في الوقت الذي يقع فيه ظلم بّين على المرأة وتسعي لأن تنال حقوقها الشرعية كما هو الحال مع المرأة الصعيدية فى جنوب مصر التى تبحث عن من يناقش مشكلاتها المتعلقة بالميراث وإلي الآن لا زالت تتفاوض مقابل الحصول علي حقها الذي كفله لها الإسلام ، هناك تيارات فكرية عجيبة ظهرت على الساحة بدعوى حرية المرأة ومساواتها بالرجل ضيعت حقوق المرأة وأهدرت كرامتها واختلط الحابل بالنابل حيث تحولت حواء من جوهرة مكنونة إلى عاهرة .
وآخر الشخصيات النسائية التي طالبت بالمساواة مع الرجل هي الكاتبة والمذيعة السعودية "نادين البدير" والتى طالبت خلال مقالتها بصحيفة "المصري اليوم" التى حملت عنوان "أنا وأزواجى الأربعة" بتعدد الأزواج للمرأة مخالفة بذلك الأعراف والشريعة الإسلامية بل جميع الديانات السماوية .
وبصراحة شديدة وبدون أي قيود طالبت الكاتبة السعودية خلال المقالة بالمساواة مع الرجل فى كل شئ قائلة : لطالما طرحت السؤال حول علة الاحتكار الذكوري لهذا الحق ، لكن أحداً لم يتمكن من إقناعي لم أنا محرومة من تعدد الأزواج؟ كرروا على مسامعي ذات أسطوانة الأسئلة وقدموا ذات الحجج التي يعتقدونها حججاً، وخلصت إلى القول إما التعدد لنا أجمعين أو محاولة البدء برسم خارطة جديدة للزواج!
وأضافت : قالوا إنك لن تتمكني كامرأة من الجمع جسدياً بين عدة رجال، قلت لهم الزوجة التى تخون وبائعة الهوى تفعلان أكثر، بلى أستطيع ، قالوا المرأة لا تملك نفساً تؤهلها لأن تعدد ، قلت: المرأة تملك شيئاً كبيراً من العاطفة، حرام أن يهدر، تملك قلباً، حرام اقتصاره على واحد ، إن كان الرجل لا يكتفى جنسياً بواحدة فالمرأة لا تكتفى عاطفياً برجل.. أما عن النسب فتحليل الحمض النووى dna سيحل المسألة. بعد فترة لم يعد تفكيرى منحصراً فى تقليد الرجل أو منعه من التعدد، صار تفكيراً حقيقياً فى التعددية، التى نخجل نحن النساء من التصريح عن رأينا الداخلى بها.
السعداوي وتعدد العلاقات
ولم تكن نادين الوحيدة التى شذت عن القاعدة أو سبحت ضد التيار ، ولكن سبقتها نوال السعداوي الطبيبة والكاتبة التى أعتادت دوماً أن تقف أمام المجتمع مهاجمة للدين الإسلامي بأفكارها الغريبة حيث وصفت الأديان التي تبيح تعدد الزوجات بأنها أديان نشأت في مجتمع طبقي وعبودي، ورأت أنه لا يمثل حلاً إنسانيًا، وطالبت بمنح المرأة الحق في تعدد علاقاتها الجنسية مثل الرجل، بدعوى أن ذلك يحقق المساواة بين الجنسين.
وتسائلت د. نوال السعداوي في مقابلة مع قناة "المحور" لماذا نفرق بين الرجل والمرأة، ونسمح للرجل بأن يقيم علاقات مع أخريات، بينما نمنع المرأة من أن تقيم علاقات مع رجال آخرين؟ ففي الوقت الذي نمنع فيه المرأة من إقامة علاقات، نطلق العنان للرجل ونسمح له بالزواج على زوجته.
أيضاً ظهرت الكاتبة البنجالاديشية "تسليمة نسرين" لتدافع عن حقوق المرأة فى نفس السياق ، وتهاجم الإسلام فهي ضد وضع المرأة في الإسلام بشكل عام ، كما أنها تطاولت على الرسول عليه الصلاة والسلام خلال كتاباتها التي جرحت مشاعر ملايين المسلمين ، وصدرت ضدها عدة فتاوى يإهدار دمها وفرت بعدها إلى الهند.
إعجاز إلهي
كل هذه المطالبات الشاذة لن تساعد المرأة بأي شكل من الأشكال ولن تعينها على نيل حقوقها الشرعية بل ستحولها إلى زمن الجواري وتضيع بعض قضاياها المصيرية .
وقد رد الشيخ محمد متولي الشعراوي بأحد المحاضرات ببلجيكا على هذا التساؤل الذي حير الغربيين وذلك عندما سئل لماذا حلل الإسلام التعدد للرجل وحرمه على المرأة ؟ أجابهم الشيخ الشعراوي بأسئلة فقال : هل لديكم أماكن مخصصة يلجأ لها الرجال لقضاء شهوتهم ، قالوا : نعم ، فقال : وما هي الاحتياطات الصحية في هذه المسألة فأجابوا : الاحتياط الصحي تجري بالكشف على الفتيات مرتين في الأسبوع ، فقال : أفعلتم هذا الاحتياط الصحي على المتزوجات ، فتعجبوا وقالوا بدهشة : لا ، فقال الشعراوي : هل سألتم أنفسكم لماذا لم تقوموا بذلك مع المتزوجة ، فقالوا : لم نجد ذلك محل بحث ، فقال : لم تبحثوا لأنكم لم تجدوا ضرورة تلجئكم لأن تبحثوا ولكنكم إذا وجدتم ضرورة فى ذلك كما وجدتموها فى النساء اللائي يترددن عليهم الرجال من انتشار الأمراض الخبيثة لفعلتم ، أتعرفون السبب ؟ فقالوا : لا ، فقال: السبب في أن المرض الخبيث لا ينشأ إلا من تعدد ماء الرجال فى المحل الواحد ، أما أن يوجد محل واحد لماء واحد فلا خطر منه لمرض خبيث .
فأخذتهم الدهشة والعجب لأن الإسلام وصل إلى هذه المسألة ليس تحليلاً كما تفعل دراساتهم المتطورة أو تحت ضغط من الأحداث التي تفاجئنا ، ولكن انتهينا إليها لأن الذي آمنا به بدأ التشريع بها ولم يتركنا أن نوجب العلاج بعد أن نشقي بالداء، والقرآن الكريم عصمنا من مثل هذه الآفات ، وهكذا نؤمن بأن كل قضية حكم فيها الإسلام حكماً قد يقف العقل فى حكمتها سينير الله له الطريق في أن يعرف الحكمة فى كثير مما غاب عنه حكمته ليزيد إيماناً بما ظلت حكمته غائبة عنه .
شذوذ فكري
ورداً على المطالبات الشاذة بتعدد الأزواج للمرأة أبدي الداعية الكويتي الشيخ محمد العوضى دهشته قائلاً : بعد أن كان التعدد مطلب رجالى يسعي إليه البعض ، بدأنا نسمع هذه المطالبات من بعض الكاتبات العلمانيات أمثال نوال السعداوي وفاطمة البرديسي وحسنا بيجوم وغيرهن كثيرات ،وكل واحدة منهن تتكلم عن التحيز القرآني فى قضية التعدد.
وأشار د. محمد العوضي أن هذه الشبهة لم تكن وليدة هذه الأيام ولكنها طرحت قديماً ورد عليها الأئمة الكبار كالشيخ الشعراوي الذي رد عن اللآتى يطالبن بالتعدد بأن المرأة حينها ستتحول من امرأة إلى مرحاض ، وقال الشيخ محمد الغزالي فى كتابه فقه السيرة : وقرأت لبعض الصحفيين يعترض على مبدأ التعدد لماذا يعدد الرجال الزوجات ولا تعدد النساء الأزواج ولقد نظرت إلى هؤلاء المتسائلين فوجدت جمهورهم بين داعر وديوث أو قواد.. وعجبت لأنهم يعيشون فى عالم من الزنا ويكرهون أشد الكره إقامة أمر الأسرة على العطاء والجواب على هذا التساؤل المريض أن الهدف الأعلى من التواصل الجنسي هو إنشاء الأسرة وتربية الأبناء فى جو من الحصانة النظيفة وهذا لا يكون فى بيت امرأة يطرقها نفر من الناس يتصارعون إلى الاستحواذ عليها ولا يعرف لأيهم ولد منها .. ثم أن دور المرأة فى هذه الناحية دور القابل الفاعل والمقود المحمول للقائد الفاعل وانك لتتصور قاطرة تجر أربع عربات ، ولكن لا تتصور عربة تجر أربع قاطرات ، فمن الكفر بطبائع الأشياء المماراة بأن الرجال قوامون على النساء"
ويتسائل الشيخ محمد العوضي هل التعدد واجب للرجل ؟ هل التعدد ممكن ؟ التعدد ليس واجب ولكنه ممكن وبنظرة فاحصة إلى الأمور نجد أن الناس تاريخياً لا يجدون قوت يومهم ويلهثون وراء لقمة العيش ، كما أن التعدد للرجل ليس منفلت من دون أي قيد أو ضابط ، ولكن كما يقول الشيخ الشعراوي التعدد قضية نسائية لأن المرأة هى من تختار أن تكون زوجة ثانية وثالثة .
وأضاف د. العوضي : هل المرض ينشأ من تعدد الرجل أم من تعدد المرأة ؟ عن هذا الأمر يسأل الغرب الذي تلجأ عاهراته إلى فحص كل أسبوعين نظراً لهذا التداول المنافي للطبيعة الإنسانية ، حتى أن البنية التكوينية والتشريعية جعلت هناك فروقاً واضحة فى العلاقات وأي خلل به يؤدي لاختلاط الأنساب ، كما جاءتالمتعة كى تخدم المصلحة وليس العكس ، فالإنسان يتمتع بالزواج كى ينشئ أسرة تخدم الدين والمجتمع ، ولكن هذه المطالبات عكست الآية وأصبح التفكير مقتصر على الجنس والمتعة وضاعت قضية المصلحة وبناء الأسرة ، والطبيعي هو إن تعارضت المصلحة مع المتعة فأيهما نقدم ؟ لاشك أن المصلحة هى المقدمة لدى الإنسان السوي الذي يضحي بالتعدد من أجل الطبيعة التى خلق عليها ومن أجل تماسك أسرة.
المساواة والفطرة الإنسانية
وعن التحديات التي تواجها المرأة المسلمة والتي تتمثل في التيارات الغربية الداعية لمساواة الرجل بالمرأة فى كل الأمور يقول الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين : إن المساواة بين الرجل والمرأة ضرب من ضروب المستحيل وذلك لأمور تتعلق بالفطرة الإنسانية التي تقسم الأدوار بين الطرفين ، كما أن للرجل وظيفته في المجتمع وللمرأة وظيفتها أيضا.
وأشار إلي أن القيم الدينية نصت عليها كافة الأديان السماوية وهي لا تقف عائقا أمام التطور والتقدم بل تسهم إسهاما حقيقيا في نهضة المجتمعات ، لافتا إلى أن هناك تيارات غربية تصف التاريخ الإنساني بأنه تاريخ ذكوري ومتحيز للرجل وفي نفس الوقت نجد أنهم يتعاملون مع العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع والفلسفة والعلوم وهذا العلوم قد وضعها الرجال دون النساء .
لقد دعا الإسلام إلى التعامل مع المرأة في ضوء منهج الوسطية حيث لا إفراط ولا تفريط ، هذا الأمر يتيح للمرأة حق المشاركة في كافة مجالات الحياة ، ورفض د. القرضاوي بعض التفسيرات التي تغلق الباب أمام المرأة وتعمل علي إبقائها داخل منزلها بالرغم من أن نساء الرسول والصحابة شاركن في الجهاد وجلبن الماء وسقين العطشي .
وأضاف أن الشريعة الإسلامية فيها العلاج لكافة المشكلات من خلال منهج وسطي متوازن ، مشيرا لكتاب الدكتور عبد الحليم أبو شقة "تحرير المرأة في عصر الرسالة " ، باعتباره عمل علمي لخدمة قضايا المرأة مشددا على أن الكتاب يضع المرأة المسلمة أمام التحديات كما يعد ترياقا مضادا لكل التيارات التي تهدف للانتقاص من حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية والثقافية.