يحكى أنه كان للعرب في قديم الزمان وسالف العصر والأوان دولة كبرى. لها مجد وسلطان وصولة وصولجان، تتكلم فيستمع لها العالم..وتتحرك فتحسب الدنيا لحركتها ألف حساب وحساب، ثم دار الزمان.. وجاء أحفاد العرب المغاوير، وأحفاد أحفادهم الأشاوس، فقسموا الدولة إلى دويلات.. وحولوا «الخلافة» إلى خلافات، واستقروا مرتاحين على العروش.. بعد أن أثقلتهم التخمة والكروش!
ويحكى أنه كان للعرب في قديم الزمان غزوات وفتوحات.. كانت تتوج غالباً بالانتصارات، وكانت لنا جيوش جرارة.. على رأسها قيادات جبارة، ثم دارت الأيام.. وتوالت القرون والأعوام، فتشرذمت الجيوش وتفرقت القيادات.. وتحول الجميع إلى حرس خاص لحكام الدويلات، فاستباح العالم أرضنا.. واسترخصوا عرضنا، وأصبحنا بحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. مسخرة الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله..!
ويحكى أنه كان للعرب في يوم من الأيام دولة في الأندلس لها أمجاد وحضارات.. واستمر وجودها قروناً وسنوات، حتى لحقتها كما لحق غيرها النكسة.. وجاءها من حكامها من حققوا «الوكسة»، فانهارت الدولة وكان ما كان.. وأصبحت «الأندلس» في خبر كان..!
ويحكى أنه عندما ابتلي العرب بالصليبيين.. الذين دنسوا القدس واحتلوا فلسطين، سلط الله عليهم صقراً من صقور الإسلام.. هو القائد صلاح الدين الهمام، الذي انقض عليهم كالصاعقة.. وأمطرهم ناراً حارقة، ففروا أمامه كالجرذان، والقردة.. وطردوا من أرض العرب شر طردة، ثم راح عصر صلاح الدين.. وانتهى بانتهائه عصر القادة المحترمين، ليحل مكانهم قادة آخر الزمان.. الذين فتحوا أحضانهم وبلادهم لكل مستعمر جبان!
ويحكى أنه كان للعرب في يوم من الأيام أرض تسمى «أرض فلسطين».. تحتضن مقدسات المسلمين والمسيحيين، ما كادت تستريح من احتلال الصليبيين الغزاة.. وتعود إلى أصحابها البهجة والحياة، حتى حط الصهاينة عيونهم عليها.. واندفعوا من كل أقطار الأرض إليها، تدفعهم الأحقاد والأطماع.. ويساعدهم منا الخنوع والانصياع، وكالعادة.. ضاعت فلسطين.. ومازلنا حتى اليوم نحاول استردادها بالخيار الاستراتيجي اللعين!
يحكى أن.. ويحكى أن.. ويحكى أن..، والحكايات لا تنتهي، بداية الحكاية دائماً مبشرة.. ونهاية الحكاية دائماً مأساوية، حكاياتنا العربية لا تؤمن بالنهايات السعيدة كما هو الحال في أفلامنا العربية، فهي حكايات مقلوبة، تبدأ بالحب والزواج.. وتنتهي بالخناق والطلاق، نبدأ الحكاية مستبشرين منصورين.. وننهي الحكاية متراجعين مهزومين، حتى النهايات السعيدة سرعان ما نفقدها، كأننا لا نرضى بغير الهزيمة، ولا نسعد إلا بالخسارة.. خسارة الأرض.. وخسارة المبادىء.. وخسارة الحريات.. ثم خسارة أنفسنا ومستقبلنا في نهاية الأمر!
يحكى أننا خسرنا الأندلس.. ويحكى أننا خسرنا ثرواتنا.. ويحكى أننا خسرنا استقلالنا.. ويحكى أننا خسرنا فلسطين الأرض والوطن، وقد يحكى أننا خسرنا العراق، ثم تتوالى حبات مسبحة الخسائر التي لا تفارق أصابعنا حتى نصبح أمة من «العرب الحمر»، نحني رؤوسنا لأي «كاوبوي» سخيف ... ونبيع حرياتنا وكرامتنا ثمناً لساندويتش «هامبورجر».. أو لقمة بيتزا.. أو جرعة كولا.. أو حتى مجرد ابتسامة من مسئول أميركي.. حتى ولو كان أحد حراس البيت الأبيض..!
متى يدرك شهرزاد العربية الصباح.. فتسكت عن الكلام المباح والمستباح.. ونستريح من حكايات «ألف ليلة وليلة"التي تحولت على أيدينا إلى «ألف نيلة ونيلة»..؟!