قد كثرت الشكوى من بعض الفتيات لأوضاعهن و أحوالهن وما يشعرن به من الوحدة والفراغ العاطفي و ما يترتب على ذلك من الحزن والأسى والعزلة أو اللامبالاة بالدين والعادات وآداب المجتمع.
إن هذه الحالة؛ أعني الفراغ العاطفي لدى الفتاة؛ لها أسباب وعوامل كثيرة. من أهمها حرمان الأسرة لهذه الفتاة من العاطفة والمشاعر، وكذلك النظرة الإجتماعية و الموروث الثقافي و البيئي الذي يلعب دورا كبيرا في طبيعة التعامل مع الفتاة ومخاطبتها والتواصل معها.
إن الأسرة من أبوين و إخوة عليهم مسؤولية عظيمة تجاه الفتاة ومشاعرها و اهتماماتها.
يجب عليهم أن يعتنوا بها و يُرَبوها على تعاليم الدين و الأخلاق الفاضلة و يعطوها ما تحتاجه من العاطفة و المشاعر الجياشة و الاهتمام بكل متطلباتها و احتياجاتها الخاصة التي لا تتنافى مع الشرع و الخُلق. يجب عليهم أن يملأوا حياتَها الوجدانية و يُشبعوا رغباتها.
إن الفتاةَ حالَ المراهقة لها متطلبات خاصة تحتاج إلى من يتواصل مع فكرها وعاطفتها ولغتها و مشاكلها، وهذا الأمر لا يحتاج إلى عناء كبير من الأسرة أو بذل وقت كثير. إنها كلمات مؤثرة وعباراتُ دلال و مدح و أفكارٌ جميلة توجه إلى الفتاة، و في كثير من الأحيان تحتاج الفتاة إلى من يصغي لهمومها و يتفاعل معها و لو بلغة العيون و ملامح الوجه. المهم في النهاية يتم احتواء الفتاة و تتحقق سعادتها و ولاؤها للأسرة و شعورها بالاطمئنان والأمان الاجتماعي.
إن إهمال الفتاة خطيئة، و أعظم جرما من ذلك أن يَقسُوَ الوالدان أو الإخوة على الفتاة و يسومونها سوء العذاب من ضرب و إهانة و استهزاء و تَهَكُّم و امتناع عن تلبية رغباتها و حرمانها، بل أعظم من ذلك ظلمُها بعدم تزويجها من الكفء الذي ترضاه أو تزويجُها برجل لا ترتضيه و لا تهوى معاشرته، و الأم تتحمل نصيبا كبيرا في ذلك.
إن الفتاة إذا أُهملت و أوصدت في وجهها الأبوابُ، و انقطعت عنها الأسباب و صارت محرومة من البسمة و الفرحة و الكلمة الطيبة و القلب الحنون و البيت الدافئ بالحنان و صادف ذلك ضعف إيمان و قِلَّة وَعْيٍ حملها ذلك على البحث عمن يتواصل معها ويعوضها الحرمان و يشبع عاطفتها و لو كان بالعلاقة المحرمة و كثير من شباب السوء يستغلون ضعف الفتاة و شتاتها و يوقعون بها.
إن هذه المشكلة بسيطة إن شاء الله إذا تدوركت في البداية وعولجت من قبل الأسرة الواعية. و مع إهمال الأسرة فأخاطب الفتاة الواقعة في هذه المشكلة لأنها هي المعنية، و ألخص حل المشكلة في هذه الوصايا العشرة فأقول لها:
1- لا تيأسي أبدا و اعلمي أن هذا بلاء من الله و امتحان لك ليرى ماذا تفعلين فاصبري و احتسبي الأجر من الله.
2- إن كنت حُرِمت من الصاحبات و... فأنت بحمد لله تتمتعين بالصحة و العافية و الجمال و الذكاء و كثير من الصفات الحسنة. فوجهي نظرك إلى ما حَبَاك الله به من النعم و استثمري ذلك و لا تلتفتي إلى ما نقص منك و فاتك.
3- أحسني الظن بالله و لا تنظري إلى هذه المشكلة باليأس و الحزن بل انظري لها بعين العبرة و الفائدة و اعلمي أنها تشتمل على فوائد كثيرة منها أن تراجعي نفسك و تُصححي مسيرتَك و.....
4- قَوِّي صِلَتَك بالله بالذكر و القرآن و الدعاء و املئي قلبك بحب الله و الرسول صلى الله عليه و سلم و الصالحين. و استعيني بالله و توكلي عليه.
5- هذا واقعك و قدرُك كُتِب عليك لحكمة، فيجب عليك أن تتعاملي معه بحكمة و أن تصلحي حالك بنفسك فتكيفي معه و ابحثي عن حلول مناسبة و فُرَص جديدة.
6- أشغلي نفسك بالبرامج النافعة و الإبداع و لا تستسلمي للفراغ القاتل و الْتَحِقِي بالأنشطة الحسنة و طَوِّري من قدراتك و إمكانياتك. و حاولي إدخال السرور على الآخرين و إسعادَهم فإن هذا من أعظم أسباب انشراح الصدر.
7- اعتني بجمال نفسك و مظهرك و احترمي ذاتك و طوريها للأحسن بالقراءة و الهوايات المفيدة.
8- تفاءلي و انظري إلى الحياة بنظرة حُلوة و اعلمي أن هذه المرحلة ستزول بإذن الله عما قريب فتماسكي و حافظي على دينك و خُلقك.
9- احذري أشد الحذر من اللجوء إلى الصداقات المحرمة و العلاقات المشبوهة و تيقني أن هذا الطريق و إن كانت بدايتُه جميلة لكن ينتهي إلى خسارة عظيمة و خِزي في الدنيا و حسرة و ندامة في الآخرة. و لا تثِقي بأحد مهما أظهر لك حسن النية و خاطبك بالألفاظ الحسنة و عبارات الحب و الغرام.
10- تواصلي مع والديك و إخوانك و قَوِّي صلَتَكِ بهم و تحاوري معهم و أوصلي لهم شكواك بطريقة لبقة و مناسبة و لا تنتظري منهم العطاء و تقتصري على اللوم و الشكوى بل أنت بادريهم المشاركة و اعتني باهتماماتهم و مواضيعم و لو كانت تافهة.
فإذا عملت بهذه الوصايا وغيرها من الأمور النافعة ستكون الحياة حلوة في نظرك و تشعرين بالسعادة بإذن الله.
و أخيرا فأنت تمتلكين القدرة و الثقة و قادرة إن شاء الله على حل مشكلتك و إصلاح حالك و تغيير حياتك إلى الأفضل فحاولي و لا تيأسي و ثقي بالله.
أسأل الله أن يفرج هم كل فتاة و يكشف كربها و يسعدها في الدارين و يحفظها من كل سوء.