بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم عليه في العالمين ، وعلى آله وأصحابه والتابعين . . أما بعد :
فمن حَسُنَتْ خاتمته فهو إلى الجنة إن شاء الله ومن ساءت خاتمته فهو على خطر.
ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا " ، فالخاتمة هي المقصود ، أن يُختَم للعبد بما يحب الله عز وجل ويرضاه .
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن حُسْنَ الخاتمة منوطٌ بمعرفتها ، يعني إحسان العبد خاتمته منوطٌ بمعرفتها ، أن يعرف متى تنتهي حياته حتى يستعد .
وإذا كان ذلك محالاً أن يعلم متى سيموت ، ومتى سينتهي ، كما قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان34 ] ، فإذا كان الأمر كذلك ، والإنسان لا يدري متى يموت ، فإنَّ الواجب حينئذ أن يَحْذَرَ صباح مساء ، وليل نهار ، أن يختم له بسوء .
هذا هو عمل الأكياس ، وعمل الصالحين جعلنا الله عز وجل منهم ، وغَفَرَ لنا ذنوبنا ، أنهم يستعدون للخاتمة .
والاستعداد للخاتمة من وسائل النجاة ، وهما استعدادان :1- استعدادٌ في صلاح القلب : وذلك بالعلم النافع الذي يُورِثْ في القلب العلم بالله عز وجل ومعرفته وأسمائه وصفاته وبيقين في ذلك .
2- استعدادٌ في صلاح العمل يعني : يمتثل الأمر ، ويجتنب ما نَهَى الله عنه ، أو نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون العمل خالصاً صواباً ، خالصاً لله ، ووفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يستغفر من الذنوب والخطايا .
فمن داوم على ذلك ولزم طريق الاستقامة مات بإذن الله على خاتمة حسنة .
ونحن في هذه العجالة بصدد الحديث عن علامات حسن الخاتمة ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن حسنت خاتمته ، وقبل عمله ، وأجاره الله من عذاب القبر ، وعذاب النار . قال العلامة المحدث الشيخ / الألباني رحمه الله : " إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة _ كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه _ فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ، ويا لها من بشارة " .
وإليكم هذه العلامات :
علامات حسن الخاتمةالأولى : النطق بالشهادة عند الموت :عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " [ رواه أبو داود ] .
وقَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لُقِّنَ عِنْدَ الْمَوْتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " [ رواه أحمد ] .
عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ " [ رواه مسلم ] .
أقسام التلقين :ينقسم التلقين إلى قسمين :القسم الأول : تلقين أثناء الاحتضار :وهو السنة ، ويكون برفق ولين ، وذلك بذكر الشهادة عند الميت حتى يتذكرها ويقولها ، بدون أمر له بذلك ، لأنه ربما يعاند ولا يقولها ، وربما كفر بها عند الموت والعياذ بالله .
وقال بعض العلماء : ذكره بأعماله الصالحة ، حتى يتذكرها ، ويحسن الظن بربه .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثٍ يَقُولُ : " لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ " [ رواه مسلم ] .
القسم الثاني : تلقين بعد الدفن :وهو بدعة لا أصل لها ، لأن من لم يحيا على لا إله إلا الله ، فلا ينفعه أن يلقنها بعد موته ، لأن القبر دار حساب ، لا دار عمل .
فمن الناس إذا مات له ميت ، وقف على قبره وقال : يا فلان ابن فلان تذكر ما خرجت عليه من الدنيا ، أنك تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن دينك الإسلام ، أو ما شابه ذلك ، وهذا أمر ليس عليه دليل يُعتمد عليه ، فعليه فهو بدعة لا أصل لها .
قصة النطق بالشهادة :خرج رجلُ من الصالحين ، خرج بزوجته وكانت صائمة قائمة وليّة من أولياء الله ، خرج يريد العمرة ، والغريب في تلك السفرة أنها ودعت أطفالها ، وكتبت وصيتها ، وقبلت أطفالها وهي تبكي ، كأنه ألقي في خلدها أنها سوف تموت { ثم ردوا إلى لله مولاهم الحق ، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين } ، ذهب واعتمر بزوجته ، وهو وإياها في بيت أسس على التقوى ، إيمان وقرآن وذكر وصيام وقيام وعبادة ، لا يعرفون الغيبة ولا الفاحشة ولا المعاصي ، عاد معها فلما كان في الطريق إلى الرياض ، أتى الأجل المحتوم إلى زوجته { وعد الله الذي لا يخلف الله وعده ولكن كثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } ، ذهب إطار السيارة فانقلبت ووقعت المرأة على رأسها ، { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون } ، خرج زوجها من الباب الآخر ، ووقف عليها وهي في سكرات الموت تقول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وتقول لزوجها : عفى الله عنك ، اللقاء في الجنة ، بلغ أهلي السلام ، وخرجت روحها إلى بارئها .قصة المؤذن :[/size]
عن عبد الله بن أحمد المؤذن رحمه الله قال : كنت أطوف حول الكعبة ، وإذا برجل متعلق بأستارها وهو يقول : اللهم أخرجني من الدنيا مسلماً ، لا يزيد على ذلك شيئاً ، فقلت له : ألا تزيد على هذا من الدعاء شيئاً ؟ فقال : لو علمت قصتي ، فقلت له : و ما قصتك ؟ قال : كان لي أخوان وكان الأكبر منهما مؤذناً ، أذن أربعين سنة احتساباً ، فلما حضره الموت دعا بالمصحف ، فظننا أنه يريد التبرك به ، فأخذه بيده وأشهد على نفسه ، أنه برئ مما فيه فمات من فوره ، ثم أذن أخي الآخر ثلاثين سنة ، فلما حضرته الوفاة ، فعل كأخيه الأكبر _ نعوذ بالله من مكر الله _ فأنا أدعو الله أن يحفظ علي ديني ، قلت : فما كان ذنبهما ؟ قال : كانا يتابعان عورات النساء ، وينظران إلى الشباب _ المقصود نظر شهوة وعشق وحب للحرام _ اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا غير غضبان يا كريم يا منان .
المؤذن قديماً كان يصعد على سطح المسجد ، فلذلك يرى عورات البيوت ، وما فيها من محارم ، وأولئك لم يغضوا أبصارهم ، وعموماً علينا أن نتقي الله تعالى أئمة ومؤذنين وخطباء وغير ذلك ، فالعبرة بالخواتيم .
قصة طالبة الجامعة :
في إحدى كليات البنات في منطقة أبها ، كان أحد الدكاترة مسترسلاً في قصة ماشطة بنت فرعون ، حين دعاها فرعون فقال لها : يا فلانة , أولك رب غيري ؟ قالت : نعم ، ربي وربك الله عز وجل الذي في السماء، فأمر بقدر من نحاس فيه زيت ، فأحمي حتى غلي الزيت ، ثم أمر بها لتلقى هي وأولادها فيها ، فقالت : إن لي إليك حاجة , قال : وما هي ؟ قالت : أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا ، قال : ذلك لك علينا ، لما لك علينا من حق ، فأمر بأولادها فألقوا في القدر بين يديها واحداً واحداً , وهي ترى عظام أولادها طافية فوق الزيت ، وتنظر صابرة ، إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها رضيع ، وكأنها تقاعست من أجله , فقال الصبي : يا أمه , قعي ولا تقاعسي , اصبري فإنك على الحق , اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة , ثم ألقيت مع ولدها .
فإذا بالصراخ والبكاء يهز أركان القاعة ، فالتفتوا فإذا هي إحدى الطالبات ، وعليها لبس مشين ، قد بكت حتى سقطت على الأرض ، فاجتمعت عليها الطالبات فأخرجوها خارج القاعة حتى هدأت وسكنت ، ثم أعادوها ، والشيخ مازال مسترسلاً يذكر ما لهذه المرأة المؤمنة من نعيم ، فلقد احتسبت أولادها الخمسة ، لكي لا ترجع عن دين الله ، ثم مزق الزيت المغلي لحمها ، وهي راضية بذلك ، فإذا بالصراخ يتعالى والبكاء مسموع ، وإذا هي نفس الطالبة ، بكت حتى سقطت على الأرض ، فاجتمعت عليها الطالبات فأخرجوها خارج القاعة حتى هدأت وسكنت ، ثم أعادوها والشيخ يتحدث عن نعيم الجنة وما يقابله من عذاب النار ، فصرخت هذه الفتاة مرة أخرى ثم سقطت صامتة ، لا تحرك شفة ، اجتمعت عليها زميلاتها من الطالبات، وهن ينادونها : فلانة ، فلانة ، ولكنها لم تجب بكلمة ، وكأنها في ساعة احتضار ، لقد شخصت ببصرها إلى السماء ، أيقنوا أنها ساعة الاحتضار ، أخذوا يلقنونها الشهادة : قولي لا إله إلا الله ، اشهدي أن لا إله إلا الله ، لكن لا مجيب ، وزاد شخوص بصرها ، فأعادوا عليها : اشهدي أن لا إله إلا الله ، اشهدي أن لا إله إلا الله ، نظرت إليهم وقالت: أشهد ، أشهد ، أُشهدكم أنني أرى مقعدي من النار ، أُشهدكم أنني أرى مقعدي من النار ، أُشهدكم أنني أرى مقعدي من النار .
<BLOCKQUOTE>الثانية : الموت بعرق الجبين
</BLOCKQUOTE>:لحديث بُرَيْدَةَ بن الحصيب رضي الله عنه ، أَنَّهُ كَانَ بِخُرَاسَانَ ، فَعَادَ أَخاً لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَوَجَدَهُ بِالْمَوْتِ ، وَإِذَا هُوَ يَعْرَقُ جَبِينُهُ فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَوْتُ الْمُؤْمِنِ بِعَرَقِ الْجَبِينِ " [ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وحسنه الترمذي ، وصححه الألباني ] .
كم هم الذين يموتون بعرق الجبين ، ويدفنون ، ويتغطى قبورهم بالتراب ، ثم ترش بقليل من الماء .
وهناك مأساة أيها الأخوة جد مأساة ، قصة خطيرة في سوء الخاتمة إليكموها للعظة والعبرة .
قصة غريبة :يقول راوي القصة : لي صديق حميم في مكانة الأخ ، مات في حادث سير ، تغمده الله بواسع رحمته ، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، هذا الصديق لديه مجموعة بريدية إباحية ، ولديه موقع إباحي يحتوي على صور جنسية ، المصيبة أننا لا نعرف الرمز السري لتلك المواقع ، نريد إتلافها ، ولم نستطع ، كان هذا الرجل محمولاً على النعش ، ومجموعته تستقبل صوراً جنسية _ لا حول ولا قوة إلا بالله _ والدته رأت في المنام صبية يمرون على قبره ويتبولون فوقه ، المسكينة لا تدري عن خفايا الأمور ، والله إن هؤلاء الصبية الذين يتبولون على قبره ، هم الذين يرسلون الآن تلك الصور لمجموعته ، يقول : خاطبنا الشركة المستضيفة للموقع ، وكان ردهم : أنهم لا يستطيعون عمل شيء ، الرجل مات ، وآثاره تدمي قلوبنا ، وإلى متى سيبقى هذا الحال ، تلك المجموعة الخبيثة ، والموقع القذر أساءت له ، وهذا من زيغ شياطين الجن والإنس ، يقول : حسبي الله على من أغواه في إنشاء تلك المواقع ، ويقول : نرجو نشر هذه القصة ليتدارك الأحياء وضعهم قبل فوات الأوان ، ومن عنده موقع إباحي أو مجموعة بريدية إباحية ، أو مشترك معها ، أقول له : أقسم بالله العلي العظيم ، أنه لن ينفعك هؤلاء الأشرار ، بل سوف يزيدونك حسرة وندامة في يوم لا ينفع الندم .
<BLOCKQUOTE>الثالثة : الموت ليلة الجمعة أو نهارها
</BLOCKQUOTE>:عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ " [ رواه الترمذي ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 5773 ] . وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسلم ، أي : من هو المسلم .
عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " [ متفق عليه ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ ، التَّقْوَى هَا هُنَا _ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ _ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " [ رواه مسلم ] .
قصة الراقصة :هذا هو المسلم الذي إذا مات يوم الجمعة وليلتها وقاه الله فتنة القبر .
المعروف عند الناس اليوم أن ليلة الجمعة ليالي زفاف وأفراح ، لكن ربما كانت ليلة الجمعة ليلة سوداء قاتمة لبعض الناس والعياذ بالله ، وإليكم هذه القصة التي تشيب منها الرؤوس :
كان هناك عرس في أحد قصور الأفراح ، وكانت هناك مدعوة بدأت ترقص على كل الأغاني ، من بداية الليل ، واستمرت على حالها هذا عدة ساعات ، وهي لابسة ملابس الرقص ، حيث ما كان فستانها ، إلا قطعاً بسيطة تستر بعض جسدها ، فهي من الكاسيات العاريات والعياذ بالله ، وقد استمرت في رقصها حتى سقطت مغشية على الكوشة ، قبل أن تأتي العروس ، فأخذت الحاضرات يفقنها ولكن بدون فائدة ، فتقدمت إحدى زميلات هذه المدعوة إلى الكوشة فقالت : أنا أعرف كيف تفيق ، فقط زيدوا من الموسيقى والطبل حول أذنيها ، فهي ستنتعش وتفيق ، فزادوا صوت الموسيقى حولها لعدة دقائق ولكن دون جدوى ، فكشفت عليها بعض الحاضرات فوجدوها ميتة ، ماتت وهي شبه عارية ، فأسرعت الحاضرات بتغطيتها جسدها ، ولكن حدثت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد ، كلما غطوها انكشفت الجثة ، لا يبقى عليها لباس ، لم تثبت عليها العبي التي غُطت بها ، كلما غطوها تطايرت العبي ، كلما حاولوا تغطيتها ترتفع من جهة ، ثم من جهة أخرى ، فتنقلب مرة من جهة الصدر ، ومرة من جهة الفخذين ، ومرة من جهة الرأس ، ومرة من جهة الأرجل وهكذا ، واستمر الحال على ذلك وسط رعب الحاضرات ، وفي هذه الأثناء أرسلوا إلى زوجها ، فحضر زوجها مسرعاً وحاول تغطية عِرضه بشماغه ، فيمسك طرفاً منه ، ويرتفع الطرف الآخر ، ويمسك الثالث ، فيرتفع الرابع ، واستمر الحال على ذلك ، حتى أخذوها للغسل والدفن .
والمفاجئة الثانية كانت بعد الغسل وأثناء التكفين ، فكلما وضعوا الكفن عليها ، ارتفع وانكشفت ، فحاولوا مراراً ، ولكن بدون جدوى ، فقيل لهم : تدفن كما هي ، فقد كانت في الدنيا عارية ، فتخرج منها عارية ، وتدخل القبر عارية ، والعمل بالخواتيم ، فهذا نصيبها ، وهذا ما اكتسبته من الدنيا ، والعياذ بالله ، فدفنت على حالها عارية ، تقول راوية القصة : أرجو من الجميع الاعتبار والاتعاظ من هذه القصة ، والحذر من شر الدنيا وزينتها ، اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة .
<BLOCKQUOTE>الرابعة : الاستشهاد في ساحة القتال
</BLOCKQUOTE>:قال الله تعالى : { َلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } ] آل عمران 169-171 ] .
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : " يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ من دمه ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ " [ رواه الترمذي وابن ماجة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5182 ] .
ووردت روايات أخرى تدل على خصال الشهيد عند الله تعالى وجمعها كما يلي :1 - يغفر له في أول دفعة من دمه .
2 - ويُرى مقعده من الجنة .
3 - ويحلى حلية الإيمان .
4 - ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين .
5 - ويجار من عذاب القبر .
6 - ويأمن من الفزع الأكبر .
7 - ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها .
8 - ويشفع في سبعين إنساناً من أهله وأقربائه .
فائدة مهمة :ومما يجب ذكره هنا ، أن من سأل الله الشهادة بصدق ، فإنه يبلغ منزلة الشهيد ، ولو لم يجاهد حقاً ، ودليل ذلك :
عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ " [ رواه مسلم ] .
تنبيه مهم :الخطير في الموضوع هو هذا الحديث :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَزْوٍ ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةِ نِفَاقٍ " [ رواه مسلم وأبو داود والنسائي ] .
قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك : فَنُرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقال النووي رحمه الله تعقيباً على كلام بن المبارك رحمه الله : " وَالْمُرَاد : أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَشْبَهَ الْمُنَافِقِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجِهَاد فِي هَذَا الْوَصْف ، فَإِنَّ تَرْك الْجِهَاد أَحَد شُعَب النِّفَاق " .
وقال سماحة العلامة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله : " في الحديثين _ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاً ، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " [ رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان ، وقال الحافظ في البلوغ : رجاله ثقات ] .
في الحديثين : الدلالة على أن الإعراض عن الجهاد ، وعدم تحديث النفس به ، من شعب النفاق ، وأن التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملة الربوية ، من أسباب ذل المسلمين ، وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع ، وأن ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم ، بالاستقامة على أمره ، والجهاد في سبيله ، فنسأل الله أن يمن على المسلمين جميعاً بالرجوع إلى دينه ، وأن يصلح قادتهم ، ويصلح لهم البطانة ، ويجمع كلمتهم على الحق ، ويوفقهم جميعاً للفقه في الدين ، والجهاد في سبيل رب العالمين ، حتى يعزهم الله ، ويرفع عنهم الذل ، ويكتب لهم النصر على أعدائه وأعدائهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وللعلم : فالجهاد أقسام : بالنفس ، والمال ، والدعاء ، والتوجيه والإرشاد ، والإعانة على الخير من أي طريق ، وأعظم الجهاد : الجهاد بالنفس ، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه ، والدعوة كذلك من الجهاد ، فالجهاد بالنفس أعلاها .
الخامسة : الموت غازياً في سبيل الله :عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ ؟ " ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، قَالَ : " إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ " ، قَالُوا : فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ " [ رواه مسلم ] .
الفرق بين القتل والموت في سبيل الله :الفرق بينهما كما يلي :أن القتل في سبيل الله : يعني القتل في ساحة المعركة .
والموت في سبيل الله : يعني الموت في الطريق إلى المعركة ، أو بعدها إذا أُصيب بجراح ، فمات بعد الخروج من ساحة المعركة .
فالمقتول في سبيل الله ، هو من يعامل معاملة شهيد المعركة ، لأنه قتل فيها ، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ، هكذا جاء النص الشرعي .
أما من مات في سبيل الله ، فلا يعامل معاملة الشهيد ، وإن كان شهيداً ، لكنه لا يعامل معاملة الشهيد من حيث الغسل والكفين والصلاة ، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه .
وجاء حديث يدل على أن كل من أصيب بإصابة في ساحة المعركة ، أو كان عائداً منها ، ثم مات بعد ذلك بسببها فهو شهيد :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ ؟ " ، قَالُوا : الَّذِي يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ ، قَالَ : " إِنَّ الشَّهِيدَ فِي أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ : الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ، وَالطَّعِينُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِيقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ، وَالخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ ، وَالْمَجْنُوبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ " [ رواه أحمد وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 4/230 : حسن صحيح ] .
تنبيه :لماذا اختلفت الروايات في تحديد عدد الشهداء من خمسة إلى سبعة ؟الجواب :جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ رضي الله عنه _ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وجاء في الحديث عن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ ، وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدةٌ " [ رواه مالك ] .
قال ابن حجر رحمه الله : " والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أُعلم بالأقل ، ثم أُعلم زيادة على ذلك ، فذكرها في وقت آخر ، ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك " [ فتح الباري 8/438 ] .
قصص وعبر :ذكر هشام عن أبي حفص قال : دخلتُ على رجلٍ وهو في الموت ، فقلت : قل لا إله إلا الله ، فقال : هيهات حيل بيني وبينها .
وقيل لآخر : قل لا إله إلا الله ، فقال : ما ينفعني ما تقول ، ولم أدع معصية إلا ارتكبتها ، ثم مات ولم يقلها .
وقيل لآخر : قل : لا إله إلا الله ، فقال : وما يغني عنّي ، وما أعرف أني صليت لله صلاة ، ثم مات ولم يقلها .السادسة : الموت بالطاعون :عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّاعُونِ ، فَأَخْبَرَنِي : " أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَهِيدٍ " [ رواه البخاري ] .
ولعل مرض السرطان اليوم يشبه الطاعون ، أجارنا الله وجميع المسلمين منه .
تعريف الطاعون :الطَّاعُون بِوَزْنِ فَاعُول ، مِنْ الطَّعْن ، عَدَلُوا بِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَوَضَعُوهُ دَالًّا عَلَى الْمَوْت الْعَامّ ، كَالْوَبَاءِ ، وَيُقَال : طُعِنَ فَهُوَ مَطْعُون ، وَطَعِين إِذَا أَصَابَهُ الطَّاعُون ، وَإِذَا أَصَابَهُ الطَّعْن بِالرُّمْحِ فَهُوَ مَطْعُون ، هَذَا كَلَام الْجَوْهَرِيّ .
وَقَالَ الْخَلِيل : الطَّاعُون الْوَبَاء .
وَقَالَ صَاحِب النِّهَايَة : الطَّاعُون الْمَرَض الْعَامّ الَّذِي يَفْسُد لَهُ الْهَوَاء وَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَة وَالْأَبْدَان .
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : الطَّاعُون الْوَجَع الْغَالِب الَّذِي يُطْفِئ الرُّوح كَالذَّبْحَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُمُومِ مُصَابه وَسُرْعَة قَتْله .
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِّيّ : هُوَ مَرَض يَعُمّ الْكَثِير مِنْ النَّاس فِي جِهَة مِنْ الْجِهَات بِخِلَافِ الْمُعْتَاد مِنْ أَمْرَاض النَّاس ، وَيَكُون مَرَضهمْ وَاحِدًا بِخِلَافِ بَقِيَّة الْأَوْقَات ، فَتَكُون الْأَمْرَاض مُخْتَلِفَة .
وَقَالَ عِيَاض : أَصْل الطَّاعُون الْقُرُوح الْخَارِجَة فِي الْجَسَد ، وَالْوَبَاء عُمُوم الْأَمْرَاض فَسُمِّيْت طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الْهَلَاك وَإِلَّا فَكُلّ طَاعُون وَبَاء وَلَيْسَ كُلّ وَبَاء طَاعُونًا . وَقَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ بَثْر وَوَرَم مُؤْلِم جِدًّا يَخْرُج مَعَ لَهَب وَيَسْوَدّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرّ أَوْ يَحْمَرّ حُمْرَة شَدِيدَة بَنَفْسَجِيَّة كَدِرَةِ وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَان وَقَيْء ، وَيَخْرُج غَالِبًا فِي الْمَرَاق وَالْآبَاط ، وَقَدْ يَخْرُج فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِع وَسَائِر الْجَسَد .
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْأَطِبَّاء مِنْهُمْ أَبُو عَلِيّ بْن سِينَا : الطَّاعُون مَادَّة سُمَيَّة تُحْدِث وَرَمَا قَتَّالًا يَحْدُث فِي الْمَوَاضِع الرَّخْوَة وَالْمَغَابِن مِنْ الْبَدَن وَأَغْلَب مَا تَكُون تَحْت الْإِبْط أَوْ خَلْف الْأُذُن أَوْ عِنْد الْأَرْنَبَة . قَالَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح .
وَالْمُرَاد بِالطَّاعُونِ الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث الَّذِي وَرَدَ فِي الْهَرَب عَنْهُ الْوَعِيد ، هُوَ الْوَبَاء ، وَكُلّ مَوْت عَامّ [ عون المعبود 7 / 87 ] .
الهرب من الطاعون :روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها " [ رواه البخاري ومسلم ] .
والمراد بالطاعون : كل مرض عام ، أو وباء ينتشر في جهة من الأرض ، والفرار منه منهي عنه ، وفي بعض روايات الحديث : " فلا تخرجوا منها فراراً " ، وأخرج أحمد ، والألباني في الصحيحة (1292) عن عائشة رضي الله عنها _ بسند حسن _ مرفوعاً : " الفار من الطاعون كالفار من الزحف " ، وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له ، إلا كان له مثل أجر الشهيد " .
وقد التمس العلماء عللاً لهذا النهي ، ذكر جملة منها الحافظ ابن حجر في فتح الباري [10/200] ، منها : ضياع مصلحة المريض لفقد من يتعاهده حياً وميتاً ، وإدخال الرعب في قلوب الناس خاصة من لم يفر ، ونقل المرض إلى بقاع أخرى ، وهذا الأخير له حظ كبير من النظر ، وهو ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد [ 4/43 ] ، وأما الخروج من أرض الطاعون لغير الفرار ، بل لعارض كتجارة وعمل معتادين ، فلا بأس به ، إذا كان سليماً من المرض ، وأمن أن ينقل العدوى بحمله للمرض .
وليستغل كل مسلم إقامته في بلد الوباء ، بحمل النفس على الثقة بالله ، والتوكل عليه ، والصبر على قضائه والرضا به ، وتذكر الأجر فيه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الطاعون شهادة لكل مسلم " [ رواه البخاري وصحيح مسلم ] .
قصة كافر القرآن :هذا شابٌ صاد عن سبيل الله سبحانه وتعالى ، حلت به سكرات الموت ، التي لابد أن تحل بي وبك ، جاء جُلساؤه فقالوا له : قل : لا إله إلا الله ، فيتكلم بكل كلمة ، لكنه لا يقولها ، ثمّ يقول في الأخير أعطوني مصحفاً ، ففرحوا واستبشروا وقالوا : لعله يقرأ آية من كتاب الله ، فيختم له بها ، فأخذ المصحف ورفعه بيده وقال : أشهدكم إني قد كفرت برب هذا المصحف .قصة صاحب الدخان :وهذا شابٌ في سكرات الموت يقولون له : قل لا إله إلا الله ، فيقول : أعطوني دخاناً ، فيقولون : قل لا إله إلا الله ، فيقول : أعطوني دخاناً ، فيقولون له : قل لا إله إلا الله ، علــه يختم لك بها ، فيقول : أنا برئٌ منها ، أعطوني دخاناً .
من شاب على شيء شاب عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه ، نسأل الله السلامة ، والعفو والعافية ، والمعافاة الدائمة ، في الدين والدنيا والآخرة .السابعة : الموت بداء البطن :عن جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَسَارٍ قَالَ : كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ قَاعِدَيْنِ ، قال : فَذَكَرَا أَنَّ رَجُلاً مَاتَ بِالْبَطْنِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَمَا سَمِعْتَ أَوَ مَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ ، فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ " ، قَالَ الآخَرُ بَلَى " [ رواه أحمد والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 4/98 ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " . . وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ . . " [ رواه مسلم ] .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ متفق عليه ] .
والمقصود بالمبطون : من أصيب بإسهال ، أو انتفخ بطنه ، أو سرطان في البطن ، ومات بسببه ، والحاصل أن كل من اشتكى بطنه ومات منه ، فهو شهيد بإذن الله تعالى .
ويمكن أن يحصِّل من مات نتيجة حوادث السيارات أجر الشهيد في حالتين :
الأولى : إذا مات بسبب نزيف في بطنه ، وهو ما يسمى " المبطون " ، سواء كان في سيارة أو كان ماشياً أو واقفاً فدهسته سيارة على قول بعض أهل العلم في أن المبطون : هو الذي يموت بسبب داء فيه بطنه ، أيُّ داء كان . والحالة الثانية : أن يموت بسبب التصادم _ أو الانقلاب _ سواءً مات داخل السيارة أو خارجها ، وهذا قد يشبه صاحب الهدم " المذكور في الحديث السابق [ فتاوى اللجنة الدائمة 8 /375 ] .
قصة المسن الهرم :كان هناك رجل عجوز هرم ، كان يمشي دائماً من أمام المسجد ، لكنه لا يدخله ، فيقول له أهل الخير : اذهب إلى المسجد ، وصل فيه ، فأنت لم تصلي في حياتك ، سوف تموت على هذه الحال ، فيكون رده " لن أدخله إلى على الخشبة ، ويقصد بها التابوت ، وبقي على هذه الحال حتى هذا جاء ذلك اليوم الموعود ، وكان عند هذا الرجل العجوز بيت يبنيه ، وعندما انتهى البيت وأصبح جاهزاً للسكن ، ولم يبقى إلا الفرش ، جاء ليرى بيته ، وبينما هو يقوم بتفقد البيت الجديد ، قفز عن السور فوقع على الأرض ، وحدث معه حادث [ فتاق ] فأخذوه إلى المستشفى وتضاعفت معه الأمور ، لأنه كبير في السن ، وعلى إثر ذلك مات ، وعندما عادوا به إلى البيت وجدوه قد انتفخ كالبالون ، وقالوا : يجب عليكم أن تدفنوه في أسرع وقت ممكن ، قبل أن ينفجر ، وهذه هي خاتمته ، ولم ينل حظه من بيته الذي تعب وشقي من أجله ، وعندما ذهبوا به إلى المسجد ليصلوا عليه ، رفض الكثير من المصلين الصلاة عليه ، لأنهم عرفوه رجل لا يصلي والعياذ بالله ، وهذه هي خاتمته ، نسأل الله حسن الختام .الثامنة : الموت بالغرق :عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ متفق عليه ] .
وكم هم الذين يموتون بالغرق ، وقد صلينا على كثير منهم في مساجدنا ، ولكن هذه قصة تدل على حسن الخاتمة لا علاقة لها بهذه النقطة .
قصة يوم الجمعة :قال الشيخ عباس بتاوي مغسل أموات في جدة : اتصل بي أحد الأخوة وأنا في المنزل بعد صلاة العصر من يوم الجمعة وقال ياشيخ : أخي انتقل إلى رحمة الله وهو الآن موجود بثلاجة الموتى بحي الصفا ، ونريد منك أن تقوم بغسله وتكفينه وتذهب للمستشفى الساعة التاسعة صباحا لنجهزه ونصلي عليه ظهراً ، وفي صباح اليوم الثاني توجهت للمستشفى في الموعد المحدد ، وعند بوابة المستشفى رأيت الكثير من الناس ،فظننت أن هناك أكثر من جنازة في المستشفى ، استقبلني أخوه ووالده ، قلت كم ميت ؟ قال والده : فقط ميت واحد وهو ابني ، فقلت : ولماذا هذه الأمة ؟ قال الأب : كلهم حضروا من حسن الخاتمة لموت ابني ، سألته كيف مات ؟
قال: حضرت أنا وأبنائي لصلاة الجمعة ، وبعد انتهاء الإمام من الخطبة وإقامة الصلاة ، وفي السجدة الثانية قبل التسليم ، نزل ملك الموت وتوفاه الله وهو ساجد في صلاته ، في يوم الجمعة وفي بيت من بيوت الله وهو ساجد ، حملناه إلى مغسلة المقبرة لنغسله ، بدأنا بذلك وإذا بإمام وخطيب المسجد يقول : يا شيخ الشاب مات في مسجدي ، وأنا أولى بغسله فقلت : تفضل أنا وأنت واحد ، وحتى لا أحرج الإمام خرجت وانتظرت عند باب المغسلة ، وبينما أوشك الإمام على الانتهاء من التكفين لم يستطع إقفال وربط الجهة التي من على الرأس فطلب مني ذلك ، فقلت في نفسي : إمام وخطيب مسجد وحافظ لكتاب الله طلب وأصر على غسل الشاب وقام بذلك كاملاً ولم يستطيع أن يربط ويقفل جهة الرأس ؟ فقلت : لابد من أن هناك سر ، فذهبت مسرعاً لأكمل إقفال الكفن ، فنظرت لوجه هذا الشاب وأنا مندهش ومتعجب مما رأيت ، رأيت نوراً ربانياً يخرج من وجهه ، ليس كأنوار الدنيا ، وكان مبتسماً ومن شدة الابتسامة , كانت أسنانه ظاهرة لي ، حينها تذكرت الإمام وكأنه متعمد ، يريد أن يريني وجه هذا الشاب ، عندها فتحت باب المغسلة وكل الإخوان الذين كانوا ينتظرون خارج المغسلة دخلوا ونظروا إليه وقبلوه ، ونظر إليَ أحدهم وقال: يا شيخ هل تأكدت من موت هذا الشاب ، فصرخت في وجهه وقلت : ألا ترى ذلك ؟ قال : انظر إليه يا شيخ إنه يبتسم ، وقمت بتغطية وجهه وحملناه للمسجد قبل صلاة الظهر بساعة ، وحينها لم نكمل صفاً واحداً في المسجد ، وبعد رفع الأذان وإقامة الصلاة وضعنا الجنازة أمام الإمام ، صلينا وبعد الانتهاء التفتُ للخلف فإذا بالمسجد ممتلئ عن بكرة أبيه ، بل صلوا في الملحق التابع للمسجد ، وإذا به قد امتلئ ، حتى أنهم أغلقوا الطرق والممرات المؤدية للمسجد ، ولو رأيتم جنازة الشاب وهي تخرج من المسجد مسرعة كأنها تطير لوحدها ، ولا يحملها أحد ، وتسابق الجميع على قبره وأنزلوه من جهة رأسه ووجهوه نحو القبلة وحلوا الأربطة وقاموا بتغطية القبر وحثوا عليه التراب ، قال أحد أقرباء هذا الشاب : كان عمره 28 عاماً يأتي من عمله ويتناول غداءه حتى تحين صلاة العصر ، فيذهب وينتظر في المسجد من العصر للمغرب ماذا يفعل ؟
إنه يقوم بتحفيظ أبنائنا القرآن ، وكان حافظاً لكتاب الله ، فما أجمل تلك الخاتمة الحسنة ، نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة .تعليق :وللأسف أن هنا من المنافقين والعلمانيين ، من يسعون جاهدين للقضاء على حلقات تحفيظ القرآن الكريم ، ويتهمونها بأنها تخرج الإرهابيين والقتلة ، وما إلى ذلك من سفيه القول ، وساقط الكلام ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ، وهل هناك أعظم ولا أخطر إرهاباً ممن يحارب دين الله ، ويدعو الناس إلى نبذ كتاب الله ، وعدم حفظه أو تعلمه أو تعليمه ؟
إن من يقول مثلما نسمع اليوم من أولئك القوم ، لهم الإرهابيون حقاً ، فعليهم غضب من الله وسخط ، اللهم أرنا فيهم بأسك الشديد ، وعذابك الأكيد ، في الدنيا قبل الآخرة ، اللهم أقر عيون الموحدين ، بهلاك العلمانيين المنافقين ، يا قوي يا عزيز ، يا ذا البأس الشديد ، والأمر الرشيد .
التاسعة : الموت بالهدم :عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ - وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ" [ رواه البخاري ] .
الحديث يدل على كثرت الزلازل والبراكين والرياح والكوارث المدمرة ، التي تهدم المنازل ، وتدمر المقدرات ، وتقصم الاقتصاد ، وبسببها ربما محيت آثار من الوجود ، مما قد يحصل معه وفيات تحت أنقاض تلك البيوت ، وهذه هو واقع الحال اليوم ، فمن كان مسلماً ومات تحت الهدم فهو من الشهداء الذين بينهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ودليل ذلك :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ متفق عليه ] .
سؤال :سئل أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء هذا السؤال :بعض الناس يقولون : إن من يموت بسبب حادث سيارة إنه شهيد ، وله مثل أجر الشهيد ، فهل هذا صحيح أم لا ؟ .الجواب :فأجابوا : " نرجو أن يكون شهيداً ؛ لأنه يشبه المسلم الذي يموت بالهدم ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد ، وفضل الله واسع ، ونرجو أن يكون هذا شهيداً ، ولكننا لا نجزم بذلك ، نسأل الله تعالى أن يُحسن خاتمتنا ، ويقينا ميتة السوء . والله تعالى أعلم " [ فتاوى اللجنة الدائمة 8 /375 ] .
قصة تارك الصلاة :أتوا بشاب إلى جامع الراجحي بالرياض بعد أن مات في حادث مروري ، أتوا به لكي يُغسل ، وبدأ أحد الشباب المتطوعين يباشر التغسيل ، وكان يتأمل وجه ذلك الشاب ، إنه وجهه أبيض وجميل حقاً ، لكان هذا الوجه بدأ يتغير تدريجياً من البياض إلى السمرة ، والسمرة تزداد ، حتى انقلب وجهه إلى أسود كالفحم ، فخرج الشاب الذي يغسله مسرعاً خائفاً ، وسأل عن وليّ هذا الشاب ، قيل له : هو ذاك الذي يقف في الركن ، فذهب إليه مسرعاً فوجده يدخن ، قال : وفي مثل هذا الموقف تدخن ؟ ماذا كان يعمل ابنك ؟ قال : لا أعلم ، قال : أكان يصلي ؟ قال : لا والله ما كان يعرف الصلاة ، قال : فخذ ولدك ، والله لا أغسله ، ثم حُمل ولا يُعلم أين ذُهب به .العاشرة : موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها :لاشك أن ألم الولادة لا يشعر به إلا النساء ذوات الأبناء ، وهو ألم ربما تفقد معه المرأة حياتها ، فلا تجزع المرأة فقد بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ، إن هي ماتت في نفاسها بسبب ولدها ، ودليل ذلك :
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ _ قَالَ _ فَمَا تَحَوَّزَ _ تنحى _ لَهُ عَنْ فِرَاشِهِ فَقَالَ : " أَتَدْرُونَ مَنْ شُهَدَاءُ أُمَّتِي " ، قَالُوا : قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ ، قَالَ : " إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ ، قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ ، وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ ، وَالْمَرْأَةُ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا جَمْعَاءَ " [ رواه أحمد وصححه الألباني ] .
ومعنى جمعاء : أي شيء مجموع فيها غير منفصل عنها ، وهي الحامل أو النفساء أثناء ولادتها .
وقيل : التي يموت ولدها في بطنها ، ثم تموت بسبب ذلك .
وقيل : المرأة التي تموت وجنينها ملتصق بها ، أي باق سُره لم يقطع ، فهي شهيدة ، وكذلك الحامل التي ماتت وفي بطنها جنين ، ودليل ذلك :
عَنْ رَاشِدِ بْنِ حُبَيْشٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " . . . وَالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ . . . " [ رواه أحمد ] .
وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " . . . وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ ، إِذَا احْتَسَبَتْهُ " [ رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 7064 ] .
وهذا الحديث يختلف عن الذي قبله ، فهذا في فضل الاحتساب ، وذاك في حسن الخاتمة .
قصة من يتحدى الله ويكذبه :في أحد الأيام ، تعرف رجل على امرأة ، تعارفاً محرماً ، وكانت هذه المرأة ضعيفة الإيمان ، وبعد فترة من العلاقة الآثمة بغير اتصال ، تحدثوا عن موعدٍ ومكانٍ يلتقيان فيه لممارسة الحرام ، والوقوع في الجريمة المشؤومة ، فكر الرجل أن يذهب بها ، فهداه الشيطان إلى كلام قبيح ، فقال الرجل للمرأة : سأذهب بك إلى مكان لا يعرفه حتى الله ، افترى على الله كذباً ، واستهزأ بالله وسخر منه ، كذب الله بما قاله في كتابه الكريم ، حيث جاءت الآيات تباعاً في كتابه العزيز تبين قدرة الله على معيته لعباده ، وان يحصي عليهم أعمالهم ، فهو يراهم ويسمعهم ، قال تعالى : { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران 29 ] .
وقال عز وجل : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ المجادلة 7 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [ التغابن4 ] .
ولعله غاب عن ذهنه قول الله عز وجل : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } [ النساء108 ] .
ونتابع القصة ، فيقول راويها : فعندما ذهب الاثنان إلى المكان المقصود ، وأظنه كان في أحد الأماكن التي لا يذهب إليها الناس عادة ، فنزلوا من السيارة ، وعندما خلع ملابسه ، وهم بفعل الفاحشة ، قبض الله روحه وهو على هذا المنظر القبيح الشنيع ، أمام المرأة ، وكم كان منظراً