بنت الفيلسوف - ذهبت بنت الفيلسوف ضحية لأنانية الرجل وفريسة التعصب

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
هذه القصة التى حدثت فى الأسكندرية عام 415 م تؤكد هذة الحقيقة المؤلمة
و ان المشاعر كثير ما تقود الى الهلاك و بطلة هذه القصة هى الفتاة التى
ولدت فى الاسكندرية عام 370 للميلاد ، و ماتت 415 م ...
كانت هذه الفتاة البالغة الجمال بنت الفيلسوف
(يتون).. وكان من الطبيعي وقد عاشت في بيئة تحب الفلسفة، وتنشد المعرفة..
وتتوق الى ان يصبح العقل هو هادي الانسان في حياته، كان من الطبيعي ان
تقلد والدها، وتعتز بالثقافة اليونانية وبفلسفة أفلاطون وأرسطو، وأصبحت
لها شهرتها في شرح فلاسفة اليونان، ما مهد لها الطريق ان سند اليها كرسي
الفلسفة في جامعة الاسكندرية،

وكان هذا العصر عصر صراع بين الفكر المسيحي النامي، وبين الفكر اليوناني
والفلسفة اليونانية.. وكانت الاسكندرية مسرحا لهذا الصراع بين رجال الدين،
وبين الذين لا يرون هناك تناقضا بين العلم والدين وكانت (هيباتيا) ترى
هذا الرأي.. وانه ليس ثمة تعارضا بين الدين والعلم، وانه لا يخشى من
الثقافة على الدين، بل على العكس فان الثقافة توسع المدارك وتهدي الى
اليقين،

وكان في الاسكندرية كاهن متعصب يدعى (سيربل) ويرى ان الفلسفة تفسد الدين،
وكان يحكم الاسكندرية حاكم مستنير يؤمن بالثقافة اليونانية، ومتأثر بها،
فكان من الطبيعي ان يحمي هذا الحاكم (هيباتيا).. ويساندها ويعمل على ان
تنشر أفكارها.. وهذه الأفكار لا تهدد الدين.. لان الدين في القلب والوجدان
ومن الصعب زعزعته، كما ان اراء أفلاطون وأرسطو تنير العقول، ففتح أفاق
عريضة للاعتداد بالعقل في الحياة.. وكان الناس يستمعون الى (هيباتيا) وهي
تعقد الحلقات في الشوارع، حيث تجلس على الأرض، وحولها أتباعها، ويستمعون
لصوتها العذب الجميل وهي تشرح لهم اراء فلاسفة اليونان العظام.. كان هناك
أحد حراس الحاكم واسمه (ابو لونيوس) يهيم بها حبا، وكانت هي تعرف ذلك،
ولكنها أخبرته بان قررت ان تعيش حياتها مع الفكر والفلسفة، وانها لن
تتزوج، وانها تقدر شعوره، وعليه ان يبحث عن أخرى تملأ عليه حياته، ولكن
هذا الشاب كان مفتونا بها، وكان حبه لها يفوق أي تصور، وقرر ان يقترن بها
مهما كانت الصعوبات ومهما كانت أشواك الطريق، وهداه تفكيره ان يؤلب عليها
الجماهير التي تحيط بها عند شاطئ البحر، ويستمعون اليها، وكثير من هؤلاء
من أتباع (سيريل المتعصب) وعندما تثور عليها الناس، ينقذها، ويذهب بها الى
مقر الحاكم، وهناك يقنعها ان مكان المرأة الطبيعي هو البيت والزواج وخدمة
زوجها، وقضاء الوقت في غزل الصوف وعمل البيت، وبذلك يفوز بها، وتصبح
زوجته الأثيرة الى نفسه الذي يقضي معها رحلة العمر كان جمالها المفرط، وهي
متشحة بمئزرها الأبيض، وشعرها الغزير يتهدل على كتفها. وهي تتجه الى صخرة
بجانب الشاطئ، كان (ابدلونيوس) يتسلل مع الناس (المتجهة الى سماعها..
قالت لهم: الله معرفة ونور، وهو جل جلاله اذا كان قد أودع فوره في قلوب
الرسل والانبياء، فذلك ليقبس الانسان النور منهم، ويدرك ان في وسعه بهذا
النور ان يفكر عقله المستقل، ويتصل بنور الله نفسه, فالفلسفة لا تعترض
الدين اذ الدين عاطفة وضمير، والفلسفة بحث في أصل هذه العاطفة وهذا
الضمير.. اعلاء لشأن الانسان، وتمكينا له من فهم سر وجوده، ومعالجة شؤون
دنياه، والجمع بين ضميره الديني وعقله البشري في وحدة داعية ورائعة ترمز
الى الوحدة الكاملة الكبير التي هي الله، وانقسم الناس وهم يستمعون الى
هذه الحكيمة الجميلة وهي تتحدث عن عدم التناقض بين الفلسفة والايمان،
بعضهم يؤيدها ويهتف لها.. والبعض الآخر يعارضها ويهتف ضدها وذهلت الفتاة
وهي ترى حبيبها (أبدلونيوس) يقف بين الجماهير ويهاجمها ويؤلب عليها الناس،
ويطلب منها الكف عن نشر الفلسفة والعلم، حتى يستقر الأمن في المدينة
المنقسمة، وكان معه خمسة من رجال الحرس، لقد صرخ في وجه الفتاة الجميلة
المثقفة هذا كلام الزنادقة والكفرة يا فتاة.. لن نؤخذ به، ولن ندع العقل
البشري الناقص يستكبر على القوة التي خلقته.

الدين والعلم لا يتفقان، نحن لسنا في حاجة الى علم.. في الكتاب المقدس
وحده لكل الحقائق وكل العلم هاج الناس.. قال اتباعها انه يثير المتعصبين
وان الحاكم نفسه نصير للعلم.

قال لهم ان مهمة الحاكم الحفاظ على الأمن، وهيباتيا تنشر الفوضى، وانه
بوصفه رئيس الحرس يجب ان يصون سلامة المدينة وسلامة الحاكم وان يحفظ
الأمن، ويفضي كل مظاهرة وكل اجتماع كان يحرص الناس على (هيباتيا) والفتاة
غير مصدقة لما تسمع وترى.. الرجل الذي يدعي انه يهم بها حبا، يؤلب الناس
عليها، ويتهمها بالالحاد، وبث الفوضى، ويطالبها بان تعود الى البيت، لان
مكان المرأة الحقيقي هو البيت، حيث تغزل الصوف.. ثم يتمادى في بغضه
وكراهيته لها، ويريد ان يثور الناس عليها، فقالت بصوت مرتفع للجماهير: هذا
الرجل يخدعكم.. يريد ان يسومكم ا لجهل والفقر باسم الدين لينعم هو
وأمثاله بالدنيا على حسابكم الدين هو العدل.. الدين هو الحرية.. صرخ أحد
المتعصبين: انها تخرف.. تقول ان علمها هو الدين، واذن فالعلم في زعمها يحل
محل الله.. لا ترحموها.

وذهلت الفتاة الجميلة المثقفة، وهي ترى ان الندوة قد تحولت الى ثورة ضدها،
وان هذه الجماهير المتعصبة، قد أعماها التعصب، وانها انقادت بحكم غريزة
القطيع الى هذا الرجل الذي انقلب حبه لها الى كره، بل انه يريد ان يغري
بها الدهماء لقتلها، انها تسمع هدير الناس والمطالبين بدمها، وحاول البعض
ان يذهب الى قصر الحاكم لانقاذ الفتاة، ولكن الوقت لم يعد في صالحها.. لقد
تغيرت الجماهير، وقررت الثورة عليها والفتك بها.. وهنا أدرك (ابدلونيوس)
ان خطته قد فشلت، وانه لن يستطيع ان يخطف الفتاة الى قصر الحاكم، وانهم
سوف يقتلونها، فحاول هو ومن معه من الحراس الدفاع عنها، ودافعوا عنها
بالفعل دفاعا مستميتا والجماهير ترمها بالحجارة حتى سقطت اعياء، وشاهدت
الرجل والحرس يدافعون عنها باستماتة ففهمت ان الرجل كان يهاجمها ويؤلب
عليها الناس بدافع ان يخطفها ويذهب بها الى الحاكم، وهناك يقنعها بالتفرغ
للحياة الزوجية.. عرفت ذلك وهي تراه يصد عنها وذات يوم وهي تتجه صوب شاطئ
الاسكندرية بقامتها المديدة قذائف الحجارة ويفتديها بنفسه، ولكن كان ذلك
بعد فوات الأوان، فقد أدمتها هذه الحجارة حتى ماتت بين يديه، ومات هو الاخر
وهو يحتضنها ويبكيها بفعل الرمي بالحجارة، وهكذا ذهبت الفتاة العظيمة كما
يقول ابراهيم المصري ضحية انانية الرجل وفريسة التعصب، وشهيدة الحرية
والفكر والضمير