الترمس و الفول السودانى و الكتاب المدرسى
كنا فى الصغر نتتبع سيرة أمل وعمر فى كتاب القراءة. نسمع بشغف المعلمة
وهى تحكى عن قيامهما بمساعدة أمهما وأبيهما، بتنظيف الحظيرة وإطعام الدجاج.
حفظنا من أجلهما نشيد: فى بيتنا طيور كالبط والحمام.. تعيش فى سرور تعيش
فى سلام. استنكرت من أجل هذا النشيد وحده قيام أمى إنهاء سلام الطيور جميعا
بالسكين عند اكتمال نموها. كانت الأفكار على الرغم من بساطتها تتركنا
فاغرين أفواهنا دهشة. تاركين خيالنا البكر يذهب إلى أقصى مكان.
فى نهاية العام كانت معلمة التربية الفنية توجهنا إلى قص صور الكتاب
والاحتفاظ بما قام به أمل وعمر أمام أعيننا الصغيرة طوال العام، لنلصق
الصور على ورق كراسة الرسم البيضاء، ونعلق على كل صورة بما تعلمناه بخط
أيدينا ونحتفظ بالكراسة لنتذكر عاما حافلا بالدروس.
كان هذا ماضيا، لكن السياسات التعليمية المتعاقبة إلى الآن، ترى أن
الطالب المصرى بحاجة إلى أن يدرك تكوين النيترون، ويعرف اسم أبعد مجرة عن
الأرض، وكم عدد النجوم فى السماء، ومساحات المحيطات القطبية، وكيفية إجراء
المعادلات من الدرجة الرابعة، والحالات النادرة التى يُرفع فيها المضاف
إليه.
لهذا كله ظهر للكتاب المدرسى استخدامات جديدة. الاستذكار ليس واحدا
منها. تختلف استخداماته من مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر. أهم هذه
الاستخدامات: استخدام ورقه فى قرطسة الترمس والفول السودانى واللب السورى
على الكورنيش، وقيام النسوة فى القرى بنقع أطنان منه وتجهيز عجينة الورق
لصناعة أطباق يُقرّص عليها العجين، كى يكتمل خمره فى الشمس، واستُخدم الورق
فى المناطق العشوائية فى مسح المؤخرة بعد التبرز لانقطاع المياه الدائم،
كذلك استخدم الأطفال ورقه قبيل رمضان لتزيين حواريهم وأزقتهم بالشرائط، وفى
بعض الجنائن تُطوى أوراقه على هيئة قراطيس وتلف بها ثمار الرمان لحمايتها
من ذبابة الفاكهة.
عندما أجريت استبيانا محدودا أثناء وجودى مع طالباتى فى إحدى المرات وسألتهن عن سبب إهمال الكتاب المدرسى كانت إجابة بعضهن كالتالى:
كتاب المدرسة.. آآآوف دا دمه تقيل قوى.. دا زى الرزية.. أنا مش بفهم منه حاجه.. هو بيتكلم عن إيه؟
وجاءت إجابة إحدى الطالبات فريدة من نوعها، لقد تمنت أن تلتقى بمن قام بوضع هذه الكتب ثم تساءلت:
«هوا إنسان عادى كده.. زينا؟.
مع حشو الكتاب المدرسى بمقدمات طويلة يقف الطالب أمامها عاجزا عن
الفهم، واستخدام واضعى الامتحانات طرقا جهنمية عند وضع الأسئلة، لتأتى
الإجابة دوما من بين السطور ومن خلف المعنى، وظهور الملخصات التى تضع
المنهج فى صورة عناصر وتسبقها بالأسئلة التوضيحية، ثم ترفقها بتمرين أو
اختبار، ومذكرات مدرسى الدروس الخصوصية التى تطابق عملية الشرح نفسها التى
يتبناها المعلم. لم يعد للكتاب المدرسى قيمة، ولم يعد الطالب يعتمد عليه،
لم يعد يراه إلا عند طقس تسلمه فى بداية العام؛ ليترك لأمه أو للخادمة أو
للإهمال مهمة التخلص منه، باستثناء كتاب التربية الدينية، الذى يتم التخلص
منه -كى لا يهان- بالتمزيق إلى قطع صغيرة جدا، أو بحرقه كيفما اتفق، و«بما
لا يخالف شرع الله».
يكلف الكتاب المدرسى الدولة مبالغ طائلة، تخرج من الميزانية
وتبعثرها الريح فى كل اتجاه. مع حرص سياسة التعليم على تمثيل دور المهتم،
وقيامها بتصديق استخدام الطالب له، وتغافلها عن تربح المؤسسات الخاصة
ومدرسى الدروس الخصوصية. ويظل الكتاب المدرسى على علاقة وثيقة بالترمس