كيف يتشكل البرق والرعد
البرق والرعد والصواعق يثيران الخوف والجزع. في الماضي كانت بعض الحضارات تعتقد ان البرق هو سلاح الالهة التي تتقاتل بين بعضها. بعض الحضارات لاتزال تعتقد ان البرق والرعد جند من جنود الله يرسلها على اعداءه. حضارات الشمال القديمة كانت تعتقد ان الرعد هو صوت الله عندما يغضب، او آلهة البرق التي كانت تسمى Tor, اما البرق فهي شرارة تنطلق من عربة الله التي يجرها تيسين. وعندما يلقي إله البرق فأسه على شعوب العمالقة كانت تظهر اكبر البروق واقواها. غير ان الفيلسوف سقراط كان يدعي ان البرق والرعد هما ظاهرة طبيعية ولاعلاقة للالهة بالموضوع.
في كل ثانية تساط الارض بمئة لسعة من البرق، التي يمكن ان تسبب الحرائق والموت. في عصرنا الحالي يسبب البرق ارتباكات في المنظومة الالكترونية والكهربائية. حتى اليوم يمتلك البعض مجموعة من الاعتقادات والاوهام حول البرق والرعد، كما لايزال العديد من الكهنة ورجال الدين يستغلون الجهل اعالم بهذه الظاهرة من اجل زرع الخوف والاعتقادات الخاطئة. فماهي حقيقة هذه الظاهرة الطبيعية وكيف يمكننا ان نحمي انفسنا منها؟ هل يمكننا ان نخضع البرق لمصالحنا ونستخلص منه الطاقة؟
الفيلسوف الاغريقي Thales قام بإجراء اول تجربة في هذا المجال، حيث لف حجر الكهرمان حول قطعة قماش وصار يراقب كيفية انجذاب الخيوط والشعيرات. هذه القوة جرى تسميتها إلكترون المشتقة من اسم حجر الكهرمان بالاغريقية. على مدى مئتين سنة جرت العديد من التجارب واكتشف الانسان ان هناك قوتين كهربائتين مختلفتين، مانسميهم اليوم القوى الايجابية والقوى السلبية. لقد اكتشف الانسان ايضا انه تنشأ شرارات خفيفة عندما يلتقي طرفين مشحونين بهاتين الطاقتين المتعاكستين.
في القرن السادس عشر فكر الفيلسوف René Descartes ان البرق ينشأ من موجات هوائية بسبب نشوء ممر هائل بين سحابتين. بعد حوالي 200 سنة تمكن الامريكي Benjamin Franklin من رؤية الرابط بين الشرارات الصغيرة وخيوط البرق الهائلة. لقد قام بدراسة التشابه بين الشرارات والبرق ليبرهن تجريبيا ان البرق هو ظاهرة كهربائية.
ولكن كيف يحدث ذلك؟
في الصباح الباكر يمكن ان تكون السماء زرقاء صافية. ولكن بعد شروق الشمس تبدأ بالظهور قطع صغيرة من السحب. هذه القطع تتحد وتكبر وتصبح لها احجام كبيرة. من الاطراف تظهر وكأنها قطع من القطن، في حين تظهر من الاسفل وكأنها مسطحة. بعد بضعة ساعات نشعر بالرطوبة الطاغية، ونحس بأن هناك شيئ ما سيحدث للجو. ان مايحدث يطلق عليه convection.
الكونفيكشون يبدأ عندما تقوم الشمس بتدفئة الارض في الصباح وفترة ماقبل الظهيرة. الارض بدورها تقوم بتدفئة الهواء الملامس لها. الهواء الدافئ ، على شكل فقاعات، يرتفع الى الاعلى لانه اخف من الهواء البارد الذي فوقه. والهواء يحتوي دائما على ذرات من الماء على شكل غاز غير مرئي. عندما يصعد الهواء الى الاعلى يتبرد وتتحول ذرات الماء الى قطرات صغيرة. عندها تصبح فقاعات الهواء مرئية على شكل سحب. السحاب يكبر طالما ان الرطوبة عالية بما يكفي وطالما ان الجو المحيط بها ابرد من السحابة.
إذا كان الهواء قرب الارض حار ورطب في حين ان الهواء في الطبقات الاعلى بارد بما يكفي، نقول عندها ان الجو غير مستقر. في مثل هذه الاحوال توجد ظروف لتنمو السحابة الى مسافات كبيرة تصل الى بضعة كيلومترات وبإرتفاع حوالي كيلومتر عن الارض. في قمة السحابة تتجمد ذرات الماء وتتحول الى ثليجات كريستال والسحابة تتوسع لتأخذ شكل القبعة في اعلاها.
السحابة التي تحمل البرق في احشائها تحمل معها مئات الملايين من ليترات الماء على شكل قطرات. الماء وبللورات الثلج يتبادلون مواقعهم في السحابة تحت تأثير الهواء القادم من الاسفل والهواء النازل الى الادنى المميزة لظاهرة الكونفيكشون. العديد من قطرات الماء تتجمد على بللورات الجيلد وتتحول الى حبات البرد لتسقط الى الارض لثقلها. البللورات الجليدية الصغيرة تصطدم مع كريات البرد الساقطة. تحت تاثير التصادم تنتقل الشحنة الكهربائية السالبة من البللورات الجليدية الخفيفة الى كريات البرد الساقطة، لتصعد البللورات الجليدية الى الاعلى بشحنة موجبة. كريات البرد ذات الشحنة السالبة تنقل الشحنة السالبة الى الاقسام الدنيا من السحابة ويذوب قسم منها الى قطرات مطر.
بنتيجة هذا الانفصال في الشحنة تتحول السحابة الى سحابة برقية، حيث اعلاها مشحون بشحنة موجبة في حين ادناها مشحون بشحنة سالبة.
التوتر بين الاعلى والادنى يمكن ان يصل الى مئات الملايين من الفولتات. عندما يصبح التوتر عالي تنطلق الظاهرة الكهربائية. البرق ينشأ بين طرفي السحابة. قوة التيار في الشرارة الناشئة يمكن ان يصل الى مئات الالاف من الامبير (يمكن مقارنته بالفيوزات التي نحمي بواسطتها شبكتنا الكهربائية والتي قوتها 10 امبير فقط). على الارض تحت السحابة البرقية تتجمع شحنة موجبة بسبب تجمع الشحنة السالبة اسفل السحابة. في النهاية يصبح التوتر عالي الى درجة ينفجر معها البرق بين الارض والسحابة ايضا.
عندما يضرب البرق الارض يكون في الحقيقة قد ضرب الى الاعلى. الشحنة السالبة في اسفل السحابة تتوجه الى الارض بطريقة الزكزاك الملتوية. عندما تلتقي بالارض تنتهي الشحنة في حين ان الشحنة الايجابية الموجودة في الارض تنطلق بسرعة الضوء الى الاعلى في القناة الناشئة. التيار الكهربائي الناشئ يجعل الهواء حار للغاية، وتصل درجة حرارته الى 30000 درجة مئوية، اكثر بخمس مرات من درجة حرارة سطح الشمس. الهواء المحاذي لصعقة البرق يتمدد بسرعة وتنشأ موجات هوائية صاعقة، تخلق نبضات صوتية تنتشر في جميع الاتجاهات. عندها نسمع صوت الرعد.
كل يوم تتشكل حوالي 50 الف سحابة برقية على الارض. كل ثانية تنطلق مئة صاعقة برقية، ولكن اغلبهم يضرب السحابة نفسها، وفقط 20% منهم تضرب الارض. عادة نرى الصواعق في الصيف. منطقة الامازون تجتاحها الصواعق لمدة 200 يوم في السنة.
إذا اصابت البرق احد الابنية يمكن ان يؤدي ذلك الى تحطم النوافذ واجزاء من البيت، ويمكن ان يسبب الحرائق، خصوصا في الابنية الخشبية. إذا ضرب البرق الارض قرب البيت يمكن لتياره ان يصل الى البيت من خلال الشبكة الكهربائية وشبكة التلفون او شبكة التلفزيون وكابل الانترنيت. عندها يمكن للبرق ان يضرر الاجهزة الكهربائية والتلفون والكمبيوتر ويمكن ان تنشأ عنه حرائق. اذا اصابت الصاعقة الانسان يمكن ان تؤدي الى العديد من الاضرار مثل الصدمة او النزيف او الشلل او الاصابة بالصمم، ويمكن فقدان الوعي او حتى الموت. في الولايات المتحدة الامريكية يموت سنويا 200 شخص بسبب الاصابة بالصواعق.