[frame="10 10"]
كان صلى الله عليه وسلم ريقه فيه شفاء من كل داء ، وفيه حدِّث ولا حرج ، فتارة يشفي به من العين ، ولذلك رُوي أنه صلى الله عليه وسلم بعد ولادته بأيام ولم يُتم أسبوعاً أصيب برمد في عينيه ، وكان أحبار اليهود عندما علموا بقرب ظهوره جاءوا إلى الجزيرة العربية يرجون رؤياه ، منهم من سكن بعرفات ومنهم من سكن بالمدينة ومنهم من سكن بخيبر وكلهم جاءوا بحسب ما وجهت لهم التوراة ليتحققوا من أوصاف رسول الله ويروا حضرته
فحمله جده عبد المطلب وذهب به إلى الراهب الذي كان في عرفات وكان يعالج من أمراض العيون فلما نظر إليه قال: هذا دواؤه معه ، خذ من ريقه وضع في عينيه يُشفى إن شاء الله ، فأخذ من ريقه ووضع في عينيه فشفاه الله
ولذا عندما أحاط النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وهمَّ بفتحها واستعصى الفتح على جيش المسلمين حتى غروب الشمس ، قال صلى الله عليه وسلم: {لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَتَطَاوَلْنَا لَهَا ، فَقَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا ، فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ}{1}
هذا الريق كان يُحول الماء الملح إلى ماء عذب وهذا حدث مراراً وتكراراً في مرات يعجز الحصر عن ذكرها ؛ ذكرتها كُتب السيرة الصحيحة المعتمدة ، فقد كان يأتيه العرب ومعهم أقداح ، ويقولون يا رسول الله: إن لنا بئراً مالحاً فادعوا الله أن يجعلها عذبة ، فيأمر صلى الله عليه وسلم بشيء من الماء في القدح ، ثم يشرب منه ويتمضمض ، ويُنزل الماء بعد المضمضة في القدح ، ويقول: خذه وضعه في البئر ، فيأخذون الماء ويضعونه في البئر فيتحول إلى ماء عذب بأمر الله
قال علاء الحضرمي رضي الله عنه: {أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ ، فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ ثُمَّ صَبَّ فِي الْبِئْرِ أَوْ شَرِبَ مِنَ الدَّلْوِ ، ثُمَّ مَجَّ فِي الْبِئْرِ ، فَفَاحَ مِنْهَا مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ}{2}
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: {كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ أَوْ صَدَرَتْ رَكَائِبُنَا}{3}
وما أكثر الآبار التي تحولت في المدينة ومكة والجزيرة العربية كلها من ريقه الشريف صلوات ربي وتسليماته عليه ولعلنا نعجب جميعاً كيف تعيش دولة مثل الجزيرة العربية الآن وليس فيها أنهار ولا أمطار ولا يوجد فيها إلا مياه الآبار ، وماء الآبار قليل ومع ذلك يكفيهم ولا يهتمون ولا يبحثون عن شيء؟ لأن هذا ببركة النبي صلى الله عليه وسلم لماء هذه البلدان وإن كان صلى الله عليه وسلم بشَّرنا وإياهم ببشارة فقال صلى الله عليه وسلم: {لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا}{4}
سترجع أرض الحجاز خضراء وأنهار وحدائق جناء لأن الدورة المناخية قد اقترب تحقيقها بالنسبة لمصر والسعودية إن شاء الله رب العالمين
{جَاءَتْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ بَذِيئَةُ اللِّسَانِ قَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهَا ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَدِيدٌ يَأْكُلُهُ ، فَأَخَذَ قَدِيدَةً فِيهَا عَصَبٌ ، فَأَلْقَاهَا إِلَى فِيهِ ، فَهُوَ يَلُوكُهَا مَرَّةً عَلَى جَانِبِهِ هَذَا ، وَمَرَّةً عَلَى جَانِبِهِ الآخَرِ ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَلا تُطْعِمُنِي؟ قَالَ: بَلَى ، فَنَاوَلَهَا مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَتْ: لا، إِلا الَّذِي فِي فِيكَ ، فَأَخْرَجَهُ فَأَعْطَاهَا ، فَأَخَذَتْهُ فَأَلْقَتْهُ إِلَى فَمِهَا ، فَلَمْ تَزَلْ تَلُوكُهُ حَتَّى ابْتَلَعَتْهُ ، فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الأَمْرِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَذَاءِة وَالذِّرَابَةِ}{5}
وأخبر جعفر بن محمود أن جدته عميرة بنت مسعود حدثته: {أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها وهن خمسة فبايعنه ، فوجدنه وهو يأكل قديدا ، فمضغ لهن قديدة ، ثم ناولهن إياها فاقتسمنها ، فمضغت كل واحدة منهن قطعة ، قال: فلقين الله ما وجدن في أفواههن خلوقا ، ولا اشتكين من أفواههن شيئا}{6}
بدون معجون أسنان ولا أي معطرات ولا حتى سواك ولا أي شيء من هذا القبيل
بل الأعجب من هذا أن رجلاً كان يُسمَّى عُتبة بن فرقد رضي الله عنه، تزوج أربع نساء وكانت كل واحدة منهن تجتهد أن تشتري أفخر ما وسعها من العطر لتبدو أحسن عند زوجها ، وهو لا يضع عطراً ، وأخيراً اجتمعن وقلن له: يا عتبة نحن نشتري أفخر العطور ونضعها ولا نراك تضع عطراً ومع ذلك لا نصل إلى الرائحة الطيبة التي نشمها منك ، فمم ذاك؟
تحكي هذا الأمر إحدى زوجاته وهي أم عاصم فتقول: {كُنَّا عِنْدَ عُتْبَةَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ ، مَا مِنَّا امْرَأَةٌ إِلا وَهِيَ تَجْتَهِدُ فِي الطِّيبِ لِتَكُونَ أَطْيَبَ مِنْ صَاحِبَتِهَا ، وَمَا يَمَسُّ عُتْبَةُ الطِّيبَ إِلا يَمَسُّ دُهْنًا يَمْسَحُ بِهِ لِحْيَتِهِ ، وَهُوَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَّا ، وَكَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى النَّاسِ ، قَالُوا: مَا شَمِمْنَا رِيحًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ عُتْبَةَ ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: إِنَّا لَنَجْتَهِدُ فِي الطِّيبِ ، وَلأَنْتَ أَطْيَبُ مِنَّا رِيحًا ، فَمِمَّ ذَاكَ؟ فَقَالَ: أَخَذَنِي الشَّرَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَتَجَرَّدَ ، فَتَجَرَّدْتُ وَقَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَلْقَيْتُ ثَوْبِي عَلَى فَرْجِي ، فَنَفَثَ فِي يَدِهِ عَلَى ظَهْرِي وَبَطْنِي ، فَعَقَبَ بِي هَذَا الطِّيبُ مِنْ يَوْمَئِذِ}{7}
بل إنه ريقه صلى الله عليه وسلم كان شفاء وغذاء ، فقد كان الحسن والحسين وهما صغار عندما تغيب أمهما في حاجة ويجوع أحدهما يضع النبي صلى الله عليه وسلم لسانه بين شفتيه فيبلع لسانه – يرضع لسانه – ويشبع بإذن الله ولا يحتاج إلى رضاع بعد ذلك واسمعموا :
{عن أبي جعفر، قال: بينما الحسن مع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم اذ عطش فاشتد ظمأه فطلب لـه النبي صلى الله عليه وسلم ماءاً فلم يجد فأعطاءُ لسانه فمصّه حتى روي}{8}
ومرة أخرى الحسن والحسين معاً: فعن أبي هريرة قال: {أشهد لخرجنا مع رسول الله حتى إذا كُنا ببعضِ الطريق سمعَ رسولُ الله صوتَ الحَسَن والحُسَين وهما يبكيان وهما مع أمهما، فأسرعَ السَّيْرِ حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابنيَّ؟ فقالت: العَطَش، قال: فأخلف رسول الله يده إلى شَنَّةٍ يتوضأ بها فيها ماءٌ وكان الماء يومئذ إعذاراً والناس يريدون الماء، فنادى: هل أحد منكم معه ماء؟ فلم يبق إلا أحد أخلف يده إلى كَلالهِ يبتغي الماءَ في شنُّة، فلم يجد أحدٌ منهم قطرة، فقال رسول الله: ناوليني أحدهما فناولته إياه من تحت الحِذْر، فرأيتُ بـياض ذِراعيها حين ناولته فأخذَه، فضمَّهُ إلى صَدرِه وهو يضغو ما يَسْكت، فأدلع له لسانَه فجعلَ يمصُّه حتى هَدأ وسَكَنَ، فلم أسمع له بُكاءً، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال: ناوليني الآخر فناولته إياه، ففعل به كذلك، فسكتا، فما أسمعُ لهما صَوْتاً}{9}
ثم الحسن والحسن وأطفال رضع آخرين معهم ، فقد ورد أنه: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظِّمه {أى يوم عاشوراء} حتى إن كان ليدعو بصبيانه وصِبيان فاطمة المَراضع ذلك اليوم، فيتفلُ في أفواهِهم ويقول لأمهاتهم: لا تُرْضِعُوهُمْ إلى اللَّيْلِ ، وكان ريقه يُجْزِئهم}{10}
إذاً حتى أوصافه البشرية فيها إعجازات ربانية لا يستطيع أحد من البشر أن يصل إلى مداها أو يبلغ منتهاها لأن الله خلقه على أكمل الصور البشرية الإنسانية صلوات ربي وتسليماته عليه
{1} مسند أحمد والحاكم عن سعد بن أبي وقاص {2} مسند أحمد وسنن ابن ماجة {3} صحيح البخاري ومسند أحمد {4} مسند أحمد وصحيح ابن حبان عن أبي هريرة {5} معجم الطبراني عن أبي إمامة {6} أخرجه أبو نعيم وأبو موسى عن عميرة بنت مسعود، معرفة الصحابة {7} معجم الطبرني ودلائل النبوة للبيهقي {8} الحاكم فى المستدرك ، جامع المسانيد والمراسيل ، ترجمة الإمام الحسن بن علي من تاريخ مدينة دمشق ص104 رقم 175، ورواه المتقي في كنز العمال ج13 ص653 رقم 37656 طبع حلب وقد ورد ذلك كثيراً فى أحداث عديدة {9} تهذيب الكمال، والشريعة للآجرى عن أبى هريرة {10} مجمع الزوائد، رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط عن عليلة عن أمها
[/frame]