ابن البطة السوداء فى تفجير الإسكندرية
الشاب سيد بلال أيضا أحد ضحايا التفجير الإرهابى بكنيسة القديسين
بالإسكندرية، لكنه سقط سهوا ولم يكن له نصيب من الدموع التى تسح على خد
«الوطن» الحقيقية منها والصناعية، ولم يصبه الحظ فى شمعة واحدة من تلك
التى توقدها «القوى الوطنية» وبوتيكات الاستنارة والمواطنة على الضحايا.
لقد حزنت مصر كلها على ضحايا الانفجار، لكنها تناست واحدا منهم، إنه سيد
بلال، أو ذلك الشاب السلفى كما يطيب للبعض توصيفه، الذى مات أثناء التحقيق
معه ومحاولة استنطاقه بالقوة للحصول على معلومات بشأن جريمة الكنيسة،
وكأن إلصاق كلمة «سلفى» باسمه يكفى مبررا لكى يموت أثناء تعذيبه وفقا
لاتهام أسرته للشرطة.
لم يبك عليه أحد أو يوقد شمعة من أجله.. ولم يطالب أحد بالتحقيق فى وقائع
موته المؤلم، رغم أنه أيضا ذهب ضحية حادث التفجير، صحيح أنه لم يمت بشظية
اخترقت عينه ولا قنبلة مسامير عربدت فى أحشائه، أو إصبع ديناميت مزق قلبه،
لكنه مات بما هو أبشع.
لكن أحدا من الذين اعتبروا الفاعل فى مذبحة الكنيسة «فكأنما قتل الناس
جميعا» لم ينتبهوا له، ولم يتوقفوا ولو بالسؤال عند ملابسات موته المفجع،
رغم أنه أيضا يعد نفسا قتلت بغير نفس.
وكنت أتمنى لو أن الغضب على ضحايا المذبحة امتد ليشمل هذا الشاب المسكين،
على الأقل لكى يشعر الغاضبون بشىء من الاتساق مع الذات، ويثبتوا للكافة أن
غضبهم من أجل الإنسان، بما هو إنسان، بصرف النظر عن دينه ولونه ومكانته
الاجتماعية، غير أن سيد بلال نال لقب «ابن البطة السوداء» فى المذبحة.
المؤكد أن مذبحة الكنيسة نفذت بخسة وبشاعة انخلعت لها القلوب، وارتعشت
الأبدان، لكن المؤكد أيضا أن موت «الشاب السلفى» شىء بشع يستحق التحقيق
وتحديد المتسبب فيه أولا، والحداد الوطنى ثانيا، حتى لا نقع ضحايا
الشيزوفرينيا وازدواجية معايير الغضب والحزن.
فلنتذكر سيد بلال، والثمانية عشر مصريا، من فتيات وشبان، راحوا ضحايا
الإهمال والتهريج فى مذبحة أتوبيس الموت بالمنيا، بالقدر ذاته، والحزن نفسه
الذى تذكرنا بهما ضحايا المذبحة الإجرامية البشعة فى كنيسة القديسين، حيث
كان الإهمال والتهريج حاضرين بقوة بما أتاح للمجرمين تنفيذ المجزرة.
وإذا كنا إنسانيين حقا، ومتحضرين وعادلين فعلا، فلا يجب
ألا نصمت أبدا على التضحية بمواطن قربانا لحزن وغضب مواطنين آخرين.. أليس
كذلك؟
كتبه : وائل قنديل