اعترافات طفل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية أنا أعلم بأن العنوان غريب بعض الشيء بما أني اخترت مرحلة معينة من حياتي حتى أنسب إليها هذه الاعترافات.
ولكن لما التعجب أولم أكن أنا وأنتم في يوم من الأيام أطفالاً ؟!
أولم تكن مرحلة الطفولة مرحلة فاصلة ومهمة بل وهي الأساس الذي قامت عليه شخصيتنا التي نحن عليها الآن ؟ !
ربما يكون هذا الطفل هو ما اشتقت إليه حتى أنني نسبت إليه هذه الاعترافات.
في البداية فإن هذا العالم غريب جداً ومحير وكبير، وصغير، ومتسع، وضيق، فيه التناقض بكل ما تحمل الكلمة من معاني، فكل شيء فيه متناقض بشكل أو بآخر، فهناك الطويل والقصير، والأبيض والأسود، والطيب والخبيث، والمهذب وقليل الحياء، والغني والفقير، والسعيد والشقي، والجميل والبغيض، والمفهوم والمُبهم، فيه تناقض يجعلني لا استطيع النوم على فراشي من دون صراع محاولاً النوم. والتقليل من التفكير، فساعة خلودي إلى النوم إذا بي أفكر في كل شيء في العالم، كل ما تعلمته وكل ما عرفته، وكل ما شاهدته، كل ما أدهشني، وكل ما كان عادي وعابر بالنسبة لي.
قرأت بعض المقالات عن الشك المنهجي للعلامة الغزالي، وديكارت الفيلسوف الفرنسي واللذان كانا ينتهجان نفس النهج الفلسفي في تفسير الشك المنجي، وقد كان هذا من بين المشكلات التي أرهقت عقلي، ولكن ومع كل ذلك فقد أخذتني كلمة كادت أن تزلزل كل جدران المحسوسات وعالم الماديات بالنسبة لي، فقد قرأت الحديث الشريف :" الناس نيام, فإذا ماتوا انتبهوا".
فإنه بعد أن شك الغزالي في الحواس والعقل وأثبت قصورهما في الوصول إلى اليقين, امتد هذا الشك إلى الحياة الشعورية بصفة عامة وشكه في الحياة الشعورية هو تأييد لشكه في العقل, وإمكان وجود قوة أخرى تثبت خطأه فمن يدري قد تكون الحياة كلها مجرد وهم وخيال؟
ووجد الغزالي تأييد لرأيه بأحوال المنام, فالإنسان يرى في أحلام النوم أمورا ً ويتخيل أحوالا ً لا يشك في ثبوتها واستقرارها, وعندما يستيقظ يعلم أن ما رآه في الحلم مجرد وهم.
ويرى الغزالي أنه إذا وردت تلك الحالة التي يكون فيها ما نعتقده في اليقظة بالحواس والعقل مجرد وهم وخيالات بالنسبة لها تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل لها. افترض الغزالي أن حياتنا قد تكون حلما طويلا لم نستيقظ منه لنعرف حقيقة الأمور مستندا إلى الحديث :" الناس نيام, فإذا ماتوا انتبهوا".
كانت هذه النتيجة التي تخيلها الغزالي وأيده فيها ديكارت مع بعض الاختلاف بداية لشك كبير بالنسبة لي في عالم المحسوسات وفي الحواس التي من خلالها أتعامل وتكون ردات فعلي.
فلو قلنا إني قد رأيت النجوم في السماء بعيني وصدق عقلي هذه الأحجام للنجوم، فالغريب في الأمر أن هذه النجوم التي أكاد أراها بعيني هي تبلغ في حجمها أضعاف حجم الأرض، ويوعز العلماء ذلك للمسافة التي بيننا وبين هذه النجوم.
ولكن إذا كان الشك وصل بي إلى أن أشك فيما تدركه الحواس الخاصة بنا، فلما لا يكون هناك أشياء بالفعل نراها ونصدقها ولكنها في حقيقة الأمر مختلفة عما نراه ؟ !
فأنا أرى أشياء بعيني فترسلها بدورها إلى العقل حتى يفسر ما هو هذا الشيء. أكان قلماً أو شخصاً، أو بيتاً، أو أي شيء تقع عليه عيني.
وعندما تكون عيني مغمضة أو المكان الذي اتواجد به مظلم استخدم حاسة السمع وحاسة اللمس فإن لم أسمع شيئاً أستخدم حاسة اللمس للتعرف على ما يحيط بي.
ومن هنا كانت الشكوك تحيط بكل ما هو حولي. لا أريد الخوض في شك مطلق غير بناء. فإن هؤلاء الرجال ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا لأنهم كانوا يشكون في الأشياء شكاً منهجياً لتأكيد وتصديق ما حولهم من أشياء.
وكانت هناك نتائج هي ما نراه الآن فيما بيننا واقع مُثبت بالدليل، إذا فهذا هو الشك المنهجي القائم على التأكيد والبناء وليس النفي والهدم.
من هذا المنطلق أود أن أعترف بأني ما اتخدت قراراً في حياتي وندمت عليه ولا أسوأ من قرار دخولي والتواصل بأشخاص من خلال الانترنت.
وأقسم بالله أني ما أنقص من شأن ما تعلمته وعرفته من خلال دخولي وتواصلي بأشخاص في عالم الانترنت ولكن بالفعل فهناك الكثير من النتائج والحقائق أو ليست حقائق بل هي شكوك مطلقة ليست بناءة، جعلتني احتار في أمر كل ما أراه وتقع عليه عيني.
وعندما قلت في البداية اعترافات طفل قصدت اختيار هذه المرحلة لأنها مرحلة راسخة في عقلي ووجداني وهي المرحلة التي انبنى عليها كل معتقداتي وما أنا عليه الآن.
وبالرغم من تأثري بما شاهدته وواقعته من معطيات في الفترات التي لحقت بمرحلة الطفولة إلى أنني أوعز الفضل فيما تعلمته إلى مرحلة طفولتي.
فلم أكن يوماً شخصاً فضولياً مع أنني محباً للاطلاع، ولا أعلم أفي هذا الأمر تناقض أم أنه أمراً عادياً فأنا أرى أن الفضول هو التدخل وإقحام النفس فيما ليس لها فيه من شأن، أما الاطلاع فهو النظرة العامة لكل ما هو حولنا ومحاولة فهم الحقيقة والتأكد مما نسمعه ونعلمه من نظريات وأفكار تدور من حولنا.
ولكن أتعلمون أمراً فأنا في بعض الأحيان أكون كاذباً عندما أقيس ما أفعل وما أتمنى أجد نفسي كاذباً والجميع من حولي كاذبون.
فأنا اخترت اسماً لي في المنتدى هو (غرباء) واقصد منه الغرباء في هذه الدنيا في غربة الإسلام. فالإسلام حقيقةً غريب في هذا العصر الذي نعيشه، وأنا أود أن أكون غريباً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في نهاية الحديث الشريف فطوبى للغرباء.
ولكني لست غريباً بمعنى الكلمة أو كما قصدت، فها أنا أمرح في هذه الدنيا أنسى أو أتناسى ما أود أن أكون عليه.
وليست وحدي في هذا الأمر إذا ما تعمقنا في التفكير لوجدنا أن كل شيء يتغير ويتبدل الجميع يطمحون إلى أن يفعلوا أشياء أو يكونوا على شاكلة معينة ومع ذلك لا يفعلوا ما يوصلهم إلى تحقيق هذا الأمر. وهناك الكثير من لا يفكر في حقيقة الأمر.
هناك من يخدع نفسه وهناك من يخدع الناس، ولكن أتعلمون في كلا الأمرين فنحن نخدع أنفسنا، فعندما تخدع من حولك فأنت في البداية تخدع نفسك، فما أنك فكرت في أمراً ما وحاولت أقناع من حولك به، فأنت بالأحرى مقتنع بشكل أو بآخر بهذا الأمر.
أفكر دوماً لو أني جئت يوم الحساب وكان حسابي وحساب الناس عن الحسنة حسنة وعن السيئة سيئة. ترى إلى ماذا سوف يؤل أمري.
ألاننا نعلم بأننا عندما نهم بحسنة ولم نفعلها كُتبت حسنة، وإن فعلنها كتبت عشرة والله يضاعف لمن يشاء هذا ما يدفعنا للاطمئنان لما تقترفه أيدينا ؟
ألاننا نعلم بأننا عندما نهم بسيئة ولم نفعلها كتبت حسنة، وإن فعلناها كتبت سيئة واحدة هذا ما يدفعنا للاطمئنان إلى ما نفعله من سيئات ونقول سيغفر لنا.
ما الذي أدراك بأنك لن تأتي يوم القيامة وتجد أعمالك هباءاً منثورا ؟ !
ألعلمك بأن الله غفوراً رحيم قد فعلت هذا واطمأننت لما تفعل ؟ أولا تعلم بأن الله الغفور الرحيم وأنه عذابه العذب الأليم ؟
وأنتي يا من لا ترتدي الحجاب الشرعي ما مشكلتك في ارتداءه ؟ قولي لي بالله عليك ؟
ألاعتقادك بأنه ربما يكون غير مفروض على المرأة لهذا السبب لا ترتدي الحجاب الشرعي ؟
وماذا إن جئت يوم القيامة وقد علمتي بأن هذا الحجاب قد كان فرضاً عليك في الدنيا ؟
وإن لم يكن فرضاً ما في الأمر إن أنتِ ارتديتِ الحجاب ؟ ألن يظهر جمالك الفاتن من تحت هذا الحجاب ؟
أتعتقدين بأنه تخلف، ومصدر للازعاج لبعض الناس ؟
منذ صغري وأنا أحب الكتابة والقراءة وبالرغم من أنني لم أكمل تعليمي إلا أنني ما فارقت القراءة ولا الكتابة مطلقاً.
كنت دائماً اسجل ما يحدث معي في كل فترة من فترات حياتي وأعلم جيداً عندما كتبت الفقرة المعينة ما هي الحالة النفسية التي كنت عليها عند كتابتي لهذه الفقرة، ومن هنا كنت أبدأ في تقييم نفسي. هناك أشخاص يأتوا إلى هذه الدنيا ويرحلوا من غير أن يسمع أحد بهم، وهناك أشخاص يأتوا ولو لفترة وجيزة ومع ذلك يستطيعون أن يغيروا مجرى التاريخ. فالأرض لم يكن هذا شكلها قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من مشى على هذه الأرض. ولنا فيه قدوة.
ولكن السؤال لم ترضى أن تعيش في الخفاء، ما الدافع إلى ذلك؟ أخوفاً من إعمال العقل؟ أم انك لم تجد من يحترم عقلك ويحاول تقويم هذا العقل ومساعدته على القراءة الصحيحة والواضحة لكل ما يدور من حولنا ؟
إن الدهشة هي بداية الفلسفة والتفكير وإعمال العقل هي بداية الحياة. فإن لم تُعمل هذا العقل فأعلم بأنك لا تستحق العيش. فقد جئنا إلى هذه الدنيا خلفاء لله في أرضه، ألا تعلم ما مدى ثقل هذه المهمة ؟
لك قال الله في كتابه الكريم " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان إنه كان ظلموماً جهولاً".
ألم تسأل نفسك يوماً ما ذنبك ؟ ومن الذي اختار أن يتحمل هذه الأمانة ألا وهي التكليف، أهو أبينا آدم وحده ؟ أم أن الجميع كانوا مخيرين في هذا الأمر؟
لا لم يكن أبينا آدم وحده من اختيار أمر التكليف، فليس الله بظلام للعبيد حتى يحمل الإنسان ما ابت وأشفقت السماوات والأرض والجبال على حمله. لأن الله أخذ منا ميثاقاً نأتي على ذكره في الآية الكريمة التالي ذكرها:
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [172] أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [173]
أعلم بأنك نسيت وبأني نسيت وبأننا جميعاً نسينا هذا الميثاق ولكن ربي لا يضل ولا ينسى، فما حملنا هذا الأمر إلى بعدما أخد منا ميثاق فقد شهدنا جميعاً بوحدانية الله عز وجل وقبلنا بقبول أمر التكليف.
ولنا في الآية الكريمة القياس على أن الأمر كان تخييراً للأنسان بحمل التكليف، فإن الله عز وجل قد عرض الأمانة (التكليف) على السماوات والأرض والجبال، ولعلم السماوات والأرض والجبال بعظم هذا الأمر أبين أن يحملنه وأشفقن منه، ولكن الإنسان لظلمه لنفسه وجهله اختار حمل الأمانة. وقول الله عز وجل (إنه كان ظلوماً جهولاً )لهو الدليل الجلي الواضح على أن الأمر كان اختياراً من الإنسان، فعندما نقول ولله المثل الأعلى أن أبي عرض على أخوتي العمل معه، فرفضوا وخافوا لعلمهم بأن العمل مع والدهم شاق فإن الأمر يعود عليا أنا بأني كنت من بين من تم العرض عليهم ضمنياً.
من هنا كان لابد لنا من التفكير وليس التفكير فقط إنما الشك. ولابد أن يكون هذا الشك شكاً منهجياً مؤكداً وموصلاً للصواب والقول الراجح وليس شكاً مطلقاً لا ينبني عليه أي حقيقة.
أعلم بأن الأمر ثقيل وبأن أخوض في أمر هو أكبر من عقلي، ولكني ما استطعت أن أكتم هذه الأفكار أكثر من ذلك ربما ارتاح قليلاً عندما اطرحها وأناقشها معك. إن كان هناك من مناقشة.
وفي النهاية شكراً لكم تقبلي فيما بينكم وأرجوا من الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم وأن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يُرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
يوسف صلاح يوسف محمد
موضوع: اعترافات طفل ... التفكير ... أبداية أم نهاية ؟! 
الأربعاء 11 أغسطس 2010 - 0:12
