فضائل الأعمال في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
وكان ذلك بحُسن سيرته، وصحة سياسته - صلى الله عليه وسلم - حتى أذعنتْ له النفوسُ طوعًا، وانقادتْ خوفًا وطمعًا.
ومن ذلك: عدلُه - صلى الله عليه وسلم - في شِرعة دينه، فلا إفراط ولا تفريط، بل وسطية، بلا تعصُّب ولا تسيُّب، وخير الأمور الوسط.
ومن
فضائل أعماله - صلى الله عليه وسلم -: أنه لم يجنحْ بأصحابه إلى حب
الدنيا، ولا إلى رفضها؛ إنما الاعتدال؛ كما قال الله - تعالى -: ﴿
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ
نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].
ومن
فضائل أعماله - صلى الله عليه وسلم -: أنه أوضح للأمَّة كيف يعبدون الله -
عز وجل - وبيَّن لهم الحلال من الحرام، وفصَّل لهم ما يجوز وما يمتنع من
عقود ومناكحَ ومعاملات، ويتجلى هذا من خلال حديث النفر الثلاثة، والذي
يرويه لنا أنس - رضي الله عنه - حيث قال: جاء ثلاثةُ رهط إلى بيوت أزواج
النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبيِّ - صلى الله عليه
وسلم - فلما أُخْبِروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى
الله عليه وسلم؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا،
فإني أصلِّي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطِر، وقال آخر:
أنا أعتزل النساءَ فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
إليهم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله
وأتقاكم له، لكني أصوم وأُفطِر، وأصلي وأرقد، وأتزوَّج النساء؛ فمن رغب عن
سنتي فليس مني)) [1].
حتى احتاج أهل الكتاب إلى كثير من شرعه في زمانه، ولم يحتج شرعُه إلى شرع غيره.
ثم
مهَّد لشرعه أصولاً تدل على الحوادث المستقبلة ويستنبط لها الأحكام
المعللة، وكل ذلك كان في فترة بعثته الوجيزة؛ مما دل على إعجازه، وأنه
تنزيل من حكيم حميد.
ومن
فضائل أعماله - صلى الله عليه وسلم -: سخاؤُه وكرمُه وسَعة عطائه، حتى إنه
كان يعطي كلَّ ما عنده ولا يستبقي لنفسِه ولا لأهل بيته شيئًا، سواءٌ كان
ذلك في مبدأ بعثته، أو حتى بعدما فتح الله - عز وجل - عليه من زهرة الدنيا؛
لأنه يؤمن بحياة آخرة سرمدية، نعيمُها لا يفنى، وخيرُها لا يزول، ورسول
الله - صلى الله عليه وسلم - له فيها حظٌّ أوفر، ونصيب أكبر، هو ومن تبعه.
ومن
فضائل أعماله - صلى الله عليه وسلم - ودلائل نبوَّته: أنه جاهد أعداءه
الذين أحاطوا به من كل الجهات، وهو في بلد ضئيل وعدد قليل، فنصَرَه الله -
عز وجل - بالحرب وبالرعب نصرًا مؤزرًا، لا يتفق مع قلة عدد جنوده وقلة
أسلحتهم؛ مما يؤكد أن هذا النصرَ ليس إلا من الله خيرِ الناصرين، الذي ينصر
رسله والذين اتبعوهم.
ومن
فضائل أعماله - صلى الله عليه وسلم -: شجاعتُه وبأسه في القتال، وما تأثر
بقوة أعدائه أو كثرة عددهم، ويوم تأثر أصحابُه وأتباعه بجنود العدو وحاولوا
الفرار، بقِيَ هو - صلى الله عليه وسلم - لم يفرَّ ولم يهرُب؛ إنما شَهَرَ
سيفه، وقاتَلَ وحده، وهو يقول: ((أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن
عبدالمطلب))[2].
وظل
كذلك حتى عاد أصحابُه إلى القتال، ونصَرَهم اللهُ نصرًا مؤزرًا، وهذه
الشجاعةُ والبسالة في القتال إلى جانب الثقة بالنصر - رغم فرار أتباعه - لا
تكونُ إلا لنبيٍّ. وقد وعَدَه الله - عز وجل - بذلك؛ حيث قال: ﴿ إِنَّا
لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].