[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أصبحنا نرتدي ما لا يلائمنا ونتعلّم ما لا نحبه ونشتري ما لا نحتاجه
مجموعة من الشباب يقفون سوياً في أحد مولات مصر التي انتشرت مؤخراً، كل
منهم يسير مختالاً يميناً ويساراً، معتقداً أنه يستحوذ على نظرات الفتيات.
هذا شاب طويل وعريض ويرتدي بنطلوناً ذا وسط منخفض، يعتقد أنه يجعله "كول آخر حاجة".
أما
ذاك فهو يتمتع بكرش ضخم يستطيع إغلاق شارع بأكمله، ومع هذا يُصرّ أن يرتدي
"تي شيرت إسترتش" يلتصق بجسده؛ ليوضح كافة معالِم الكرش، ولكنه يسير بكل
ثقة فهو يرتدي "تي شيرت" ماركة عالمية لا يقهر.
في المقابل على
الناحية الأخرى من نفس المول تقف مجموعة من الفتيات، ترتدي الأولى رغم
طولها الفارع "جيبة قصيرة" للغاية تُظهر أقدامها الرفيعة الطويلة.
تقف
بجانبها على الفور صديقتها المحجبة التي ترتدي خمسة إيشاربات ذات ألوان
مختلفة كل منهم فوق الآخر، المشكلة الوحيدة فقط أنها تتسم بوجه صغير
الحجم، ولذلك ستعاني من صعوبة كبيرة في تحديد أين وجهها مِن بين كل هذه
الإيشاربات!!
أما الأخيرة ففتاة سمراء جميلة للغاية لو أنك دققت
النظر، ولكنها للأسف تضع نصف طن من المساحيق "المبيضة" فوق وجهها، حتى
أصبحت تستحق بجدارة وظيفة مهرج البلاط لو كان هناك واحدة متوفرة.
كل
هؤلاء الشباب بلغة اليوم هم شباب "روش" و"كول"، كما أنهم من طبقة اجتماعية
هاي كلاس، فلا يرتدون سوى الملابس (السينية)، والفتيات تستخدم الميك أب من
أرقى بيوت الموضة.
ولكن يبدو أن هذه هي المشكلة، لقد تغلّبت فكرة
الماركة والموضة على كل شيء على فكرة الذوق، وفكرة ارتداء ما يتلاءم مع
الإنسان في حد ذاته، ومع ما يليق وما لا يليق من الأساس.. تلاشى كل ذلك،
وبقت فكرة أن هذه هي الموضة إذن لنقلدها، إن هذا المنتج ماركة إذن
فلنرتدِه.
ليست هذه الطبقة فقط هي ما تتسم بهذه الأفكار كما تعتقد،
بل خذ عندك هذه الفتاة البسيطة التي تذهب إلى "وكالة البلح"، وتُقلّب في
كومة الملابس الموضوعة أمامها، وقد طُبع عليها أسماء ماركات عالمية، ولكن
لا تجعل ذلك يخدعك إنها بضاعة مقلّدة، العامل الوحيد المشترك بينها وبين
الأصلية، هو أنها تتخذ من الموضة السائدة هدفاً، وبذلك ستستطيع هذه الفتاة
أن ترتدي ملابس (آخر موضة) لن تُفرقها -على الأقل عن بُعد- مطلقاً مع فتاة
المول.
هناك عامل مشترك آخر هام، أن هذه الفتاة سترتدي هي الأخرى
كل ما لا يتلاءم معها؛ بحجة أنها تريد أن تُصبح فتاة إستايل وكول وعلى
الموضة.
المظاهر.. هذه الكلمة
التي أصبحت تكاد تتحكم في الشعب المصري، لا أحد تقريباً -إلا من رحم ربي-
يفعل أي شيء بإرادته، بل يفعله من أجل مظهره أمام الآخرين.
فتجد
الشاب يُغيّر موبايله كل عدة أشهر، ربما يضغط على أسرته مادياً، ربما يأخذ
أموال الدروس ولا يحضر، بل إن بعض الرجال المحترمين من أرباب الأسر قد
يُقصّر في مصاريف بيته، كي يواكب الماركات الجديدة المتلاحقة من
الموبايلات وتطوراتها.
وعندما تسأله بتعجّب.. ألا يوجد في يده
موبايل يعمل ويكفي كافة احتياجاته، بل يحوي خواصاً واحتياجات لن يُفكّر
مطلقاً في استخدامها ولا يحتاجها من الأساس؟
سيجيبك بكل ثقة.. أنه
يحب أن يُواكب الموضة والعصر، ولا يصح أن يسير بموبايل ذي ماركة قديمة،
فكيف يكون مظهره أمام أصدقائه في الكلية أو العمل، هل يتركهم ليعتقدوا أنه
لا يستطيع أن يُوفّر موبايل آخر ماركة؟!
صدقني حفاظاً على ضغطك لا
تجب فلن تُجدي أي كلمات بأي شكل، وتعالَ معي نقترب من هذين العصفورين، شاب
وفتاة يبدآن حياتهما بعد قصة حب مؤثرة للغاية، قاتلا بها ليحظى كل منهما
بالآخر، تعاهدا على بناء بيتهما معاً بأبسط الإمكانيات حتى يستطيعا أن
يتزوّجا سريعاً، ولكن عند الجِد بدأت الطلبات..
لا يمكن أن تكون الشبكة أقل من جارتنا فلانة وابنة عمتها علانة وصديقتها ترتانة.. ثم سؤال مستنكر، ماذا يقول عنا الناس؟
يمران
من محنة الشبكة ليتفرّغا لمحنة الأثاث.. فالملابس.. فالتحف.. والمنقولات..
و.. و.. و.. فتجد أنهما يشتريان الكثير من الأشياء التي لن يحتاجاها،
وربما لن يستخدماها في حياتهما أصلاً، بل والأغرب أنها غالباً أشياء
سترهقهما في حياتهما المستقبلية سواء في تنظيفها أو تخزينها، فقط من أجل
أن يعرضاها على الناس ولا يكونان أقل من الآخرين.
حتى العِلم، الذي
هو من المفترض به هدف سامٍ، وموقف شخصي كامل، دخل في التباهي؛ فتجد الشاب
يدخل كلية الطب أو الهندسة ليس لأنه يحب هذا المجال؛ بل لأنها الكليات
الأعلى التي ستتيح له فرصة التباهي على الآخرين، وتجد والده يُشجّعه على
المذاكرة، قائلاً: "يجب أن تكون دكتوراً لأتباهى بك أمام زملائي".
فقط يريده أن يكون طبيباً ليتباهى به أمام زملائه، ليس ليفيد الناس، ليس حتى ليبني مستقبله في مجال واعد؟!!
لقد
أصبحت حياتنا سلسلة من التظاهر، ومحاولات الصعود على الغير، وكأن لسان حال
كل فرد في المجتمع للآخرين "نحن أكثر منكم مالاً وأعزّ نفراً".
فأصبحنا
نرتدي ما لا يلائمنا، ونتعلّم ما لا نحبه ونشتري ما لا نحتاجه، بل أحياناً
نأكل ما لا نستطعمه لمجرد أن نتظاهر بأننا غير ما نحن عليه في الحقيقة،
لنثبت للآخرين أننا نسير على خُطى الموضة ولسنا متأخرين.
حتى أصبح
كل شيء في حياتنا ممسوخاً غير طبيعي وغير متسق، وأصبحنا نحن مجرد مقلّدين،
لا أهمية لنا طالما الأصل في النهاية موجود، نسير وكأن كل منا يطلب أن
يحصل على شهادة بأنه كول آخر حاجة، وإلا سيسقط من عين المجتمع.
الكارثة أنه لأننا جميعاً أصبحنا كول آخر حاجة يسقط المجتمع ذاته.