كله بالخناق.. إلا "مرتبها" بالإتفاق
"كنت أعي دائما أنّ الغربة اغتراب عن الوطن، لكن أن أجد نفسي مغتربا عن
زوجتي فهذا هو الأمر الموجع حقا".. بهذه العبارة اختصر المهندس " نصار"
معاناته الزوجية بسبب مرتب الزوجة ، فقد سافر لإحدى الدول العربية من أجل
تحسين مستوى أسرته، ولم يعارض زوجته الطبيبة حينما أقنعته بأنها تريد أن
تزاول مهنتها لهدفين الأول تحقيق حلمها منذ طفولتها، والثاني لمساعدته
لاختصار مدة إغترابهما..
لكنه وبعد شهور فوجئ بها ترفض أن تساهم في مصروفات المنزل مخالفة بذلك ما
سبق واتفقا عليه قبل السفر، مستندة إلى الرأي الفقهي القائل أن الزوج ليس
له حق في راتب زوجته، وأن نفقات الأسرة واجبة علي الزوج دون الزوجة.
أصبح البيت الصغير مهددا بالانهيار فالزوج يرى أن الزوجة العاملة يجب أن
تشارك في مصروفات المنزل مقابل قضاء وقت مخصص لأسرتها خارجه، ومثلما استندت
الزوجة الطبيبة في موقفها إلى الفتوى السابقة التي أكدها فضيلة الدكتور
علي جمعة، استند الزوج بدوره إلى فتوى الشيخ يوسف القرضاوي التي تقضي بأن
الرجل إذا كان لا يستطيع وحده أن ينفق على الأسرة يكون على المرأة الثلث
وعلى الرجل الثلثان، لأن الإسلام جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك في
الحقوق والواجبات .
وهكذا أصر كل على موقفه.. المهندس نصار يأبى على زوجته أن تغير اتفاقهما،
خاصة وأن إهمالها لمنزلها وأبنائها وله هو شخصيا أخذ يزداد شهرا بعد شهر،
والزوجة تستنكر موقفه وترى في طلبه نوعا من الطمع في مالها وانتقاصا من
رجولته.
أهلي أحق براتبي
كذلك فعلت "هند" التي فضلت التضحية بزواجها على أن تبد بعض المرونة في
مسألة مرتبها الذي حجبته عن زوجها وبيتها ووجدت له سبيلا آخر، معتبرة أنه
شأنا خاصا بها لا يصح لزوجها المساس به أو حتى مناقشتها بشأنه، فقبل أن
تتزوج "هند" "موظفة البنك" لم يخطر ببالها هي وخطيبها " تامر " أن يتحدثا
عن راتبها خاصة وأنه ميسور الحال وله تجارته الخاصة به.
إلا أنه بعد الزواج وجدها تصر على إعطاء والدها وشقيقاتها كل راتبها
تقريبا، وتلزمه بكل صغيرة وكبيرة تلزمها، وحينما ناقش معها ذلك أجابته
بأنها مسئولة منه وأن دخلها يخصها وحدها ولها كل الحرية في طريقة إنفاقه،
وأن أسرتها متوسطة الحال ومن الأولى مساعدتها ورد جميلها .
وحينما طالبها بتحمل مصروفاتها الشخصية التي ترهقه بها، رفضت زاعمة أن
أسرتها لن تستطيع الاستغناء عن راتبها كاملا.. لتبدأ الخلافات بينهما التي
أخذت تتفاقم حتى أصبحت هند ضيفة دائمة على بيت أسرتها دون أن يعلم الأهل
بالسبب الحقيقي لهذه الخلافات.
المهم رضاه
وعلى العكس من موقف هند والزوجة الطبيبة نرى داليا ،صيدلانية لم يمض على
زواجها من زميلها سعيد سوى عامين، تقبل على الفور ودون نقاش أن يقوم زوجها
بتحويل راتبها بأكمله كل شهر على حسابه البنكي ،بعد سفرهما إلى السعودية،
رافضا أن تسحب منه مليما إلا بموافقته، دون أن تحتج أو تبدي أي اعتراض..
تقول داليا: صحيح أن مرتبي كبير ومساو لمرتب زوجي تقريبا إلا أنني لا أحصل
منه إلا على مصروفي الذي يقدره هو، وتستطرد: إحساسي بأنني لا أستطيع شراء
ما يحلو لي إلا بإذن زوجي وكأنه ليس مالي يضايقني كثيرا، لكني خفت إن رفضت
هذا الوضع أن يحدث شقاقا بيننا فنفقد التفاهم والاستقرار الذي نحياه منذ
تزوجنا، كما وأن زوجي أقنعني بأن راتبي كله من حقه طالما وافق على خروجي
للعمل وأن الشرع يعطيه هذا الحق.. وتتساءل داليا : أليس هذا صحيحا؟
السلم المقلوب
تؤكد د. سهير عبد العزيز ،أستاذ علم الإجتماع وعميد كلية الدراسات
الإنسانية بالأزهر سابقا، أن الزوجة التي يسمح لها زوجها بالخروج إلى العمل
عليها أن تساهم بجزء من دخلها في مصاريف منزل الزوجية، لأن دخلها من العمل
ليس إرثا خاصا بها، فالحياة مشاركة ولا يصح أن تدخر راتبها وفي المقابل
تلزم زوجها بكل شيئ، فكما أن مال الزوج لبيته فلابد وأن يكون دخل المرأة
لأسرتها لأن عملها يستقطع وقتا كبيرا وهو الخاص بالمنزل ورعاية الأولاد،
لذلك يجب أن يتفق الزوجان علي ضرورة التعاون بينهما ليحسنا من مستوي معيشة
الأسرة، وبالتالي فلا تخصيص منفرد لمرتب زوجة بمفردها ولا مرتب زوج
بمفرده.
من جانبه يرجع المهندس محمود أمين ،خبير علم الاتصال والتنمية البشرية،
الإشكالية إلى عدم إدراك الزوجين لأساسيات مهارة الإتصال، وأنه بالنظر لسلم
اتزان الحياة ودعائمه السبع وهي على الترتيب: الجانب الإيماني، الصحي،
الأسري، الإجتماعي، الشخصي ، المهني، وأخيرا المادي.. ندرك أن قلب هذا
السلم يحدث العديد من المشكلات سواء في التواصل مع أنفسنا أو مع أسرتنا
أومع الآخرين، فحينما تضع الزوجه الجانب المهني وتحقيق ذاتها في أولوية
تسبق الجانب الأسري، أو أن يضع الرجل الجانب المادي على رأس أولوياته، تحدث
المشكلات الأسرية والاجتماعية التي لاحصر لها.
لذا يجب على الزوجين أن يتخيرا طريقة إرسال أي رسالة للآخر، كأن توضح
الزوجه أوجه صرف مرتبها، وتتفق مع زوجها أن تخصص مبلغا معينا كل شهر ،مهما
كان صغيرا، كمصروفات للأولاد أو أي شيئ آخر .
كما يجب على الزوج مراعاة طريقة طلب المشاركة من زوجته، ومن الأفضل أن
يطلعها بطريقة ودية على الميزانية العامة للمنزل، ويمنحها حق المشاركة في
تقسيم دخلها، وسيجدها بوصفها مصرية جدعة تعرض عليه المساعدة من تلقاء
نفسها.
بدون إجبار
واتفاقا مع الآراء السابقة يؤكد محمود عاشور ،وكيل الأزهر سابقا، على حق
المرأة العاملة في الإختيار مابين الإحتفاظ براتبها لنفسها الذي هو حق خالص
لها، أو تعويض منزلها بمبلغ هي التي تحدده بلا إجبار من جانب زوجها، ويرى
أنه من الأفضل أن يتم التراضي والإتفاق بين الخطيبين منذ البداية على كل
شيئ بما فيه مساهمة المرأة في مصاريف منزل الزوجية.
وعن مشاركة المرأة في مصاريف منزل والديها بعد زواجها يقول الدكتور أحمد
كريمة ،أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أنه إذا اشترطت الزوجة في العقد أن
تحتفظ براتبها فلها الحق أن تتصرف فيه كما تشاء، مستشهدا بما يحدث في بعض
دول الخليج حين يكون دخل الإبنه خريجة الجامعة ضعف دخل الأب وتساهم في منزل
والدها، لذا يشترط ولي الأمر على العريس المتقدم لإبنته أن تستمر مساهمة
الفتاة في منزل والدها حتى بعد الزواج.
ويستطرد: أما إذا اشترط الزوج في عقد الزواج أن يأخذ نصيبا مقابل رضاه عن
عدم احتباسها أثناء العمل، فله الحق، وإن عملت الزوجة برغم عدم رضاه فله أن
يأخذ جزءا من دخلها، وإن كان ذلك من غير الأولى من جهة الشهامة فقوامة
الرجل لاتعني التسلط وإنما هي المودة والرحمة والتراضي بين الزوجين