ايثار الصحابة
من حول الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم كان الصحابة الذين ضربوا روائع الأمثلة في الإيثار ، فهذا مثلاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه يروي لنا إن رجلاً أهدى إلى أحد رأس شاة فقال المُهْدَى إليه : إن أخي فلان أحوج إليه مني ، فبعث به إليه ، وظل رأس الشاة يتنقل بين سبعة بيوت ، ورجع إلى الأول .
وكان قيس بن سعد بن عبادة مريضاً ، فتخلف عن عيادته جمع من معارفه ، فسأل عنهم فقيل له : انهم يستحيون مما لك عليهم من الدين .
فقال : أخزى الله مالاً يمنع الناس من الزيارة . ثم أمر منادياً ينادي : من كان لقيس عليه مال فهو منه في حل .
ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ صرة فيها أربعمائة دينار ، وقال لغلامه اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ، ثم تلكأ في البيت ساعة حتى تنظر ماذا يصنع بها .
فذهب الغلام وقال لأبي عبيدة : يقول لك أمير المؤمنين ، اجعل هذه في بعض حاجتك .
فقال : وصله الله ورحمه ، ثم قال تعالي يا جارية ، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان ، وبهذه الخمسة إلى فلان ، حتى نفدت ، وعاد الغلام وأخبر عمر فأعطاه مثلها لمعاذ بن جبل ، وأمره بمعرفة ما يصنع بها ففعل معاذ ما فعله أبو عبيدة ، لكن امرأته قالت : ونحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق في الصرة إلا ديناران فأعطاهما لها ، ولما عرف عمر ذلك سر سرور كبيراً ، وقال إنهم اخوة بعضهم من بعض .
ولقد جاء للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ضيف لم يجد ما يطعمه فقال لأصحابه : من يضيف هذا الليلة ؟
فقال رجل من الأنصار اسمه أبو طلحة أو أبو المتوكل : أنا يا رسول الله . وذهب به إلى بيته وليس فيه إلا قوت أطفاله فقال لزوجته عللي الأطفال بشيء ، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي المصباح وأريه أنا نأكل معه . وقعدوا واكل الضيف وهما لا يأكلان فلما أصبح الصباح قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للأنصاري : قد عجب الله عز وجل من صنيعكما بضيفكما (1) .
ولقد آثر الصحابة رسول الله بأنفسهم ، وهذا أبو طلحة يحمي النبي بنفسه في غزوة أحد ، فإذا تطلع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليرى القوم قال له أبو طلحة حريصاً على حياته : لا تشرف يا رسول الله ، لا يصيبونك بمكروه ، نحري دون نحرك .
وهذه عائشة ( رضي الله عنها ) سألها مسكين شيئاً وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف ، فقالت لخادمتها أعطه إياه .
فقالت : ليس لك ما تفطرين عليه .
فقالت : أعطه إياه ، ففعلت . وفي المساء أهدي إليهم شاة بكفنها .
فقالت عائشة للفتاة : كلي من هذا فهذا خير من قرصك ...
وفي غزوة اليرموك انطلق حذيفة العدوي بشربة ماء يبحث بها عن ابن عم له ليسقيه ، وهو يقول : إن كان به رمق سقيته ، فوجده جريحاً بين الحياة والموت .
فقال له : أسقيك ؟
فأشار له برأسه أن نعم ، ثم رأى رجلاً بجواره يردد : آه آه ، فأشار إلى ابن عمه ليذهب بالشربة إلى ذاك الرجل ، وكان هشام بن العاص ، فلما هم هشام أن يشرب سمع ثالثاً يردد : آه آه . فأمر الساقي أن يذهب إليه بالماء ، فلما بلغه الساقي وجده قد مات ، فعاد إلى هشام فوجده قد مات ، فعاد إلى ابن عمه فوجده قد مات .
وما أكثر الأمثلة الرائعة في تاريخ السلف من أبناء الإسلام ، مما يعد في نظر العامة من الناس كالرؤيا أو الأحلام .
(1) - صحيح مسلم ج: 3 ص: 1624 .