تعريف الحج
الحج في اللغة: هو القصد في شيء تعظمه، وليس هناك شيء يُقصَد إليه لتعظيمه مثل بيت الله الحرام؛ لهذا لا يفهم من لفظ (الحج) إلاَّ إليه، فإذا قال أحد: إني حججتُ، أو أريد أن أحج، اتجه ذهن السامع فورًا إلى بيت الله الحرام، وشارك المتكلم في أمنيته، ودعا له ولنفسه بزيارة البيت المعظم.
ولذلك يُعرِّفه الفقهاء: بأنه القصد إلى بيت الله الحرام لتأدية أفعال مخصوصة منصوص عليها في الكتاب والسنة، مثل: الطواف بالبيت، والسعي، والوقوف بعرفة، وغيرها من المناسك.
فضائل الحج:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه".
وعن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال:" لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "جهاد الكبير والصغير، والضعيف، والمرأة: الحج والعمرة".
وقال- صلى الله عليه وسلم-: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
فهذه الأحاديث صريحة في فضل الحج والعمرة، وأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، ومأخوذ من البر، وهو الطاعة وقيل: هو المقبول، ومن علامة القَبول أن يرجع الحاج خيرًا مما كان عليه قبل الحج، وأن لا يعاود المعاصي، وقيل: الحج المبرور هو الذي لا رياء فيه. والواقع أن كل هذه المعاني والأوصاف مطلوبة في الحج المبرور.
دلائل فرضية الحج:
الحج من فرائض الإسلام، ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب فقوله تعالى: (وللهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ البيتِ مَنِ استطاعَ إليهِ سبيلاً ومَنْ كَفَرَ فإنَّ اللهَ غنيٌّ عَنِ العالمينَ).
وأما السنة: فقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خطبَنَا رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا .. إلخ" رواه مسلم.
وقد أجمع الفقهاء على وجوب الحج على المستطيع.
وأما المعقول فهو أن العبادات وجبت لحق العبودية، أو لحق شكر النعمة، وفي الحج يوجد المعنيان: أما إظهار العبودية فلأن العبودية هي إظهار التذلل والخضوع للمعبود وهو الله - جل جلاله- وفي الحج يظهر هذا المعنى بصورة جلية في اللباس وسائر الأفعال والأقوال التي يقوم بها، وفيما يمتنع عنه الحاج، وأما شكر النعمة؛ فلأن العبادات بعضها بدنية وبعضها مالية، والحج عبادة لا تقوم إلا بالبدن والمال، فكان الحج شكر هاتين النعمتين؛ لأن شكر النعمة ليس إلاَّ استعمالها في طاعة المنعم، وشكر النعمة واجب عقلاً.
حكمة الحج:
من خصائص الإسلام أنه لا يكتفي في تزكية النفوس وتربيتها بالقول والموعظة فقط، وإنما يقرن بهما أسلوب التربية العملية، ونجد هذا واضحًا جليًّا فيما شرعه من عبادات مثل الصلاة والصوم. ويظهر مسلكه في التربية العملية في فريضة الحج؛ فأفعال الحج كلها تربية عملية على الطاعة التامة لله ربِّ العالمين، والإخلاص في العبودية له، والامتثال لأمره، فأفعال الحج كما يقول الإمام الغزالي- رحمه الله- لا حَظَّ للنفوس ولا أنس للطبع فيها، ولا اهتداء للعقل إلى معانيها، فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد، وقصد الامتثال للأمر - أمر الشرع- من حيث إنه أمر واجب الاتباع فقط.
وحيث إن أفعال الحج كما وصف الغزالي فإن النفس تعيش رياضة عملية وتربية فعلية على الإخلاص في العبادة لله رب العالمين. كما أن ترك الطيب في فترة الحج ولبس لباس الإحرام، كل هذا وغيره يُذكِّره بكفنه الذي يخرج به من الدنيا، فيعرف أنها لا تستحق منه كل هذا الحرص عليها، والتعب من أجلها، والركض وراءها، والحزن على ما قد يفوته من متاعها، فليس له مما يحرص عليه منها سوى هذا الكفن الذي يضع على جسمه مثله في إحرامه إن قدر له كفن عند موته. ثم في وقوفه في عرفات وقد ضج الواقفون بالدعاء إلى الله- تعالى- بمختلف اللغات واللهجات يذكره ذلك بموقف يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين.. وهكذا سائر أفعال الحج وأقواله تربية رُوحية عملية، وتعريف للإنسان بقَدْر نفسه، وحقيقة مركزه في الحياة، والغاية التي من أجلها خُلِقَ، وبالتالي تموت فيه عوامل دوافع الغرور والكبرياء، وأخيرًا فإن في أفعال الحج تعويدًا للمسلم على امتثال أمر الله- تعالى- لأنه أمر الله- تعالى-، سواء عقل معناه وحكمته أم لا.
ومن حكمة الحج أنه ييسر للمسلمين فرصة طيبة معلومة المكان والزمان للاجتماع والتشاور فيما بينهم وفيما يهمهم. وهذا التشاور في الأمور العامة للمسلمين يغلب عليه النفع العام للمسلمين، والوصول إلى الصواب فيما يتشاورون فيه ومن أجله؛ لأنهم يفعلون ذلك وهم في عبادة، وفي مكان طاهر، ونفوسهم متفتحة بمعاني الإيمان وقد غُسِلَتْ من أدرانها بأفعال الحج والعمرة، ولا شك أن هناك من حكمة الحج الشيء الكثير غير ما ذكرناه.