باسم الله الرحمان الرحيم أما بعد، فيا عباد الله:
إذا هبت الرياح في فصل الربيع على الحوائط والبساتين انبعث من ذلك عبق الرياحين والزهور، وانتشرت من ذلك في
النفوس نشوة وأي نشوة، وكلكم يعلم هذا المعنى ويتبينه، كذلك في شهر ربيع الأنوار، عندما تهتاج ذكرى مولد المصطفى
صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسري عبق هذه الذكرى، يسري عبقها نشوة في النفوس، ويسري عبقها طرباً في الرؤوس،
وتهتاج من ذلك عوامل الشوق مجدداً إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وما من إنسان عرف معنى رائحة
الورود والزهور والرياحين؛ وتمتع بفطرة النشوة، ما يشمم رائحتها إلا وكان له إلى جانب ذلك فطرة الشوق إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وفطرة الحنين إليه، وفطرة الحب المنطوي له بين جوانحه، فإذا مرت رياح هذه الذكرى تحركت
المشاعر واهتاج الحب الذي ربما كان راقداً، وانتشرت من ذلك في النفس عوامل الشوق إلى رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم. وهذا أمر فطري - كما أقول لكم - بل هو جزء لا يتجزأ من إيمان الإنسان بالله عز وجل. والإيمان بالله
فطرة مودعة في النفوس قبل أن يكون علماً تتلقاه الرؤوس، وكلكم يعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث
الصحيح: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه)). قالها تبليغاً عن الله جل جلاله،
ولم يقلها أنانية واعتزازاً بنفسه، معاذ الله.