عائشة بنت الصديق فقيهة الإسلام
رآها خير الأنام في المنام، ورؤيا الأنبياء حق وصدق، وتزوجها بوحي من ربه عز وجل، ألقى عليها الله رداء الحياء
وهي طفلة صغيرة، وأنعم عليها من جزيل نعمه ومننه بغير حساب وهداها إلى طريق الحق والخير، فكانت افقه الناس.
ولدت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق قبل البعثة بأربع أو خمس سنين في مكة المكرمة، وكانت تكنى ب “أم
عبد الله”، أبوها أبو بكر بن أبي قحافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وخليفته ورفيق دربه ودعوته، وأمها
أم رومان بنت عامر الكنانية، الزوجة الصالحة التقية، ماتت في السنة السادسة للهجرة ودعا لها النبي لورعها وحسن
إسلامها وإيمانها.
عاشت عائشة رضي الله عنها- 65 عاما، منها 9 في بيت أبيها و9 في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم- “في
حياته” و47 عاما من بعدها كانت خلالها صوامة قوامة، تعلم الناس أمر دينهم، وتفسر لهم ما شق عليهم.
ولدت في السنة التاسعة قبل الهجرة وتوفيت سنة 58 ه “613-678م”.
هي أقرب الزوجات إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان يقول: “اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني
فيما لا املك”.
أبوان مؤمنان
نشأت السيدة عائشة بين أبوين كريمين مؤمنين في بيت أنار الإسلام أركانه وأقام أساسه وبنيانه.
هي أفقه نساء العالمين في أمور دينها، كما كانت أديبة لبيبة، تحفظ انساب العرب وأخبارهم وأسفارهم وترددها في كل
مواقف الحياة التي تصادفها.
وعند فراق أبيها أنشدت بيتا من معلقة عبيد بن الأبرص، وهو من فحول شعراء الجاهلية، يقول البيت:
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
كانت مرجعا في أمور الدين، في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والفقه والمواريث.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه- قال: “ما أشكل علينا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا
عائشة إلا وجدنا عندها منه علما”.
عقد عليها النبي صلى الله عليه وسلم- وهي بنت ست أو سبع ودخل بها وهي في التاسعة في السنة الأولى من الهجرة
بالمدينة المنورة.
تزوجها بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها- بثلاث سنوات ومات عنها وهي في سن الثامنة عشرة، ولم ينكح بكرا
سواها.
أنزل الله فيها قرآنا برأها من فوق سبع سماوات، وأثنى عليها، وكشف زيف أعدائها.
روت أكثر من 2210 أحاديث عن أبيها وعن عمر وفاطمة وسعد وغيرهم من الصحابة الكرام، وروى عنها عمر
وابنه عبد الله وأبو هريرة وأبو موسى وزيد وخالد وابن عباس وغيرهم.
ورثت عن أبيها خير الخصال، واكتسبت في بيت النبوة أعظم القيم وأحمد الصفات.
قالت عائشة -رضي الله عنها- تزوجني رسول الله حين أتاه جبريل بصورتي، وإني جارية علي خوف، فلما تزوجني
ألقى الله عليّ حياء وأنا صغيرة.
وعنها -رضي الله عنها- أن جبريل -عليه السلام- جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه
وسلم- وقال له: “هذه زوجك في الدنيا والآخرة”.
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم- خولة بنت حكيم إلى بيت أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- لتخطب له عائشة،
عرضت الأمر على أم رومان فكانت سعادتها تفوق كل الأوصاف لكنها أمهلتها حتى يأتي زوجها فلما أتى وعلم النبأ،
سأل:
أو تصلح له وهي ابنة أخيه؟
فلما بلغ النبي قوله، قال:
“أنا أخوه، وهو أخي، وابنته تصلح لي”.
لأنها أخوة إسلام وإيمان، لا أخوة رحم ونسب.
جاء النبي صلى الله عليه وسلم- وخطب كريمته من بيت أبيها.
كانت عائشة -رضي الله عنها- على حداثة سنها تعرف معنى الزواج وتعرف حقوق الأزواج قالت: “تزوجني رسول
الله صلى الله عليه وسلم- في شوال، وبنى بي في شوال فأي نسائه كانت أحظى مني”.
شعرت الزوجة الشابة بالغيرة من الزوجات الأخريات كغيرها من النساء، وخاصة من حفصة بنت عمر، وأم سلمة هند
بنت أبي أمية، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت جحش.. من هذه
لجمالها ومن تلك لأمومتها، وفي الثالثة لمهارتها في أمر من أمور الحياة، لكنها كانت تغار أكثر من السيدة خديجة بنت
خويلد -رضي الله عنها- لكثرة حديث النبي عنها وثنائه عليها.
لكنها غيرة محمودة ومحدودة، تمر سريعا كسحب الصيف، وتعود صاحبتها إلى صوابها ورشدها وحكمتها وفطنتها.
صبر جميل
عندما اتهمت في شرفها خلال رحلة العودة من غزو بني المصطلق انزوت على نفسها وبكت طويلا وأخذت تشكو بثها
وحزنها إلى الله وتردد قول سيدنا يعقوب عليه السلام: “فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” (يوسف:
واستمرت على هذه الحال حتى برأها الله بآيات من الذكر الحكيم وعاد الاعتبار للزوجة الشريفة وللعائلة الكريمة.
لو كانت رزقت ولدا لشغلها عن أمرها وأداء رسالتها تجاه الدعوة الإسلامية، لكن حكمة الله عز وجل شاءت أن تتفرغ
الزوجة الصديقة لهذه المهمة الكبرى، وان تعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهي فتاة صغيرة تراقب سلوكه
وتتأمل حركاته وسكناته وتروي عنه كل شيء بتفاصيله الدقيقة وتنقله إلى المسلمين والمسلمات جيلا بعد جيل.
وفضل عائشة رضي الله عنها- على الدعوة الإسلامية كبير، وعلى المسلمين دائما مستمر كأنه نهر عذب دائم الجريان
والفيضان، يروي ظمأ العطش إلى العلم والحكمة والهداية والطريق القويم.
توفيت السيدة عائشة -أم المؤمنين رضي الله عنها- ليلة الثلاثاء الموافق السابع عشر من شهر رمضان، ودفنت مع
زوجها خير الأنام وصحبه الكرام بالبقيع.
دفنت ليلا بعد صلاة العشاء، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، أما ذكراها الطيبة فلا تزال في قلب وعقل
كل مسلم ومسلمة، أما علمها فلا يزال يضيء لنا معالم الطريق.
منقول من جريدة الخليج