[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "نبي الدعوة والرسالة" هي الصفة التي دائماً تأتي مقرونة بذكر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ نبي الدعوة والرسالة وقائد الأمة والنور وطريق الهدى، كلها صفات لا تقوم بحق الرسول الكريم عليه أفصل الصلاة والسلام.
لكن إلى جانب ذلك فهو النبي المطهر المكرم، لم تنزله بشريته لدنس الإنسان وفشله، ولم تغير الرسالة من بشريته؛ فظل بيننا بشراً نبياً ومطهراً وقائداً، نتعلم من سنته ومواقفه؛ فلا يقتصر الاتباع على الدين؛ بل تفيض عظمته على ريادة البشرية. وقد يعلم الكثير منا أن النبي الكريم كانت له لمسات حياتية براقة في تنظيم حياتنا وفتح أبواب الخير والسعادة فيها؛ لكن الكثير منا يجهل أن النبي الكريم وضع ضمن ما وضع منهجاً شاملاً في تنظيم الوقت.
فالحديث النبوي الذي يشمل بداية الخلق ونهايته هو حديث عن الزمن ومكانته في صنع الأحداث، ويشمل تقسيما شمولياً لعمر الدنيا والإنسان معاً حيث يقول صلى الله عليه وسلم
"إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً؛ منها أربعة حرم...".
وبهذا يحدد صلى الله عليه وسلم الهيكل العام لتنظيم الوقت من خلال الرؤية الشاملة للعالم ثم العمر الإنساني من خلال السنوات والشهور.
ثم تأتي فكرة مواقيت الصلاة لتلقي اهتماماً كبيراً بالوقت والعمل في ظل تقسيم اليوم من خلال هذا الربط بالمعبود والعمل في دائرة الحياة المعاشة في الوقت نفسه؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أفضل الأعمال قال
"الصلاة على وقتها"، وفي رواية
"الصلاة على أول وقتها".
وفكرة أن يكون لك موعد أقصى ومدة محددة تقوم فيها بالعمل –أيا كان نوعه- هي أولى مبادئ المنهج التنموي في إدارة الوقت.
ثم يعاود صلى الله عليه وسلم ربط العبادة بالعمل من خلال تنظيم الوقت؛ وتلك سمة الحياة المعتدلة؛ أن تتداخل عناصرها دون أن يطغى أحدها على الآخر أو يعطله؛ يقول صلى الله عليه وسلم "بكروا فإن في البكور بركة"؛ فمن صلى الفجر في موعده فهو حري أن ينام مبكراً، وبالضرورة حري أن يكون في عمله مبكراً لينجز قبل غيره من المتكاسلين، ومن ثم تكون له فرصة العودة واستغلال بقية اليوم. وتلك مبادئ عامة لا يختلف عليها اثنان من الناجحين اللامعين الذين نسمع عنهم في كل جيل.
ليتبين لنا من خلال الحديثين السابقين تقسيم اليوم من خلال الصلوات الخمس ومن خلال فكرة البكور إلى مراحل يومية؛ فالبكور في العمل مرتبط بالطقوس الدينية، والحرص على الأخير بدوره يحيل إلى الأول، وحيث ينهي المرء الجزء الأكبر من عمله الواقع في الفترة الزمنية من صباح اليوم بعد صلاة الفجر وشروق الشمس وبين أذان الظهر، ينال أول قسط له من الراحة بالوضوء لأداء الصلاة على أول وقتها، ثم العودة للعمل أو الدراسة في وقت أقصر من الأول.
وهكذا ينهي المرء عمله أو يأخذ الفترة الثانية من الاتصال بالدنيا ليربط نفسه باتصال مع خالقه، وهكذا حتى يختم المرء يومه بصلاة العشاء التي يأخذ بعدها فترة من الراحة والاستجمام قبل النوم.
وأخيراً يطالب نبينا الكريم كلاً منا بوضع خطة زمنية تناسب حياته بمراحلها؛ فجاء في بعض الروايات (حديث موقوف):
"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لأخراك كأنك تعيش غداً"؛ وهنا يبين الحديث أن على المرء المسارعة في الخيرات كأنه يموت غداً؛ لكن ذلك لا يمنعه من التفكير في نطاق حياته العملية كخطة متكاملة ينظر فيها وفي مراحل إنجازاته وتنقله من مستوى لآخر، ويخطط لهذه المراحل وكأنه يخطط هو لحياته وموته؛ فلا يغلب عليه الجانب الديني ليقتل فيه كل تطلع للمستقبل وكل استعداد له.
وأخيراً، بعد أن يضع نبينا الكريم منهجه العام حول تنظيم الوقت يشدد بذكر العقوبة على مضيّعي الوقت في غير ما فائدة، ويبين أن المرء مسئول عن كل لحظة من عمره
"لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم".
تلك لمحة بسيطة لدور الوقت في حياة رسولنا وفي سنته المتبعة، ومواقفه أكبر من أن يحويها كتاب لكنا آثرنا أن نركز على أهم ما يسطع من سنته المطهرة حول هذا الشأن.