الغرض الأول من لقاءات ومجالس الصالحين أن نتلاقى ؛ وأن نحظى بنظرة من حَبيب الله ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم ، خاصة أن هذه الليلة (ليلة الإسراء والمعراج) ليلة النظرة فقد وقف على طريقه كما تروى الروايات الصحيحة(1):
امرأة عجوز شوهاء – أي حسناء - وقالت : يا محمد انظرني؟ ، فقال جبريل عليه السـلام : يا محمد لا تلتفت إليه، ووقف رجل وقال: يا محمد انظرني، فقال جبريل عليه السلام : يا رسول الله لو نظرت إليه لغوت أمتك .
ووقف شيخ كبير وقال : يا محمد انظرني ، ووقف رجل آخر، ثم قال جبريل : يا رسول الله أما المرأة العجوز الشوهاء فهي الدنيا ، ولم يبقى من عمر الدنيا إلا ما بقى من عمر هذه العجوز ؛ ولو نظرت إليها لفتنت بها أمتك ، وأما الشيخ فهو إبليس ؛ ولو نظرت إليه لغوت أمتك ، وأما الرجل الأول هو داعي اليهود ولو نظرت إليه لتهودت أمتك ، وهنا وقفة :
فكثير منا لا يفقه معنى " تهودت أمتك " ، أو الرجل الأخير داعي النصـارى، ولو نظرت إليه لتنصرت أمتك ، وتهودت يعني : أخذت طباع اليهود - وقد كان يغلب عليهم حب الدنيا ، ويتمسكون بظواهر التشريع - وتنصرت يعني أخذت حالة النصارى من التروحن والإقبال على الأعمال الصالحات والدار الآخرة وترك الدنيا.
وقد جمع الله لنا هذين الأمرين؛ نعمل للدنيا، ونعمل للآخرة، وزاد لنا خاصة ونعمل لوجه الله : خصوصية لهذه الأمة المحمدية ، فجمع الله لنا خير ما عند اليهود ، وخير ما عند النصارى، وزاد لنا فضلاً منه وكرماً أننا نعمل ابتغاء وجهه: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)(9)الإنسان
وتلك زيادة لهذه الأمة، وكل هؤلاء أمر الله جبريل أن يجعل الحبيب لا ينظر إليهم ؛ إلى من ينظر إذن ؟ قال لنا ، وخاطبنا خطاباً تخفق له الأرواح ، وتطير من أجله الأشباح ، وقال.عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا)البقرة104
قولوا : انظرنا ، نظرة يا رسول الله، فنحن أهل النظرة ، خصنا الله.عز وجل بنظرة حَبيب الله ومُصطفاه ، هذه النظرة التي يقول فيها الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
لو نظرةً منه لإبليس محت عنه الشقاوة بالعطا المدرار
ماذا كان حال سيدنا عمر؟ تقلد السيف، وذهب ليقتل رسول الله، وهدد، وتوعد، وقال : أقتل محمداً ليرتاح الناس أجمعون منه، ثم نظر إليه صلى الله عليه وسلم نظرة، وهزّه هزة، ثم تغير من هذه النظرة من الكفر إلى شديد الإيمان، إنها نظرة نظرها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتماعنا هذا من أجل هذه النظرة وقد قال لنا فيها إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه:
إذا نظرت عيني وجوه أحبتي فتلك صلاتي في ليالي الرغائب
(1) رواه البيهقى فى دلائل النبوة عن أبى سعيد الخدرى ، وفيه : " فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ( أى على البراق ) إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي : يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ ، فَلَمْ أُجِبْهُ ، وَلَمْ أَقِمْ عَلَيْهِ ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي : يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أُجِبْهُ ، وَلَمْ أَقِمْ عَلَيْهِ وَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا وَعَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ ، فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ ، فَلَمْ أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا وَلَمْ أَقِمْ عَلَيْهَا حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَأَوْثَقْتُ دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُوثِقُهَا بِهِ ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءَيْنِ : أَحَدِهِمَا خَمْرٌ ، وَالْآخَرِ لَبَنٌ ، فَشَرِبْتُ اللَّبَنَ وَتَرَكَتُ الْخَمْرَ فَقَالَ جِبْرِيلُ : أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ ، فَقُلْتُ : " اللَّهُ أَكْبَرُ , اللَّهُ أَكْبَرُ " ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : مَا رَأَيْتُ فِيَ وَجْهِكَ هَذَا ؟ قَالَ : فَقُلْتُ : بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ ، فَلَمْ أُجِبْهُ ، وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ قَالَ : ذَاكَ دَاعِي الْيَهُودِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ أَوْ وَقَفْتَ عَلَيْهِ لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ قَالَ : وَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ ، فَلَمْ أَلْتَفِتُ إِلَيْهِ ، وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ قَالَ : ذَاكَ دَاعِي النَّصَارَى ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ ، تَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ ، أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ ، فَلَمْ أُجِبْهَا ، وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا قَالَ : تِلْكَ الدُّنْيَا أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهَا لَاختَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ "" ، و الحديث طويل و له روايات أخرى عديدة فيها ماذكر أعلاه عن الشيخ العجوز و غيرها ، نكتفى بهذه السطور من هذه الرواية و لراغب المزيد مراجعة كتب السنة والحديث .