آيات السكينة فى القرآن و أثرها على اطمئنان القلب وسكونه
فإنه لم يثبت نص من نصوص الوحي في هذا الوعد المذكور، وإنما يحكى عن بعض
العلماء تجربة في ذلك، قال ابن القيم في المدارج: وقد ذكر الله سبحانه
السكينة في كتابه في ستة مواضع:
الأول: قوله تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ.
الثاني: قوله تعالى: ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
الثالث: قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ
مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ
لَّمْ تَرَوْهَا.
الرابع: قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ
الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ
جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.
الخامس: قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ
يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ
السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا.
السادس: قوله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ
الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات
السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها
-من محاربة أرواح شيطانية، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة- قال: فلما
اشتد علي الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع
عني ذلك الحال، وجلست وما بي قلبة، وقد جربت أنا أيضاً قراءة هذه الآيات
عند اضطراب القلب بما يرد عليه، فرأيت لها تأثيراً عظيماً في سكونه
وطمأنينته.
ولهذا أخبر سبحانه عن إنزالها على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين
في مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة إذ هو وصاحبه في الغار والعدو فوق
رؤوسهم، لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما، وكيوم حنين حين ولوا مدبرين
من شدة بأس الكفار، لا يلوي أحد منهم على أحد. وكيوم الحديبية حين اضطربت
قلوبهم من تحكم الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس،
وحسبك بضعف عمر رضي الله عنه عن حملها -وهو عمر- حتى ثبته الله بالصديق
رضي الله عنه.
والله أعلم.