ولد الشهيد عبد المنعم رياض في 22 أكتوبر عام 1919 بقرية سبرباي محافظة الغربية، وكان
والده القائمقام (عقيد) محمد رياض عبد الله قائدا لبلوكات الطلبة بالكلية الحربية.
درس الشهيد في كتاب القرية وتلقى تعليمة الإبتدائي في مدرسة السيدة نفيسة بالعباسية ثم بمدرسة
العريش الإبتدائية ثم انتقل الى مدرسة الرمل الإبتدائية بالإسكندرية.
توفى والده عام 1931 وكان عمره وقتها لا يتجاوز الثانية عشر، التحق الشهيد عبد المنعم رياض
بمدرسة الخديوي اسماعيل الثانوية وبرغم حبه للجندية الا أنه قدم أوراقه بعد تخرجه في المدرسة
الثانوية لكلية الطب وتم قبوله بها ودفع مصروفاتها إرضاء والدته.
التحق الشهيد بالكلية الحربية في يوم 6 أكتوبر 1936 وتخرج فيها يوم 21 فبراير 1938 برتبة الملازم ثان وكان ترتيبه الثاني على دفعته، ثم التحق بكلية أركان الحرب وحصل على ماجستير العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول على الخريجين.
شارك في الحرب العالمية الثانية عام 1939 بالصحراء الغربية ومرسى مطروح، ثم شارك في حرب فلسطين عام 1948.
تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات في مايو 1952 ثم عُين في مايو 1953 قائدا
للألآي الأول المضاد للطائرات وفي يوليو عام 1954 عُين قائدا للمدفعية المضادة للطائرات.
سافر الى انجلترا حيث حصل على تدريب خاص في سلاح المدفعية المضادة للطائرات بكلية
"مانويير" بانجلترا بتقدير امتياز، ثم استكمل دراسته بأكاديمية "وولتش" العسكرية كما تلقى
دراسات بالولايات المتحدة الأمريكية وقضى عدة سنوات في أرقى الكليات العسكرية بالاتحاد
السوفيتي حيث أطلق عليه الروس لقب "الجنرال الذهبي".
شارك في حرب السويس (العدوان الثلاثي) عام 1956.
في 10 مارس 1964 صدر قرار بتعيينه رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة.
رقي الى رتبة "فريق" في 21/4/1966، ثم عين قائدا لمركز القيادة المتقدم في الأردن ثم عين
قائدا للجبهة الأردنية.
التحق بكلية التجارة بجامعة عين شمس عام 1967 رغبه منه في استكمال رسالة دكتوراه كان
يعدها في الإستراتيجية العسكرية، ولما أردك أن بحثه لن يكتب له النجاح مالم يستوعب العلوم
الإقتصادية قرر الإنتساب للكلية وأدى بعض امتحانات الفرقة الأولى لكنه لم يستكملها نظرا
لاستدعاؤه للجبهة الأردنية.
بعد ستة أيام فقط من نشوب الحرب في يونيو 1967 عين عبد المنعم رياض رئيسا لأركان حرب
القوات المسلحة المصرية. وعلى الفور بدأ في عمل وصفه البعض بالمستحيل وهو إعادة بناء
القوات المسلحة المصرية ونجح فيه بشكل أسطوري. كما شارك في معارك الشرف والكرامة في
رأس العش، وإيلات ومعارك الطيران البطولية في ديسمبر 1967.
وقد أجاد عبد المنعم رياض عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية.
أستشهاده:
مع بداية يوم 8 مارس 1969 فتحت المدفعية المصرية نيرانها على مواقع العدو وتحصيناته في
إطار حرب الإستنزاف، وعلى الفور قرر الشهيد السفر الى الإسماعيلية لمراقبة الأمور على
الطبيعة وكانت اسرائيل قد انتهت في هذا الوقت من بناء خط بارليف، وكان عبد المنعم رياض أحد
الذين أشرفوا على تنفيذ خطة لتدمير خط برليف.
وفي الساعة الحادية عشر صباح يوم 9 مارس 1969 غادر الشهيد عبد المنعم رياض مقر قيادة
الجيش الثاني بالإسماعيلية بطائرة هليكوبتر لزيارة الضباط والجنود ليناقش معهم بنفسه الدروس
المستفادة من معركة اليوم السابق، وفور هبوط الطائرة استقل الشهيد سيارة عسكرية الى الجبهة
وأصر على زيارة المواقع الأمامية التى لا يفصلها عن العدو سوى عرض القناة برغم معارضة
الضباط له.
وفي تمام الساعة الثالثة والنصف وصل الشهيد الى الموقع المتقدم رقم 6 وأخذ يشاهد بمنظاره
المكبر الضفة الآخرى المغتصبة والحصون الإسرائيلية، وبدأ القصف الإسرائيلي فجأة مركزا على
المناطق المدنية وتقدم الشهيد أكثر وأكثر حتى يتابع سير المعارك وأنطلق يسأل الجنود ويستمع
لهم وفجأة أنهالت دانات المدافع بعد وصوله للموقع المتقدم بـ 15 دقيقة وتجددت اشتباكات
المدفعية وتبادل الجانبان القصف وراح الشهيد يشارك في توجيه وإدارة المعركة النيرانية والى
جانبه قائد الجيش ومدير المدفعية.
وأصدر الشهيد أوامره الى قائد الموقع وضباطه بأن يتصرفوا بسرعة حتى يديروا المعركة وبقى
في مكانه يراقب اتجاه دانات المدافع.
وقبيل الرابعة وتحت هدير المدافع الذى يصم الآذان هجم على الشهيد فجأة الضابط المرافق له
يجذبه بقوة خوفا عليه الى حفرة قريبة وبعدها بدقائق معدودة سقطت قذيفة مدفعية بالقرب من
الخندق الذى يحتمي فيه الشهيد ومعه قائد الجيش ووقع انفجار هائل وانطلقت الشظايا الى داخل
الحفرة.
ودار حوار قصير بين القائد والضابط..
قال الضابط: أنا أنصبت يا فندم.
رد رياض: .. وأنا كمان.. لكن بسيطة.
وبعد خمس دقائق أعاد الضابط نفس الكلام، لكنه لم يتلق جوابا، لقد صعدت روح الشهيد الى بارئها
وفارق الحياه وهو يرتدي أفرول الزي العسكري خاليا من أي رتبة.
وحُمل جثمان الشهيد في عربة عسكرية الى مستشفى الإسماعيلية ومنها الى مستشفى المعادي
العسكري بالقاهرة، وتم استدعاء الدكتور على نصحي زوج شقيقته سميحه لإبلاغه بالأمر وليبلغ
أسرته لكنه رفض هذه المهمة متهيبا فقام الفريق محمد فوزي وزير الحربية بزياره منزله بنفسه
وأبلغ أسرته في منتصف ليلة نفس اليوم بينما كانت مصر كلها قد عرفت النبأ قبل ذلك بست ساعات!
إعلان وفاته:
أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا خاصا تنعي فيه الشهيد بلسان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،
وخرجت جنازة الشهيد في اليوم التالي يتقدمها رئيس الجمهورية، وبرغم انها كانت جنازة عسكرية
الا أن جموعا غفيرة من المواطنين قدرت اعدادهم بنحو مليون مواطن خرجت لوداع الشهيد في
أكبر جنازة تشهدها مصر لرجل عسكري، وثاني أكبر جنازة على الإطلاق في تاريخ مصر بعد جنازة
الرئيس جمال عبد الناصر.
وقد أنتقم الجنود لإستشهاد قائدهم في اليوم التالي مباشرة (أقرأ تفاصيل عملية لسان التمساح)
منحه الرئيس جمال عبد الناصر رتبة الفريق أول بعد استشهاده مباشرة
مُنح وسام نجمة الشرف العسكرية (أرفع وسام عسكري مصري في ذلك الوقت).
تمت اقامة نصب تذكاري للشهيد في المكان الذى استشهد فيه بالإسماعيلية وأطلق اسمه على
الموقع 6 الذى استشهد فيه.
خُصصت جائزة بإسمه تُمنح لأوائل الخريجين من الكلية الحربية والكلية البحرية والطيران والشرطة.
أُطلق أسمه على المبنى الرئيسي بأكاديمية ناصر العسكرية العليا التى تخرج فيها وعمل بها استاذا.
أُطلق أسمه على أول دفعه تلتحق بالكلية الحربية في يوليو 1969 في احتفال عسكري وشعبي.
كما تم اطلاق أسمه على عدد من الميادين المهمة والشوارع الرئيسية والمدارس كما اطلقت أكثر
البلاد العربية اسمه على بعض الميادين والقاعات الدراسية.
يعتبر الميدان الذي يحمل أسمه بالقاهرة هو أشهر هذه الميادين ويقع بالقرب من المتحف
المصري، وقد تم مؤخرا تنصيب تمثال تذكاري للشهيد في الميدان.
من إنجازاته:
- إعادة تأهيل وتسليح القوات المسلحة المصرية بعد نكسة 1967، وبداية حرب الإستنزاف.
- تدمير 60% من تحصينات خط برليف الذى تحول من خط دفاعي الى مجرد نقط انذار مبكر.
- كان صاحب إضافة جديدة في حرب المدرعات منذ عام 1968 حيث كان يتم تدريب المشاه عليها
في سرية شديدة، ليحطم بذلك كل القواعد العسكرية التى كانت تؤكد أن الدبابة لا تحطمها الا دبابة،
وليصبح المقاتل المصري في حرب أكتوبر بديلا مدمرا للدبابة.
- لمع اسمه عالميا وخاصة في اسرائيل باعتباره الضابط الذى كان يقود المدفعية واستطاع في
منطقة "جبل المكبر" في الأردن ان يوجه المدفعية بحيث تعطي نيرانا أكثر تجاه إسرائيل.
- من أكبر انجازاته الغاء نظام القرعة الذي كان معمولا به فى اختيار المجندين، كما كان صاحب
الفضل فى تجنيد المتعلمين وأصحاب المؤهلات وكان يردد دائما للرئيس عبد الناصر: "أن القرعة
تصلح فقط لأوراق اليانصيب لكنها لا تصلح وسيلة عملية للتجنيد، والجندي المتعلم يستخدم سلاحه
أفضل ويصونه بوعي".
- أما أكبر انجازاته على الإطلاق فهو تصميمه للخطة (200) الحربية التى كانت الأصل في الخطة
(جرانيت) التى طُورت بعد ذلك لتصبح خطة العمليات في حرب أكتوبر تحت مسمى (بدر).
من أقواله:
"لا أصدق أن القادة يولودون.. إن من يولد قائدا قله من الناس لا يقاس عليهم، كخالد بن الوليد
مثلا ولكن القادة العسكريين يُصنعون .. يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة، ان ما نحتاج اليه
هو بناء القادة وصنعهم والقائد الذي يقود هو الذي يملك المقدرة على اصدار القرار في الوقت
المناسب وليس مجرد ذلك القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار".
"أنا لست أقل من أي جندي يدافع عن الجبهة ولابد أن أكون بينهم في كل لحظة من لحظات
البطولة"
"لن نستطيع ان نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة .. عندما أقول شرف البلد، فلا اعني التجريد
وإنما أعني شرف كل فرد .. شرف كل رجل وكل إمرأة"
"اذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة.. إن مكان القادة الصحيح
هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية".
"لقد حقق أجدادنا أعظم البطولات، وخلفوا لنا تراثا عريضا يجب أن نصونه، ومستقبلا علينا أن
نطوره ولن يكون ذلك الا بهمة الرجال الأقوياء والناس يولدون فتصنعهم ظروفهم وبيئاتهم، ولابد
من أن نصنع نحن في الجيش الرجال الأقوياء"
"إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها
الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه".