بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين ،وصلّىاللّه على سيدنا محمد وعترته المنتخبين . قال أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي - من أهل معرّة النعمان-:
سألني بعض الناس أن أنشئ مختصرا في تفسير شعر أبي الطيب، فكرهتُ ذلك، وسألتُه الإعفاء، فأجاب. ثم تكرر السؤال، فأصبحت، فكأني في القياد، وأنا كما قيل: "مكرَه أخوك لا بطل" وكم حلّى فضلُه العطل"، وأمليتُ شيئا منه، ثم علمتُ أنني في ذلك من الأخسرين أعمالا، لا أكتسب به في العاجلة ولا الآجلة إجمالا، لأن القريض له زمان، ومن بلغ سنّى فما له من الحتف مآل، وذكر لي المجتهدُ في خدمة الأمير عزيز الدولة وغرسها، أبي الدوام ثابت، ابن تاج الأمراء فخر الملك، عُمدة الإمامة، وعدة الدولة ومعزها، ومجدها، ذي الفخرين، أطال الله بقاءه، وأدام أيامه، أبو القاسم عليّ بن أحمد المقري: إن الأمير أبا الدوام أمره أن يلتمس لدى شيئا من هذا الفن، فنهضت نهضة كسير، لا يقدر على المسير، وأنشأت معه شيئا عنِى مقداري من مقدار الآمر، ولست في المناصحة بالمخامر، وتقاضاني بالمراد، مخلص فيما كلف مُبِرّ، على أني بالمعجزة مُقِرّ، فكان كما قال القائل:
إذا ما تَقَاضَى المرء يَوْمٌ وليلةٌ | | تَقاَضاه شئٌ لا يُمل التقاضِيَا |
وأتممتُ ما كنتُ بدأتُ فيه. والله المستعان، وبه التوفيق.
الحمد لله العظيم سلطانه، الجزيل إحسانه، الواضح برهانه، الذي قدر الأشياء بحكمته، وخلق الخلق بقدرته، فمنهم المريد، ومنهم البليد، الذي جعل العلم أربح المتاجر، وأشرف الذخائر، ورفع به الأصاغر على الأكابر. أحمده على ما أسبغ من نعمه المتواترة وعم من مننه الوافرة، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تمنع قائلها من لمس النار ومسها، وتجادل عنه " يومَ تَأتي كُلُ نَفْسٍ تجادلُ عن نفسها" وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسله بأحسن اللغات وأفصحها، وأبين العبارات وأوضحها، أظهر نور فضلها على لسانه، وعظم شأنها إظهار لها ولشانه، وجعلها غاية التبين، وخصه بها دون سائر المرسلين، ورد على من قال من الملحدين: "لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة دائمة إلى يوم تدعى كل أمة إلى كتابها، ويسوى بين عجم الأمة وأعرابها، يوم تخرس الألسنة عن إعرابها.
أما بعد: فإني لما أتقنت الديوان، الذي انتشر ذكره في سائر البلدان، وقرأته قراءة فهم وضبط، على الشيخ الإمام أبي الحرم مكي بن ريان ، الماكسيني بالموصل، سنة تسع وتسعين وخمس مئة، وقرأته بالديار المصرية على الشيخ أبي محمد عبد المنعم بن صالح التيمى النحوي. ورأيت الناس قد أكثروا من شرح الديوان، واهتموا بمعانيه، فأعربوا فيه بكل فن وأغربوا. فمنهم من قصد المعاني دون الغريب، ومنهم من قصد الإعراب باللفظ القريب، ومنهم من أطال فيه وأسهب غاية التسهيب ، ومنهم من قصد التعصب عليه، ونسبه إلى غير ما كان قد قصد إليه، وما فيهم من أتى فيه بشيء شاف، ولا بعوض هو للطالب كاف، فاستخرت الله تعالى، وجمعت كتابي هذا من أقاويل شراحه الأعلام، معتمدًا على قول إمام القوم المقدم فيه، الموضح لمعانيه، المقدم في علم البيان أبي الفتح عثمان، وقول إمام الأدباء، وقدوة الشعراء، أحمد بن سليمان أبي العلاء، وقول الفاضل اللبيب، إمام كل أديب، أبي زكريا يحيى بن علي الخطيب وقول الإمام الأرشد، ذي الرأى المسدد، أبي الحسن علي بن أحمد ، وقول جماعة كأبي علي ابن فورجة، وأبي الفضل العروضي، وأبي بكر الخوارزمي ، وأبي محمد الحسن بن وكيع، وابن الإفليلي وجماعة. وسميته: بالتبيان، في شرح الديوان وجعلت غرائب إعرابه أولا، وغرائب لغاته ثانيًا، ومعانيه ثالثًا، وليس غريب اللغة بغريب المعنى. فالله تعالى يعصمنا من ألسن الحساد، ويوقع في قلب ناظره وسامعه القبول، إنه كريم جواد.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]