اصبر مثلهم وكن معهم
إليك
يا من ترجو الله واليوم الآخر
يا
من تريد أن تتحلى بفضيلة الصبر
ليكن
لك في حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة،
قال
تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}
[سورة
الأحزاب].
فقد
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الصبر،
وإن
القلم ليقف عاجزا عند وصف صبره عليه الصلاة والسلام،
فمهما
قيل عن صبره، فلن يوفيه حقه.
لكن
حسبنا بعض الإشارات:
فعَنْ
عُرْوَة رضي الله عنه، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ: لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ
أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ ، قَالَ : " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ
قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ
إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ
يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ ، وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي
فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي
فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا فِيهَا
جِبْرِيلُ فَنَادَانِي ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ
وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ
بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ
: يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ : ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ
عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ
اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا "
رواه
البخاري.
وهذا
مثال بسيط بسيط عن صبره في الدعوة إلى الله،
بأبي
أنت وأمي يا رسول الله عليك سلام الله ورحمته وبركاته.
كما
صبر الحبيب على طاعة الله عز وجل
وصبر
على أذى الناس،
وصبر
على فقد الأب والأم والزوجة والعم والولد،
وصبر
على مختلف أنواع البلاء،
وصبر
حين البأس والشدة
وصبرعلى
ترك الأهل والوطن...
صبـر
النبي على السبيل فليتنا *** نمضي معا بمحبة وإخــــاء
سلك
الصعاب بحكمة ورويـة *** نصح العصاة بهمة ووفــــاء
أخــذ
الكتـاب بقـوة وعزيمـة *** ما دان للطاغوت رغم بـــلاء
عبـد
الإله بطهـر قلب مخلـص*** وسريـرة رقراقـــة بيضــــاء
يا
سعد من تبع الهدى متفانيـا *** حمل المشاعل رغم طول عنـاء
وعلم
أهله وأصحابه الصبر:
قال
تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) }
[سورة
الكهف].
وإننا
إذا تأملنا هذه الآية الكريمة، وجدناها تصف لنا بعض صفات الرعيل الأول من الصحابة
الكرام رضي الله عنهم والتي من أهمها:
1- الصبر في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ): فقد جاء في تفسير
السعدي رحمه الله قوله : يأمر تعالى نبيه محمدًا
ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع
المؤمنين العباد المنيبين { الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } أي: أول النهار وآخره
يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار،
ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد،
ما لا يحصى.
والصبر
صفة من أربع صفات للفئة الناجية من الخسران.
قال
تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
[سورة العصر].
فحكم
المولى عز وجل على جميع الناس بالخسران إلا من أتى بهذه الأمور الأربعة:
- الإيمان بالله.
- العمل
الصالح.
- التواصي بالحق.
- التواصي
بالصبر.
فيكون
قد جمع بين حق الله، وحق العباد، والتواصي بالصبر.
ولا
يتأتى كل ذلك إلا بالصبر على جهاد النفس، وجهاد الغير، والصبر على الأذى والمشقة،
والصبر على تبجح الباطل، والصبر على طول الطريق وبطء المراحل، وانطماس المعالم
وبعد النهاية.
2- كثرة الدعاء والإلحاح
على الله: وهذا يظهر في قوله تعالى:(يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) فالدعاء باب عظيم، فإذا
فتح لك تتابعت عليك الخيرات، وانهالت عليك البركات، فلا بد لك يا من تريد حمل
الرسالة وأداء الأمانة، أن تحسن صلتك بالله، وتكثر الدعاء، لأن ذلك من أعظم وأقوى
عوامل النصر.
3- الإخلاص: ويظهر في قوله تعالى:( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )،
إن
الإخلاص ركن من أركان قبول العمل, ومعلوم أن العمل عند الله لا يقبل إلا بالإخلاص
وتصحيح النية وبموافقة السنة والشرع.
4- الثبات: ويظهر في قوله تعالى:( وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
وهذا
الثبات المذكور فرع عن ثبات أعم، ينبغي أن يتسم به المؤمن،
قال
تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) }
[سورة الأحزاب].
وفي
الآية الكريمة - كما يذكر الدكتور علي محمد الصلابي- ثلاث صفات: إيمان، ورجولة، وصدق.
وهذه العناصر مهمة للثبات على المنهج الحق؛ لأن الإيمان يبعث على التمسك بالقيم
الرفيعة والتشبث بها، ويبعث على التضحية بالنفس ليبقى المبدأ الرفيع، والرجولة
محركة للنفس نحو هذا الهدف غير مهتمة بالصغائر، وإنما دائما دافعة نحو الهدف
الأسمى، والمبدأ الرفيع، والصدق يحول دون التحول أو التغيير أو التبديل، ومن ثم
يورث هذا كله الثبات الذي لا يتلون معه الإنسان مهما ادلهمت الظروف وتوالت
الابتلاءات.