السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أحد ينكر شجاعة عمر رضي الله عنه وأرضاه
لكن هذه الرواية ضعيفة وبأكثر من دليل وبعد بحث مستفيض
وسوف أطرح من باب المجاز أن القصة صحيحة وأن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالها.
لماذا لا نسأل أنفسنها سؤالاً بديهياً لم أسمعه من قبل إذا كان سيدنا عمر ونحن جميعاً نعلم ما قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه الفاروق الذي فرق به الله بين الحق والباطل، والذي بعد إسلامه صار المسلمين بعدما كانوا يتعبدون خُفية من قريش يجهرون بالدعوة.
لماذا لم يذهب عمر ابن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له يا رسول الله إني خارجاً للهجرة في صحبتك. وأبي بكر ويوفر على الحبيب وصاحبه معاناة الهجرة وما لاقاه الرسول الكريم وصاحبه من متاعب في هجرتهما ؟ !!
لقد وضعت ألف خط تحت هذا السؤال وكثيراً ما سألت لنفسي بما أن الأمر هكذا ولم تجرؤ قريش على ملاقاة عمر بن الخطاب حينما صاح فيهم وقال المقولة المنسوبة إليه.
(من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه).
</SPAN>
لو أن الأمر بهذه السهولة والبساطة وجميعنا لا يختلف على شجاعة الفاروق رضي الله عنه. ولكن أليس من الأحرى به أن يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفقة، أو أن يعرضها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!
وتنتهي المعاناة التي لاقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكرٍ الصديق ؟
وهذه القصة مشهورة على الألسن وفي الكتب والقصص و في الخطب والمحاضرات و بين العامة والخاصة وقد تجد من طلبة العلم من يستشهد بها.
أخرج ابن عساكر في تاريخه (44/51-52) وابن السمان في الموافقة ، انظر : شرح المواهب (1/319) و سيرة الصالحي (3/315) وابن الأثير في أسد الغابة (4/152) ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً ، إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لم هم بالهجرة تقلد سيفه و تنكب قوسه وانتضى في يده أسهماً واختصر عَنزته.
ومضى قبل الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ، ثم أتى المقام فصلى متمكناً ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم : شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس – الأنوف – ، من أراد أن تثكله أمه و يوتم ولده و يرمل زوجته ، فليلقني وراء هذا الوادي ، قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين ، علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه ) .
قلت : هذه الرواية مع مخالفتها لما هو أثبت منها – و سيأتي - ، فهي لا تسلم من الكلام على سندها ، إذا يكفي لإسقاطها وجود راو مجهول فيها ، فكيف و فيها ثلاثة مجاهيل ؟! قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في رده على البوطي في سيرته :
( جزمه بأن عمر رضي الله عنه هاجر علانية اعتماداً منه على رواية علي المذكورة ، و جزمه بأن علياً رواها ليس صواباً ؛ لأن السند بها لا يصح و صاحب أسد الغابة لم يجزم أولاً بنسبتها إليه رضي الله عنه ، و هو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته ، و لينظر فيه من كان من أهل العلم ، و قد وجدت مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني :
حدثنا عبد الله بن القاسم الأملي ( كذا الأصل ولعله الأيلي ) عن أبيه ، بإسناده إلى علي ، و هؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً .. ) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ( ص 42- 43) . قلت : و نحن لا ننكر شجاعة عمر و هيبته رضي الله عنه ، و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : ( ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ) ، و لكن العبرة بما صح و حسن سنده . و القصة الصحيحة في ذكر هجرته رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق قال حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبدا لله عن أبيه عمر رضي الله عنهما قال : ( اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا و عياش بن أبي ربيعة و هشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب – موضع فوق سرف على مرحلة من مكة – من أضاة بني غفار – أرض تمسك الماء فيتكون فيها الطين – فوق سَرِف ، و قلنا : أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه ، فأصبحت أنا و عياش عند التناضب ، و حبس عنا هشام ، و فتن فافتتن . وعندما نزلت الآية { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً .. الآية } كتبها عمر و أرسل بها إلى هشام بن العاصي بمكة ، فوجد صعوبة في فهمها ، فدعا الله أن يفهمه إياها ، فألقى الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله ، فلحث برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ) . انظر : ابن هشام بإسناد حسن ، و صححه ابن حجر في الإصابة (3/602) ، و قد أشار إلى صحتها الهيثمي في المجمع (6/61 ) . قلت : و دلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت سرية ، فليس فيها أي إشارة إلى إعلان الهجرة ، بل إن تواعدهم في التناضب من أضاة بني غفار – وهي على عشرة أميال من مكة – ليؤكد إسرارهم بهجرتهم . و فوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في طبقاته (3/271) حول هجرة عمر بن الخطاب سراً ، حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق – السابقة – وزاد فيها قول عمر : ( و كنا نخرج سراً فقلنا .. ) . وقلت أيضاً : والتأكيد على صحة الرواية الثانية أولى من التكلف في استخراج الدروس والعبر في قضية قد لا تكون ثابتة أصلاً – كهذه التي بين أيدينا - ، وانظر إلى تكلف السباعي رحمه الله والبوطي مثلاً في استخراج العبر منها . السيرة النبوية دروس وعبر (ص 80 ) و فقه السيرة للبوطي ( ص 135-136 ).
هذا بالدليل الصحيح فمن أراد أدلة أخرى فأنا على استعداد على أن أُزيد على هذه الأدلة السائغة والمستنبطة من المنطق والعقل.
وفي النهاية لا يسعني القول ألا أن أقول بأنه الفاروق الشجاع الذي لا يخشى في قول كلمة الحق لومة لائم ولا نحتاج لسماع مقولة أو موقف لنثبت له شجاعته وعدله.
فيكفيه ما قاله في حقهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم
جزاكم الله خيراً وكل عام وأنتم جميعاً بخير وإلى الله أقرب
((غرباء)).