[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
تعرضت للبلطجة قبل كده؟!بالتأكيد ستأتي إجابتك
بـ"نعم"، فلو كانت الإجابة بـ"لا" فأنت شخص غريب حقاً، لا أدري على أي
كوكب تعيش بالضبط، أراك تتعجب من كلامي، وتؤكد أنك لم تتعرض لأي بلطجي في
حياتك، بل لا تعرف أي شخص مقرّب تعرض للبلطجة، دعني إذن أصرّ وأخبرك أنك
تعرضت للبلطجة عشرات المرات دون أن تدري..
فالبلطجة ليست فعلاً
مقصوراً على شكل البلطجي التقليدي الذي يخرج عليك ليلاً حاملاً مطواة
يهددك بها، فهذا مجرد أحد أشكال البلطجة التي انتشرت في حياتنا هذه الأيام.
ورغم
أن كلمة بلطجي هي جمع لكلمتين تركيتين هما (بلطة) و(جي) أي حامل البلطة،
إلا أن المعنى الفعلي للبلطجة كما عرفه أ. "محمد خليل" في شرحه للمفاهيم
المختلفة والمصطلحات أنه "فرض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين،
وإرهابهم والتنكيل بهم"..
وتبعاً لهذا التعريف تعالَ نعدد عشرات المواقف التي مورست عليك البلطجة بها، أو رأيتها تمارَس أمامك على أقل تقدير..
بلطجة جسدية شبه تقليدية
مترو الميرغني يتهادى في طريقه اليومي إلى رمسيس..
يختلف
راكبو المترو عامة في نوع القاطرة التي تسحب عربات المترو إذا كانت جملاً
يتهادى هو الآخر في مشيته فيجعل المترو يسير بهذا الشكل، أم مجرد سلحفاء
تجعل المترو يسير بهذا البطء، المهم أن الركاب يضيقون كثيراً بكل هذا
البطء وهذا الزحام، وفجأة يحدث ما يغيّر ركود الجو من حولهم..
مجموعة
من الشباب يتراوح عددهم بين الخمسة عشر وعشرين شاباً وتتراوح أعمارهم بين
الأربعة عشر والعشرين، يقفون فوق رصيف إحدى المحطات يهللون ويرفعون
أصواتهم في مزاح حادّ بعضه بذيء، ويتطاولون باللسان والسخرية على كل من
يقف أو يمر على المحطة، وما إن وصل المترو حتى صعدوا جميعاً إلى العربة،
وتكرر ما كان يحدث على المحطة بصورة أكبر داخل عربة المترو، وأخذ الشباب
في الطرْق فوق جدران العربة ليواكبوا غناءهم الجماعي المزعج، اقترب منهم
الكمساري ليقطع لهم التذاكر، فرفضوا الدفع وسخروا منه، حاول الرجل أن
يعترض أو يطلب منهم الهبوط فهددوه بالضرب..
ما كان من الرجل سوى
إطلاق صافرته ليوقف المترو بأكمله، ونزل السائق ليلحق بالكمساري داعين
الشباب بأن يدفعوا ثمن تذاكرهم أو يهبطوا منه، وإلا لن يتحرك المترو،
فلكزه أحد الشباب غير مراعٍ لفارق السن الذي لن يقل عن عشرين عاماً على
الأقل ساخراً منه وهو يقول بكل جرأة:
- "ما يفرقش معانا، ما تتحركش مش هندفع، بلطجة كده، ماحدش فينا دافع".
لقد
سمى الشاب ما يفعله بمصطلحه الطبيعي (بلطجة)، وفي النهاية اضطر السائق
والكمساري المسكينان تحت ضغط الركاب الذين ملّوا التأخير أن يتحركوا
مهزومين، ويتركوا الشباب لله يحاسبهم كيفما يشاء.
القلم قد يكون بلطجياً أيضاً
هناك
صور أخرى للبلطجة المستترة، والتي قد تقع عليك كل يوم دون أن تدري أنك
ضحية، منذ يومين كنت أتصفح إحدى الجرائد الشهيرة، ووقعت عيني على أحد
المقالات الرياضية، الحقيقة التي أعترف بها أنني بعيدة عن الرياضة بُعد
الشمس عن الأرض، ولا أنتمي لأي فريق أو حتى أشجع من بعيد، ولكن اسم
المقالة جذبني، فقررت أن أقرأ، ودخلت المقال ويا ليتني ما دخلت، لقد مورست
عليّ أشنع أنواع البلطجة الفكرية، حيث يصر الكاتب بكل شكل على (زملكة)
الحياة أو (أهلوتها) -لو كان لي أن أقول ذلك- فيُقسم كل شيء في الدنيا
تبعاً لكونه زملكاويا أو أهلاويا..
من كان حَسناً فهو زمالك، ومن
كان سيئاً فهو أهلي.. لدرجة اعتراض الكاتب على تسمية محمود المليجي (بشرير
الشاشة)، وتسمية فريد شوقي (بوحش الشاشة)، بدعوى أن هذا أحد مظاهر
الاضطهاد؛ لأن الأول زملكاوي لذا اضطُهد وسمي بالشرير، والثاني أهلاوي لذا
تم تبجيله ومحاباته وسُمي (وحش)..
قِس على ذلك عدة أمثلة ذكرت في
المقالة مع استخدام لغة تشعر بها أن الكاتب قد دخل مشاجرة حادة، وليس
مقالة رأي في جريدة شهيرة، مضيت أتنقل من سطر لآخر وعيناي تتسع دهشة،
وعندما أنهيت المقال أسرعت إلى شبكة الإنترنت بحثاً عن هوية قادة إسرائيل
الكروية، فبالتأكيد تبعاً لرأي الكاتب هم أهلاوية مخضرمين.. لا شك لديَّ
في ذلك!
عشرات من هذا النوع من بلطجة القلم تقع علينا يومياً عبر
الإعلام المقروء أو المرئي لا فرق، فهناك الكثير من الكُتاب يعتقدون أنهم
في مشاجرة حادة مع القارئ إما أن يقتنع بوجهة نظره أو يهبط فوق رأسه
بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبعض الكتاب الآخرين يعتبرون أن المساحة
التي يكتب بها يجب أن تكون منبراً للسخرية من خصومه، وتخليص حساباته، وعلى
القارئ أن يختار إما أن "يبلطج" عليه الكاتب بفرض رأيه بالقوة، أو "يبلطج"
عليه الكاتب بأن يفرض عليه مشاكله الشخصية بالقوة أيضاً، أما لو وجدت
مقالة لا تقع في هذا أو ذاك فأنت حسن الحظ، وقد عثرت على القلة التي لا
تمارس البلطجة، فهنيئاً لك.
الحكومة لما تبلطج
طبعاً
لا يمكننا أن نتكلم عن البلطجة دون ذكر بلطجات بعض أفراد الحكومة الدائمة
على المواطن الغلبان، والحقيقة أن كم القوانين والمخالفات والأزمات التي
تدخل بها الحكومة كطرف يقوم بالبلطجة على الشعب جعل الاختيار صعباً، ولكن
لا بأس بأخذ أقرب مثال للأذهان حالياً، الحد الأدنى للأجور.
صدر
حكم قضائي مؤخراً يُلزم الحكومة بتحديد حد أدنى للأجور، حدث هذا بالطبع
بعد عشرات المظاهرات والاعتصامات التي حدثت في الفترة الأخيرة تشكو من
تدني الأجور حيث اكتشفوا أن هناك من يعيش بأقل من 100 جنيه في الشهر، ومع
ذلك كعادة بعض رجال حكومتنا الرشيدة، ما زالت الحكومة تماطل في تنفيذ
القرار، مرة بحجة الميزانية، ومرة بحجة أن رجال الأعمال لن يقبلوا إلا
بارتفاع محدد في الأجور..
أما البلطجة الحقيقية، ففي الإعلان
الأخير عن أن العاملين بعقود مؤقتة في الحكومة ليسوا عاملين بالحكومة -لا
تتعجب من الجملة فهذا معنى ما تم التصريح به بالفعل- وعلى ذلك فهؤلاء
-أصحاب العقود المؤقتة الذين يشكّلون النسبة الأكبر في موظفي الحكومة
الآن- لا ينطبق عليهم قرار تحديد الحد الأدنى للأجور، المفارقة الحقة أن
هذا سيعني أن كافة المتظاهرين والمعتصمين لن يستفيدوا شيئا مما فعلوا..
وكالعادة لن يتغير شيء، هو كده.. "بلطجة".
لم تنتهِ مظاهر البلطجة
المختلفة ولن تنتهي، فمن أي موظف في أي مصلحة حكومية يُسيّر مصالح الناس
كيفما شاء، إلى أي تاجر يرفع الأسعار حسب هواه الشخصي، إلى السائقين في
الشوارع، وكل منهم يسير تبعاً لقانون مرور خاص به، وحتى صاحب المحل أو
المقهى الذي يُخرج بضاعته ليحتل الرصيف جاعلاً الأطفال والعجائز يسيرون في
وسط الطريق، بل إن جارك الذي يضع صندوق قمامته في منتصف السُلم ليحتله
ويمنعك من الصعود والهبوط بشكل صحيح قد مارس عليك نوعاً من البلطجة.
ببساطة
أنت -عزيزي القارئ- تعيش كضحية في عالم تتم البلطجة عليك مع كل نفس تتنفسه
تقريباً.. المشكلة الحقيقية أنك في كثير من الأحيان لا تكون ضحية فقط، بل
تكون البلطجي أيضاً.