لماذا نقف خلف تلك القضبان مُكبلي الأيدي ؟
لماذا نستسلم لتلك الحالة ونرضى بالقعود فيها وملازمتها ؟
هل صار استعذاب الهم والحزن (حلاوته) هو ما يجعلنا نشعر بوجودنا وأن لنا كيان وأننا فعلنا كل ما في استطاعتنا ولكننا لم نحصل إلا على هذه الحالة التي نحن عليها.
هم ، وحزن ، آسى على ما فات ، خوف مما هو آت ، النظر إلى ما في يدي الغير.
هذا ما أردته أن أتحدث عنه في هذا المقال ألا وهو استعذاب الهم والحزن والشعور بالذات إلى أقصى حد أثناء دخولنا في هذه الحالة التي لا يؤيدها شرع ولا قانون حياة.
عندما نشعر بالسعادة وربما نضحك نقول: اللهم أجعله خير.
نتشاءم من الضحك ونظن بل ونحن متأكدون أنه من بعد تلك الفرحة أو الضحكة لابد لنا من تذوق ألم أو دخول الحزن على حياتنا.
أمر غريب ما نحن فيه
أردت أن أبوح عن حالي وحالي الكثير ممن هم حولي، تلك الحال التي تفقدنا ثقتنا في أنفسنا وفيمن حولنا بل وتجعلنا وحيدون في تلك الحياة، ليس لنا من قريب ولا حبيب ولا صاحب ولا معين ولا رفيق درب يهون علينا مشاق الحياة.
كيف بنا أن نشتاق إلى الهم والحزن، إلى الوحدة والجمود في عالم نعيش ونحيا به منفردي العزيمة لا يُقوي بعضنا عزيمة البعض الآخر.
إذا ما سألت شخصاً الآن وجرب هذا وكانت تلك أول مرة تتحدث معه أو أنها المرة الألف وقلت له أحكي لي عما يعكر صوف حياتك وعما يحزنك حتى وإن كان من قبل أن تسأله هذا السؤال سعيداً ويضحك معك ؟
إذا به يسرد لك تلك الويلات التي عانها ولا يزال يعانيها في الحياة، يحكي لك تلك الوحدة التي يحياها ومدى الظلم الذي وقع عليه ولا يزال يُطبق على كل حياته.
إذا ما اقتربت من أخ أو صاحب أو حبيب إذا بالحال يتغير.
هناك جواب بل هو سؤال دائماً ما نسمعه ممن نسألهم لما تفعلون هذا ؟
يكون الرد وهل من شخص يحب أو يفضل أن يعيش حزيناً أو أن يتألم في حياته ويختلق هذا ؟
إذن إليك الرد الصريح والمنهي لتلك الإشكالية ألا وهو نعم .. نعم .. !
أقول نعم حينما استطعت أن أرد على نفسي على هذا السؤال فحالي كحال 99.9% من حال من هم حولي.
الكل مظلوم، الكل مجني عليه!
إذن من الذي نستطيع أن ننسب إليه أنه الظالم والجاني والكل في هذه الحياة مظلوم ومجني عليه ؟ !
عائلة تتكون من عشرة أفراد تجد أن كل شخص فيها يرى أنه الشمعة التي تحترق من أجل إسعاد الآخرين وأن آخر ما يفكر فيه هو نفسه وأن الكل لا يراه ولا يفكر فيه ولا يشعر بما يشعر به هو.
أهذا هو الإحساس بالذات ؟ !
أهكذا يكون لك وجود ؟ ! أتشعر في هذه الحالة أنك إنسان فاعل ؟!
لم لما تكن صريحاً ولديك الشجاعة الأدبية في الرد على نفسك وأن تقول أنك أنت من رضي واختار واستعذب بهذه الآلام والأحزان بل والأكثر من ذلك أنه وجد أنه ليس له من وجود إلا بمجاورتها والتمسك بها حتى فيما بينه وبين نفسه.
لم لا تخرج إلى الناس وتراهم ؟
أعلم جيداً بأن كلامي ثقيل علينا جميعاً وأن كل واحد فينا يرى أنه ليس بصاحب ولا محب لتلك الحالة بل هي شيء أقوى منه وقد فُرض عليه.
ولكن علمي الأكبر أن هناك أشخاص أصحاب رسالة وقد أُوجد لهم دور من المُخجل بل والمحزن بحق أن يتنازلوا عنه تحت وطأة ضعف أو حالة يمرون بها.
أنا
وأنت
وأنتي
ونحن
وهم
كلنا يكمل بعضُنا بعضا
أردت أن أتحدث عن خطر عظيم يلازم لتلك الحالة ربما لا نحسن قراءته إلا بعد فوات الأوان
إنه خطر أن تكون فريسة سائغة وسهلة جداً بسبب الضعف الذي يلازمك للكثير ممن تنعدم لديهم الضمائر
أن تخرج منك مشاعر وترى لها صدى في أشخاص ليسوا أهلاً لها فإذا بالذي كان يقول لك أحكي لي وكلي آذان صاغية هو الصياد الذي يفطر فيما بعد قلبك ويجعل منه ملاذاً يمرح فيه كيف يشاء.
أخي وأختي إن لم يكن للضعف الذي تخلفه هذه الحالة من خطر إلا خطر واحداً فوالله الذي لا إله إلا هو إنه لهو هذا الخطر العظيم.
لن أقول يوماً أن كل الناس ذئاب وليس فيما بينهم من هو صادق وصاحب قلب طيب ونقي ولكني أعلم جيداً أنه لولا وجود هؤلاء ما عرفنا أصحاب القلوب الزائفة المشاعر، والخبيثة المراد، لولا الشر ما عرفنا معنى الخير، ولولا الليل ما علمنا بالنهار، ولولا الكره ما علمنا ما هو الحب.
فأحسن الفعل ساعة أن تكون أو تكوني في تلك الحالة
أهدأ ... أهدأ ... أهدأ
فسوف تزول
لا أدعى بأني أعلم الكثير وصاحب دراية بكل شيء، أو أعلم أكثر من أي أحد ولكني أردت التحدث عن حالة شخصية شاهدتها في نفسي وفي كثير من أحبتي
فهلا عذرتموني على ثقل حديثي ومحاولة التفكير بصوت عالي ربما أزعجكم
ولكني ما فكرت في هذا إلا لأني لي حق عليكم كما لكم حق علي
إن أصبت فمن الله .. وإن أخطأت فمني ومن الشيطان
كن تلك الشمعة الجميلة الهادئة الضوء التي ترتاح لها أعيننا ساعة أن ننظر إليها.
كُن تلك النسمة التي تأتي في حر الحياة الشديد لتلطف من جو الحياة.
كُن تلك الدمعة التي تنزل صادقة على فراق حبيب.
كُن تلك الضحكة التي تنتزع حزن قريب أو حبيب.
كُن تلك الكلمة التي تفيق غفلة قريب وحبيب.
كُن ذلك الأمل الذي يسطع دائماً ليشد من عزم كل من هم حولك.
وإن لم تستطع أن تكُن فانتظر وتمهل وأهدى وتريث فالفرج قريب.
وإليكم بدعاء هو من أعظم أدعية طرد الهم والحزن والذي لا يمارى فيه ولا نقاش على صحة ما يفعله بنا من طرد للهم والحزن أدعوا به الله ساعة أن تشعر بما تحدثنا عنه سابقاً
اللَّهُمَّ إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماضٍ فيِّ حكمك ، عدلٌ فيِّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك، أو، أنزلته في كتابك، أو علمته أحد من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ،ونور صدري ، وجلاء حُزني ، وذهاب همِّي
فما أعظمه من دعاء لتفريج الهم والحزن والإقرار للواحد القهار بأنك عبد لله وأن أباك عبداً له وأن أمُك أمةً له، وأن ناصيتك بيد الله وحده، وأن حكمه ماضي لا محالة، وأن قضاءه هو القضاء العادل، وإذا بك من بعد هذا الإقرار تسأل الله العظيم الجبار الذي أقررت له بكل هذا، أن يجعل دستور هذه الحياة ألا وهو القرآن الكريم ربيع قلبك ونور صدرك وجلاء حزنك، وذهاب همك.
فهلا دعوت الله به الآن سواء أكنت مهموماً أم لا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبة أفضل الصلوات وأتم التسليم