذا القطار وكأنها لحظات من ساعة أن صعدت تلك الفتاة والتي جعلتني أشعر بجمال هذا القطار وأسعد بكل لحظة فيه بما أني معها وهي معي لا يفرق بيننا اي أو شيء .. أحيانا اختلف معها ولكنها كانت تمتلك قلبلاً غاية في الطيبة والتسامح .. جعل عقلي وقلبي يحتاران في وصفها..
أولم أقل لكم ؟ !
لقد بدأ القطار يهدئ من سرعته في نفس الوقت الذي بدأ قلبي تزداد خفقاته من الخوف ...
إنها المحطة التالية .. ولكن
في هذه المرة قررت النظر إلى اللافتة أثناء اقتراب القطار منها لأني أعلم مسبقاً ما اسم هذه المحطة .. ولربما تعلمون أنتم ما أسمها
إنها (( محطة الفراق ))
ويالها من محطة تعصف بقلوبنا .. تكسر بداخلنا كل ما هو جميل .. تكشف لنا حقيقة هذا القطار وأننا فيه جئنا لنكون وحيدون .. تبين لنا أن لحظات السعادة في هذا القطار هي قليلة جداً .. سريعة هي لحظات فرحنا .. وياليتنا
ياليتنا ما شعرنا بجمال هذه الرحلة ولا رأينا فيها من نحب ..
نظرت إلى تلك الفتاة وحال لسانها يقول: ماذا أفعل وما هي حيلتي ؟ !
كانت دموعها ترسم أكثر الصور حزناً على وجه الأرض في عيني ...
كانت كل دمعة من عيونها تصرخ وترفض النزول وتأبى إلى البقاء معي .. فهي تعلم أني كنت أنتظرها وانا أخف من أن يوم لقائنا..
بدأت يدي تلامس يدها وآآآآه من بكاء الأيدي عندما تلامست ... بدأت عيني تسكن في عينها وتصرخ وتقبول صبراً أيها القدر
تمنيت ساعتها لو أني نزلت مع صاحبي في (( محطة الموت )) على كنت أرتاح من كل هذا العذاب
ولكن ليس بيدي شيء .. فهذا هو حال هذا القطار .. وهي تلك أحوال تلك المحطات.. نحلم ونتمنى ونعيش في عالم ليس له من وجود
حقيقته دنيه .. قليل فيه لحظات السعادة والفرح .. كثيرا فيه لحظات الظلم واليأس والأم.
خرجت من القطار ولم استطع أن أنزل معها فأنتم تعلمون .. ليس الأمر بيدنا ولكلاً منا محطته التي ينزل فيها راضياً كان أم مرغماً.
وقفت إلى جوار تلك النافذة الشاحبه أنظر إلى بياض وجهها أتأمل في أجمل ما رأت عيني في دنياي .. ويبدأ القطار في التحرك من جديد
مودعاً بذلك كل ما كنت أحلم به .. لتكون ذكرى لي ولها ربما نحيا عليها أو ينسينا الزمن ما قد فعله هو بنا ...
في قطار الحياة .. تجد وتسمع وتعيش الكثير من القصص
منها ما يظل عالقاً في أذهاننا منذ صغرنا
ومنها ما لا يكون إلا لحظات تمر بنا سرعان ما تصبح لا شيء في عقولنا
عندما ينطلق بك قطار الحياة في أي المقاعد كنت .. عليك الحذر والصبر
وأعلم جيداً بأن هذا القطار ما توقف يوماً على نزول عزيزاً علينا في محطة الموت
أو نزول حبيب في محطة الفراق .. أو حتى موت كل ما بداخلنا
أنه قطار الحياة .. وتلك هي رحلتي التي لازلت أحياها وتحيونها جميعكم
كل واحد فينا ركب هذا القطار من غير إرادته .. ولا يعلم متي ميعاد نزوله منه
لا نستطيع أن نغير الكثير مما هو مكتوب علينا أن نراه
ولكننا يمكننا العيش على لحظات وذكريات جميلة عشناه فيه
مهما كان قدر ضئالتها وصغرها ..
ركبت فيه في يوم ........ الموافق ........ الساعة ......
ولا أعلم ولا تعلمون في أي الأيام سوف أنزل
اسف على الاطالة مع العلم بأني اختصر قدرما أستطيع
مع تحياتي
مجرد عابر سبيل