تفسير قوله تعالى "لقد خلقنا
الإنسان في كبد"
في قوله
تعالى (لقد خلقنا الإنسان في كبد) قال القرطبي رحمه الله في تفسيره :
قال
علماؤنا : أول ما يكابد قطع سرته , ثم إذا قمط قماطا , وشد رباطا , يكابد الضيق
والتعب , ثم يكابد الارتضاع , ولو فاته لضاع , ثم يكابد نبت أسنانه , وتحرك لسانه ,
ثم يكابد الفطام , الذي هو أشد من اللطام , ثم يكابد الختان , والأوجاع والأحزان ,
ثم يكابد المعلم وصولته , والمؤدب وسياسته , والأستاذ وهيبته , ثم يكابد شغل
التزويج والتعجيل فيه , ثم يكابد شغل الأولاد , والخدم والأجناد , ثم يكابد شغل
الدور , وبناء القصور , ثم الكبر والهرم , وضعف الركبة والقدم , في مصائب يكثر
تعدادها , ونوائب يطول إيرادها , من صداع الرأس , ووجع الأضراس , ورمد العين , وغم
الدين , ووجع السن , وألم الأذن . ويكابد محنا في المال والنفس , مثل الضرب والحبس
, ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة , ولا يكابد إلا مشقة , ثم الموت بعد ذلك
كله , ثم مساءلة الملك , وضغطة القبر وظلمته ثم البعث والعرض على الله , إلى أن
يستقر به القرار , إما في الجنة وإما في النار ..
نعم لا يزال المؤمن يكابد
و يجاهد الشيطان ليخرج السموم من حياته...ولا تزال الحياة الدنيا ابتلاء...فإن خلص
من عقبة ظهرت الاخرى...حتى يلقى الله المؤمن وقد جاهد فيه...ومن شكر فلنفسه فإنما
يتزكى بهذه المجاهدة الإنسان... فسبحان الرحمن الرحيم...الاول الآخر الظاهر
الباطن...الحميد المجيد...