ولا
أدرى ما الذى جعل القصة تتجسم فى مخيلتى ، ولا أدرى ما الذى جعلنى أزج بنفسى بين
أبطالها ، فأقارن بينى وبين الزوجة الخائنة التى وهبت لها الحياة كل ما حرمتنى
اياه ..... وهبت لها الزوج الوفى الامين ، والابن الذى تلهفت عليه ..... فركلت كل
هذا بقدمها ، وفرت من عشها لا تلوى على شئ.
أترانى
لو كنت مكانها ، أكنت أفعل ما فعلت ؟ وتخليت الرجل أمامى يعدو فى الحديقة ضاحكاً
خلف الصبى ..... وتخيلت أنهما زوجى وأبنى ، فأحسست بنشوة عجيبة ، وقلت لنفسى ان
المرأة الهاربة لا شك بلهاء مخبولة ، كافرة بنعمة الله .
وفى
هذه الليلة بدأت أحس أول تغير يطرأ على الدار ، وخيل الى أنى أسمع وقع أقدام تسير
فى الحجرات ..... وأحسست بخوف شديد ، ولكنى وجدت الحجرات خالية فلم اشك أننى واهمة
.
ومرت
الأيام ، فازداد شعورى بالأصوات والهمسات حتى كانت تمر بى لحظات لا أشك فى خلالها
أن هناك أشخاصاً غيرى يتحركون فى الدار ، ولكنى لا أبصرهم ، وفى ذات ليلة جلست
أقرأ قبل النوم ، وسمعت الأصوات واضحة تمام الوضوح كان أصحابها يجلسون فى الحجرة
المجاورة !
وكان
الصوت صوت طفل ورجل ، وصمعت الطفل يقول : " غنى لى أبوح ..... يا أبوح "
,اجابل
الرجل متسائلا : " ثم تنام ؟ "
أجل
.....
وبدأ
الرجل يغنى " أبوح يا أبوح كلب العرب مدبوح "
وصاح
الطفل فجاة متسائلاً " ومن الذى ذبحه " ؟
وتردد
الرجل برهة قبل أن يجيب فى حيرة : " لقد وجدوه هكذا مذبوحا ..... ولم يعثروا
حتى الآن على القاتل "
ورغم
ما أصابنى من خوف وقتذاك لم استطيع أن أمنع نغسى من الضحك بصوت مرتفع ..... وخيل
الى أن الصوت قد وصل الى الطفل والرجل ..... فقد كفا عن الحديث ...... وتسللت الى
الغرفة المجاورة فلم أجد بها أحد !
ومنذ
ذلك الحين ازداد يقينى بوجود الرجل والطفل ..... وبدأت أحس بهما فى كل مكان من
الدار ..... وأخذت أنصت الى تلك الاحاديث التى تدور بينهما دون أن ارسل صوتا أو
حركة حتى لا يكفا عن الحديث ..... فقد كنت أحس من وجودهما بنشوة عجيبة ، مشوبة بشئ
من الخوف .
وخيل
الى أنى قد بدأت لعبة خطيرة ..... لعبة لم يحاولها أحد سواى ..... قد يكون الطرف
الاخر فيها من صنع الوهم ، ولم أجد ما يمنع من أن أستمر فى اللعبة ، مادمت أحس
منها بمتعة ، ولكنى صممت على ان أحيط نفسى بالكتمان وألا أنبئ أحد بتلك الاشباح
التى احس بحركتها وأسمع صوتها ..... فقد خشيت أن أتهم بالجنون ..... على أنى لم
أكن فى يوم ما أوفر عقلا منى الان .
وبدأت
احاول أن ابصر الرجل وأبنه ..... فما كنت أسمع همسا أو صوتا حتى أتسلل فى اتجاهه
..... ولكنى كنت لا ارى شيئاً ..... ومع ذلك فقد كنت واثقة من وجودهما ..... أجل
..... من المحال أن يكونا غير كائنين.