لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله . ويكون مع ذلك
كله أحب إليها مما سواه ويكون سعيها فيما يُقربها إليه دون غيره من سائر خلقه ..
تجد أن المجتمعات الغربية هى أكثر المجتمعات حيرة وتفكك وضياع ، وعبّر عن ذلك الأدباء والشعراء الذين هم
أصحاب الإحساس العميق الدقيق كما يقولون ، فهذا شاعر فرنسى وهو من أكبر الشعراء أثراً فى فرنسا يقول
( حيرة الإنسان المعاصر قضية واحدة وهى أنه يبحث عن سيد ، يبحث عن إله ) هو هنا يعمم بقوله الإنسان لأنهم
يظنون أن المسلمين حيارى ونحن فى الحقيقة حيارى لأن القليل منا من يمثل حقيقة الإسلام فيظنون أننا مثلهم على
هامش الأمم حيارى بل ومما يؤسف له أن بعض أدباء المسلمين يسلكون وينتهجون منهج أولئك الأدباء الحيارى
الضائعين فنجد من يقول منهم : ( ومضى عمرى ولا أعرف دربى أبداً )
أما نحن والله أننا نعرف دربنا وإلى أين المصير ونعرف أن مردنا إلى الله سبحانه وتعالى وأنه فرض علينا فرائض
وشرع لنا شرائع فإذا وقفنا عند حدوده ووحدناه سبحانه وتعالى وأطعناه فمصيرنا الى الجنة والسعادة فى الدنيا
والآخرة ومن عصاه وتعدى حدوده فمصيره إلى الشقاء وضيق الدنيا وإلى النار فى الآخرة أجارنا الله وإياكم ، لكن
الحيارى لا يُدركون ذلك ..
وهذا شاعر يقول : ( جئتُ لا أعلمُ من أين ؟ ولكنى أتيتُ ) وغيره من الشعراء يكتب ديواناً كاملاً تقرأ فيه الحيرة
والضياع والألم فيتألمون من شئ لا يدرون ماهو ، ونحن نعرف والله أن سببه عدم الإيمان بالله عز وجل ، وأنه لو
عرف الله سبحانه وتعالى وصلى وقرأ كتاب الله لما كان من الحيارى الضائعين وذلك لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا
طُمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها ..
فليس فى الكائنات كلها مايسكن إليها العبد ويطمئن بها ويتنعم بالتوجه إليها ، لازوجة ولا ولد ولا مال ولا صحة ولا
أصدقاء ولا ممتلكات ومتاع ولا نفسك نفسها فلا يمكن أبداً أن يتنعم العبد ويطمئن إلا بمعرفة الله وتوحيده سبحانه
وتعالى ، ومن عبد غيره وأحبه وإن كان له نوع لذة إلا أن فساده أعظم من أكل الطعام المسموم اللذيذ فى شكله وطعمه
فهو عذب فى مبدئه عذاب فى نهايته ، فمن تنعم بغير الله حتماً سيتعذب به بعد حين ، أما من تنعم بالله فهذا هو النعيم
المقيم .
وكما يقول ربنا جل وعلا : { لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون } الأنبياء 22
فكذلك القلب إذا أحب غير الله فسد ، فإن التوحيد هو غاية محبوب العبد ومطلوبه وبه سروره ولذته ونعيمه ..