عــلاقة الحلم بحياة اليقظـــة

عــلاقة الحلم بحياة اليقظـــة
أخذ المقال من كتاب تفسير الأحلام لسيغموند فرويد ص.57-61

يقول الحكم الساذج للمرء في أول استيقاظه: إن الحلم-وإنيكن لا يصدر عن عالم آخر- قد حمله مع ذلك إلى عالم غير الذي يعهده. وعنهذا المعتقد يعرب الفيزيولوجي القديم بورداخ الذي ندين له بوصف دقيق نافذلظواهر الأحلام في فقرة يكثر الإستشهاد بها ( 1838 ،499):"...إن حياةالنهار بأعمالها ولذاتها بسرائها وضرائها، لا تتكرر في الحلم على الإطلاق،بل الأصدق أن الحلم إنما يهدف إلى تخليصنا من كل أولئك . فقد يملك نفوسناموضوع ما أو يمزقنا ألم عميق أو تستغرق مشكلة مكل طاقاتنا العقلية، ثميأتينا الحلم بشيء مختلف النوع كل الاختلاف أو لا يلقط من الواقع سوىعناصر متفرقة يدخلها في تراكيبه أو يذهب إلى مجرد التلون بلون مزاجاوالإعراب عن الواقع إعرابا رمزيا”. وبهذا المعنى يتحدث ي.ه.فيخته ( 1864،1، 541 ) عن أحلام مكملة ويصفها قائلا : إنها أإحدى المكرمات الخفية فيطبيعة الروح المنطوية في نفسها على دوائها. ويعرب ل. شتروميل عن معنىمماثل في بحث له عن في طبيعة الأحلام ومنشئها ، اجتمعت الآراء بحق عنتقديره تقديرا رفيعا، فيقول : “من حلم ارتحل عن عالم الشعور المستيقظ”.ويقول كذلك: “الأحلام تمسي ذكرانا عن المحتويات المنظمة للشعور المستيقظوعن مسلكه السوي كأنما لم يعد لها وجود”.وأيضا:” إن النفس –وقد كادت تفقدكل ذاكرة – تنفصل في الحلم عن المحتوى المألوف لحياة اليقظة ومشاغلها...”
بيد أن الغالبية الغالبة من الكتاب قد نظروا إلى علاقة الحلم بحياة اليقظةنظرة مخالفة. مثال ذلك هافنر إذ يقول :” وأول شيء هو أن الحلم يتبع حياةاليقظة ؛ فأحلامنا تتصلا دائما بالأفكار التي كانت تشغل الشعور قبيلوقوعها. وتكاد الملاحظة المدققة أن تكتشف باطراد خيطا يصل الحلم بخبراتاليوم السابق” . ويناقض فيجانت قضية بورداخ التي أوردتها من قبل علىالتخصيص : “لأننا نلحظ في أحيان كثيرة ، في القسط الأعظم من الأحلام حسبالظاهر، أن الحلم يعود بنا إلى مألوف الحياة بدل أن يخلصنا منه”.
ويصوغ موري هذا الموقف في عبارة محوكة فيقول :”إننا نحلم بما رأيناه أوقلناه أو رغبنا فيه أو صنعناه”. بينما يفض يسن في كتابه الذي ظهر في علمالنفس سنة (1855)بعض الإفاضة فيقول (ص. 530) : “إن محتوى الحلم تحددهدائما –تحديدا يزيد أو ينقص- شخصية الحالم الفردية وسنه ونوعه وطبقتهومستوى تعلمه وأسلوبه المألوف في الحياة وما اشتملته حياته السابقة جميعهامن التجارب والأحداث”.
وأقطع رأي في هذه المسألة هو رأي الفيلسوف ي. ج. إ. ماس( 1805) إذ يقول :”وتؤيد الخبرة الخبرة ما نذهب إليه من أننا نحلم في معظم الأحيان بالأمورالتي تتجه إليها أشد انفعالاتنا. ومن هذا نرى أن انفعالاتنا لا بد أن يكونلها تأثيرها في إحداث أحلامنا؛ فيحلم الطموح بأكاليل الغاز التي نالها أوتخيل أنه نالها . أو بتلك التي لا يزال عليه أن ينالها ، بينما يحلمالعاشق بمعقد أعذب آماله..
وكل الرغبات الحسية وحركات النفور الغافية في القلوب مستطيعة-إذا حركهامحرك- أن تثير حلما ينبعث من الأفكار المرتبطة بها أو أن تجعل هذه الأفكارتتدخل في حلم دائر بالفعل”.- نقلا عن فينترشتاين1912.
ولم يكن القدماء على غير هذا الرأي فيما يتصل بتوقف محتوى الحلم علىالحياة المستيقظة .فيحدثنا رادشتوك كيف كان أجرزكسس يتأرجح قبل حماه علىأرض الإغريق بين نصيحة عاقلة بالإقلاع عما اعتزم وحلم ملح يحضه عليه .وبينما هو على هذه الحال أدلى إليه مفسر متعقل من قدامى مفسري الأحلام بينالفرس-وهو أرتابانوس-بقول سديد : “إن صور الحلم لا تضم في معظم الأحايينسوى ما يفكر فيه المرء من قبل وهو مستيقظ...”
وفي قصيدة لوكيس التعليمية “في الطبيعة” ترد الفقرة الآتية )الكتاب الرابع، البيت 962 وما بعده(:
“وأيا كان المسعى الذي يندب له المرء نفسه ويثابر عليه، وأيا كانت الأمورالتي طال اشتغالنا بها في زمن الماضي، فهذه-وقد صارت النفس أشد حرصا علىلحاقها- هي أيضا ما نخال في الحلم لقاءه: من له قضية يذود عنها ويوازن بينالشرائع، والقائد يقاتل ويخوض غمار المواقع... »
ويقول شيشرون” )في العرافة”، الكتاب الثاني ]فقرة ([67 في معنى شبيه كلالشبه بالذي قاله موري بعده بهذه القرون الطوال: وعندئذ تتخلج في النفس وتضطرب بنوع خاص بقايا تلك الأشياء التي فكرنا فيها أو صنعناها ونحن أيقاظ”.
إن التناقض بين هاتين النظريتين في علاقة الحلم بحياة اليقظة يبدو بالفعلشيئا لا حل له. ومن ثم كان هنا مقام التذكير بكتاب هيلد برانت )1875( الذييعتقد أنه لا سبيل على الإطلاق إلى الوصف خصائص الحلم إلا” بطائفة منالقضايا المتقابلة، يبدو التقابل بينهما حادا حتى التناقض” )ص.8.( وأولتقابل يقوم في كمال انقطاع الحلم أو انعزاله عن الحياة الواقعة من جهة،واشتباك كل بالآخر اشتباكا مستمرا وتوقفه عليه من جهة أخرى. فالحلم شيءمفصوم من الواقع الذي نعيشه في حياة اليقظة فصما تاما، حتى ليحق القول:إنه شيء موجود في ذاته وجودا أحكم أطباقه، ضربت بينه وبين الحياة الواقعةهوة لا تعبر. إنه يحررنا من الواقع ويطفئ ذكرانا السوية عنه وينزلنا فيعالم آخر وحياة مختلفة القصة كل الإختلاف، لا شأن لها في جوهرها بقصةالحقيقة...’’ويمضي هيلد برانت فيبين كيف أننا إذا حل النوم اختفى كيانناكله اختفاءه في مصيدة لا يرى لها باب. حينئذ قد يركب الحالم البحر إلىسانت هيلانه ليقدم لنابليون الأسير هناك نخبة من أنبذة الموزل، ويلقاهالإمبراطور السابق بأعظم الترحيب حتى أن المرأ يكاد يأسف حين يستيقظ فإذاهذا الوهم الممتع يتبدد. ولكن دعنا نقارن بين الحلم والحقيقة: إن الحالملم يكن في حياته تاجرأنبذة ولا رغب في ذلك قط، وهو لم يركب البحر ولو مرة،ولو فعل لكانت سانت هيلانة آخر مكان يختار الذهاب إليه، ثم هو لا يكنلنابليون حبا بل بغضا وطنيا عارما، وفوق هذا كله لم يكن الحالم رأى النورحين مات نابليون في جزيرته؛ فكل رابطة شخصية به ضرب من المحال. وهكذا يبدوالحلم جسدا غريبا دس بين شطرين للحياة متوائمين متداولين على أكمل وجه.
ويمضي هيلد برانت قائلا:”ومع هذا فما يبدوا أنه الضد صادق كذلك و صحيح؛لأن أوثق الوشائج –مهما يكن من شيء- تسير فيما أعتقد جنبا إلى جنب مع هذاالانفصال وهذا الانعزال. بل إن لنا أن نذهب حتى القول بأن الحلم –أيا كانما يعرض فيه-يستمد مادته من الواقع ومن الحياة الذهنية التي تدوم حول هذاالواقع ومن الحياة الذهنية التي تدور حول هذا الواقع...ومهما أغرب الحلمفهو في الحقيقة لا يستطيع على الإطلاق التخلص من العالم الواقعي، وهودائما في أسمى تراكيبه كما في أجلبها للضحك يستعير مادته الأساسية مما عرضلأعيننا في عالم الحواس أو الخطر بين أفكارنا ونحن أيقاظ، أي-بعبارة أخرى–مما سبق لنا به خبرة خارجية كانت أو باطنية « .

شكرا على البحث القيم

شكرا لك

فى انتظار المزيد

تقبل تحياتى

» الفيلم الوثائقى الخاص بحياة معمر القدافي و طرائفها
» مثل الحلم
» الحلم والأمل
» بين الحلم والواقع
» جاتلى مصر فى الحلم