الفرحة الأولى للصائم
إذا أفطر الصائم فرح بفطره، لأن النفس لا تعرف قيمة النعمة إلا إذا حرمت
منها،ولا تعرف ميزة الصحة إلا إذا عانت من المرض لفترة وإن قصرت، لأن الصحة
تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى ولا يعرفه ويقدره إلا المقعدون.
وأفضل الطعام ما جاء بعد جوع، ، وأحسن الشراب ما ورد بعد ظمأ، فالجوع
والعطش يؤدبان النفس ويهذبانها لذا قالوا: الصوم حرمان مشروع وتأديب
بالجوع، فالأمن يأتي في المرتبة بعد الجوع مع أهميته للإنسان وذلك مصداقا
لقوله تعالى :
" فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنهم من خوف " - قريش 4 .
لذلك لا يعد من الإسلام أن يبيت الرجل شبعان وجاره إلى جواره جائع وهو
يعلم،وهذا يدل على قدر حاجة الإنسان الماسة إلى الطعام والشراب، وفرحه
الشديد بهما،ويزداد هذا الفرح إذا كان الطعام والشراب قد أتيا بعد أداء
طاعة مشروعة، امتنع فيهما الإنسان بإرادته عن شهوات نفسه وبدنه أملا في
مرضاة الله تعالى وحسن مثوبته، إنه ولا شك سيفرح فرحا شديدا رجاء ما عند
الله، وشكرا له على توفيقه إلى الطاعة ونعمة العبادة وكفى بها نعمة.
الفرحة الثانية للصائم
إذا لقى الصائم ربه فرح بصومه فرحا لا حزن بعده، وسعادة لا كرب معها،
وسرورا لا سوء بعده، لأنه فرح كامل، وسعادة تامة، وسرور شامل، لأن ثواب
الله عظيم، وأجره جزيل، وإذا كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف،
فإن ثواب الصائم كثواب الصابر، والصابر سيوفي أجره بغير حساب، والله سبحانه
تكفل بالجزاء على الصيام بقوله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في
الحديث القدسي: " الصيام لي وأنا أجزي به " وعطاء الله غير محدود، وغير
محسوب، فهو عطاء أكرم الأكرمين وفضل أرحم الراحمين، ومنحة رب العالمين، فحق
للصائم أن يفرح فرحا دائما مستمرا، فرحا لا يعتريه أي شائبة من شوائب
الحياة، لأنه سعد بوعد الله الحق، ولذا كانت وبحق فرحة الصائم فرحتان،
فاللهم اجعلنا ممن يفرحون بفطرهم بعد صيامهم في الدنيا، ويفرحون بجزائك
وعطائك يوم لقائك في الآخرة يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم.