قصة شكوك المخابرات المصرية فى «رفعت الجمال»
قصة شكوك المخابرات المصرية فى «رفعت الجمال».. نديم قلب الأسد يثبت أنها غير صحيحة.
ومحمد نسيم: إسرائيل لا يمكن أن تعترف بأن جاسوساً مصرياً عاش بينهم 20
المعلومات التى حصلت عليها مصر فى حربى 1956و1967 كانت من 3 مصادر بينها رفعت الجمال المخابرات المصرية زرعت «كيفوركى يعقوبيان» فى إسرائيل بعد إجراء عملية ختان ورغم نجاحه فى البداية تم الكشف عنه بعد قصة حب إسرائيلية - «إسرائيل لا تحتمل الهزيمة، وكانت فضيحة رفعت الجمال «رأفت الهجان» هزيمة وفضيحة لذلك فهى تحاول الآن أن تمتصها وتشكك فيها». - «لا يمكن أن يعترفوا بأن جاسوسا مصريا عاش بينهم 20 سنة، فلا يوجد جهاز مخابرات يمكن أن يعترف بذلك». هكذا يرد ضابط المخابرات الشهير محمد نسيم «نديم قلب الأسد» عن تشكيك إسرائيل فى قدرة المخابرات المصرية، على زعمها بأن «رفعت الجمال» الذى عاش فيها باسم «جاك بينون» هو عميل مزدوج، ويرد على الذين يجددون نفس الكلام ومنه كلام الفريق رفعت جبريل: «العميل لا يستمر أكثر من أربع سنوات، وبعدها يصبح عميلا مزدوجا للطرفين أو يتم استبداله»، رأفت الهجان ساعده الإسرائيليون كثيرا، وكانت له شركات واستثمارات عديدة فى أوربا فيما بعد والمسلسل قدمه ببريق مبالغ فيه. حين يتحدث «نديم قلب الأسد» علينا أن ننصت، علينا أن نقف أمام كل كلمة يقولها، لأسباب كثيرة، فهو ضابط المخابرات الذى يقترن اسمه ببطولات كثيرة من بينها أنه المسؤول عن تدريب «رفعت الجمال»، فهو الذى نقله من مرحلة إلى أخرى أكثر تطورا وحرفية فى عالم الجاسوسية، هو الاسم الأكثر تأثيرا فى حياة رفعت الجمال، وهو الاسم الذى قال لى عنه «فتحى الديب» أحد مؤسسى جهاز المخابرات: «محمد نسيم ضابط مخابرات كامل الأوصاف». حين ولد محمد نسيم عام 1928 فى حى المغربلين بالقاهرة عام 1928، كان رفعت الجمال طفلا رضيعا عمره عام واحد «مواليد عام 1927»، وبينما كان «الجمال» يتيم الأب، كان «نسيم» يتيم الأم، وكان «الجمال» ى وف أسرية غير مستقرة فى صباه ويهوى السينما، بينما كان «نسيم» يتعلم الملاكمة ويشق طريقه فى التعليم حتى التحق بالكلية الحربية ليتخرج منها ضابطا فى سلاح المدرعات، ويشارك فى حرب السويس عام 1956 «العدوان الثلاثى من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل»، وبعد الحرب ينتقل إلى جهاز المخابرات بعد عامين من تأسيسه، كان «الجمال» وقتئذ تم تجنيده لزرعه فى إسرائيل. فى سجل بطولات محمد نسيم المخابراتى: عبدالناصر - قام بإعادة تأهيل «رفعت الجمال» الذى أصبح فى إسرائيل «جاك بيتون» بعد انفصال سوريا عن مصر وانتهاء دولة الوحدة عام 1961 سافر إلى بيروت ليدير منطقة المشرق العربى من هناك، وليواجه الآثار المترتبة على الانفصال، وكانت بيروت وقتها محطة ترانزيت لأجهزة مخابرات العالم، وحسب كتاب «ذئب المخابرات الأسمر» للكاتب الصحفى نبيل عمر، كانت إحدى عملياته التى وضعها وقتئذ فى بيروت، عملية اختطاف «عبدالحميد السراج «من سجن المزة» فى دمشق بعد أن تسلل إليه فى ملابس أحد حراس السجون ودخل زنزانة «السراج» وأخرجه حتى الأسوار ثم قفزا معا، وسبحا حتى وصلا إلى بيروت، وبعد أيام كان «السراج» فى القاهرة، والمعروف أن «السراج» كان من رجال الوحدة ضد الانفصاليين، وعملية تهريبه كانت بأمر مباشر من «عبدالناصر». كاد أن يتعرض لعملية اختطاف من بيروت ليصبح رهينة فى يد خصوم جمال عبدالناصر، ويجبروه على أن يهاجمه فى إحدى الإذاعات المعادية لمصر فى ذلك الوقت، وكان المكلف بالعملية شابا مصريا يعيش فى الخارج على العداء لمصر، وقرر «نسيم» اختطافه، وهو ما حدث ووضعه فى طائرة حملته إلى القاهرة. *أدار عملية الكشف عن صفقة الطائرات الفرنسية لإسرائيل عام 1960 و1962. رأفت الجمال وزوجته الألمانية فالتر واد بيتون * عملية تدمير الحفار كنتنج فى أبيدجان «ميناء ساحل العاج»، وهو الحفار الذى استأجرته إسرائيل ليقوم بعملية التنقيب عن البترول فى سيناء بعد احتلالها فى 5 يونيو 1967، وكان ذلك بمثابة إذلال لمصر، وفى عملية مخابراتية رائعة وقت أن كان «أمين هويدى» رئيسا للجهاز، وبالتعاون مع القوات البحرية، تم تدمير الحفار وهز انفجاره «أبيدجان»، وتلقى عبدالناصر التمام بنجاح العملية، بعد أن كان «نسيم» فى الفندق المطل على البحر فى «أبيدجان» يطل منه على الحفار انتظارا لمجىء الساعة السابعة صباحا وهو موعد «التفجير»، وما أن تطابقت عقارب الساعة على السابعة حتى دوى الانفجار، ليلحق بإسرائيل الخزى والعار، ويتم إفساد مخططها. هذا بعض مما تم كشفه من سجل بطولات محمد نسيم المخابراتى، الذى كان يذهب إلى مزرعته فى قريته «ميت كنانة» مركز طوخ محافظة القليوبية، كلما أراد التفكير فى كيفية تنفيذ عملية من عملياته وضمان نجاحها، كان يجلس فى مزرعته وحيدا ليلا متأملا، حتى يصل إلى ما يريد، هكذا تحدث «نسيم» فى أحد لقاءاته النادرة مع مجلة «الشباب»، وبالرغم من أن تلك العمليات كانت تتم وفقا لخطط عمل المخابرات، إلا أنه كان يتلقى تعليمات مباشرة من عبدالناصر بخصوصها. لماذا نعدد بعض إنجازات محمد نسيم ونحن نتحدث عن رفعت الجمال فى مصر، وهو «جاك بيتون» فى إسرائيل، و«رأفت الهجان» فى المسلسل التليفزيونى؟ نعددها حتى يكون هناك «شاهد من أهلها»، وحتى نعرف ماذا يقول عن المزاعم الإسرائيلية بأن «الجمال» كان عميلا مزدوجا، وأن تل أبيب وظفته بعد أن كشفت أمره وحقيقة أن المخابرات المصرية زرعته ليكون عينا مفتوحة على ما تفعله إسرائيل. فى عام 1993 وفى شهر أغسطس منه، كان موسم المزاعم الإسرائيلية بأن «الهجان» عميلا مزدوجا، وهو ما روجت له صحيفة «معاريف» الإسرائيلية بحبكها قصة أقرب إلى الأفلام الهندية، فماذا قال «محمد نسيم» عن هذه المزاعم؟ فى 30 أغسطس 1993، تحدث «محمد نسيم» للكاتب الصحفى «عادل حمودة» نائب رئيس تحرير مجلة روزاليوسف، قال فيها: «تتحرك إسرائيل كرد فعل لما أحدثه نشر قصة رأفت الهجان، ذلك البطل المصرى الرفيع الكفاءة والمستوى، الذى عاش فى إسرائيل 20 سنة دون أن تعرف إلا بعد أذاعت المخابرات المصرية القصة بنفسها، ولو كان الهجان عميلا مزدوجا كما يدعون، فلماذا ظل فى إسرائيل؟، لماذا لم ينتقل للإقامة فى مصر أو فى إحدى الدول العربية؟، كيف يكون عميلا للموساد وهو يعيش فى إسرائيل؟ يؤكد «نسيم» على أن هذه الأسئلة لن تجرؤ إسرائيل على الإجابة عنها، ويقول: «ليست عادة المخابرات الإسرائيلية هذا الانتظار الطويل قبل كشف العملاء المزدوجين، والدليل على ذلك قصة الجاسوس المصرى» كيفوركى يعقوبيان، فمن يكون هذا الجاسوس؟. يكشف «نسيم» حقيقة «كيفوركى يعقوبيان» قائلا، إنه كان أرمينيا، تم إعداده لمدة سنة ونصف السنة، وعرف باسم «زكى سليم كيتشوك»، وأنه يهودى تركى، وعائلته موجودة فى مصر من أيام الحكم العثمانى، يضيف نسيم، جهزنا كل ما يثبت الحقيقة الجديدة لـ«يعقوبيان»، وتم إرساله إلى أمريكا اللاتينية إمعانا فى التغطية، وهناك أقنعه الملحق العسكرى الإسرائيلى بالهجرة إلى إسرائيل. وإمعانا فى التمويه وضبط العملية، تم إجراء عملية ختان لـ«يعقوبيان» «الختان من شروط الديانة اليهودية»، وبعد زرعه فى المجتمع الإسرائيلى نجح وكما يقول نسيم: «وصل فى نجاحه حد اختياره لحمل باقة ورد فى جنازة إحدى الشخصيات اليهودية الكبيرة، وكان ذلك دليل نجاحه فى خداعهم، وبعد ذلك حدث ما أوقع «يعقوبيان» أو «زكى سليم كيتشوك»، فماذا حدث منه؟. يقول «نسيم»، إن «زكى» أحب فتاة إسرائيلية أخاها ضابط فى الأمن، وكانت هذه نقطة ضعفه، وبعد عام ضيقوا عليه الخناق، وعرفوا أنه جاسوس، وبعد التحقيقات معه، أعلنوا القصة ونشروها وأغروه بالعيش فى إسرائيل بالمال، مقابل أن يعمل جاسوسا لإسرائيل، وأصدرت إسرائيل كتابا عن العملية عام 1964، اعترفت فيه بأن هذه العملية تشرف المخابرات المصرية، وأنها من أخطر عمليات المخابرات الإسرائيلية، ويضيف «نسيم»: «كنا سعداء بهذا التقييم». زكريا ما المقصود من ذكر قصة «يعقوبيان»؟، وما علاقتها بقصة «رفعت الجمال»، أو «جاك بيتون»؟ يحدد «نسيم» القصد فى خمس نقاط، أولها، أن إسرائيل لا تتأخر فى الكشف عن العملاء المزدوجين، أو العملاء الذين يسقطون فى شباك مخابراتها، وثانيا: أن «رفعت الجمال» أو«رأفت الهجان» كان موجودا فى إسرائيل قبل كشف قصة «كيفوركى يعقوبيان» بسنوات طوال، فلماذا لم يعلنوا قصته، وأعلنوا قصة من جاء بعده، إذا كانوا قد كشفوه كما يدعون مبكرا؟. ثالثا: أن إسرائيل تفضل كشف العميل عن استعماله كعميل مزدوج، ورابعا: أن «الجمال» أو الهجان «لم يكن المصرى الجاسوس الوحيد فى إسرائيل فى ذلك الوقت، وخامسا: أننا - الكلام لنسيم - تسلمنا كيفوركى يعقوبيان بعد 1967، وصارحنا بما جرى له، وقد حدث لبس متعمد بينه وبين «الجمال» أو «الهجان» وهذا اللبس هو العمود الفقرى لرواية صحيفة «معاريف» «عرضناها فى حلقة أمس»، يواصل «نسيم»، طلب «الموساد» من يعقوبيان العمل لحسابها فى العريش، لكن العملية كانت بالنسبة للمخابرات المصرية واضحة، واستغلت الموساد قصة التغطية المصرية لـ«يعقوبيان»، ونفذتها حرفيا مع جاسوسها «إيلى كوهين»، الذى جاء من أمريكا اللاتينية إلى سوريا، ونجح فى أن يصبح صديقا للرئيس السورى «أمين الحافظ»، ولم يتم الكشف عنه إلا بالصدفة. المعروف أن «كوهين» هاجر من مصر إلى إسرائيل، وتلقفه «الموساد» وقام بتسفيره إلى الأرجنتين بوصفه مسلما اسمه «كامل أمين ثابت» واشتهر فى وسط الجالية «السورية واللبنانية» فى الأرجنتين، وتعرف على «الحافظ» هناك وكان يشغل موقع مستشارا عسكريا فى السفارة السورية بالعاصمة الأرجنتينية «بيونس إيرس»، وبدا هناك أنه ثرى ينفق ببذخ، وبعد نحو عامين ومع تولى «الحافظ» رئاسة سوريا على أثر انقلاب عسكرى، عاد «كوهين» إلى دمشق، وأصبح من نجوم المجتمع والسياسة، حتى أنه كان يزور المواقع الأمامية للجبهة وتم كشفه بالصدفة عبر المخابرات المصرية عن طريق صورة له، وعلى الفور سافر «محمد نسيم» بأمر عبدالناصر إلى سوريا ووضع أمامهم كل الحقائق ليتم القبض عليه وإعدامه فى ميدان عام فى شهر مايو 1965، بعد أن تم زرعه فى سوريا من عام 1962، وقد يرى البعض أن ذلك يؤيد وجهة نظر الفريق رفعت جبريل، بأن الجاسوس لا يستمر أكثر من أربع سنوات ويتحول إلى عميل مزدوج أو يتم استبداله، لكن الرد على ذلك يأتى من أن الكشف عن «إيلى كوهين» تم بالصدفة وليس من قبيل المراقبة والتحقيق، وليس لأن الجاسوس أخطأ فى تصرفاته، أو كان يشكو من ضغوط ما، وإنما لحسابات أخطأ فيها «الموساد» نفسه.. أعود إلى محمد نسيم، وما ذكره فى رده على المزاعم الإسرائيلية، ويقول بشكل قاطع، إن إسرائيل لا تحتمل الهزيمة، وكانت قضية الهجان هزيمة، وفضيحة، لذلك فهى تحاول الآن أن تمتصها وتشكك فيها، وفيما يمكن أن يؤلمها فيما بعد من عمليات ناجحة للمخابرات المصرية لم تكشف بعد، يضيف «نسيم» أنه لو كان «الجمال» رجلهم، فلماذا سافر إلى ألمانيا، ومن ألمانيا إلى مصر ليكون شركة بترول مع بعض الألمان، لماذا قرر أن يستثمر أمواله فى مصر لو كان عميلا لإسرائيل، هل هو مجنون ليضع نفسه فى عرين الأسد، الإجابة طبعا بالنفى. وعن المعلومات التى سربها إلى مصر من خلال الإسرائيليين عن حربى 1956 و1967، قال نسيم، إن «الجمال» أو «الهجان» لم يكن المصدر الوحيد لنا فى إسرائيل كما يتخيلون، كانت لنا ثلاثة مصادر دقيقة ومطلعة، كما أن ما أرسلته من معلومات كان صحيحا، فكيف يمكن أن تعطى المخابرات الإسرائيلية لأحد عملائها معلومات صحيحة؟ - كيف كان حال «الجمال» أو «الهجان» فى إسرائيل، هل كان يريد العودة، ألم يشك فيه جهاز المخابرات المصرية؟. نسيم الإجابة تأتى من «محمد نسيم» ومن مذكرات «الجمال» التى تركها لزوجته الألمانية «فالتر واد بيتون»، يعترف «نسيم»:» كان «الجمال» أو الهجان متوترا أثناء وجوده فى إسرائيل وكان يريد العودة إلى مصر، ولولا ضغطى عليه، وجهاز المخابرات المصرية نفسه عامله ببعض الشك، لكن كل هذا ثبت أنه غير صحيح، أما فى مذكرات «الجمال» فنقرأ إجابات شافية على السؤالين سنتعرض لهما فيما بعد. يختتم «نسيم» ردوده على المزاعم الإسرائيلية بقوله: «ما يضعف موقف المخابرات الإسرائيلية هو أنه رد فعل، ولو كانوا جندوا «الجمال» وحققوا معه واعترف، ألم يسجلوا اعترافاته لتقديمها إلى الرأى العام، لدينا قناعتنا ومستنداتنا عن هذه العملية، ولا أريد أن أتحدث عن حجم المعلومات التى سربها «الجمال» إلى مصر، وأتساءل: «كيف يعيش مصرى كل هذه السنوات داخل إسرائيل دون أن يكشفوه؟، هذه هى قيمة وخطورة «الجمال» وهذا هو سر جنون وغضب إسرائيل.