الجمعة 28 يناير/ كانون الثاني كان اليوم الذي تلاشت فيه قبضة حسني مبارك على البلاد. في ذلك اليوم كان الصياح والصراخ ينبعث من أجهزة الاتصالات الأمنية في السيارات ومراكز الاتصال. أصوات تصيح تطالب بالمدد والذخيرة لمواجهة المتظاهرين، ولكن لم يصل شئ أبدا.
صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية تساءلت: ماذا لو وصل المدد في ذلك اليوم واستطاعت الشرطة السيطرة على عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين بدوا وكأنهم مد بحري هائل هبّ بدون سابق إنذار؟
تقول الصحيفة: كانت الأمور ستبدو مختلفة عن اليوم لو أن صفوف قوات الشرطة تماسكت في ذلك اليوم الذي أصبح ضباط الشرطة يسمونه "الجمعة السوداء".
لو حدث ذلك لكان المصريون اليوم ما يزالون يخشون صوت ضربة الحذاء العسكري على الأرض، ويلوذون بوجوههم عن أشعة الشمس المرتدة من دروع شرطة مكافحة الشغب.
لكن ذلك لم يحدث -تقول الصحيفة- لقد كان مشهدا مهيبا أسفر عن وضع مبارك في زاوية حرجة؛ مظاهرات يومية تطالب بتنحيه وضغوط داخلية ودولية تطالبه بالتخلي عن منصبه.
شهادة ضابط
يقول أيمن، وهو ضابط شرطة طلب ألا ينشر اسمه الكامل "أفراد الشرطة في الميدان أخذتهم الصعقة، والوضع تطور بسرعة إلى فوضى شاملة. وزارة الداخلية لم يكن لديها خطة بديلة. لم يخطر لهم ببال أن الأمور ستخرج عن السيطرة. إلا أن الكره (بين المتظاهرين) كان حقيقيا. صدرت الأوامر إلى أفراد الشرطة بالانسحاب إلى أي مكان آمن. وتركوا بعد ذلك لمصيرهم".
لكن سحر الموجي، المتظاهرة في ميدان التحرير لا ترى في يوم 28 يناير/ كانون الثاني على أنه يوم انتكاسة، كما يراها أيمن وأجهزة الأمن.
" عادت الحياة لتدب في عروق المصريين. لقد كنا أمواتا ثلاثة عقود. لقد عرفنا ثقتنا في أنفسنا ثانية، وقدرتنا على التغيير. على مدى السبعة أيام الماضية، تعلمنا كيف نقول لا للظلم سحر الموجي
|
تقول سحر عن ذلك اليوم "عادت الحياة لتدب في عروق المصريين. لقد كنا أمواتا ثلاثة عقود. لقد عرفنا ثقتنا في أنفسنا ثانية، وقدرتنا على التغيير. على مدى السبعة أيام الماضية، تعلمنا كيف نقول لا للظلم".
كانت البداية في 25 يناير/ كانون الثاني. وفي صباح تلك الجمعة 28 من الشهر نفسه قامت السلطات بقطع خدمة الإنترنت وخدمة الهاتف النقال، لكن الخطوة أتت متأخرة جدا. كانت الحشود قد حسمت أمرها قبل ذلك عبر التواصل بالإنترنت والهاتف النقال وتناقل الأخبار.
صلاة الجمعة كانت الموعد. وهبّت الجموع بعدها.
كبش الفداء
رامي، ضابط شرطة طلب هو الآخر عدم الإفصاح عن اسمه "وزارة الداخلية علمت بالأمر لأيام قبل ذلك. كان هناك معلومات استخبارية بذلك. أحداث تونس كانت ما تزال في الأذهان. لكن القيادة السياسية لم تعرها بالا، وظنت أنها ستكون مجرد مظاهرة بسيطة عابرة كما كان الحال دوما. لكن الشرطة كانت كبش الفداء".
مراكز الشرطة هوجمت بشكل منظم ومتكرر. الملفات والحواسيب سرقت أو دمرت. السجلات الجنائية لكثير من السجناء السياسيين بضمنهم الإخوان المسلمون أتلفت. أسلحة الشرطة سرقت وترك أفرادها يواجهون آلاف الغاضبين والملثمين بلا غطاء ناري.
يقول رامي وأيمن إن الفاعلين قد يكونون أيا من أعداء الشرطة الكثر مثل الإخوان وجماعات المعارضة أو حتى أعضاء من الحزب الحاكم.
لكن الصحيفة تقول إن من هزم الشرطة في ذلك اليوم هو الغضب الكامن تحت الرماد ثلاثة عقود.
نظرة احتقار
كان المصريون ينظرون إلى الشرطة باحتقار نظرا لفسادها وتورطها في تعذيب المواطنين، ورمي الناس بالباطل وترهيبهم.
كان نظام مبارك القمعي قائما على جيش من المخبرين السريين والعملاء الذين يجوبون الشوارع بحثا عن من يقبضون عليه، وكل أولئك ينحدرون من خلفية فقيرة ومناطق لا يتعدى فيها دخل المرء أربعين دولارا في الشهر.
سلسلة أخطاء النظام لم تقف عند عدم وجود خطة بديلة، والاستهانة بعزيمة المتظاهرين، بل ارتكبت خطيئة أخرى عندما أطلقت العملاء المأجورين للاعتداء على المتظاهرين في ساحة التحرير.
صور أولئك المأجورين وهم يعتدون على المتظاهرين هزت الشرق الأوسط، وإذا كان إسقاط الرئيس التونسي هو الذي ألهم المصريين ليقوموا قومة رجل واحد، فإنهم اليوم يلهمون من في الأردن واليمن وغيرها من البلدان ليقوموا هم أيضا قومة رجل واحد ويسقطوا من كانوا يعتبرون حتى وقت قريب زعماء محصنين