إذا ما هُزمت يوماً في معركة من معارك الحياة.. فيجب أن تنتقم!..
إذا ما سبقك أحدهم نحو غاية كنت ترنو إليها.. فأنصحك أن تنتقم!..
إذا ما تعثرت، أو كبوت، أو أخفقت.. فلملِمْ جنانك كي تنتقم!..
في التلمود حكمة تقول "احْيَ جيداً.. فهذا أعظم انتقام" -(أي عِشْ حياة جيدة).
استقِمْ واعملْ بجد وكفاح عندها تكون قد أذقت أعداءك المر، وجرّعتهم العذاب والحسرة.
لا تنْسَ إخفاقاتك أبداً، اجعلها كوخز الإبر، تهيجك لتنتقم!..
وانتقامك من السقوط والفشل يكون بالنصر الساحق.
إن الحياة معترك، والحرب في أوقات كثيرة تكون ضروساً، وليس بمستبعد أن
تجد نفسك فجأة في وسط الميدان، تقاتل وتكافح من أجل قيمة أو مبدأ أو هدف
أو طموح أو غاية تعمل من أجلها.
وقد تُهزم.. وربما صرعك أحدهم بأساليبه الخسيسة الدنيئة.
فما الذي يجب عليك فعله؟!..
وهنا يُجيبك الأستاذ القدير عبد الوهاب مطاوع -رحمه الله- بقوله: "أفضل
وسيلة للانتقام ممن يسيئون إليك هو ألا تكون مثلهم.. تجنّبْ أن تسلك نفس
سلوكياتهم المريضة في حياتك، ترفّعْ عن الرد عليهم، ليزدد شعورهم بحقارتهم
وتفاهة شأنهم وانحراف أخلاقياتهم".
هذا هو الانتقام الذي أريده يا صديقي، وليس الانتقام السلبي الذي يقضي على قلبك ويأكل من روحك بشراهة.
يقول الله سبحانه وتعالى:
{هو أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}، إن الغفران والتسامح شيء في غاية الأهمية، وهو -رغم تناقضه- يعدُّ نوعاً رفيعاً من الانتقام الذي يألفه النبلاء والمصلحون.
إن كلمة الانتقام ربما تكون قد أزعجتك قليلاً، لكنني اخترت وجهها
الإيجابي، نارها الحارّة التي تدفعك إلى بُغض السقوط، وكراهية الفشل،
ودوافعها الشديدة من أجل إصلاح ما فسد.
كيف ننتقم!؟ يقول وينستون تشرشل -رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية-
(كل منا له يوم.. وبعض الأيام أطول من بعضها)؛ وذلك لأن أيام الظلم طويلة،
وأيام النصر طويلة كذلك، ونحن عندما ننهض لتفادي آلام الهزائم يجب أن نعي
أن الأيام دُوَل، وأن هناك متسعاً من الوقت لفعل ما يجب فعله، وأن التفكير
الهادئ وعدم الاندفاع والتسرع والعصبية هو الخيار الأمثل.
والآن دعني أخبرك بأنواع من الانتقام الذي أريده منك:
- إذا ما اضطربت حياتك العاطفية، فيجب عليك أن تبدأ في الانتقام بأن
تكون أفضل مما يتوقع الجميع، اختلِ بنفسك لوقت، أعِدْ حساباتك مرات ومرات،
حلِّلْ بموضوعية تامة سلبياتك، ابدأ من فورك في تغيير تلك السلبيات ولا
تقع أسيراً لها، اقرأ كثيراً، استشِرْ أهل الخبرة، احضَرْ دورة أو محاضرة
عن العلاقات الأسرية، لا تقبل بأن تكون أقل من ذلك الزوج الرائع الذي
يستمتع بحياته الزوجية.
- إذا ما جفاك صديق، أو خانك رفيق، أو أساء إليك أحدهم، فانتقم بأن تكون
أفضل خُلُقاً واحتراماً وإيماناً منه، اطمسْ أي مشاعر سلبية تدفعك للإساءة
له، احتسب الأجر عند الله جل وعلا.
- إذا ما تعثَّر مشروعك الخاص، أو خسرت أموالك كلها في صفقة، وتنبّأ
الجميع أن نهوضك أمر غير متحقق، ودعوا الله لك أن يصبِّرك على مصيبتك،
فانتقم من الظرف الحاصل بمعاودة الكَرَّة، وخطِّطْ مرة أخرى بشكل أدق،
وأعلِنْ للعالم أن ما حدث كبوة جواد، وأنك قادم.. وبقوة.
- إذا ما عاندك مديرك في العمل، أو أستاذك في الجامعة، فكنْ فوق ما يظنون، وتفوَّقْ بشكل يسحق أي دعاوى يدللون بها على فشلك أو تكاسلك.
- إذا ما غلبك شيطانك فأسأت الأدب مع شخص ما، أو وقعت في عِرض أخ لك، أو
آذيت أحدهم بقول أو فعل، فانتقم من شيطانك بسيف الاعتذار، اصفعه بإيقاظ
ضميرك، وتحسين سلوكك، وطلب السماح والعفو ممن أسأت إليه.
- إذا ما أسرك هواك، وغلبتك نفسك، وطالت غفلتك، فانتقم منهم بالرجوع إلى
حظيرة الإيمان، وتسلح بالتوبة، وقُضَّ مضجعهم باستغفارك وإنابتك.
وعلى هذا المنوال فسِرْ يا صديقي..
لا تزلَّ لك قدم، أو تُصبك كبوة، إلا ويكون ردك عليها قاسياً حاسماً.. يُعيد لك اتزانك من جديد..
الخلاصة: الانتقام له وجهان: وجه أسود يأكل
من ضميرك وروحك ووجدانك، ويدفعك إلى إيذاء الآخرين، ووجه ناصع البياض،
يلهب روحك كي تكون أرقى وأقوم خلقاً وسلوكاً.
فتعلم أن تنتقم من أخطائك وعثراتك، بأن تكون أفضل، تعلَّم أن
تنتقم ممن أساء إليك بألا تكون مثله، بل اجعل سلوكك الطيب مرآة تُظهر
وبوضوح سوءه وقبحه.