وجنة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد قمنا بأنشاء منتدى جديد و نتمى وجودك معنا
و تساهم فى تقدمه
و يكون ساحة مناسبة لطرح افكارك و موضوعاتك
نتمنى زيارتك لنا و يشرفنا اشتراكك معنا
لك تحياتى

منتدى وجنة
https://wagna.ahlamontada.net

وجنة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد قمنا بأنشاء منتدى جديد و نتمى وجودك معنا
و تساهم فى تقدمه
و يكون ساحة مناسبة لطرح افكارك و موضوعاتك
نتمنى زيارتك لنا و يشرفنا اشتراكك معنا
لك تحياتى

منتدى وجنة
https://wagna.ahlamontada.net

وجنة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وجنة

الرياده .. التميز .. التفوق
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
منتدى وجنة   : إسلامى ... ثقافى .. إجتماعى .. شبابى .. الخواطر  ... القصص ... الغرائب  .... الطرائف .... الأخبار المتجددة .. الحوارات المميزة    

منتدى وجنة .... سحر الكلمات .. همس القلوب .. تحاور العقول .. الأخوه و الصداقة .. الإبداع و التجدد المستمر ... أخر عضو مسجل معنا ( Hazem Hazem) مرحبا به معنا


 

 تابع الجزء الاول من الكتاب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hima
مشرف الكمبيوتر و الإنترنت و برامج الحماية
مشرف الكمبيوتر و الإنترنت و برامج الحماية
hima


العمل/الترفيه : خريج تربية رياضية المنصوره اعمل بالاردن
رقم العضوية : 215
تاريخ التسجيل : 14/02/2010
عدد المساهمات : 1290

تابع الجزء الاول من الكتاب Empty
مُساهمةموضوع: تابع الجزء الاول من الكتاب   تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالخميس 4 مارس 2010 - 1:42

أو نقول إذا صح الحديث عن الرسول وتلقته الأمة بالقبول فهل يحل لأحد من أرباب الفضول أن يرد عليه ويقول إنهما ماتا في الفترة قبل البعثة أو يمتحنان يوم القيامة
أفليس هذا معارضة بالتعليل في مقابلة النص من الدليل ما ذكر أرباب الأصول في الحديث والفقه الجامعون بين المنقول والمعقول أن الحديث إذا ثبت في الصحيحين أو أحدهما فلا يعارضه حديث غيرهما ولو صح من طريقهما وإن كان من بقية صحاح الست
فكيف إذا أخرجه أصحاب الكتب غير المعتبرة من الطرق غير المشهورة وصرح الحفاظ بضعف طرقه كلها بل بوضعها والحال أنه لم يقل بهذه الرواية إلا جمع من المقلدين لم يصلوا إلى مرتبة المجتهدين كابن شاهين والخطيب البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري وابن المنير وأمثالهم
وهل يحل لأحد من الحنفية وغيرهم أن يقلدوا هؤلاء المذكورين ويتركوا الاقتداء بأئمتهم المعتبرين مع ظهور أدلة الجمهور من علماء الأمة لا سيما والمسألة من الاعتقاديات التي لا بد لها من الأدلة اليقينية لا من الفروع الفقهية التي تغلب مدارها على القواعد الظنية. انتهى ما تعلق بزبدة كلامه وخلاصة مرامه وعدلنا عن التعرض لما ذكره من التطويل الذي لا يفيد التعليل في مقام التحصيل وإنما هو بيان قال وقيل والله هو الهادي إلى سواء السبيل
وبهذا يتبين أنه كحاطب ليل وخاطب ويل فتارة يقول إنهما مؤمنان من أصلهما فإنهما من أهل الفترة أو لكونهما من آباء أرباب النبوة وأخرى يقول إنهما كانا كافرين لكنهما أحياهما الله وآمنا ومرة يقول ما كانا مؤمنين وما كانا كافرين بل كانا في مرتبة المجانين جاهلين فيمتحنان يوم القيامة وبالظن يحكم أنهما ناجيان
فانظر إلى هذه المعارضات الواضحة والمناقضات اللائحة فهل تثبت المسائل الاعتقادية بأمثال هذه الاحتمالات العقلية
(1/26)
فدلت تصانيفه في هذه القضية بأنه أقل العطارين بالنسبة إلى إمام الحكماء المعتبرين فإنه رحمه الله أعلم علماء الشافعية في زمانه وتفوق على جميع أقرانه وأنا الفقير الحقير من أقل علماء الحنفية بينت خطأه بما أخذته غالبا من الكتب التفسيرية والحديثية ولكن ذلك الفضل من الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
وفيه الدلالة على أن باب الفيض مفتوح على هذه الأمة وأنه لا بد في الوجود من يكشف الغمة مما اختلفت فيه الآئمة ويميز بين الحق والباطل ويبين المزين من العاطل
الرد على القائلين بأن ابا إبراهيم عليه السلام لم يكن كافرا
ثم اعلم أن ما اختاره الفخر الرازي وتبعه السيوطي في أن أبا ابراهيم عليه السلام لم يكن كافرا فساد عظيم في الدين وتشكيك لعقيدة أرباب اليقين وإن كان كل واحد منهما يدعي أنه من المجددين بل يصح أن يقال إنهما من المحدثين لما ورد أنه من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد من بين المجتهدين
(1/27)
وبيانه أن المسلمين من أهل الشرق والغرب أجمعين يقرؤون القرآن العظيم ويتلون الفرقان الكريم فإذا رأوا فيه نصا على انتساب الكفر إلى أبي إبراهيم عليه التحية والتسليم فهم يؤمنون ويعتقدون ذلك حيث لم يكن صارف عن حمله على الحقيقة هنالك ولا يدرون أن إخباريا يهوديا أو نصرانيا ذكر أن المراد بأبيه عمه قاصدا بذلك الطعن في دين النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب ربه فهل يحكم ببطلان هذا القول الذي هو مخالف لظاهر الكتاب ومعارض لما قدمناه في هذا الباب أو بحكم بفساد اعتقاد جميع المسلمين من أهل البر والبحر أجمعين إلا من اعتقد اعتقاد الرازي والسيوطي مع أنهما قبل وصول هذا القول الباطل إليهما لم يكونا شاكين في أن ابا إبراهيم عليه السلام ما كان على الدين القويم والطريق المستقيم فلما حققا ذلك وصنفا بيان ما هنالك رجعا عن اعتقادهما الباطل على زعمهما إلى الاعتقاد الحق عندهما حتى قلدهما ابن حجر المكي وبالغ حتى قال: وهذا هو الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ، والله سبحانه يصلح الأحوال
ثم انظر إلى ما قاله السيوطي من الاستدلال السقوطي وهو أنه قد وجه من حيث اللغة بأن العرب تطلق لفظ الأب على العم إطلاقا شائعا وإن كان مجازاً
ففي التنزيل {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} صلى الله عليهم
فأطلق على إسماعيل لفظ الأب وهو عم يعقوب عليه السلام كما أطلق على إبراهيم عليه السلام وهو جده
أخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يقول الجد أب ويتلو نعبد إلهك وإله آبائك الآية
وأخرج عن أبي العالية في قوله تعالى وإله آبائك إبراهيم عليهما السلام قال: سمى العم أبا.
وأخرج عن محمد بن كعب القرظي قال: الخال والد والعم والد وتلا هذه الآية
فهذه أقوال السلف من الصحابة والتابعين في ذلك
(1/28)
قلت: هذه طنطنة مضرية ليس تحتها فائدة قوية إذ نفس الآية الشريفة يستفاد منها عند كل عاقل للإنباء أنه لا يصح إطلاق جمع الآباء حقيقة بالنسبة إلى واحد من الأبناء لا شرعا ولا عرفا على عموم الجزاء بأن يقال المراد بالآباء الأسلاف كما قاله الأئمة الحنفية أو على استعمال اللفظ بالاشتراك بين الحقيقة والمجاز كما اختاره الشافعية
فإذا عرفت ذلك فهل ترى أن تكون هذه الآية نظير الآيات الدالة على أن المراد بأبي إبراهيم أبوه حقيقة ولا يصح أنه أراد عمه مجازا حيث لا دليل من جهة العقل الصريح ولا من طريقة النقل الصحيح ما يصلح أن يكون مانعا من إرادة الحقيقة وباعثا على قصد المجاز
الرد على رسالة لابن كمال الباشا في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم
ثم رأيت رسالة في هذه المسألة لابن كمال باشا فيها ما لا ينبغي من الأشياء
منها قوله: وإن السلف اختلفوا ، والحال أنه لا يصح الخلف إلا في الخلف
ومنها نقله عن الحافظ ابن دحية ما قدمناه أنه قال: فمن مات كافرا لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعانية فكيف بعد الإعادة.
وتعقبه بأنه مدفوع بما ورد من أن أصحاب يبعثون الكهف في آخر الزمان ويحجون ويكونون من هذه الأمة تشريفا لهم بذلك أخرجه ابن عساكر في تاريخه
وأخرجه ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: ((أصحاب الكهف أعوان المهدي)) انتهى
ولا يخفى بطلان هذا التعقب لأن أصحاب الكهف ماتوا مؤمنين بإجماع المسلمين وإنما الكلام في قبول توبة الأموات من المشركين
ثم قال: ولا بدع أن يكون الله كتب لأبوي النبي صلى الله عليه وسلم ثم قبضهما قبل استيفائه ثم أعادهما لاستيفاء تلك اللحظة الباقية وآمنا فيها فيعتد به انتهى
ولا يخفى أن البحث ليس في إمكان القدرة لأنها قابلة للطرفين وشاملة للصنفين وإنما الكلام في صحة وقوع أي الشقين
(1/29)
ثم قال: وأما قوله بل لو آمن عند المعاينة فكيف بعد الإعادة فمردود بأن الإيمان عند المعاينة إيمان بأس فلا يقبل بخلاف الإيمان بعد الإعادة وقد دل على هذا قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه
أقول الكمال لله وإلا فمثل هذا الفاضل في مقام الأقصى كيف يغفل عن البرهان الأولى فإن الإيمان إذا لم يقبل عند مشاهدة بعض أحوال الآخرة الذي هو عين اليقين فكيف يقبل بعد خروجه من الدنيا وتحققه بأمور العقبى الذي يسمى حق اليقين على أن المطلوب من العبد أن يؤمن بالغيب الذي هو علم اليقين مع أن الله تعالى نص على الحالتين بقوله وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن وهو حال الغرغرة ولا الذين يموتون وهم كفار وهو بعد الإعادة
ثم من أعجب العجائب وأغرب الغرائب قوله
ويبتني على هذا قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فإنه دل عليه صحيحا لكن على رده صريحا لأنهم إذا عادوا لما نهوا عنه من الكفر والمعصية فلا يتصور منهم وجود الإيمان مع الطاعة
وأما ما ذكره ابن الكمال تبعا للسيوطي من أنه سئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد المالكية عن رجل قال إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار فأجاب بأنه ملعون لأن الله تعالى يقول إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة قال: ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه إنه في النار. محمول على من قصد أذى النبي عليه الصلاة والسلام بإطلاق هذا الكلام فإنه ملعون بل كافر مطعون وأما من أخبره لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام واعتقده كأبي حنيفة وغيره من علماء الأعلام فحاشاهم من نسبة الطعن إليهم ويحرم اللعن عليهم
ثم نقله تبعا له عن السهيلي: ليس لنا أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وسلم ، لقوله عليه السلام: ((لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات)) كما رواه الطبراني ، فدفعه ظاهر على من عنده علم باهر وعقل قاهر.
(1/30)
ثم قال ابن الكمال: وبالجملة هذه المسألة ليست من الاعتقاديات فلا حظ للقلب منها وأما اللسان فحقه أن يصان عما يتبادر على دفعه وتداركه
قلت ما ثبت بالكتاب والسنة يجب اعتقاده مجملا ومفصلا نعم لو لم يخطر ببال مؤمن هذا المبحث لا نفيا ولا إثباتا لا يضره ككثير من المسائل المذكورة في كتب العقائد المسطورة
ثم هذه المسألة لو لم تكن في الجملة من المسائل الإعتقادية لما ذكرها الإمام المعظم المعتبر في ختم فقه الأكبر وكان هذا من علامة ولايته رضي الله عنه حيث كوشف له هذا المعنى أن يقع الاختلاف في هذا المبنى
ثم لا عبرة بالعوام فهم كالأنعام في عقائدهم الفاسدة وتأويلاتهم الكاسدة وإنما المراد المرد على كلام الخواص من العلماء الأعلام الذين هم قدوة أهل الإسلام.
واقعة غريبة:
ثم من الوقائع الغريبة في الأزمنة القريبة أن بعض علماء الحنفية مع انه بلع الغاية القصوى في مرتبة الفتوى أفتى تبعا للسيوطي وجمع من الشافعية مع اطلاعه على عقيدة إمام الملة الحنيفية حيث قال: المشهور عند العلماء ما ذكره الإمام الأعظم ولم يرجع عنه غير أن العلامة السيوطي أخرج بسنده حديثا يصلح التمسك به مضمونه أن الله أحيى أبويه فآمنا به.
ثم قال في أخره: وهو الذي نعتقده وندين الله به.
ثم إنه تعارض حديث ابن مسعود وحديث ابن عباس رضي الله عنهما وأمكن الجمع بينهما بأنه منع من الاستغفار أولا وهو مضمون حديث ابن مسعود ثم أذن له ثانيا وهو مضمون حديث ابن عباس الذي أخذ به الجلال السيوطي انتهى ملخصاً
وأنت عرفت أن الحديث الأول الذي تمسك به السيوطي ليس بإسناده ولا يصح بالاتفاق بل هو ضعيف كما اعترف به السيوطي أو موضوع كما صرح به غيره
وأما ما نسبه إلى ابن عباس فلا أصل له لا عند السيوطي ولا عند غيره والله أعلم.
وكان الواجب عليه حيث لا دليل قدامه أن يقتفي إمامه ولا يعتدي أمامه تصديقا لقول القائل:
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
(1/31)
حكم من طعن في نسب النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال ابن الكمال: لا خفاء في أن إثبات الشرك في أبويه إضلال ظاهر بشرف نسبه الطهر
قلت: هذا القول ليس له دخل في نسبه الطاهر بل إثبات لما أثبته عليه الصلاة والسلام بنفسه الطاهر.
نعم من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، مسلماً كان أو كافرا ، كما قاله الإمام موفق الدين بن قدامه الحنبلي في المقنع ونقله عنه السيوطي.
وإنما خصت الأم بالذكر لثبوت أحاديث دلت على أنه عن أمه نكاحا غير سفاح فإنكار ما يثبت عنه كفر فلا يرد أن حكم القاذف الحد المعروف.
ثم قوله كافرا فيه بحث من جهة إطلاقه لأن الحربي لا كلام فيه والمستأمن لا يجوز قتله والذمي ظاهرة القتل لأن له ما لنا وعليه ما علينا إلا ما خص بدليل
وأما ما ذكره الكردري في المناقب من أنه من مات على الكفر أبيح لعنه إلا والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لثبوت أن الله تعالى أحياهما له حتى آمنا به ففيه ما سبق من التنبيه أنه أثبت كفر والديه ومنع لعنهما بشبهة الحديث المذكور ولو لم يصح نقلا ولا شرعا غايته أنه يجوز عقلا فلا شك أن الأحوط لصاحب الدين أن لا يلعن أحداً فإن الاشتغال بذكر المولى في كل حال هو الأولى.
ثم ظهر لي وجه آخر في منع اللعن وهو ما قاله صلى الله عليه وسلم: ((لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات)).
فعلى هذا لا يجوز لعن والدي عمر رضي الله عنه ولا آباء الصحابة ولا آباء بقية المسلمين إذ لا فائدة في اللعن وقد تتفرع عليه الطعن وينجر إلى الفساد فيما بين العباد على الخصوص بالنسبة إلى والديه أب للأمة وله كمال في الحرمة ولولا النفي المتضمن لمنعنا من الاستغفار لهما ولأمثالهما في الآية لكنا دعونا لهما بالمغفرة فلا يناسب أن ندعو عليهما باللعن والطرد من الرحمة بل ربما يجوز لنا أن ندعو لهما بتخفيف العذاب عنهما ونسلم الأمر إلى خالقهما فيما قضى عليهما وكان أمر الله قدرا مقدورا و كان ذلك في الكتاب مسطورا
(1/32)
وهذه مسألة تحيرت فيها العقول واضطربت فيها النقول وليس لأحد الوصول إلى حقيقة هذا المحصول إلا أن يقول كما قال تعالى ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون
واقعة أخرى غريبة
ثم من الواقعة الغريبة في الحال القريبة أن الفاضل العصامي مفتي مذهب الشافعي أنكر على الحنفية في قولهم إن ذا أب مسلم لا يكون كفوا لمن لم يكن له أب مسلم معترضا بأنه يلزم منه أن لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها.
وإنما نشأ هذا منه بناء على جهله بالقواعد الحنفية فإنهم قالوا قريش بعضهم كفوا لبعض والعرب كذلك وإنما اعتبروا إيمان الآباء فيما عدا العرب من الأعجام والأروام وسائر الأنام في مسألة الأكفاء.
الحكمة من موت أبوي الرسول على الكفر
هذا وفيه بيان لكمال قدرته في خلقه وأمره وتبيان لسر قضائه وقدره ورد على الحكماء والفلاسفة والطبيعية في بناء أمر النبوة والمعرفة على الأمور النسبية والأحوال الكسبية لا على المواهب الإلهية السبحانية والجذبات الربانية الصمدانية كما أشار الله سبحانه إلى هذا المعنى في رد ذلك المبنى بقوله: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} فأخرج الله سبحانه المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن كابن نوح عليه السلام فإنه كافر بإجماع أئمة الإسلام وكقابيل قاتل هابيل من بني آدم عليه السلام فإنه كافر باتفاق علماء الأعلام
ولما رأى عليه الصلاة والسلام عكرمة بن أبي جهل بعد الإسلام قرأ {يخرج الحي من الميت}
وفي هذا بيان عظيم إلى أن الإيمان إنعام جسيم لا يصل إليه إلا نبي أو ولي كريم ممن سبقت لهم الحسنى بالوصول إلى المقام الأسنى
فنسأل الله تعالى حسن الخاتمة الدالة على سبق العناية بتعلق الإرادة لتحقق السعادة داعين ربنا توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين وأدخلنا الجنة آمين غير خزايا ولا مفتونين آمين
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
(1/33)
أضواء على الرسالة المنسوبة إلى الحافظ الذهبي
النصيحة الذهبية لابن تيمية
وتحقيق في صاحبها
تأليف
محمد عبدالله أحمد
أبو الفضل القونوي
قام بنشرها أبو عمر الدوسري
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إإإه إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله.
أما بعد فهذه دراسة جديدة لرسالة اشتهرت باسم «النصيحة الذهبية لابن تيمية» ونُسبت غلطاً ـ أوقصداً ـ إلى الإمام الحافظ مؤرخ الإسلام؛ أبي عبد الله الذهبي (ت 748 هـ) رحمة الله عليه، صاحب التصانيف البارعة التي خدم بها الحديث النبوي والعلوم الإسلامية، وحسبك دلالة على علو قدره في العلم؛ أن الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)«قد شرب ماء زمزم لنيل مرتبته، والكيل بمعيار فطنته»(1).
ومنذ أن ظهرت هذه «النصيحة» إلى عالم المطبوعات قبل خمسٍ وسبعين سنة،وهي موضع جدال بين أهل الاختصاص فمن مُسَلّم بأن الذهبي أنشأها، ومن دافع في صدر هذا الزعم، مشككٍ فيه، قائل بتزويره عليه، ولا ريب عندي: أن الذهبي بريء من إرسالها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
إلا أن حديث التزوير والتنحُّل على مؤرخ الإسلام قد تراجع في دراستي هذه إلى الاحتمال الأخير، وتراجع معه الاحتمال المفظع، ألا وهو رمي واحد من نساخها الأعلام الثقات بتكذُّبها واختلاقها، وذلك بعد أن بدا لي واضحاً (البطائحي) الذي كتبها ـ تَبَّت يده ـ وأرسلها إلى شيخ الإسلام، في كثير من نمطها أغلب الظن، وإن شئت أن تشاركني الرأي فاقرأ ثم احكم.
(2/1)
ولقد أحسن من سبقني إلى دراستها وألف في ذلك (التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية)، أعني: الأستاذ محمد بن إبراهيم الشيباني الكويتي، ولكن يُطمع من فاضل مثله أن يعيد النظر في دراسته، مع التأمُّل في ما ذهبت إليه، لعله يفيدني بعض ما ندّ عني صوابه.
وأخيراً فهذا جهد المُقل، فاللّهمّ إن كان صواباً فأَعظِم لي الأجر، وإن كان خطأً فاشملني بعفوك، فإني ما رُمْتُ إلا جلاء الحقّ الذي يُرضيك، وإلا نصر أوليائك، والذبّ عن دعاة هدي نبيك صلى الله عليه وسلم، اللّهم واجمعني مع سلف الأمة الطيّب تحت لواء سيد ولد آدم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والحمد لله أولاً وآخراً.
وكتب أبو الفضل محمد بن عبد الله القونوي
15/1/1423 هـ
المدينة المنورة
الباعث على دراسة «النصيحة»
ب666/ب66
كان كتاب (جامع كرامات الأولياء) للنبهاني (ت 1350 هـ) من مصادري التي رجعت إليها في دراستي عن القلندرية وتاريخها(1)، فكان أن لفت انتباهي في مقدمته التي ذكر فيها مصادره قوله: «... وتفاح الأرواح، لكمال الدين محمد بن أبي الحسن على السراج، الرفاعي القرشي الشافعي، من أهل القرن الثامن، كان معاصراً للسبكي وابن تيمية، وكتابه هذا مجلدان في كرامات الأولياء، وقع لي منه المجلد الأول فقط...»(1).
فقلت لنفسي: هذا رفاعي معاصر لشيخ الإسلام فلا يستبعد أن يعرض بالذكر له ولمن كان أبو العباس رحمه الله تعالى مسلطاً عليهم ـ بتعبير الصفدي ـ(1) أعني زمر القلندرية، ولكن أين أقع على كتابه؟
وكانت لي سفرة إلى الرياض، فلما جئتها قصدت أحد صروح المعرفة بها، وهو: (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية)، فخطر ببالي أن أسأل قسم المخطوطات به عن (تفاح الأرواح) هذا، فكانت المفاجأة الأولى قول الموظف القاعد على المحساب: «هو بمكتبة الملك فهد الوطنية».
(2/2)
فلما حصلت على مصورةSadتفاح الأرواح) وطالعته، ألفيته أكثر أهمية مما تخيلت وعلمت أن الذي لم يقف عليه النبهاني هوSadتشويق الأرواح) فأرسلت إلى المحقق وخبير المخطوطات التركي، الأستاذ: يوسف أوزبك أسأله أن يفتش عنه (باصطمبول) ولقد كانت المفاجأة الأخرى إذ هتفتُ به بعد أيام فقال لي: (وجدت تشويق الأرواح..) فلما أن جاءتني نسخة منه، عرفت أني أدركت كنزاً في الموضوع الذي أنا بصدده وزيادة.
وكان مما تَبين لي حينها؛ أن مؤلف ذين الجزأين هو الرجل الذي تتجه إليه أصابع الاتهام بإنشاء: «النصيحة الذهبية» وإرسالها إلى أبي العباس بن تيمية رحمة الله عليه للقرائن التي في الكتاب بجزأيه، ولِما تحتويه «النصيحة».
فعزمتُ على دراسة «النصيحة» وكلام ابن السراج في مؤلفه، وطلبتُ النسخة التي هي بخط ابن قاضي شهبة، وعلقت عليها بعض التعليقات، وفق الذي جدّ في المسألة، أبتغي بذلك تأكيد براءة الحافظ الذهبي منها.
مخطوطة «النصيحة» وناشرها الأول
ذكر الدكتور بشار عواد معروف البغدادي(1) أن النسخة التي هي بخط ابن قاضي شهبة (ت851 هـ) في دار الكتب المصرية ورقمها (18823 ب) وقال إن منها نسخة بدار الكتب الظاهرية، ورقمها (1347)، ولم يتبين لي إن كان يعني أنها بخط ناسخ آخر، أو أنها صورة عن الأولى.
وقد حصلت على التي بدار الكتب المصرية وهي التي كان يملكها الكوثري (ت 1371 هـ) وعليها كان اعتماده لمّا نشرها سنة: 1347 هـ ثم أهداها إلى دار الكتب المذكورة، ولم ينس أن يلحق بها كلمة زاد بها وضر «النصيحة» وضراً، وأنا أسوقها لأمانة العلم:
«كلمة في الرسالة التي بعث بها الحافظ الذهبي
إلى الشيخ أحمد بن تيمية الحراني تحذيراً له عن
الإصرار في الشذوذ عن جماعة أهل العلم
في مسائل خطرة (!!)
بسم الله الرحمن الرحيم
(2/3)
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد: فدونك رسالة بعث بها الذهبي إلى أحمد بن تيمية الحراني ينصحه فيها، ويحذره عواقب إصراره على الشذوذ عن جماعة أهل العلم في مسائل اعتقادية وعملية خطرة (!!).
كنت ظفرت بتلك الرسالة، منقولة بخط التقي بن قاضي شهبة، ضمن دشت(1) عرضه الأستاذ السفرجلاني(1) للبيع، فبادرت إلى شرائها بثمن يتناسب مع قيمة هذه الوثيقة الثمينة حتى تم عرضها لأنظار الفاحصين بنشرها مع (زغل العلم) للذهبي.
ثم ارتأيت إهداء الأصل إلى دار الكتب العربية الكبرى الملكية بمصر، ليحفظ بها حتى يتمكن الباحثون من الاطلاع عليها متى شاؤوا ذلك.
وقد ذكر ابن قاضي شهبة في صدر الرسالة: أنه نقلها من خط البرهان بن جماعة، المنقول من خط الحافظ أبي سعيد صلاح الدين بن العلائي، المكتوب من خط مرسلها الشيخ شمس الدين الذهبي، ولا ريب في جلالة قدر هؤلاء العلماء.
وثمة عدة كتب بخط ابن قاضي شهبة، بالخزانة الظاهرية بدمشق، وبدار الكتب العربية الكبرى بمصر، ففي إمكان الباحث أن يقارن خط هذه الرسالة بخط تلك الكتب، إن لم يكن من الذين مارسوا خطوط العلماء الأقدمين.
وقد ذكر ابن قاضي شهبة نفسه في (طبقات الشافعية) في ترجمة البرهان ابن جماعة: إني رأيت مجاميع بخط البرهان المذكور فنقلت منها فوائد(1).
وأشار الحافظ السخاوي في (الإعلان بالتوبيخ) إلى هذه الرسالة، حيث قال في صدد الدفاع عن الذهبي، رداً على من ينسبه لفرط التعصب: «ورأيت له رسالة كتبها لابن تيمية هي في دفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة» بعد أن نقل السخاوي قول الذهبي في (زغل العلم) في حق ابن تيمية: «... وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون...» و«... ثم صار مظلماً مكسوفاً عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجالاً أفاكاً كافراً عند أعدائه ومبتدعاً فاضلاً محققاً بارعاً عند طوائف من عقلاء الفضلاء..»(1).
(2/4)
وكان أحمد بن تيمية الحراني تمكن من اجتلاب ثقة شيوخ مصره إليه، وثنائهم عليه، بحسن سمته، وطلاقة لسانه، وسيلان قلمه، ثم بدأ يذيع آراءً مستبشعة في المعتقد وفي الفروع، عاماً بعد عام، حتى عيل صبر العلماء الذين كانوا أطروه بأول الأمر، فتخلوا عنه واحداً إثر واحد، بعد أن ذاقوا مرارة تسرعهم في إطرائه قبل أن يختبروه اختباراً كافياً.
وكان في جملة المتسرعين في إطرائه ـ اغتراراً منهم بمظهره في بادىء الأمر ـ الجلال القزويني صاحب (الإيضاح) و(التلخيص)، والكمال الزملكاني، وقاضي القضاة الحريري، وقاضي القضاة القونوي، وأبو الحجاج المزي، والذهبي.
ولما استفحل أمر فِتَنِ ابن تيمية على تعاقب السنين، وأصبح علماء السنة إلباً واحداً ضده، ولم يبق معه سوى شيعته؛ من الحشوية كان الذهبي يسعى في تهدئة الفتنة بأن يعتب تارة أضداده على تشددهم في ابن تيمية، ويدعوهم إلى تخفيف اللهجة نحوه، مراعاة لسعة علمه، كما فعل مع التقي السبكي برسالة أرسلها إليه، على ما أشار إليها الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، حيث ذكر صدر جواب السبكي عنها(1).
وبأن يرسل مرة أخرى هذه الرسالة إلى ابن تيمية نفسه، ينصحه فيها كما ترى، فها هو الأصل في ورقتين بقطع الثمن في صفحتين وثلث صفحة، بخط التقي بن قاضي شهبة، وحيث إن الأصل صعب القراءة لكثير من القراء ارتأيت أن أكتب صورة الأصل، بعد الورقتين المذكورتين.والله هو الهادي.
في 7 شوال سنة 1354 هـ».
قلت: ولا بدّ من تعليق مختصر على كلام الكوثري عدو نفسه: فأنت ترى أنه قد فرح بوقوعه على هذه «النصيحة» حين عبَّر عن ذلك بأنه ظفر بها، فبادر إلى شرائها بثمن يتناسب مع قيمة هذه الوثيقة الثمينة، وهي فرحة يشاركه فيها (الكوثريون) إلى يومنا هذا وقد آن أن تردّ تَرْحَةً عليهم.
(2/5)
لقد خان الكوثري أمانة العلم، في مواضع يطول ذكرها، وأنت ههنا أمام أنموذج يدلك على شنشنته مع إمام كبير، وقدوة عَلَم كابن تيمية، هذا المجتهد الورع، والعبقري المقدام، وشيخ الإسلام بحق، يروم الكوثري حطّه عن رتبته فلم يزده ذلك إلا رفعة وقبولاً في قلوب الأمة الإسلامية، وباء شانئه بالخسار، والله الموعد.
وإن من مكر هذا (الكوثري) استغلاله عبارة للسخاوي (ت902هـ) رحمه الله، جاءت في سياق موهم، فإن عبارته هذه: «وقد رأيت له عقيدة مجيدة، ورساله كتبها لابن تيمية، هي لدفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة، وقال مرة فيه... الخ». ثم أورد كلاماً من (زغل العلمِ) هذه العبارة وهذا السياق يوهم أنه رأى «النصيحة»، و(زغل العلم). والذي أراه: أن الكوثري اهتبلها فرصة وأعمل حيلته، فزعم للقارىء أن (الرسالة) التي وردت في كلام السخاوي غير (زغل العلم)(1).
والأظهر من كلام السخاوي أنه يعني بالرسالة (زغل العلم) وليس «النصيحة» ألا ترى أنه لم ينقل فقرة واحدة من «النصيحة» وهي في بشاعتها أكثر دلالة على دفع تعصب الذهبي لشيخ الإسلام، مما في (زغل العلم) بكرات ومرات(1).
وأخرى أنه ـ وأعني الكوثري ـ حَرَّف ترتيب كلام السخاوي في خفاء لم يَنتبه له من خُدع به فهو ينقل قول السخاوي: «وقد رأيت له عقيدة مجيدة، ورسالة كتبها لابن تيمية»(1) ثم يضيف قائلاً: «بعد أن نقل السخاوي قول الذهبي في (زغل العلم) في حق ابن تيمية...» والواقع العكس فإن «بعد» هذه ليست سبق قلم من مثل الكوثري، وإنما كانت منه ليستقيم له الزعم بأن السخاوي اطلع على «النصيحة».
أما كلامه على الذهبي بخاصة فهو الدليل الكبير، في كلمته هذه على أنه كان ألعوبة للهوى والشيطان، إن لم يكن لحقه حمق صوفيته. أكان الذهبي ـ يا عديم الإنصاف ـ في مثل بذاءتك، حتى ينصح شيخه بالسباب والشتائم ؟ وبالأسلوب الذي لم نشهده منه، حتى في خطابه للفلاسفة والملاحدة والوجودية؟!
(2/6)
أيدعو أبو عبد الله الذهبي أضداد شيخ الإسلام؛ ابن تيمية، إلى تخفيف لهجتهم نحوه، ثم يبعث إليه برسالة صخرية اللهجة، عنيفة الوقع، سوقية العبارات، أكثر خصومه تورعوا عن مثلها؟!
ولقد عرف كل طالب علم منصف كذبك، وتحريفك للحقيقة، وبَتْرك المعلومة، حتى تلج إلى مبتغاك الخبيث، كقولك هنا: «إنَّ أناساً من العلماء تسرعوا في إطرائه، ثم إنهم ذاقوا مرارة ذلك»، ألا فلا مُرَّ إلا ما ستلقى إن شاء الله تعالى(1).
وأستحسن أن أنقل لك شهادة من طبع «النصيحة»، وتلمذ للكوثري مدة من الزمان، ثم قلاه وتبرأ منه، أعني: محمد حسام الدين القدسي (ت1400 هـ)،قال في مقدمة كتابSadالانتقاء) للإمام ابن عبد البر رحمه الله: «... هذا، وقد كان الشيخ محمد زاهد الكوثري، يصحح الكتاب ويعلق عليه، ثم أوقفت ذلك في الصفحة (88)، لما اطلعت عليه من دخلة في علمه وعمله، دفعتني إلى النظر في تعليقاته، على النزر من مطبوعاتي، بغير العين التي كانت لا تأخذ منه إلاّ عالماً مخلصاً.
فرأيته في بعضها باحثاً بمادة واسعة، وتوجيه لم يسبق إليه، وهو شطر السبب في إعجابي به، بما تأتّى إليه من عدم النفاذ إلى أغراضه، وفي بعضها يحاول الارتجال في التاريخ، تعصباً واجتراء، والباقي تعليق ككل تعليق وكلام ككل كلام.
وخيفة أن أشاركه في الإثم إذا سكتُّ عن جهله، بعد علمه، سقت هذه الكلمة الموجزة، معلناً براءتي مما كان من هذا القبيل...»(1).
الرأي في سبب انخداع بعض العلماء بـ«النصيحة»
لا يخالجني شك في أن لمكر الكوثري بقرائه،وإيحائه لهم بأن السخاوي قصد بالرسالة التي رآها هذه: «النصيحة» حتى كرر ذلك غير مرة في المطبوع منها وفي كلمته السابقة التي ألحقها بالمخطوطة،وفي غير ذلك من تعليقاته، دخلاً في تورط محققين فاضلين، بالقول بصحة نسبة «النصيحة» للذهبي فناديا بإثباتها ولم يُعرِّجا على الشك بها، وهو ماثل أمامهما بسبيل مقيم.
(2/7)
أما أحدهما فهو الدكتور المحقق صلاح الدين المنجد الذي ألحق «النصيحة» بكتابه: (شيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين) ثم قال معلقاً عليها: «شك بعضهم في نسبة هذه النصيحة للذهبي، ولا شك عندنا أنها له، فقد نقلت مخطوطاتها من خط الذهبي، ولم ينكرها أحد من العلماء الذين نقلوها كتقي الدين بن قاضي شهبة وغيره. ثم إن هذا هو أسلوب(1) الذهبي عندما يُهاجم، ويبدو أنه كتبها في آخر عمره. ولم يثن أحد على الشيخ كثناء الذهبي عليه، لكنه انتقده بعد ذلك في بعض الأمور حباً له، وإشفاقاً عليه»(1).
وأما الآخر فهو الدكتور المحقق بشار عواد معروف،الذي قال في كتابه: (الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام) وهو يتحدث عن انفراد السخاوي بذكر بعض آثار الذهبي: «... وهو الوحيد الذي أشار إلى رسالة الذهبي إلى ابن تيمية، مما وثق نسبتها إليه لا سيما وقد شك فيها غير واحد...».
ثم أوردها في عداد آثاره، ونقل كلام السخاوي الذي سقته لك آنفاً وقال: «وذهب بعضهم إلى القول بأنها مزورة، ولا عبرة بذلك» وكرر ذلك في مقدمته على (سير أعلام النبلاء) قائلاً: «.. وأرسل إليه نصيحته الذهبية التي يلومه وينتقد بعض آرائه وآراء أصحابه بها..»(1).
وليس بخافٍ على مثل المحققين الفاضلين أن كون هذه «النصيحة» بخط ابن قاضي شهبة وأنه نقلها من خط البرهان بن جماعة (ت 790 هـ) وأن هذا نقلها من خط العلائي (ت 761 هـ)، وهو من خط الذهبي، لا يعني بحال انعدام احتمالات تبرىء الذهبي عن إنشائها فإنه يرد من ذلك ما لا نحتاج معه إلى مخالفة الأقرب إلى المعقول أو النيل من عرض أحد هؤلاء ونحت أثلته.
وهذه بعض الاحتمالات، التي كان من الممكن أن يُورداها تبرئة للذهبي رحمه الله تعالى، واعتذاراً عن ابن قاضي شهبة، وابن جماعة، والعلائي، وذلك قبل وقوفي على كتاب؛ محمد بن السراج الدمشقي:
(2/Cool
1ـ يحتمل أن تكون من وضع أحد أعداء ابن تيمية ـ وما أكثرهم ـ وأن واضعها قلد خط الذهبي تقليداً محكماً ثم جعلها حيث يقع نظر العلائي عليها.
2ـ ويحتمل أن الذي زورها قلد خط العلائي، وأوقف البرهان بن جماعة عليها.
3ـ ويحتمل أن الخط المزور هو خط ابن جماعة، وأن الواهم هو ابن قاضي شهبة.
ثم ألم يلحظا أن هؤلاء الأعلام ـ فضلاً عن غيرهم ممن اطلع على النصيحة ـ لم يُعرف عنهم الإشارة إليها مستشهدين بها على تناقض حكم إمام في الجرح والتعديل؛ كالذهبي في الرجال الذين عاصرهم وجالسهم ؟ فالنَّقَدَةُ من أقرانه وتلاميذه متوافرون، ولو أن عبد الوهاب السبكي (ت 771 هـ) وأمثاله وقعت إليهم لأعظموا الوَلْوَال.
هذا الحافظ العلائي رحمه الله، ينقد الذهبي عندما ترجم للأمير تنكز (ت 741 هـ) قائلاً: «لقد بالغ المصنف، وتجاوز الحدّ في ترجمته تنكز، وأين مثله؟ وأعرض عن محاسنه الطافحة..» ثم قال: «ذنب تنكز أنه كان يحط كثيراً على ابن تيمية»(1) فلو أنه نسخ «النصيحة» لما أخلاها من تعليق مناسب، نقله ابن جماعة ومن بعده. أما شكّا هنيهة من سكوت السخاوي عن نقل فقرات منها في أي كتاب له على افتراض أنه قد رآها ؟
تفسيري لما أفترضُ أنه وقع، والعلم عند الله تعالى:
بعد أن عثرت على كتاب ابن السراج الدمشقي، الذي أتهمه بكتابة «النصيحة»، ودرست كلامه، وتأملت «النصيحة»، خلصت إلى هذا التفسير الذي يقبله العقل، ولا تردُّه العادة.
(2/9)
لقد تأملت في كلمة وردت في نهاية مخطوطة «النصيحة» وهي هذه: «آخر الرسالة الذهبية نصيحة منه لابن تيمية» فظهر لي أنها مكمن الظن الخاطىء، الذي أدى إلى رمي الذهبي بإنشائها، وذلك أنه يُفهم من كتاب (التشويق) و(التفاح) لابن السراج أنه كان مولعاً بالسجع جداً، وأنه كان يُصدِّر رسائله بعناوين مسجوعة، وأنه في رسالته هذه، سار على المعهود من أمره، فكتب هذا العنوان (الرسالة الذهبية إلى ابن تيمية)، أو لعله كتب (رسالة ذهبية إلى ابن تيمية) على أن مراده من لفظ (الذهبية) الذهب المعروف، أي أنها في قيمة هذا المعدن الثمين فلما وقعت هذه الرسالة إلى الحافظ العلائي، حسب أن نسبة الذهب فيها إلى شيخه الحافظ الذهبي، وأداه المتبادر إلى الذهن، من هذه اللفظة إلى الذهول عن أن الخط ليس لشيخه، فاستنسخ منها لنفسه ثم تابعه من نسخها عنهُ.
ويمكن أن يكون الذهبي قد نسخها حين رآها بخط ابن السَّرَّاج، لمقصد عنده، كما يفعل المؤرخ المجمّع لمادته العلمية على أن يقول فيها رأيه بعد، ثم لم يتيسر له ذلك، وبقيت بخطه حتى عثر عليها العلائي.
وعلى هذا فما كُتِبَ بأول الرسالة من قبل أحد النساخ ـ وأظنه الحافظ العلائي ـ من قوله: «رسالة نصيحة من الذهبي لابن تيمية عفا الله عنهما» هو من اجتهاده وفهمه، إذ رأى في صدر الرسالة ما رأى.
مكانة ابن تيمية عند الذهبي
قال الإمام الحافظ مؤرخ الإسلام؛ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، في كتابه (ذيل تاريخ الإسلام): «ابن تيمية، الشَّيخ، الإمام العالم، المُفسّر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدِّث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التَّصانيف الباهرة والذكاء المفرط، تقي الدين، أبو العبَّاس، أحمد، ابن العالم المفتي شهاب الدين عبد الحليم(1) ابن الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات، عبد السَّلام مؤلف «الأحكام»، ابن عبد الله ابن أبي القاسم الحَرَّاني، ابن تَيْميَّة، هو لقب لجده الأعلى.
(2/10)
مولده في عاشر ربيع الأوَّل، سنة إحدى وستين وست مئة، بحرَّان، وتحول به أبوه وأقاربه إلى دمشق في سنة سبع وستين، عند جور التَّتار؛ منهزمين في الليل؛ يجرون الذرية والكتب على عجلة؛ فإنَّ العدو ما تركوا في البلد دواب سوى بقر الحرث، وكلَّت البقر من ثقل العجلة، ووقف الفرار، وخافوا من أن يدركهم العدو، ولجأوا إلى الله، فسارت البقر بالعجلة، ولطف الله تعالى، حتَّى انحازوا إلى حد الإسلام.
فسمع من: ابن عبد الدائم، وابن أبي اليُسر، والكمال بن عبد، وابن أبي الخير، وابن الصيرفي، والشَّيخ شمس الدين، والقاسم الإربلي، وابن علان، وخلق كثير، وأكثر وبالغ.
وقرأ بنفسه على جماعة وانتخب، ونسخ عدة أجزاء، و«سنن أبي داود»، ونظر في الرجال والعلل، وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر، مع التدين والنبالة، والذكر، والصيانة.
ثمَّ أقبل على الفقه ودقائقه وقواعده وحججه، والإجماع والاختلاف؛ حتَّى كان يقضى منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، ثمَّ يَستدل ويُرجّح ويجتهد، وحُقَّ له ذلك، فإنَّ شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه؛ فإنني ما رأيت أحداً أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح، أو إلى المسند، أو إلى السنن منه؛ كأن الكتاب والسنن نصب عينيه، وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف. وكان آية من آيات الله تعالى في التفسير، والتوسع فيه، لعله يبقى في تفسير الآية المجلس والمجلسين.
وأما أصول الديانة، ومعرفتها، ومعرفة أحوال الخوارج والروافض والمعتزلة وأنواع المبتدعة؛ فكان لا يُشق فيه غباره، ولا يلحق شأوه.
هذا مع ما كَانَ عليه من الكرم الَّذي لم أشاهد مثله قط، والشجاعة المفرطة الَّتي يضرب بها المثل، والفراغ عن ملاذّ النفس، من اللباس الجميل، والمأكل الطيب، والراحة الدنيوية.
(2/11)
ولقد سارت بتصانيفه الركبان، في فنونٍ من العلم وألوان، لعلَّ تواليفه وفتاويه في الأصول، والفروع، والزهد، والتفسير، والتوكل، والإخلاص، وغير ذلك، تبلغ ثلاث مائة مجلد، لا بل أكثر.
وكان قوَّالاً بالحق، نهّاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار. ومن خالطه وعرفه؛ قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، ومن نابذه وخالفه؛ ينسبني إلى التغالي فيه، وليس الأمر كذلك. مع أنني لا أعتقد فيه العصمة، كلا! فإنه مع سعة علمه، وفرط شجاعته، وسيلان ذهنه، وتعظيمه لحرمات الدين، بشرٌ من البشر تعتريه حدّة في البحث، وغضب وشظف للخصم؛ تزرع له عداوة في النفوس، ونفوراً عنه.
وإلا والله فلو لاطف الخصوم، ورفق بهم، ولزم المجاملة وحسن المكالمة؛ لكان كلمة إجماع؛ فإنَّ كبارهم وأئمتهم خاضعون لعلومه وفقهه، معترفون بشفوفه وذكائه، مقرّون بندور خطئه.
لست أعني بعض العلماء الَّذين شعارهم وهجِّيراهم الاستخفاف به، والازدراء بفضله، والمقت له، حتَّى استجهلوه وكفَّروه ونالوا منه، من غير أن ينظروا في تصانيفه، ولا فهموا كلامه، ولا لهم حظ تام من التوسع في المعارف، والعالم منهم قد ينصفه، ويرد عليه بعلم.
وطريق العقل السكوت عما شجر بين الأقران ـ رحم الله الجميع ـ(1).
وأنا أقلّ من أن ينبّه على قدره كلمي، أو أن يوضّح نبأه قلمي؛ فأصحابه وأعداؤه خاضعون لعلمه، مقرُّون بسرعة فهمه، وأنَّه بحر لا ساحل له، وكنز لا نظير له، وأن جُوده حاتمي، وشجاعته خالدية.
(2/12)
ولكن قد يَنْقِمون عليه أخلاقاً وأفعالاً؛ منصفُهم فيها مأجور، ومقتصدهم فيها معذور، وظالمهم فيها مأزور، وغاليهم مغرور، وإلى الله ترجع الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، والكمال للرسل، والحجة في الإجماع. فرحم الله امرأً تكلم في العلماء بعلم، أو صمت بحلم، وأمعن في مضايق أقاويلهم بتؤدة وفهم، ثمَّ استغفر لهم، ووسَّع نطاق المعذرة، وإلاَّ؛ فهو لا يدري ولا يدري أنَّه لا يدري.
وإن أنت عذرت كبار الأئمة في معضلاتهم، ولا تعذر ابن تَيْميَّة في مفرداته؛ فقد أقررت على نفسك بالهوى، وعدم الإنصاف !
وإن قلت: لا أعذره، لأنَّه كافر، عدوّ لله تعالى ورسوله! قال لك خلقٌ من أهل العلم والدين: ما علمناه والله إلاَّ مؤمناً محافظاً على الصلاة، والوضوء، وصوم رمضان، معظِّماً للشريعة ظاهراً وباطناً. لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم، فإنه بحر زخَّار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك، ولا هو بمتلاعب بالدين؛ فلو كان كذلك؛ لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه، وموافقتهم، ومنافقتهم.
ولا هو يتفرد بمسائل بالتشهّي، ولا يفتي بما اتفق، بل مسائله المفردة يحتج لها بالقرآن، أو بالحديث، أو بالقياس، ويبرهنها ويناظر عليها، وينقل فيها الخلاف، ويطيل البحث؛ أُسوةَ مَنْ تقدمه من الأئمة، فإن كانَ قد أخطأ فيها؛ فله أجر المجتهد من العلماء، وإن كانَ قد أصاب؛ فله أجران.
وإنَّما الذم والمقت لأحد رجلين: رجل أفتى في مسألة بالهوى، ولم يُبْدِ حجة، ورجل تكلَّم في مسألة بلا خميرةٍ من علم، ولا توسُّعٍ في نقل؛ فنعوذ بالله من الهوى والجهل.
(2/13)
ولا ريب أنه لا اعتبار بذم أعداء العالم؛ فإن الهوى والغضب يحملهم على عدم الإنصاف والقيام عليه. ولا اعتبار بمدح خواصه والغلاة فيه؛ فإن الحب يحملهم على تغطية هناته، بل قد يعدوها محاسن. وإنما العبرة بأهل الورع والتقوى من الطرفين، الذين يتكلمون بالقسط، ويقومون لله، ولو على أنفسهم وآبائهم.
فهذا الرجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالاً ولا جاهاً بوجه أصلاً، مع خبرتي التامة به، ولكن لا يسعني في ديني، ولا عقلي أن أكتم محاسنه، وأدفن فضائله، وأبرز ذنوباً له مغفورة في سعة كرم الله تعالى وصفحه، مغمورة في بحر علمه وجوده، فالله يغفر له، ويرضى عنه، ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه.
مع أني مخالفٌ له في مسائل أصلية وفرعية، قد أبديت آنفاً أن خطأه فيها مغفور، بل قد يثيبه الله تعالى فيها على حسن قصده، وبذل وسعه، والله الموعد. مع أني قد أوذيت لكلامي فيه من أصحابه وأضداده؛ فحسبي الله!.
وكان الشيخ أبيض، أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، شعره إلى شحمة أذنيه، كأن عينيه لسانان ناطقان، رَبْعَة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهْوَري الصوت، فصيحاً، سريع القراءة. تعتريه حدَّه، ثم يقهرها بحلم وصفح، وإليه كان المنتهى في فرط الشجاعة، والسماحة، وقوة الذكاء. ولم أرَ مثله في ابتهاله واستغاثته بالله تعالى، وكثرة توجهه. وقد تعبت بين الفريقين: فأنا عند محبه مُقصِّر، وعند عدوّه مُسرف مُكثر، كلا والله!
توفي ابن تيمية إلى رحمة الله تعالى معتقلاً بقلعة دمشق، بقاعة بها، بعد مرض جَدَّ أياماً، في ليلة الاثنين، العشرين من ذي القعدة، سنة ثمان وعشرين وسبع مئة.
(2/14)
وصُلِّي عليه بجامع دمشق عقيب الظهر، وامتلأ الجامع بالمصلين كهيئة يوم الجمعة، حتى طلع الناس لتشييعه من أربعة أبواب البلد، وأقلُّ ما قيل في عدد من شهده خمسون ألفاً، وقيل أكثر من ذلك، وحُمل على الرؤوس إلى مقابر الصوفية، ودفن إلى جانب أخيه الإمام شرف الدين، رحمهما الله تعالى وإيّانا والمسلمين»(1).
وقال في (تذكرة الحفاظ):
«ابن تيمية الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهدُ المفسّرُ البارعُ شيخ الإسلام، عَلَم الزُّهَّاد، نادرةُ العصر، تقي الدين أبو العباس أحمد بن المفتي شهاب الدين عبد الحليم بن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحرَّاني. أحد الأعلام.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وست مئة، وقدم مع أهله سنة سبع، فسمع من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليُسر، والكمال بن عبد، وابن الصيْرَفي، وابن أبي الخير، وخلق كثير. وعُني بالحديث، ونَسَخ الأجزاء، ودار على الشيوخ، وخَرَّج، وانتقى، وبرع في الرجال وعلل الحديث وفقهه، وفي علوم الإسلام وعلم الكلام وغير ذلك.
وكان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، والزُّهاد الأفراد، والشُّجعان الكبار، والكرماء الأجواد. أثنى عليه الموافِقُ والمُخالف، وسارت بتصانيفه الركبان، لعلها ثلاث مئة مجلد.
حدَّث بدمشق، ومصر، والثغر. وقد امتُحن وأُوذيَ مرات، وحُبس بقلعة مصر والقاهرة والاسكندرية، وبقلعة دمشق مرتين. وبها توفي في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، في قاعة، معتقلاً. ثم جُهِّز وأخرج إلى جامع البلد، فشهده أُمم لا يُحْصَون، فحُزروا بستين ألفاً. ودُفن إلى جنب أخيه الإمام شرف الدين عبد الله، بمقابر الصوفية، رحمهما الله تعالى.
(2/15)
ورُئيت له منامات حسنة، ورُثي بعدة قصائد. وقد انفرد بفتاوى نيل من عرضه لأجلها، وهي مغمورة في بحر علمه. فالله تعالى يُسامحه ويرضى عنه. فما رأيتُ مثله. وكل أحدٍ من الأُمَّة فيؤخذ من قوله ويُترك. فكان ماذا ؟!»(1).
وقال عنه في (معجم الشيوخ):
«... شيخنا الإمام تقي الدين أبو العباس الحَرَّاني. فريد العصر عِلْماً ومعرفةً وذكاءً وحفظاً وكرماً وزهداً، وفرطَ شجاعةٍ وكثرةَ تآليف والله يصلحه ويسدِّده، فلسنا بحمد الله ممن نَغْلُو فيه، ولا نجفو عنه، ما رُئي كاملاً أئمةُ التَّابعين وتابعيهم، فما رأيته إلاّ ببطن كتاب».
ثم قال: «ولم يخلف بعده مثله في العلم، ولا من يقاربه»(1).
وقال في (المعجم المختص):
«... وبرع في علوم الآثار والسُّنَنِ، ودَرَّس وأفتى وفسَّر وصَنَّف التصانيف البديعة وانفرد بمسائل فَنيلَ من عِرْضِه لأجلها، وهو بَشرٌ له ذنوبٌ وخطأٌ ومع هذا فوالله ما مَقَلَتْ عيني مثله ولا رأى هو مِثْل نَفْسه. كان إماماً مُتبحّراً في علوم الديانة صحيح الذّهن، سريع الإدراك، سَيَّال الفَهْم، كثير المحاسن، موصوفاً بفَرْط الشجاعة والكرم، فارغاً عن شهوات المأكل والملْبَس والجماع، لا لذَّة له في غير نَشْر العلم وتدوينه والعمل بمقُتضاه.
ذكره أبو الفتح اليَعْمَري في «جواب سؤالات أبي العباس بن الدمياطي الحافظ» فقال: «ألْفَيتُهُ ممن أدرك من العلوم حَظَّاً، وكادَ يستوعبُ السُّنن والآثار حفظاً، إن تكلَّم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مُدْرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب عِلمه وذُو روايته، أو حاضَر بالنِّحَل والمِلَل لم يُرَ أوسَعُ من نِحلته ولا أرفعُ من درايته، برز في كل فن على أبناء جنسه، لم ترَ عيني مثله ولا رأتْ عينُهُ مثل نَفْسِه».
(2/16)
قلتُ: قد سُجن غير مرةٍ ليفْتر عن خُصومِه ويُقْصِر عن بَسْطِ لسانه وقلمه، وهو لا يرجع ولا يلوي على ناصح، إلى أن توفي معتقلاً بقلعة دمشق في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
وشَيَّعه أُممٌ لا يُحْصَون إلى مقبرة الصُّوفية، غَفَر الله له ورحمه آمين»(1).
وقال فيما نقله عنه العلامة ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) في: (الذيل على طبقات الحنابلة): «قال الذهبي في معجم شيوخه: أحمد بن عبد الحليم ـ وساق نسبه ـ الحراني، الدمشقي، الحنبلي أبو العباس، تقي الدين، شيخنا وشيخ الإسلام، وفريد العصر علماً ومعرفة، وشجاعة وذكاء، وتنويراً إإإهياً وكرماً ونصحاً للأمة، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
سمع الحديث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب وخرّج، ونظر في الرجال والطبقات وحصّل ما لم يحصّله غيره، وبرع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبع سيّال، وخاطر إلى مواقع الإشكال ميّال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها.
وبرع في الحديث وحفظه، فقل من يحفظ ما يحفظه من الحديث معزوّاً إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل، وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم دليله عنده.
(2/17)
وأتقن العربية أصولاً وفروعاً، وتعليلاً واختلافاً، ونظر في العقليات وعرف أقوال المتكلمين، وردّ عليهم، ونبّه على خطئِهم، وحذّر منهم ونصر السنّة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر السنّة المحضة، حتى أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على صحبته والدعاء له، وكبت أعداءه، وهدى به رجالاً من أهل المِلَلِ والنِّحَل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً، وعلى طاعته، وأحيى به الشام بل والإسلام بعد أن كاد ينثلم، بتثبيت أولي الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم، فظنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.3lanet.com
 
تابع الجزء الاول من الكتاب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع الجزء الاول من الكتاب 7
» تابع الجزء الاول من الكتاب 8
» كتاب الرد على الصوفية الجزء الاول(برجاء التثبيت )
» تابع الجزء الاول من الكتاب 4
» تابع الجزء الاول من الكتاب 5

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
وجنة ::  المنتديات الأدبية ::  منتدى الكتب-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» الحشيش والدم
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالإثنين 14 فبراير 2022 - 16:50 من طرف رياض العربى

» اهم الاماكن ودورها في علاج الـــــــــــــــــ
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالأربعاء 12 يونيو 2019 - 3:06 من طرف مروة التيمي

» أفضل شركة بالدمام
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالجمعة 17 مايو 2019 - 2:51 من طرف مروة التيمي

» ادمان العين
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالثلاثاء 7 مايو 2019 - 1:46 من طرف مروة التيمي

» علاج الــ :cry:
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالأربعاء 1 مايو 2019 - 22:05 من طرف مروة التيمي

» كيف يتم تشخيص الــ
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالأحد 28 أبريل 2019 - 23:55 من طرف مروة التيمي

» اعراض ادمان ........
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالجمعة 19 أبريل 2019 - 15:44 من طرف مروة التيمي

» مصائب في اتجاه المجتمع
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالإثنين 8 أبريل 2019 - 22:43 من طرف مروة التيمي

» احصائيات عن الحشيش
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالأحد 7 أبريل 2019 - 20:05 من طرف مروة التيمي

» شبح الموت!!!
تابع الجزء الاول من الكتاب I_icon_minitimeالأربعاء 3 أبريل 2019 - 19:36 من طرف مروة التيمي

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
رياض العربى
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
احزان زمان
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
mnona
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
العرايشي
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
حمودى الروش
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
برديس المصريه
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
عمر
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
مشموشى
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
محمود السعيد
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap 
الامير
تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_rcapتابع الجزء الاول من الكتاب 11110تابع الجزء الاول من الكتاب I_vote_lcap