[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بين الحين والآخر تحدث الهجمات الإرهابية من العدو الصهيوني على أهالينا في فلسطين في كل مكان. أطفال تموت، ونساء ترمّل، ورجال ينكسرون أمام أبنائهم، وأمهات ثكلى، وكرامة ذهبت ولم تعد... ولا أعتقد أنها ستعود قريباً.
في هذه الأثناء يخرج الجميع بدعواتهم التي تحمل عناوين مثل (انصروا الأقصى)، و(لن تضيع فلسطين)، و(لن ننساكِ يا قدس)...
وغيرها من الشعارات اللطيفة الظريفة التي يمكن لأي ساقط إعدادية أن يبتكرها في حصة المجال الصناعي؛ ليخرج بعدها العديد من الناس والتي أصبحت وجوههم محفوظة، وينادون بالسقوط لإسرائيل ومن يعاونونها، وإعلان وفاة الحكام العرب، ودفن القومية العربية...
وغيرها من هذه العبارات التي لا تخلو أيضاً من نبرة استعباط واضحة؛ لأن الجميع يدرك أننا أصبحنا في الحضيض، وكل ما يفعلونه هو أن يذكّرونا بذلك رغم أن الموضوع مثله تماماً مثل شروق الشمس من الشرق وغروبها من الغرب.. يعني تحول إلى حقيقة علمية.
وسط كل هذا أشعر باستفزاز ما بعده استفزاز عندما يقول لي أحدهم عبر رسائل البريد الإلكتروني أو على الفيس بوك أو من خلال رسائل الموبايل إننا يجب أن ننقذ الأقصى، وأن المسجد لن ينهدم طالما نحن أحياء، وغيرها من هذه العبارات الطنانة التي حفظناها ومللناها، وأصبحت مثل الأسطوانة المشروخة التي يخرج صوتها، وكأنه صوت شريط (بيسفّ)، فتأتي مضحكة أو تجعلني لا أبالي بالنظر لها من الأساس.
طبعاً الكلام لن يعجبكم أو يرضى عنه معظمكم، لكن بعد قليل من التفكير ستكتشفون أنه حقيقي، وأننا أمام أسطوانات مشروخة لا تتعدى مرحلة الأقوال.
يعني صديقي الذي يطلب مني أن أساند الأقصى ماذا فعل هو شخصياً لكي يسانده؟ ولماذا يطلب مني ذلك ولا يطلبه من نفسه؟ ولماذا يعتقد أن المظاهرات والتجمعات ستؤتي بثمارها في وطن أصم لا يرى ولا يسمع، وإن تكلم فقد سكت دهراً ونطق كفراً.
صديقي أو زميلي أو ذلك الرجل الذي "يحزق" جداً وهو يردد (فلسطييييييين).. و(لن ننساكِ يا فلسطيييييين)، ويكتب على الاستيتوس على الفيس بوك (وااااااا أقصاااااه)..
هل يصدّق نفسه فعلاً؟ هل يظنني شخصياً بريالة أو داقق عصافير حتى أفعل مثلما يفعل؟ هل يظن حقاً أن فلسطين لم تضِعْ بعد، وأن المسجد الأقصى الذي هو على وشك أن يُهدم سينقذه أحد من هذه البلاد الخايبة العاجزة عن تقرير مصير نفسها، فما بالك بمصير مسجد أسرى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما الذي فعله كل من "يتنحنح ويفشخ ضبه" غير الهتافات والدعوة للتضامن.. تضامُن مع مين أساساً؟ وتضامُن إزاي وأنت غير قادر على التضامُن مع نفسك ضد الظلم الذي تتعرض له ليل نهار في بلدك، وفي نطاق عملك، وفي حياتك اليومية في كل مكان تذهب إليه.
هل تعتقد حقاً أنك ستحلّ القضية الفلسطينية وستحمي الأقصى بما تفعله؟
تطلّع حولك، وستجد أن الأمر كذلك..
موضوع فلسطين والأقصى محلول عند العامة بالدعاء (لأ جامدين بصراحة)، ومحلول عند دعاة المسلمين بالصوم من أجل القضية (على أساس أن مع الفطار إسرائيل هتختفي)، وعند الأقباط بعدم الزيارة (مش هنروح نحجّ هناك).
قضية فلسطين محلولة عند السياسيين بمؤتمرات القمة (اللي هي أصلاً خناقات بينهم وبين بعض)، ومحلولة عند الجامعة العربية باجتماعات وزيارات نحن نشجب وندين (جاتها نيلة اللي عايزة جامعة)، ومحلولة عند القيادة السياسية في مصر بالتوتر (مصر قلقانة من اللي بيحصل في فلسطين يا جماعة، وعيب كده، وكخ، ووالله هنسحب السفير يا وحشين إنتم)، ومحلولة عند الإعلاميين بالبغبغة (بغ بغ بغ بغ بغ بغ بغ)، ومحلولة عند المطربين بالأغاني "وإن مات ملايين مننا.. القدس هترجع لنا" (إلى الآن يموت الملايين ولا تعود القدس.. موت يا حمار).
كل الذين يتحدثون عن القدس وفلسطين في وطني (وأنا أولهم) يضحكون على أنفسهم وعلى من حولهم.
بيعيشوا في الدور بشكل أو بآخر.
يتعاطفون مع المشاهد المنقولة لهم، ولا يملكون تغيير واقعهم الأكثر سوءاً.
يتحدثون عن إسرائيل العدو الظالم، ولا يواجهون العدو الظالم في داخلهم.
يفرض عليهم كل شيء دون أن يكون لهم اختيار، ثم يختارون أن يناضلوا من أجل غيرهم نضالاً مجانياً بالشعارات والهتافات والمظاهرات والتضامنات.
يطالبون بفتح باب الجهاد والحرب، مع أن الأبواب مفتوحة بالفعل، ومن أراد الحرب فليخرج، ومن أراد الجهاد فليذهب، ولو قلت لهم ذلك "ولوا مدبرين".
يتحدثون عن فلسطين وهم لا يعرفون عنها سوى ما يسمعونه فقط، ويخلطون بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ويشغلون أنفسهم أكثر بالتساؤل المعجزة (هل سيذهب أبو تريكة لفلسطين أم لا)؟
هؤلاء لن يتحركوا لو انهدم الأقصى ذاته، ولو تم فناء فلسطين بأكملها؛ لسبب بسيط جداً وهو "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
هؤلاء –وأنا وأنت منهم مهما ادّعينا العكس– سينزعجون لكنهم سيكتفون بمصمصة الشفايف أو الدموع على أقصى تقدير، ولربما رددوا "للأقصى رب يحميه" ، لا لمجرد إيمانهم الشديد بالمولى عز وجل، بل لثقتهم في أنهم لن يفعلوا شيئاً حقيقياً أبداً؛ لأنهم لم يتغيّروا، ولن يغيّروا.
ملحوظة: لكل من سيشتمني في التعليقات أرجوك اسأل نفسك قبل أن تشتمني: هل ستعود القدس وتنقذ الأقصى بشتيمتك لي أم إن كلامي وجعك وستتغير فعلاً؟