[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لقطة تاريخية رائعة للبابا يوحنا بولس والقرآن الكريم
يبدو أن مصر الولادة دائما تخلّق الآن جنيناً صغيراً يمر بنفس المراحل
التي مرّ بها كبارات البلد، بصورة تبرز احتمالية مولد نجم جديد في سماء
"التأليف" و"الافتكاس"، وكلام بكلام ما نتكلم..
على مدار الأيام
الماضية فجَّر الدكتور علي الدين هلال عدة مفاجآت في السياسة والتعليم
والفقر المائي، وكأنها ماسورة مفاجآت وضربت، وهو ما قوّى لدي احتمالات أن
أرى الدكتور قريباً في منصب مهم في البلد؛ ما هو في بلدنا دي تقول أي حاجة
وخلاص تبقى مسئول مهم، تعيد وتزيد تبقى قيادي في الحزب، تألّف وتفتكس تبقى
وزير خارجية..
بدأ الدكتور هلال صدماته باتهام قوى المعارضة
المصرية التي تدعو إلى تغيير الدستور بأنهم لا يعيشون على أرض الواقع،
وأنهم ليس لديهم قراءة له على أساس أن سيادته هو الوحيد اللي بيعرف يفك خط
الواقع، هذا الواقع الذي يؤكد "عدم رضوخ مصر لأي تدخل خارجي بشأن النيل من
استقرار البلد"..
وقبل أن أفيق شخصياً من هذه القراءة الواعية
للواقع، يصدمنا الدكتور بأن إلزام الطلاب المسيحيين في المدارس بدراسة
وحفظ الآيات القرآنية الموجودة في كتب اللغة العربية بجميع المراحل
الدراسية أمر "مجافٍ للعدالة"، وبرر القيادي بالحزب الحاكم "افتكاسته" تلك
بأنه "اطلّع على نظام التعليم بعدد من الدول المتقدمة في العالم الغربي،
فلم يجد أنها تُلزم الطلاب المسلمين في مدارسها بحفظ آيات من الإنجيل"،
وقبل أن تنتهي معزوفة الوحدة الوطنية هذه، والتلاحم الشعبي، وإنصاف
الأقباط، ورفع راية حماية الأقلية أردت أن أقف مع الدكتور هلال وقفة..
إذا
كان فهْم الدكتور لحفظ النصوص القرآنية في مادة اللغة العربية بأن الغرض
منه التقديس والاعتقاد، فأرجو منه أن يرفع سماعة التليفون، ويسأل أي مدرس
ابتدائي عن دور القرآن في مادة اللغة العربية.. النصوص القرآنية في مادة
اللغة العربية تدرّس على أنها آيات من البلاغة ونماذج لغوية تمتلك أعلى
درجات القوة والرصانة، وشواهد نحوية وبلاغية... لا على أساس أنها القرآن
"بتاع المسلمين"، كيف يفهم الدكتور ومن أيّده في رأيه أن الطالب يحفظ
النصوص القرآنية لدلالتها العقائدية؟ إنها مادة دراسية ترغب في توضيح
المنهج المطلوب بأجزل الأمثلة، والقرآن -بغض النظر عن أنه كتاب الله
المنزل على عبده ونبيه محمد المتعبد بتلاوته- نعرف أنه أعلى درجات البلاغة
والفصاحة والبيان، فكيف نتجاهله في مادة هدفها الأساسي هو دراسة هذه
البلاغة والفصاحة والبيان.
أخطأ الدكتور حين أخذ الأمر من منظور
طائفي؛ إذ ليس القرآن بنص طائفي، إنه نموذج كامل للمادة التي يُستشهد به
فيها، و"توظيف" الآيات في هذا السياق نبيل ومحترم وموفَّق، بعيداً عن
مجافاة العدالة التي يتحدث عنها سيادته.
وإذا كان الدكتور يصرّ على
رأيه ذاك بحجة أنه في أوروبا والدول المتقدمة لا يدرّسون الإنجيل للطلاب
المسلمين، فإنني أسأله وأسأل من يؤيده في رأيه: في أي مادة تقترح أن يدرّس
الإنجيل؟ لو كان للإنجيل -بغض النظر عن أنه كتاب الله الذي آتاه الله عبده
ونبيه عيسى بن مريم عليه السلام هدى ونور- نقول لو كان للإنجيل مقصد لغوي
أو تاريخي فمرحباً بتدريسه ليس في بلاد الغرب التي تتجاهل الدين أصلاً، بل
في مدارسنا نحن.. مرحبا بتدريس لغة الإنجيل ولغة التوراة وكل لغات العالم،
مع حفظ الخصوصيات الثقافية للمجتمع.. وأكرر المجتمع لا الطائفة.
ثم
ألا يرى سيادته أن ضرب المثل بالغرب في هذه النقطة بالذات حساس للغاية؛
نظراً لعنصريتهم الواضحة شعوباً وحكومات ضد الطلاب المسلمين ودينهم..
ولكننا لن نخوض في ذلك الآن..
كما أستشهد بنفسي إذ إنني درست أجزاء
كثيرة من التوراة في أثناء دراستي للغة العبرية؛ لأن التوراة هنا كانت
النص العبري الأهم، فكان لا يمكن تجاهله في هذا السياق؛ سياق دراسة اللغة
العبرية، درست التوراة وحفظت منها مقاطع.. ووقتها لم أجد في ذلك أي ظلم أو
مجافاة للمش عارف إيه التي يتكلم عنها سيادته.
أنا أقف في صف كل
الواعين من أبناء هذا البلد، نرفض -وبشكل قاطع- ظلم المسيحيين، ليس على
أساس أنهم أقلية، بل على أساس أنهم شركاء في الأرض والتاريخ، ونرفض بذلك
أعلى درجات الظلم وهي استغلال وضعهم في أغراض خاصة، بنظرة قصيرة وقاصرة.
الأمر
لا يتعلق بالعدالة من قريب أو بعيد، وإن كان يتعلق بدغدغة المشاعر، والعزف
على أوتار ممزقة، ولهذا فإنني أدعو سيادة الدكتور وكل الراغبين في مناصب
عليا بأن يفكروا قليلا فيما "يفتكسون" قبل أن يصبح كلامهم بين أيدي الناس
تحكم منه على مواقفهم ونواياهم وعقولهم أيضاً..