[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة](
انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايماناً وعلى ربهم يتوكلون)سؤال ينبعث في القلب ، يدور في الاذهان
باحثا عن الاجابة، يقولون: حينما نقرأ تاريخ الانبياء والرسل، نجدهم
يجتهدون ليل نهار في سبيل اصلاح الناس وهدايتهم الى سبيل الرشاد، حتى انهم –
في كثير من الحالات- يفقدون حياتهم ثمناً لهذا العمل وهم لا يكترثون ابداً
به، لماذا؟
للاجابة على هذا السؤال لابد من بيان شقين:
اولاً: لما كان هدف الرسالات الالهية هي
سعادة البشر في الدنيا والآخرة، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى عرف حين خلق
الانسان انه لا يستطيع –مهما اوتي من قوة – ان يصل الى معرفة خيره وشره
واتباعه لوجود الشهوات العارمة في داخله وضغطها
على فكره، بعث الانبياء لهدايته ، ومع كل نبي كان هناك برنامجاً عملياً
يكفل – ان أخذ به الانسان – سعادته في الدنيا والاخرة. فكما نقرأ في سورة
الابراهيم عن الهدف الاساسي من وراء تنزيل القران على البشر (
كتابٌ انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور بإذن ربهم الى صراط العزيز الحميد)
فالأنبياء جاؤوا ليخرجوا الانسان من ظلمات الجهل والتخلف الى نور العلم
والعقل، من ظلمات الاستعباد والاستغلال الى نور الحرية والعدل، من ظلمات
الفساد والبغي إلى نور الفضيلة والاخلاق وهكذا.
فلما كانت هدف الرسالات الالهية هكذا،
وحينما عرف الانسان المؤمن هذا الأمر وامن ايماناً جزمياً بهذه الحقيقة،
وأيقن ان ما يدعو اليه الأنبياء هو الطريق الموصل الى هذه السعادة
المنشودة، بعد ذلك وقع نظره على من ابتعد عن هذه الرسالة فصار يتخبط يميناً
وشمالاً باحثاً عن السعادة فلا يجدها، عند ذلك يسعى المؤمن لكي يهديه الى
الله سبحانه.
فمن صفات المؤمن أنه لا يكتفي بأن يعبد
الله وحده، بل يحب ان يكون غيره من الناس مؤمناً بالله ايضا، فكما نقرأ في
سورة الأنفال عن صفات المؤمنين (
انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم) فالمؤمن لا يستأنس فقط عندما يذكر الله بنفسه، بل يستأنس وينفتح قلبه على
وقع ذكر الله ، والجميل في هذه الاية القرانية انها جاءت بصيغة المبني على
المجهول. فالمؤمن يسعى إلى ان يكون المجتمع كله ذاكراً لله، ولا يطلب في
مقابل ذلك شيئا. فإذا ذهب الى المسجد فرآه عامراً بأهله، فالناس بين راكع
وساجد وقائم وتالٍ للقرآن فترى البُشر والسرور في وجهه، أما اذا رآه
مهجوراً خاوياً يتألم و يتحسر.
فالنبي (ص) يشكو يوم القيامة متألماً الى
الله من قومه، لا بسبب الأذى الذي تحمله منهم او التكذيب، بل بسبب ابتعادهم
– وبعد التكرار والتذكير المستمر من قبله – عن القران وهجرته، هو ودروسه
وعبره، فيقول
يا رب ان قومي اتخذوا هذا القران مهجورا)
كذلك نرى ابي عبد الله الحسين عليه السلام
يوم عاشوراء، لم يكن اشد بكاءه على اصحابه المجزرين كالأضاحي، ولا على
اخوته المقطعين بالسيوف والرماح، ولا على ولده الرضيع المذبوح بسهم محدد،
فكما تنقل سيدتنا زينب سلام الله عليها انها رأت اخاها باكياً يوم عاشوراء،
فقالت: مم بكاءك يا ابا عبد الله؟ فقال عليه السلام:
ابكي على هؤلاء القوم يدخلون النار بسببي. فهو وان يرى سيوفهم متعطشة لدمه الزكي، الا انه يتحسر على عدم هدايتهم ودخولهم النار يوم القيامة.
ومن جانب اخر، فإن الكافر والفاسق لا يتحمل
قلبه سماع كلمة الله وتوحيده، فكما نقرأ في سورة الزمر ببلاغة قراني رائعة
في ذكر هؤلاء : (
و اذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة) فتراه يفر من اسم الله وحكم الله و كلمة الله وحديث الله، فراره من السباع الضارية، يشمأز قلبه، حتى تبدو ملامحه على وجهه ، بينما (
و اذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون).
فهو لا يكتفي بأنه يكون كافراً بالله وجاحداً لما جاءت به الرسل، بل لا
يريد ان يذكر لله اسماً. فإذا ذكرت له كلام الغرب والشرق من (العلماء) و
حكمهم وكلماتهم تراه يستمع اليك متشوقاً للمزيد، اما اذا ذكرت كلمات الرسول
(ص) و كلمات الائمة عليهم السلام المملوء حكم ومواعظ يفر منك. كذلك لا
يكتفي بانه فاسق شارب للخمور ، بل يدعو الناس ايضا لشربها ويشجعهم عليها
ويسخر من تاركها، فاذا اغلقت محلات الخمور عنده يخرج في مظاهرات عملية
لفتحها ( كما شاهدنا مع الاسف في العراق قبل اشهر).
تطبيق عمليفنحن اليوم اذا اردنا معرفة انفسنا ودرجة
ايماننا، فلنحاول ان نشرق هذه الاية على انفسنا، فنرى انفسنا تبتهج عند
سماع الايات القرانية وعند سماع الكلمات المقدسة، ام انها تفر منها و تطلب
كلمات غيرها. فهل نطلب منهج الله في التعامل مع امور الحياة ام اننا لا
نريد هذا المنهج فنشرق ونغرب بحثا عن المناهج الوضعية التي كتبت في مكانها
الخاص وزمانها الخاص ولذلك المكان والزمان و لظروف خاصة.
كذلك لمعرفة الافراد والاصدقاء ودرجات
ايمانهم نستفيد من هذه الاية القرانية، فهل يشمأز قلبه عند سماع الحكم
الشرعي ام الاية القرانية ام انه يتشوق للمزيد . ( اقرأ :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])
كذلك عندما نواجه المنحرفين عن المنهج
القويم، هل نتشوق لهدايتهم واصلاحهم ونخطوا خطوات عملية في ذلك ام اننا
نكتفي بالتغافل و نمر منها مرورا كرام، ام اننا نشجعهم عبر القول والفعل
والمصاحبة.
فعند تطبيق هذا الامر تكون هذه السلسلة من الايات اشراقات عملية لحياتنا العملية فتنير لنا الدرب ان شاء الله.
فإذكر سابقاً اني كنت محتاراً في امر دعاة
الالحاد في العالم اليوم من امثال ريجارد داوكينز، انه لماذا يصرف هذا
الكم من الطاقة والوقت في سبيل سلب الناس ايمانهم بالله ، فكان ظني انهم
يبحثون فقط عن الشهرة والمال، حتى وصلت الى هذه الايتين المباركتين في
سورتي زمر والانفال، فعرفت ان هؤلاء قد فقدوا ايمانهم بالاخرة والجزاء فهم
يريدون ان لا يذكرهم احد ابداً بها ولا يتكلم عنها ، فيشرعون في كتابة
الكتب المضلة للناس و يعملون الدعايات ويصرفون الاموال من اجل ذلك