شهدت العقود القليلة الماضية نشاطًا محمودًا في جانب الاهتمام بالمضامين العلمية للقرآن الكريم
وكانت بواكير العمل في هذا الاتجاه تتمثل بتأملات عقلية وموازنات لمسائل علمية أو ظواهر طبيعية
ذكرها القرآن الكريم.
سعة الأحرف بالموجز تجاوزت ال500 حرف(الحد أقصى 500 حرف)
مقالات الاعجاز العلمي للقرآن في الميزان
الدكتور محمد باسل الطائي
جامعة اليرموك
قد حرص الكتاب الذين اهتموا بهذا التوجه ببيان عظمة الله سبحانه وتعالى ومن
بواكير تلك الأعمال كتاب (مع الله في السماء) للدكتور أحمد زكي، وكتاب (التفسير العلمي للآيات
الكونية) لحنفي أحمد وكتيبات الدكتور مصطفى محمود وأحاديثه الاذاعية والتلفزيونية. وكان هذا
حسنًا، إذ تنبه الكثير من عامة الناس إلى ذلك الجانب العظيم من وجوه الاعجاز القرآني، مما عزز
ايمان بعضهم وزاده وع ّ ظم شأن القرآن في نفوسهم.
لكن هذا النشاط وللأسف أتخذ توجهًا غير سليم عندما أصبح نشاطًا تجاريًا وتلفيقيًا أحيانًا. فصار بعض
المشتغلين بالاعجاز العلمي للقرآن يقدمون الإشارات العلمية القرآنية وكأنها نظريات علمية كاملة
تتطابق تمامًا، بحسب ادعاءاتهم، مع اكتشافات العلوم الحديثة والمعاصرة. ومما يؤسف له أن أكثر
المشتغلين في نشاطات الاعجاز العلمي للقرآن اليوم هم من غير المختصين، أو هم من أنصاف
المختصين الذين جمعوا معلوماتهم العلمية عن طريق مطالعة الكتب المبسطة المكتوبة للعامة، وبعضهم
يأخذ عن كتابات صحفية غير دقيقة أو مبالغ فيها أو خاطئة أحيانًا. فهاهنا تقرأ كتابًا يتحدث لك عن
الاعجاز العلمي في علم الفلك والوصف الدقيق لنشأة النجوم وتطور المجرات وكاتبه طبيب نفساني لا
علاقة له بعلم الفلك لا من قريب ولا من بعيد وهنالك ترى كتابًا يتحدث عن جيولوجية الأرض وتكوين
المحيطات وهايدروديناميكية حركة المياه فيها وكاتبه طبيب باطني. وهكذا صار يكتب في مسائل
الإعجاز العلمي في القرآن كل من هب ودب. وحتى أن بعض المختصين (ظاهريًا) يكتبون أحيانًا
ترهات لا علاقة لها بالعلم الصحيح والدقيق لأنهم في الحقيقة ليسوا مختصين بالمسائل التي يعالجونها.
وخلال السنوات القليلة الماضية ظهرت إلى السطح الصحفي والاعلامي ومن خلال الفضائيات
شخصيات جديدة من الناس المهتمين بالاعجاو العلمي للقرآن لعل أشهرها هو الدكتور زغلول النجار
فقد نشرت له الأهرام القاهرية حتى الآن أكثر من 120 صفحة. وقد وجدنا بعد التدقيق العلمي في
بعض ما يقوله هؤلاء وما يقدمونه من معلومات للمشاهدين والقراء الكثير من عدم الدقة العلمية
والتعسف في تفسير الوقائع العلمية وهنا أُشير إلى المسائل التالية:
2
1. الادعاء بأن رواد الفضاء الأمريكان الذين زاروا القمر قد أكدوا حقيقة انشقاقه نصفين وأنهم
وجدوا صدعًا فيه يدل على ذلك الانشقاق الذي ذكرته بعض الآثار. وهذا غير صحيح أبدًا ولا
توجد أية وثيقة علمية تورد مثل هذا الخبر أو الاكتشاف. وقد طلبت من الداعي بهذا تزويدي
بالمصدر العلمي الموثق الذي يدعم إدعائه فلم يفعل. فض ً لا عن ذلك فإن الانشقاق الذي يفترض
حصوله قبل حوالي 1400 سنة لا يكاد ينكشف للدراسات الجيولوجية في مثل هذه الحالة بل
أن مثل تلك الفترة الزمنية قد تقع في حيز نسبة الخطأ العملي والنظري.
2. الإدعاء بأن الحديد الذي في الأرض قد نزل من السماء على الأرض بعد تكوينها وما يتم
تقديمه من شرح خاطيء لمراحل تكوين الأرض.والادعاء أن الحديد الذي في باطن الأرض
هو من السماء. والحق أن هذا خلط وتشويه للحقائق العلمية التي تفيد بأن الحديد الذي في باطن
الأرض (لب الأرض) هو بغالبيته العظمى من حديد السحابة الدخانية التي تكونت منها الأرض
وبقية الكواكب السيارة، على حين أن الحديد الذي في قشرة الأرض هو ما نزل من السماء
عبر النيازك التي سقطت على الأرض بكميات كبيرة في سالف الأزمان بعد تكون الأرض.
3. الادعاء بأن الأرض هي مركز الكون من خلال ملاحظة أن المجرات تبتعد جميعًا عن
مجرتنا. وهذا سوء فهم وقع فيه البعض لعدم معرفته أن الكون هو سطح ثلاثي الأبعاد في
فضاء رباعي الأبعاد وهذه مسألة تخصصية يجري تقريبها للأذهان والتصور عادة بالمقارنة
مع النقاط التي على سطح بالون مطاطي ينتفخ إذ نلاحظها تتباعد عن بعضها البعض جميعا
دون أن نتمكن من تعيين أي منها مركزًا للتمدد. فجميع النقاط على البالون المتمدد هي مراكز،
ولا فرق بينها.
4. الادعاء بأن السموات السبع هي طبقات الغلاف الجوي وأن الأرضين السبع هي طبقات
الأرض الداخلية. وهذه مغالطة لا علمية لأن تقسيم الغلاف الجوي إلى سبع طبقات ليس أمرًا
قطعيا بل هو اصطلاحي فالبعض يقسم الغلاف الجوي إلى خمس مناطق وبعضهم يقسمها إلى
ستة أو سبعة وربما ثمانية أيضًا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى طبقات الأرض فمن قال أنها
سبعة؟؟ هذه مغالطات لا يليق بالداعية الإسلامي أن يدّعيها لأن عواقبها على الاسلام نفسه
كبيرة.
5. تكرار القول أن الثقوب السود هي أجرام كثيفة جدًا. ولو كان المدعي من أهل الاختصاص
لعرف أن الثقوب السود العظيمة جدًا كتلك التي تبلغ كتلتها مليون مرة قدر كتلة الشمس مث ً لا لا
تكون كثيفة جدًا، بل يمكن أن يتوفر ثقب أسود بكثافة أقل من كثافة الهواء أيضًا.
6. الادعاء بأن نظرية الانفجار العظيم مطابقة تمامًا للقرآن وهذا غير صحيح إذ يعلم أهل
الاختصاص أن التوافق بين العلم والقرآن في هذه النظرية هو توافق جزئي وليس كلي وتام
كما يدعي كّتاب الإعجاز العلمي من غير المختصين.
3
كما يُلاحَظ أن أغلب محرري الصحف والمجلات، وهم من غير المختصين على الأغلب،
يفضلون دائما تلك المقالات التي تتوافر على أكبر قدر من الادعاءات بتوافق القرآن مع حقائق
العلم ولا يعجبهم أبدًا أن تقول لهم أن العلم يتفق مع القرآن في هذا الجزء من المسألة ويختلف في
ذلك الجزء. ولو أُرسلت إليهم مقالة تبسُط الحقائق بين ما هو في العلم وما هو في القرآن كما هي
فإنهم يرمون بها عرض الحائط ويعتبرونها أمرا غير مرغوب فيه حتى لو كانت تكشف عن
جوانب أصيلة في تلك المسائل، بل حتى لو كان كاتب تلك المقالة أعظم المختصين. ما يهمهم
على الأغلب هو الإدعاء بأن هذه المعلومة وتلك التي اكتشفها العلم اليوم هي موجودة في القرآن
منذ 1400 سنة!!
إن من المطلوب وقف التهريج بالعلم ووقف التهريج بالقرآن تحت عنوان (الاعجاز العلمي للقرآن)
لأن هذا النوع من الأنشطة غير الحكيمة ستؤدي ربما إلى مردود عكسي حينما ينبري مختصون
لكشف التزييف المقصود أو اللامقصود لوقائع المعرفة العلمية. وعلى من يعمل في حقول الاعجاز
العلمي للقرآن أن يكون من أهل الاختصاص العلمي الدقيق في الحقل الذي يشتغل فيه أو فليصمت
لأن عمله سوف لن يؤدي إلا إلى تشويه العلم أو تشويه إعجاز القرآن أو كليهما معًا.