تعَد قلعة حلب معلماً سياحياً من أجمل المعالم الأثرية في مدينة حلب السورية، لما تحمله من طابع معماري فريد وهي من أقدم القلاع في العالم الإسلامي، وأكبرها، وتنتصب فوق رابية تتوسط مدينة حلب. وتقع قلعة حلب على مرتفع بعضه طبيعي والآخر اصطناعي، وهي نواة المدينة القديمة، ومجمع (الآكروبول) في العهد اليوناني، ثم تحولت إلى قلعة حصينة في العهد البيزنطي، وقد وجدت في حفريات القلعة آثار الآراميين التي تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وهي محفوظة في متحف حلب ومتحف القلعة. ففي العصر الإغريقي أصبحت الرابية اكروبول المدينة، واستمرت كذلك حتى اقتحمها العرب المسلمون، وعلى رأسهم خالد بن الوليد، ويقال،تم ذلك بمحاولة عدد من الفدائيين العرب الذين تخفّوا بجلد الماعز، فبدوا قطيعاً يقضم العشب من سفح الرابية، وكان الروم في احتفال وسكر ونشوة، فقتل الفدائيون حامية البوابة، وفتحوا الأبواب بعد إشعال النيران علامة من المهاجمين الذين دخلوا القلعة، وأجلوا من فيها من جند وسكان. واستقر الحكم العربي الإسلامي منذ ذلك الوقت في حلب وقلعتها المنيعة التي صدت هجوم الروم والمغول والتتار، وكان أول من استعملها سيف الدولة الحمداني ثم المرداسيون وبعدهم آل سنقر ثم رضوان بن تتش أصلح فيها، ولكن الأيوبيين هم بناتها كما هي اليوم.
ويذكر "ابن جبير" في رحلته في وصف قلعة حلب فيقول: "لها قلعة شهيرة الامتناع، ثابتة الارتفاع، معدومة الشبيه والنظير في القلاع، تناهت حصانة أن ترام أو تستطاع، قاعدة كبيرة، مائدة في الأرض مستديرة، منحوتة الأرجاء، موضوعة على نسبة اعتدال واستواء، فسبحان من أحكم تدبيرها وتقديرها، وأشبع كيف شاء تصويرها وتدويرها، عتيقة في الأزل، حديثة وإن لم تزل، طاولت الأيام والأعوام، وشبعت الخواص والعوام".
تدور مدينة حلب حول رابية تعلوها قلعة مرتفعة 61 متراً تشرف على المدينة من جميع جهاتها، وهذه القلعة العربية الإسلامية هي من أشهر قلاع العالم، ومما لا شك فيه أنها أقيمت على أنقاض قلاع متتابعة قديمة، فلقد كانت الرابية المرتفع الأكثر أمناً لإقامة المقر الحكومي المحصّن لمدينة حلب عبر تاريخها الطويل جداً.
يعود تاريخ بناء أهم أقسام القلعة إلى عصر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي، وكان ولاه عليها سنة 1190م، فلقد حصّن مدخلها وبنى على سفحها جداراً، وحفر حولها الخندق، وشيد في داخلها مسجداً وعدداً من القصور. وكانت زوجه ضيفه خاتون، التي صارت ملكة حلب، تعيش في أحد قصور القلعة، وفيها دفنت.
وتعلو القلعة ما يقرب من أربعين متراً عن مستوى مدينة حلب، ومازالت أسوارها وأبراجها قائمة، يعود بعضها إلى عصر نور الدين زنكي، ويحيط القلعة خندق بعمق ثلاثين متراً. وندخل إلى القلعة من بوابة ضخمة من خلال برج دفاعي مستطيل الشكل، ينتهي بالمدخل الكبير للقلعة، ويتكون من دهليز ينتهي بباب ضخم من الحديد المطرّق، تعلوه فتحات للمرامي والمحارق، ويعود إلى عصر خليل بن قلاوون الذي جدده ورممه. وتعلو الباب قنطرة حجرية عليها نحت ممتد على طولها يمثل ثعبانين برأس تنين. وبعد اجتياز هذا المدخل نصل إلى دهليز آخر في جدرانه الثلاثة أواوين ضخمة، وفي إيوانه الشمالي باب يتصل بدرج يؤدي إلى قاعة الدفاع، وللقلعة باب رابع خشبي يعلوه ساكف عليه نحت أسدين متقابلين. وبعد اجتياز الباب نمر بمصاطب مرتفعة تتخللها غرف ومستودعات. ثم نصل إلى ممر القلعة الداخلي تتخلله مجموعة من المباني والحوانيت، وثمة درج يؤدي إلى القصر الملكي.
وإذا ما تابعنا المسير، فإننا سنصل إلى مسجد إبراهيم الخليل الذي أنشأه الملك الصالح إسماعيل بن محمود بن زنكي سنة 536هـ/1179م. وعلى مدخل المسجد، وعلى جدرانه كتابات تأريخية في وصف المسجد: "كان كنيسة ثم مقاماً عرف بمقام إبراهيم الخليل الأسفل، وكانت به صخرة لطيفة تزار يقال إن إبراهيم الخليل كان يجلس عليها، ويلي هذا المسجد بناء آخر هو مسجد ذو مئذنة مربعة عالية، أنشئت في عصر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي. وليس بعيداً عن هذا المسجد الذي رمم أخيراً، تقوم ثكنة عسكرية أنشئت في عصر إبراهيم باشا المصري سنة 1252هـ/1834م.
وفي وسط هذه الرابية قاعة كبيرة، نصل إليها من خلال سبعين درجة تحت السطح، كانت تستعمل مستودعاً للحبوب والعلف. ومن القصور التي مازالت قائمة، قصر يوسف الثاني حفيد غازي، مزين مدخله بمقرنصات جميلة، وأمامه ساحة مرصوفة بأحجار صغيرة ملونة ذات رسم هندسي بديع. ونتجه من القصر إلى قاعة العرش، ندخلها من بوابة ذات أحجار ملونة، تعلوها مقرنصات، تحتها كتابة تأريخية. ولقد شيدت القاعة في العصر الأيوبي على برجين حول المدخل الخارجي، ثم أكملت ورممت في العصر المملوكي. ثم أضيف إليها في عام 1960م زخارف أثرية خشبية وحجرية. ومن أجمل نوافذ هذه القاعة، نافذة كبيرة ذات شباك مزخرف بصيغ عربية، ومن خلاله تُرى مدينة حلب مترامية الأطراف عند مدخل القلعة، ولقد زخرفت واجهات القاعة الخارجية، بزخارف هندسية حجرية وبأشرطة من الكتابات العربية من أبلغها "قل كلٌّ على شاكلته".وتحت قاعة العرش هذه، قاعة الدفاع، وتخترق جدرانها كُوى لرمي السهام، وفتحات لسكب السوائل المحرقة على المداهمين والمُحاصرين. وتعرضت قلعة حلب لغزو المغول بقيادة هولاكو سنة 658هـ/1260م، ولقد هَدَم كثيراً من معالمها، بعد أن وعد بحمايتها إذا ما استسلمت، وتحررت القلعة بعد انتصار العرب على المغول في موقعة عين جالوت. وقام الملك الأشرف قلاوون بترميم ما تهدم منها. ثم جاء تيمورلنك سنة 803هـ/1400م، فهدم المدينة والقلعة، وقام المماليك بتحريرها وترميمها. ثم استولى عليها العثمانيون سنة 923هـ/1516م وجاء إبراهيم باشا بن محمد علي باشا من مصر عام 1831، واستمرت خاضعة له حتى عام 1257هـ/1840م، وجعل القلعة مقراً لجنوده. ومنذ عام 1950 تجري في القلعة ترميمات وتجديدات من قبل المديرية العامة للآثار السورية.
وسور قلعة حلب متعرج الشكل، تتخلله أبراج بعضها مربع الشكل وبعضها دائري، ويرتفع السور اثني عشر متراً وهو من الحجر الضخم، والسور والأبراج كلها تعود إلى العصور العربية، بدءً من القرن الثاني عشر إلى السادس عشر الميلادي، تؤكد ذلك كتابات منقوشة عليه مازالت حتى اليوم. وسور القلعة مزدوج في أكثر أقسامه، ولقد خرّب في مناسبات كثيرة، ومازال في كثير من أجزائه أنقاضاً تنتظر الترميم. أما الأبراج فإن أبرزها هما برجا المدخل المرتفع وبرج المدخل السابق للجسر. وفي الجهة المقابلة إلى الجنوب برج ضخم ينهض على سفح جدار الخندق المكسو بالحجر، ولقد أنشأ هذا البرج الجميل الأمير المملوكي جكم، ثم جدده السلطان قانصوه الغوري سنة 916هـ/1508م، كما هو منقوش عليه. ويصل الصاعد إلى هذا البرج عن طريق درج ممتد على سفح جدار الخندق ويستمر حتى أسوار القلعة، حيث ينتهي بباب سري كان يستعمله الملك الظاهر غازي للخروج من القلعة إلى قصر العدل، وبعد الباب السري قاعة حمام أمامها ممر رصفت أرضه بأحجار على أشكال هندسية. ويؤدي الممر إلى ساحة يتوسطها حوض ماء، ومازال على جدار الساحة من الشمال بقايا سلسبيل، ومن الجنوب بقايا إيوان كبير، وفي الشرق إيوان صغير، وتكسو الأرض زخرفة حجرية ملونة مازالت بقاياها واضحة. ويقابل البرج الجنوبي الضخم، برج مماثل من جهة الشمال قام بتجديده وترميمه أيضاً، السلطان المملوكي الأخير قانصوه الغوري.
بُنِي جامع حلب الكبير في العهد الأموي على هيئة جامع دمشق في أيام الخليفة سليمان بن عبد الملك، ثم تهدم أكثر من مرة، كانت الأولى حين غزا الإمبراطور "نقفور فوكاس" مدينة حلب وخربها، والأخيرة كانت على يد تيمورلنك، وجدد في العهد المملوكي. وأقدم شيء فيه مئذنته الرائعة، وهي مربعة الشكل شيدت في عام 1090م، ويشتهر أيضاً بمنبره الخشبي المصنوع من خشب الأبنوس المطعم بالعاج، صنع في أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون في القرن 8هـ/ 14م.
وفي حلب كثير من المساجد أهمها جامع الأطروش الغني بواجهاته المبنية بالحجر المنحوت وهو من العهد المملوكي، ثم جامع الخسروية وجامع العادية والبهرمية وهي من العهد العثماني، وفي القرن 10هـ/ 16م تمثل فن العمارة العثماني بقبيباتها والقاشاني الذي يزين جدرانها.
مدارس حلب الأثرية المدرسة الشاذبختية:
أنشأها الأمير جمال الدين شاذ بخت الهندي الأثايكي، وذلك تلبية لأمر نور الدين محمود سنة 589هـ/ 1193م، على مدخلها الرئيسي الذي يقع في مقابلة إيوان القبلة. ولما تم بناؤها استدعى الأمير جمال الدين شاذ بخت، العلامة نجم الدين مسلم بن سلامة من سنجار ليتولى التدريس بها، وتقع المدرسة في السوق المعروفة باسم سوق العزب، وهي تعرف حالياً باسم جامع المعروف.
المدرسة الجوانية: من المدارس ذات الإيوانين بحلب المدرسة الجوانية أو السلطانية التي بدأ في تأسيسها الملك الظاهر بن صلاح الدين، إلا أنه تُوُفِّي سنة 613هـ قبل إتمامها، وبقيت مدة بعد وفاته حتى شرع في تكملتها شهاب الدين طغرل أتابك الملك العزيز فعمرها وأكملها سنة 620هـ/ 1223م. وقد كانت مدرسة مشتركة فقد خصصت لتدريس المذهبين الشافعي والحنفي، وقد درس بها القاضي بهاء الدين بن شداد، وولي نظرها القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله الأسدي قاضي قضاة حلب .
المدرسة الكواكبية:
عزم أحد رجال بني الكواكبي وهو " أحمد بن أبي السعود الكواكبي المولود في حلب سنة 1130 هـ / 1718 م و المتوفى في 21 شعبان 1197هـ / 22 حزيران 1782 على إنشاء مدرسة لتعليم اللغة العربية وكافة العلوم لا تتعارض مع الحظر الرسمي لتعليم العربية بطريقة خصصها فيها بالأسرة الكواكبي فأسماها " مدرسة الكواكبي " ونقش الاسم على واجهة بابها، يدرس فيها الكواكبيون على يد أهلهم وسائر علماء المدينة. وقد كان في الآن ذاته مفتياً ونقيب الأشراف في حلب، وكان آخر من درس فيها ودَرّس هو " عبد الرحمن الكواكبي " على يد أستاذه ووالده البهائي أحمد مفتي حلب وأساتذة آخرين.
أسواق حلب
عرفت حلب بأسواقها المتنوعة التي سميت بأسماء الحرف والصناعات التي كانت قائمة في المدينة ومنها سوق النحاسيين وسوق العطارين وسوق الحدادين، وسوق البن، وسوق الجمال، وسوق الحرير، وسوق الحصارين، وسوق الخابية، وسوق الخشابين، وسوق الخضرية، وسوق الخيل، وسوق الزجاجين، وسوق الصباغين الذين كانوا يقومون بصبغ الأقمشة، وسوق الصرماياتية ويسمى القوا فخانة، وتصنع في هذا السوق وتباع الأحذية الحلبية التقليدية والمعروفة باسم الصرماية وتكون حمراء أو صفراء، وسوق الصياغ، ويوجد في حلب سوقان للصياغ، وفيها الآن عدة أسواق للصياغ. وكان نتيجة ازدهار التجارة أن انتشرت الخانات بحلب ومن أشهرها خان السبيل وخان الحرير وخان إسطنبول وخان الشوربجي، وكثرة الخانات في حلب دليل واضح على ازدهار الحركة التجارية.
المطبخ العجمي: قصر قديم من القرن 6هـ/12م، يقع إلى جوارخان الوزير بحلب، يعتبر ما بقي منه من روائع العمارة ويمثل بأواوينه ومقرنصات قتبة فنًّا أصيلاً توطد في عصر السلاجقة وأتايكهم.
البيمارستان الأرغوني (المستشفيات): لعله أهم البيمارستانات التي ما تزال قائمة في الشام، ويعتبر مثلاً كاملاً للبيمارستانات التي كانت تقوم مقام المستشفيات في عصرنا، وهو بناء هام من حيث مخططه وفن عمارته، بناه في محلة باب قنسرين نائب السلطنة أرغون شاه سنة 8هـ/ 14م، ويوجد بحلب بيمارستان أقدم منه بني في عهد نور الدين في محلة الجلوم لكنه متهدم بعض الشيء.
ما تزال مدينة حلب تحتفظ كأكثر مدن الشرق بجزء من أسوارها الحصينة وعدد من بواباتها الضخمة، وقد تهدم سورها مرات خلال الغزوات التي اجتاحت المدينة في أيام الروم والتتار ثم أعيد ترميمه، وما يشاهد منه اليوم يرجع إلى العهدين الأيوبي والمملوكي، وأهم أبواب السور الباقية: باب النصر، وباب الحديد، وباب أنطاكية، وباب قنسرين.
يعدّ متحف حلب من أهم متاحف العالم المتخصصة في اللقي الأثرية التي تضمها أجنحته من حقبة ما قبل الميلاد. وقد تأسس في الأصل عام 1931 ليضم الموجودات المتحفية التي اكتشفت في تل حلف رأس العين لذلك زين مدخل المتحف بنسخة من واجهة القصر الملكي في تل حلف وهي من القرن التاسع قبل الميلاد، وأصلها محفوظ في متحف برلين .
ويضم المتحف الآثار المكتشفة في شمالي سورية والفرات في عدة أجنحة منها، جناح الشرق القديم، وهو عبارة عن قاعة ما قبل التاريخ وتستعمل حالياً كمعرض للوحات الفنية الذي يفتتح كل يوم أحد في السادسة مساءً. وتضم خزائنها أدوات إنسان العصر الحجري. وجناح الآثار القديمة الذي يضم قاعة تلال الجزيرة مثل تل براك وشاغار بازار وتل أسود حيث نقب عالم الآثار ماكس ملّوان زوج الكاتبة البوليسية أغاثا كريستي في الثلاثينات ووجد لقى من الألف الثالث والثاني قبل الميلاد. وقاعة ماري: حيث نقب منذ عام 1933 أندره بارو في تل الحريري ووجد اللقى الرائعة من الألف الثاني ق.م. ومن بينها آلهة الينبوع الشهيرة. وقاعة أوغاريت: حيث اكتشفت أقدم أبجدية في العالم في القرن الرابع عشر ق.م. ثم قاعة حماة التي تضم اللقى التي وجدها العالم الدانمركي أنغولت في حماة من الألف الثاني ق.م. وقاعة تل حلف التي تضم لقى بعثات أوبنهايم 1911-1929 ونصفها أصلي ونصفها الآخر نسخ حيث أخذ الأصل إلى برلين وتعود جميعها إلى الحقبة الآرامية والقرن التاسع ق.م. وقاعة أرسلان طاش التي تشتهر بلوحاتها الصغيرة من العاج من الألف الأول ق.م. قاعة تل أحمر بارسيب، وتشتهر بلوحاتها الجدارية الملونة من الألف الأول ق.م. ثم جناح المنوعاتا لذي يحتوي على خزانة تضم اللقى المكتشفة في تل الخويرة الواقع إلى الغرب من راس العين وقد نقب فيه العالم أنطون مورتغات ويضم دمى ولقى من الألف الثالث والثاني ق.م. كما يضم بعض اللقى كتمثال محارب السفيرة من القرن الثامن ق.م. وتماثيل الآلهة عشتار من عين دارا قرب عفرين، ومجموعات مختلفة من الأختام المسطحة والأسطوانية. والقاعة الأخيرة مخصصة لمملكة إيبلا التي وجدت في تل مرديخ مع أرشيفها وتعود اللقى الموجودة في القاعة إلى حقبتي الازدهار 2400-2250ق.م و1800-1200ق.م. ومن بينها الرقم الفخارية وأجران التقدمة وأحجار الأضاحي مع رسوم للتل ومواقع الحفريات. وفي الطابق العلوي من المتحف جناح آثار مكتشفات حفريات الفرات، وفيه عشرون خزانة مختلفة ضمّت لقى مختارة من التلال التي غمرت في بحيرة سد الفرات والتي تعود إلى الألف الرابع والثالث والثاني ق.م. والعصور الكلاسيكية والعربية الإسلامية المختلفة ومن أهم هذه التلال، تل مريبط حيث وجد أقدم بيت سكنه الإنسان المتحضر بعد الكهوف ويعود إلى الألف التاسع ق.م. وتل حبوبة حيث وجد أقدم أقبية فخارية لتصريف المياه من الألف الرابع ق.م.، وتل قناص وإيمار ومسكنة ودبسي فرج جناح الآثار الكلاسيكية، الذي يضم لقى من الحقبة الهلنستية أكثرها فخاريات، ومن الحقبة الرومانية ومن بينها أحجار القبور والفسيفساء، والبيزنطية ومن بينها ذخائر الشهداء بالإضافة إلى أنواع النقود المعدنية المختلفة. كما يشتمل المتحف على جناح الآثار العربية الإسلامية الذي يضم العديد من المنوعات من جرار وكتابات وأواني فخارية وزجاجية من الفترات العربية الإسلامية المختلفة بما في ذلك بعض المخطوطات والرنوك المملوكية وشاهد قبر إسلامي بديع الكتابة من القرن الثاني عشر م.، بالإضافة إلى أنواع المسكوكات العربية الإسلامية. وفيه قاعة تضم سقف بيت صادر الجميل بزخرفته وكتاباته ويعود إلى القرن الثامن عشر بالإضافة إلى بعض قطع السجاد النادرة. وقد وضع ماكيت حلب ضمن الأسوار وسط الجناح.
كما يحتوي المتحف على جناح الفن الحديث الذي يضم أهم لوحات وتماثيل فناني حلب والقطر السوري عموماً من أمثال فتحي محمد وفاتح المدرس ولؤي كيالي وسواهم، وأحدث عام 1974 ، ويشتمل المتحف على حديقة داخلية تضم بعض التماثيل الكبيرة البازلتية للإله حدد وتيشوب مع الكتابة الهيروغليفية الحثية وبعض التماثيل الرومانية وفسيفساء من القرن الثالث الميلادي تمثل مشاهد صيد، أما الباحة أمام مدخل المتحف فقد ازدانت بالقطع الأثرية من مختلف العصور الآشورية والرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية، ومن بينها الحجر البازلتي الذي يمثل رجلين مجنحين بحالة حركة حول القمر والشمس والذي وجد في المعبد الحثي في قلعة حلب ويعود إلى القرن التاسع ق.م ومن روائع القطع الأثرية المحفوظة في متحف حلب، تمثال أمبوشاد الكاتب الرئيسي في ماري الألف الثالث ق.م ومثلها المزهرية الحجرية الستآتيت. وتمثال إله من البرونز المذهب من مصياف الألف الثاني ق.م. ولوح عليه إله جالس على كرسيه يعتقد أنه إيل وأمامه يقف ملك ماري الألف الثاني ق.م. ومشهد أسطوري على حجر بازلتي من تل حلف القرن 9ق.م. وتمثال كائن مجنح بازلتي من تل حلف أيضاً. وتمثال أسد بازلتي آخر من أرسلان طاش القرن 9 أو8 ق.م. ونصب بازلتي من عين دارا القرن 9ق.م. ونصب الرب ملقارت الفينيقي القرن 9ق.م وغيرها.
وتضم مدينة حلب الجامعة التي أنشأت في عام 1960، والعديد من الكنائس ومدارس البعثات الأوروبية التبشيرية، كما تضم أربعة مراكز ثقافية هامة بالإضافة إلى ثمانية عشر مركزاً ثقافياً في ريفها.
حلب محط أنظار الرحالة
لم تنقطع صلة الرحالة والمستشرقين بحلب منذ أن قصدها أرسطو بهدف الاستشفاء من مرض ألم به، فقد استقطبت حلب معظم الرحالة العرب مثل ياقوت الحموي وابن جبير وابن بطوطة والمقدسي والحميري، وقضى الشاعر الفرنسي الكبير لامارتين فترة مهمة من حياته مقيماً في حي الكتاب في حلب ليكتب أهم قصائده، ومنها قصائد لجوريل التي اقامت معه برفقة شقيقتها موليناري التي قرضت هي الأخرى الشعر باللغة العربية. ومن الرحالة الذين زاروا حلب في القرنين السادس عشر والسابع عشر وكتبوا عنها دارامون، ولومانس، وراولف، وتافيزيه، ودانديني، ونيوبري، وبوكوك، وآخرون.
إحياء مدينة حلب القديمة
تعد مدينة حلب القديمة موقعاً من التراث العالمي ذا شهرة عالمية. إن مساحتها المؤلفة من 355 هكتاراً من النسيج العمراني التقليدي و سكانها الذين يبلغون حوالي 110000 نسمة والوظائف اليومية التي تصل إلى 35000 تشكل شاهداً على تراث إحدى أقدم المدن التي لا تزال حية حتى الآن. كما اعتبرتها منظمة اليونسكو مدينة تاريخية هامة لاحتوائها على تراث إنساني عظيم يجب حمايته، خاصة وأن فيها أكثر من 150 أثرا هاما تمثل مختلف الحضارات الإنسانية والعصور السياسية التي مرت بها، وفي عام 1978 سجلت مدينة حلب في السجلات الأثرية الرسمية ووضعت الإشارة على صحائفها العقارية، تثبيتا لعدم هدمها أو تغير معالمها أو مواصفاتها حتى من قبل بلديتها إلا بعد موافقة الجهات الأثرية. وقد وصفها الرحالة الأجانب والقناصل المقيمين فيها بأنها أجمل مدن الإمبراطورية العثمانية وأنظفها وأجملها مناخا، ووصفوا سكانها بأنهم أكثر أهل السلطة العثمانية رقيا وتمدنا وهو مضيافون ويخصون ضيوفهم بالمودة الصافية ، من أكبر وأغنى مدينة في الإمبراطورية العثمانية بعد القسطنطينية والقاهرة. وفي عام 1992 اشتركت الحكومة الألمانية (GTZ / BMZ) مع الحكومة السورية (مجلس مدينة حلب) في افتتاح مشروع إعادة إحياء مدينة حلب القديمة