عثمان بن مظعون - رجال.. أضاءوا في التاريخ
عثمان بن مظعونذاك هو
عثمان بن مظعون بن حبيب القرشي، إخوانه: عبدالله وقُدامة من أوائل
المسلمين. أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً، وكان من العُبّاد المجتهدين في
العبادة. هاجر الهجرتين إلى الحبشة، وشهد بدراً. مات على رأس ثلاثين شهراً
من الهجرة، فدفنه رسول الله صلّى الله عليه وآله وأعلَمَ قبرَه بحجَرٍ،
وكان يزوره.
هكذا أسلم
• عن الإمام الباقر عليه السلام: « أوحى الله
عزّوجلّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّي شكرتُ لجعفر بن أبي
طالبٍ أربع خصال. فدعاه النبيّ صلّى الله عليه وآله فأخبره، فقال: لولا
أنّ الله أخبرك ما أخبرتُك: ما شَرِبتُ خمراً قطّ؛ لأنّي علمتُ أن لو
شرِبتُها زال عقلي. وما كَذِبت قطّ؛ لأن الكذب يُنقص المروءة. وما زَنَيتُ
قطّ؛ لأنّي خِفتُ أنّي إذا عَمِلتُ عُمِل بي. وما عبدتُ صنماً قطّ؛ لأنّي
علمتُ أنّه لا يضرّ ولا ينفع ». ( أمالي الصدوق ـ المجلس السابع عشر، وعلل
الشرائع للصدوق:558 / ح 1 ـ الباب 348 ).
وجُلُّ مَن ترجم لعثمان بن مظعون رضوان الله عليه ذكروا أنّه كان ممّن
حرّم الخمر على نفسه في الجاهليّة. قال ابن عبدالبرّ في ( الاستيعاب 86:3
): وكان ممّن حرّم الخمر في الجاهليّة وقال: لا أشرب شراباً يُذهب عقلي،
ويضحك بي مَن هو أدنى منّي، ويحملني على أن أنكح كريمتي!
• وذكر الشيخ الطبرسي في ( مجمع البيان 381:2 )
أنّ عثمان بن مظعون قال: كنتُ أسلمت استحياءً من رسول الله صلّى الله عليه
وآله؛ لكثرة ما كان يعرض علَيَّ الإسلام، ولم يَقَرّ الإسلام في قلبي،
فكنتُ ذات يوم عنده حالَ تأمّله، فشخص بصره نحو السماء كأنّه يستفهم
شيئاً، فلمّا سُرِي عنه سألته عن حاله، فقال: « نعم، بينا أنا أُحدّثك إذ
رأيت جبرئيلَ في الهواء، فأتاني بهذه الآية: « إنّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ
والإحسان.. »، وقرأها عَلَيّ إلى آخرها، فقَرَّ الإسلام في قلبي، وأتيتُ
عمَّه أبا طالبٍ فأخبرتُه، فقال: يا آلَ قريش اتّبعُوا محمّداً تَرشُدوا؛
فإنّه لا يأمرُكم إلاّ بمكارم الأخلاق.
ثمّ كان آل مظعونٍ رضوان الله عليهم مِن أوائل الداخلين في الإسلام،
والمهاجرين إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة. قال ابن سعد في ( الطبقات الكبرى
396:3 ): وآل مظعون ممّن أوعَب في الخروج إلى الهجرة، رجالُهم ونساؤهم،
ولم يَبقَ منهم بمكّة أحد، حتّى أُغلِقَت دورهم.
ردّ الجوار
لمّا رجع عثمان بن مظعون من الحبشة وقريشٌ على أعنف ما يكون، رجع في جِوار
الوليد بن المُغيرة، أي في حمايته، فلا يستطيع أحدٌ أن يناله بسوء. قال
ابن إسحاق: لمّا رأى عثمان بن مظعون ما عليه أصحاب رسول الله صلّى الله
عليه وآله من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة، قال:
واللهِ إنّ غُدُوّي ورَواحي آمناً بجوار رجلٍ من أهل الشرك، وأصحابي وأهل
ديني يَلقَون مِن البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، لنَقصٌ كبير في
نفسي! فمشى إلى الوليد فقال له: يا أبا عبدشمس، وَفَت ذمّتُك، قد رَدَدتُ
إليك جوارك. قال: لِمَ يا ابنَ أخي ؟! لعلّه آذاك أحدٌ مِن قومي، قال: لا،
ولكني راضٍ بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره، قال الوليد: فانطِلقْ
إلى المسجد فاردُدْ علَيّ جواري علانيةً كما أجَرتُك علانية. فانطلقا
فخرجا حتى أتيا المسجد.. فأدّيا ما اتّفقا عليه، فأراد الوليد إعادته
قائلاً له: هلمّ يا ابنَ أخي إن شئتَ فَعُد إلى جوارك، قال: لا. (السيرة
النبويّة لابن هشام 371:1 ).
مآثر
• لمّا أُصيب عثمان بن مظعون بعينه في مكّة من ضربة رجلٍ مشركٍ كافر؛ قال:
فإن تكُ عيني في رضى الربِّ نالَها |
| يدا مُلحدٍ في الدين ليـس بمهتـدي |
فقد عوّض الرحمانُ منهـا ثوابَـهُ |
| ومَن يَرضَه الرحمانُ يا قومُ يُسعَـدِ |
فإنّـي وإن قلتُـم: غَـويٌّ مُضَلَّـلٌ |
| سفيهٌ على دِيـنِ الرسـولِ محمّـدِ |
أُريـد بـذاك اللهَ والحـقُّ دينُـنـا |
| على رغم مَن يبغي علينا ويعتـدي |
(حلية الأولياء لأبي نُعَيم الأصفهاني 104:1 )
• وقد كان عثمان في طليعة عبّاد الصحابة، منقطعاً
إلى العبادة منصرفاً عن غيرها، لكنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله خاطبه
بقوله: « يا عثمان، إنّ الرهبانيّة لم تُكتَب علينا، أفَما لك فيّ أُسوة؟!
فَوَ الله إنّ أخشاكم لله، وأحفظَكُم لحدوده لأنا » ( صفة الصفوة لابن
الجوزي 452:1 ).
وفي رواية أخرى قال صلّى الله عليه وآله له: « يا عثمان، إنّ الله لم
يبعثني بالرهبانية، وإنّ خيرَ الدين عند الله الحنيفيّةُ السمحة » (
الطبقات الكبرى لابن سعد 395:3 )، وعرّف ابن عبدالبرّ به فقال: وكان
عابداً مجتهداً، من فضلاء الصحابة.
• وفي ( تفسير الحبري:239 ): قوله تعالى:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الَّذينَ يَظُنّونَ أَنَّهم مُلاقُوا رَبِّهم وأَنّهم إليه راجعون
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [ البقرة:46 ]: ـ نزلت في: عليٍّ وعثمان بن مظعون وعمّار بن ياسر، وأصحابٍ لهم.
رحمه الله
• عن ابن عبّاس قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه
وآله دخل على عثمان بن مظعونٍ وهو ميّت، فرأيتُ دموع رسول الله تسيل على
خدّ عثمان بن مظعون. ( صفة الصفوة 453:1 ).
• وكتب ابن عبدالبَرّ: إنّ رسول الله صلّى الله
عليه وآله دخل على عثمان بن مظعونٍ حين مات، فانكبّ عليه، فرفع رأسَه
فكأنّهم رأوا أثر البكاء في عينيه، ثمّ حنى عليه الثانية، ثمّ رفع رأسه
فرأوه يبكي، ثمّ حنى عليه الثالثة، ثمّ رفع رأسه وله شهيق، فعرفوا أنّه
صلّى الله عليه وآله يبكي، فبكي القوم.( الاستيعاب 86:3 ).
وأضاف عبدالبرّ ـ وهو من علماء السنّة المعروفين ـ قائلاً: وأعلَمَ رسولُ
الله صلّى الله عليه وآله قبرَ عثمانِ بن مظعونٍ بحجر ( أي جعل له علامة
)، وكان يزوره. ( الاستيعاب 86:3 ).
• وكتب ابن سعد في ( الطبقات الكبرى 397:3 ): عن
أبي بكر بن محمّد بن عمرو ابن حزم، قال: رأيتُ قبر عثمان بن مظعون وعنده
شيءٌ مرتفع، يعني كأنه عَلَم ( أي علامة تميّزة وتدلّ على مكانه ).
قالوا فيه
• أورد أبو نعيم الأصفهاني في ( حلية الأولياء
104:1 ) قصيدةً نسبها إلى الإمام عليٍّ عليه السلام أنّه قالها لمّا أُصيب
عثمان بن مظعون في عينه، أوّلها:
أمِن تَذكُّرِ دهـرٍ غيـرِ مأمـونِ |
| أصبحتَ مكتئباً تبكي كمحزونِ ؟! |
وفيها:
ألا تَرَون ـ أقَلَّ اللهُ خَيرَهُمُ ـ |
| أنّا غَضِبْنا لعثمانِ بنِ مظعونِ |
• كذلك أورد أبو نعيم نونيّةً أخرى نسبها إلى زوجة عثمان حين قُبِض، وهي:
يا عينُ جُودي بدمعٍ غيرِ ممنـونِ |
| على رَزيّةِ عثمان بـن مظعـونِ |
طاب البقيعُ لـه سُكنـى وفَرقـدُهُ |
| واشرَقَت أرضُه مِن بعـدِ تفتيـنِ |
وأورثَ القلبَ حُزناً لا آنقطاعَ لهُ |
| حتّى المماتِ.. فما تَرقى له شُوني |
• وذكره بالمدح والثناء والفضل والتمجيد، كلٌّ من:
ابن الأثير الجزري في ( أُسد الغابة في معرفة الصحابة 495:3 )، والحاكم
النيسابوريّ الشافعي في ( المستدرك على الصحيحَين 189:3 )، وابن عبدالبَرّ
في ( الاستيعاب 86:3 )، وأبي نُعَيم في ( حلية الأولياء 103:1 )، وابن
الجوزي في ( صفة الصفوة 450:1 )، واليافعيّ في ( مرآة الجنان 4:1 )، وابن
العماد الحنبليّ في ( شذرات الذهب 10:1 )، والشيخ المجلسي في ( مرآة
العقول )، والشيخ عبّاس القمّي في ( سفينة البحار ـ باب عثم )، والزركلي
في ( الأعلام 214:4 )، والسيّد الخوئي في ( معجم رجال الحديث 127:11 ـ 128
) وفيه يقول معلّقاً:
الرواية كافية في الدلالة على جلالة عثمان بن مظعونٍ وعظمته.
وفي زيارة الناحية المقدّسة: « اَلسلامُ على عثمان بن ِ أمير المؤمنين، سَمِيّ عثمانِ بن مظعون » ).
وفي ( مقاتل الطالبيّين:55 ) كتب أبو الفرج الأصفهاني في التعريف بالشهيد
في كربلاء عثمان بن الإمام عليٍّ عليه السلام، ابن أمّ البنين وأخ العبّاس
عليهما السلام، فقال: رُوي عن عليّ أنّه قال: « إنّما سمّيتُه باسم أخي
عثمان بن مظعون »